| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الأثنين 9/2/ 2009



كيف نقرأ نتائج انتخابات مجالس المحافظات
في غرب وجنوب العراق ؟
(2)

كاظم حبيب

نتائج المجلس الإسلامي الأعلى وأهميتها في المرحلة الراهنة
لا أعتقد أن الناس في العراق قد نسوا بسرعة "الخطبة العصماء" للسيد عبد العزيز الحيكم وهو يهنئ الشعب العراقي بانتصار قائمة المجلس الأعلى "الساحق" لبقية القوائم العراقية , فهل يا ترى قد حصد الآن وفي هذه الانتخابات اندحاراً ماحقاً ؟ في حينها استفسرت منه بمقالة نشرتها بعد هذا التصريح : من سحقت أيها السيد , هل سحقت العراقي الآخر الذي لم يصوت لكم وصوت لغيركم ؟ لم يستطع السيد أن يجد كلمة أفضل منها غير السحق لمواجهة عبيد الله , وهو ما حصل فعلاً من جانب بعض قوى الإسلام السياسي في الفترة السابقة حيث عاثت المليشيات الإسلامية السياسية في العراق فساداً وسحقت إرادة الشعب. ويأمل الإنسان في العراق أن يأتي الوقت الذي ينتهي معه وجود ودور مثل هذه المليشيات كلية وتلك الأحزاب ايضاً , سواء أكانت ترتدي ملابس المليشيات شبه العسكرية , أم الملابس المدنية بعقلية وسلوكية ودور مليشياوي التي عاشها الشعب العراقي بكل مرارات تلك الفترة التي لم تنته تماماً حتى الآن. فالموت لا يزال يلاحق العشرات من الناس كل أسبوع بعد أن كان كل يوم!
كلنا يعرف المثل العربي القائل "من يزرع الريح يحصد العاصفة" , أو "ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع"! لقد زرع السيد عبد العزيز الحكيم وابنه وحزبه على مدى ست سنوات , وقبل ذاك في فترة المعارضة السياسية وقبل سقوط النظام , الأجواء والممارسات الطائفية السياسية المقيتة , ثم بشر بجمهورية شيعية إقليمية في جنوب العراق ورفض أي حديث عقلاني بشأن هذا الموضوع. لقد ركب هذا الحزب رأسه , وحين وجهت للسيد عبد العزيز الحكيم , باعتباره رئيساً أعلى للحزب , رسالة مفتوحة حول خطأ وخطر إقامة فيدرالية الجنوب في العراق على وحدة العرب في العراق من منطلق ديني وطائفي , لم يكلف نفسه الجواب على رسالتي , بل طلب من الصديق الفاضل ووزير نهج المصالحة الوطنية السيد الدكتور أكرم الحكيم الإجابة على رسالتي ومناقشتي بشأن فكرة وموضوع الرسالة , وأنا شاكراً له , رغم اختلافي معه.
لدي القناعة بأن الجواب على الموقف من فيدرالية الجنوب جاء الآن من الناس في الوسط والجنوب أنفسهم وهو رد قاطع على جهود النائب وائل عبد اللطيف , دع عنك الموقف المعروف والسليم من أهلنا في غرب بغداد وفي محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى , إضافة إلى الموصل.
مشكلة المجلس الإسلامي الأعلى , الذي سيتلقى المزيد من الخسائر لاحقاً , تكمن في أربعة نقاط جوهرية:

1 . المذهبية المتشددة والطائفية السياسية المقيتة التي تبلورت في سياسات وتصرفات قادة المجلس الإسلامي الأعلى وجمهرة من كوادره السياسية والتي انعكست في الموقف من الدعوة إلى وممارسة ما هو مرفوض دينياً مثل تلك الشعائر اللادينية التي تمارس في كرلاء والنجف في ايام عشرة عاشوراء والأربعينية وما إلى ذلك والتي رفضها أبرز شيوخ الدين الشيعة. بل أن المجلس الأعلى دعا أتباعه في الخارج إلى ممارستها وفي شوارع لندن وواشنطن أو في غرها من العواصم الغربية أيضاً , مما أساء للدين الإسلامي وللمذهب الشيعي بالذات. فهذه الشعائر والطقوس غير الدينية تجسد القسوة السادية بعينها. كتب الراحل آية الله العظمى السيد محسن الحكيم بهذا الصدد ما يلي: "إن هذه الممارسات (التطبير) ليست فقط مجرد ممارسات... هي ليست من الدين وليست من الأمور المستحبة بل هذه الممارسات أيضا مضرة بالمسلمين وفي فهم الإسلام الأصيل وفي فهم أهل البيت عليهم السلام ولم أر أي من العلماء عندما راجعت النصوص والفتاوى يقول بان هذا العمل مستحب يمكن إن تقترب به إلى الله سبحانه وتعالى, ان قضية التطبير هي غصة في حلقومنا".

2 . الارتباط الشديد بالمرجعية الدينية الشيعية في إيران , وخاصة مرجعية السيد علي الخامنئي , وهي مرجعية متطرفة تجد تعبيرها في السياسات التي تمارسها إيران على صعيد إيران والعراق والمنطقة وعلى الصعيد الدولي , رغم الادعاء بالعودة إلى مرجعية السيد علي السيستاني. فمرجعية الخامنئي تدعو إلى تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى العراق وإلى بقية أنحاء العالم الإسلامي وتركز على الفوارق المتشددة بين الشيعة والسنة والدعوة للمذهب الشيعي في أوساط أهل السنة , كما أنها تؤثر سلباً على الوضع في العراق. وهو الأمر الذي رفضته أكثرية أتباع المذهب الشيعي في العراق نفسه. وكان في مقدور كل إنسان حيادي أن يتابع هذا التوجه الإيراني والمجلس الأعلى في البصرة وعموم الجنوب حيث كانت للمجلس قوة يحكم بها في تلك المحافظاعت أو يؤثر على قرارات المحافظة , أي حين كان أتباع السيد عمار الحكيم وهادي العامري لهم الكلمة الطولى وحيث انتعش فيلق بدر وجيش المهدي وحزب الله وثار الله وما إلى ذلك.

3 . لقد تسلط الغرور ونشوة الانتصار والتحكم لدى قوى المجلس الأعلى على أهل العراق في الوسط والجنوب وبدأت القصص , الحقيقية وغير الحقيقة , تُنسج خيوطها حول قادة هذا الحزب , وخاصة عمار الحكيم وهادي العامري , مما أساء إلى هذا الحزب أكثر مما نفعه. وكانت الحصيلة سيئة. لقد ابتعد أتباع المجلس عن العراقيات والعراقيين الذين كانوا يلتقون بهم في الخارج قبل سقوط النظام وامتلأوا أموالاً. فحين زار عمار الحكيم برلين سأل جماعة المجلس الذين يمتلكون مقراً كبيراً باذخاً , هل تحتاجون نقوداً , فقال رئيسهم :نعم. فتساقطت عليهم النقود من كل حدب وصوب بحيث أعمت البصيرة والبصر , واصبحوا يتعاملون من علٍ , وهو ما حصل في العراق , حين نشر الكثير من الأخبار عن سيطرتهم على مساحات واسعة من الأراضي وعلى حي بالكامل في بغداد لا يمكن الولوج إليه إنه مقر السيد عبد العزيز الحكيم , وحين كنت في بغداد كان يشار لي أن هذا الموقع الكبير والواسع في مساحته يعود للحكيم وليس لغيره!

4 . ولا أدعي امتلاكي الوقائع الموثقة , ولكن أرجو من المسئولين متابعة ما ينشر عن تورط قوى , وليس كل , من قادة المجلس في الكثير من المعاملات المالية غير المشروعة. وأهمية هذا التحقيق هو إما التثبت من صحة ما يقال أو تفنيد تلك الإشاعات , إما تبرئة المجلس أو بعض قادته وإما توجيه الاتهام لهم لكي نضع حداً للإشاعات , وهو أمر مهم للجميع.
لقد خسر المجلس الأعلى لصالح قائمة ائتلاف دولة القانون. وهذا لا يعني بأي حال أنه تصويت لقوى الإسلام السياسي , بل لدولة القانون التي لم تحترمها العديد من قوى الإسلام السياسي , وهي ليست تأييداً لحزب الدعوة الإسلامية , رغم وجود فوارق بين الدعوة والمجلس لصالح الدعوة , وخاصة في الموقف من إيران ومن جملة من الشعائر غير الدينية التي تمارس في كربلاء والنجف مثلاً , ودعوة رئيس الوزراء إلى التخلي عن استخدام المرجعيات الدينية في الانتخابات , في حين اصر المجلس الأعلى على التمسك بالمرجعية شكلياً للدعاية له في الانتخابات , تماماً كما استمعنا إلى ما جاء في خطبة عمار الحكيم في ذي قار , وتمسكه بما رفضه قانون الانتخابات ورفضته المرجعية والناس وتمسك به المجلس , وأعني الاستنجاد بالحسين والحديث عن المرجعية في هذه الخطب والتي لم تسعفه طبعاً لأن المجلس كان على خطأ كبير.
يصعب تغيير نهج المجلس الذي تأسس في طهران بعد الانشقاق على حزب الدعوة والخروج منه , رغم تسليم حزب الدعوة رئاسته في حينها للشهيد الراحل السيد محمد باقر الحكيم. وقد تأسس على النمط الشيعي الإيراني ونشأ فيلق بدر تماماً كما تأسسس حزب الله وجناحه العسكري في لبنان , ولا يختلف الحزبان في المرجعية وفي النهج والممارسة السياسية والدينية الطائفية. حين أتحدث عن هذا المجلس , فلا يعني أن كل أعضائه يمارسون ذات السياسة والمواقف والأخطاء. فهناك من يختلف عن النهج الرسمي لهذا المجلس , ولكنه مقموع أو لا يمكنه الحديث خشية اتهامه بشيء آخر.
لقد افتقد هذا الحزب التواضع والعقلانية والموضوعية , وفقد الكثير من علاقته بأرض الواقع ومعاناة الناس ولم يسعفه التشبث بالمراجع العظام , وأتمنى أن يدرك رئيس قائمة ائتلاف دولة القانون أهمية استمرار تطهير وجود ما تبقى من الميلشيات في أجهزة الدولة , وخاصة فيلق بدر وبقايا جيش المهدي أو غيرها , وأن يكون التحالف في المحافظات على غير ما كان عليه في الفترة السابقة للانتخابات , إذ أن ممارسة ذات السياسة في المحافظات ستقود إلى خسارة من ربح هذه الانتخابات ايضاً.
إن العقوبة التي ألحقهتها جماهير المذهب الشيعي بالمجلس الأعلى ربما لم تكتمل بعد , بل ستلحقها عقوبة جديدة وخسارة فادحة في الانتخابات العامة القادمة , ويفترض العمل عليها ما دام المجلس الأعلى متشبثاً بنفس أساليب العمل والدعاية الطائفية السياسية البشعة الجارية حتى الآن.


انتهت الحلقة الثانية وستليها الحلقة الثالثة والأخيرة.

9/2/2009


¤ كيف نقرأ نتائج انتخابات مجالس المحافظات في غرب وجنوب العراق ؟ (1)
 


 

 

free web counter