|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  25  / 12  / 2021                                       د. لطفي حاتم                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

السلطة السياسية وشرعياتها الوطنية

د. لطفي حاتم
(موقع الناس)
 

أنتج الفكر السياسي كثرة من المفاهيم السياسية حول شرعية سلطة الدولة وشكل بنائها فضلا عن طبيعة نظمها السياسية وسمات تشكيلاتها الاجتماعية.

تعتبر السلطة السياسية وترابطها والطبقات الاجتماعية من أكثر القضايا التي ناقشها الفكر السياسي في مسار تطوره التاريخي، وبهذا المنحى شكلت الشرعية الوطنية للنظم السياسية مقياسا للدولة الديمقراطية.

مرت الدولة وسلطاتها السياسية بأشكال مختلفة من الشرعية طبقاً لمضامين النظم السياسية الديمقراطية منها والاستبدادية وعلاقتهما بمصالح طبقات تشكيلتها الاجتماعية.
استنادا الى تلك الرؤية اسعى الى متابعة اشكال شرعية سلطة الدولة السياسية على اساس اشكالها التاريخية وفق المسارات التالية :
 
أولاً - النظم الرأسمالية والشرعية الديمقراطية.
ثانياً - النظم الاشتراكية والشرعية الثورية.
ثالثاً - النظم الوطنية والشرعية الانتخابية.

استنادا الى تلك الموضوعات الفكرية نحاول متابعتها برؤية تاريخية مكثفة.

أولاً - النظم الرأسمالية والشرعية الديمقراطية.
بداية لابد من الاشارة الى ان اختلاف النظم السياسية في بناء الدولة انبثق من مستوى النزاعات الطبقية واشكال تناقضاتها الاجتماعية - السياسية السائدة في الحقب التاريخية المحددة.

بهذا المسار أفرز الفكر السياسي اشكالاً مختلفة من الشرعية السياسية لنظم الدول الوطنية تماشياً والوقائع التاريخية المنبثقة من طبيعة واشكال النزاعات الاجتماعية.

استناداً الى ذلك أنجزت الدول الرأسمالية اشكالا متطورة من بناء نظمها السياسية هادفة الى ابعاد البلاد عن الحروب الاهلية والنزاعات الاجتماعية الحادة، وبهذا المنحى أنتجت التسويات السياسية بين القوى الطبقية المتنازعة نظما سياسية ديمقراطية تستند الى تقاسم السلطات الثلاث بما يؤدي الى تطمين المصالح الطبقية المتعارضة وبهذا نشأت في الدولة الرأسمالية كثرة من السمات الديمقراطية للحكم منها :

أولاً - تقسيم سلطات الدولة الى سلطات تشريعية - تنفيذية - قانونية تحمي البناء السياسي والاجتماعي للدولة البرجوازية من الصراعات الاجتماعية معبرة بذات الوقت عن تقاسم سلطات البلاد الثلاث بين شرائح الطبقة البرجوازية الحاكمة.

ثانياً - شكلت الانتخابات الوطنية العامة شكلاً من أشكال النزاعات الطبقية السلمية الهادفة الى التحكم بسلطة البلاد السياسية واستخدامها في تلبية المصالح الطبقية.

ثالثاً - أصبحت مراقبة السلطات الثلاث المتبادلة شرطاً قانونياً لمنع التجاوزات الدستورية وخرق الحقوق السياسية لطبقات تشكيلة البلاد الاجتماعية.

رابعاً - اعتبار القانون الأساس للدولة ضمانة تشريعية لحماية السلم الأهلي وحماية البلاد من الصراعات الاهلية.

خامساً - يضمن الدستور الوطني حقوق الانسان السياسية -الاجتماعية فضلا عن رعايته للأساليب الكفاحية السلمية للطبقات الاجتماعية المتنازعة في إطار الوحدة الوطنية.

أخيرا لابد من الاشارة الى ان الشكل الديمقراطي لبناء سلطة الدولة البرجوازية انبثق من تشكيلة اقتصادية سياسية - بطبقات متبلورة اجتماعياً وكفاح سياسي متواصل لتحقيق وحماية حقوقها السياسية والاقتصادية.

ثانياً - النظم الاشتراكية والشرعية الثورية.
لم تقف البشرية في كفاحها المتواصل عند الشرعية الديمقراطية لسلطة البلاد السياسية، بل تعدى نضالها الطبقي الشرعية الرأسمالية وأنتج شرعية اشتراكية تميزت بكثرة من السمات أهمها :

1- وحدانية قيادة الحزب الثوري للدولة والمجتمع وتحريم نشاط أحزاب سياسية طبقية أخرى.
2- هيمنة الطبقة العاملة على سلطة البلاد السياسية وما نتج عن ذلك من احتكار سلطة البلاد السياسية.
3- هيمنة الدولة على وسائل الإنتاج الاساسية.
4- بناء الدولة الفدرالية على أساس الاتحاد الطوعي بين القوميات المتآخية بهدف صيانة سلطة الطبقة العاملة السياسية.
5- سيادة الشرعية الانتخابية التي تمثلت بالمنافسة السلمية بين ممثلي الطبقة العاملة لاحتلال مراكز البلاد الأساسية.

أكمل الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الاخرى بناء دول اشتراكية كبرى شكلت خيارا عالمياً للتطور الاجتماعي.

غياب الرقابة السياسية على أجهزة الدولة الإدارية أدى الى نشوء (طبقة) بيروقراطية ساهمت في اعاقة البناء الاشتراكي وتحويل التشكيلة الاشتراكية الى نمط سياسي - اقتصادي راكد تتحكم في بنائه قوى اجتماعية مغتربة عن مصالح البلاد الأساسية.

غياب الديمقراطية السياسية وتحكم كتلة المدراء والقادة الحزبيين بتحجيم المنافسة والرقابة الحزبية فضلاً عن المساعدات المتنوعة التي قدمها الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الأخرى الى دول العالم الثالث أصبحت عوامل كابحة لرفاهية شعوب الدول الاشتراكية.

انهيار النموذج الاشتراكي للتطور اجبر القوى الديمقراطية على البحث عن نظم سياسية قادرة عل حماية الانسان من الاستغلال الرأسمالي والنزاعات الوطنية والحروب العبثية.

ثالثاً - النظم الوطنية والشرعية الانتخابية.
انهيار خيار التطور الاشتراكي أطلق حوارا فكريا بين الأحزاب الاشتراكية بهدف تحديد ملامح التطور الاجتماعي اللاحق فضلا عن مساعدة الدول الوطنية للتخلص من النظم الشمولية وبناء نظم سياسية منبثقة من الشرعية الوطنية للحكم.

تتميز الدول الوطنية المتحولة من النظم السياسية الشمولية الى نظم الشرعية الانتخابية بالسمات التالية :

1- هيمنة الطبقات الفرعية على سلطة البلاد الوطنية وترابطها والعالم الرأسمالي.
2- اعتماد الشرعية الانتخابية بسبب انعدام التجارب الديمقراطية في الحياة السياسية للدول الوطنية.
3- سيادة نهوج التبعية والتهميش في سياسة الدول الرأسمالية الكبرى إزاء الدول الوطنية.
4- غياب الكتلة الدولية الساندة لكفاح الطبقات الاجتماعية المناهضة للهيمنة الخارجية.

إزاء هذ الوقائع الوطنية - الدولية المتحكمة في تطور الطبقات الفرعية يتطلب من اليسار الاشتراكي بناء عدة فكرية جديدة قادرة على الوصول لسلطة البلاد السياسية وبناء دولة العدالة الاجتماعية.

أدوات العدة المنهجية الناظمة لكفاح اليسار الاشتراكي اراها تتمثل بـ :

أولاً- المشاركة في الانتخابات التشريعية الوطنية بهدف تحشيد القوى الشعبية المناهضة لتوجهات القوى الفرعية واعاقة تحالفاتها السياسية.

ثانياً- بناء تحالفات وطنية - ديمقراطية استناداً على برامج سياسية مرحلية تساهم في استقرار البلاد السياسي - الاجتماعي.

ثالثاً- منع البلاد من الانزلاق نحو نزاعات عبثية ومنع الطبقات الفرعية من اللجوء الى الحروب الاهلية.

رابعاً- تعزيز المنافسة السلمية بين الأحزاب السياسية استناداً الى القوانين الوطنية والبرامج الانتخابية.
خامساً- المساهمة في بناء الشرعية الديمقراطية لسلطة الدولة الوطنية عبر كبح سياسة الطبقات الفرعية الساعية الى التبعية والتهميش.

ان الموضوعات المشار اليها تدفع نحو تحول الشرعية الانتخابية الى الشرعية الديمقراطية المبنية على موازنة المصالح الطبقية وعدم اللجوء الى القوة العسكرية في فرض التغيرات السياسية والاجتماعية على الدولة الوطنية.









 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter