|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  27 / 12 / 2020                                                      د. لطفي حاتم                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

العولمة الرأسمالية والكفاح الوطني الديمقراطي

د. لطفي حاتم
(موقع الناس)
  

تفاعلت في الاعوام الاخيرة المنتجات الفكرية والاقتصادية للعولمة الرأسمالية مع طبيعة كفاح القوى الديمقراطية ونضالها الوطني الهادف الى يناء الدول الوطنية والحد من طرفية المجتمعات الوطنية الناهضة وما ينتجه من الحاق بالتكتلات الدولية، وبهذا المعنى تكتسب اهمية الدراسة المتأنية والرامية الى ارساء الكفاح الوطني الديمقراطي على قادة فكرية تساهم في صيانة الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية المرتكزة على مبادئ النزاعات الطبقية والديمقراطية السياسية أهمية إستراتيجية.

استنادا الى تلك المقدمة الفكرية نحاول التعرض الى قضايا تأثير العولمة الرأسمالية على الدول الوطنية بتفصيل أكبر آملين التوصل الى تحليل طبيعة الكفاح الوطني الديمقراطي في ظروفنا التاريخية المعاصرة.

أولاً ـ العولمة وسياسة والإلحاق
1 ـ افرزت العولمة الرأسمالية نظاما اقتصاديا متناقضا يتسم بإلحاق الدول الوطنية بالتكتلات الاقتصادية الدولية بعكس المرحلة الكولونيالية المرتكزة على تبعية الدول عبر تشكيل نظم سياسية (وطنية) بهدف الهيمنة على مقدراتها السياسية والاقتصادية وبهذا المنحى زادت العولمة الرأسمالية من تناقضات مكوناته الدولية بعد غياب التشكيلة الاشتراكية وما نتج عن ذلك من وحدانية خيار التطور الرأسمالي.

2 - تتشكل مفردات الضم والإلحاق من خلال مساعي التكتلات الاقتصادية الدولية بسلب قرارات الدول الوطنية في تحديد آفاق تطورها الاقتصادي والاجتماعي عبر ربطه بسياسة احتكاراتها الدولية الأمر الذي يعني تبعية التطور الاقتصادي الملحق للدولة الوطنية بتطور الشركات الاحتكارية وسياساتها الاقتصادية.

3 ـ يتطلب التطور المشوه المشار اليه تشكيلات اجتماعية متصارعة تحتل فيها الطبقات الغنية في الدول الملحقة مواقع السيطرة السياسية والاقتصادية على محيط من الفقر والعوز الاقتصادي.

4 ـ افرزت الرأسمالية العولمة عالما تتحكم في بنائه آليات التشكيلة الرأسمالية العالمية وتطورها المتفاوت على قاعدة التطور المسند بعوامل الصراع والهيمنة والإفقار.

5 ـ افرزت الرأسمالية المعولمة على الصعيد الاجتماعي في البلدان الوطنية نمطا من النزاعات الداخلية والخارجية شكلت عائقا تاريخيا امام البديل الوطني الديمقراطي القادر على مناهضة الرأسمالية بمرحلتها المعولمة.

ان الموضوعة الاخيرة تتطلب اكساء فكريا بما يتماشى والتطورات الاقتصادية - الاجتماعية المعقدة التي افرزها الطور الجديد من التطور الرأسمالي المعولم والتي اراها بالموضوعات التالية :

ثانياً - ركائز الوطنية الديمقراطية
مهد انهيار المنظومة الاشتراكية وسيادة اسلوب الانتاج الرأسمالي عالميا الطريق امام نهوض فكر الوطنية الديمقراطية المعتمد على:
 
أ - بناء نظم سياسية جديدة ترتكز على قاعدتي التوازنات الطبقية والديمقراطية السياسية.
ب - بناء اقتصادات وطنية ترتكز على موازنة وطنية مناهضة للعولمة الرأسمالية المتسمة بعمليات الالحاق والتهميش والإقصاء.
ج ـ منع التدخلات الخارجية في النزاعات الداخلية والتركيز على حل التناقضات الطبقية بأساليب سلمية.
د ـ تحديد طبيعة العلاقات بين الداخل الوطني والخارج الرأسمالي عبر صيانة الاستقلال الوطني ومواجهة الافقار والتبعية من خلال العلاقات الدولية السياسية ـ والاقتصادية المتكافئة.
هـ - الانضمام الى التكتلات الاقتصادية الاقليمية وما يعنيه ذلك من بناء حاجز اقليمي امام نزوع العولمة الرأسمالية نحو الالحاق والتبعية الاقتصادية والسياسية.

ان الموضوعات المشار اليها تتطلب بحوثا فكرية جديدة تغني ما اعتمدته الاحزاب الاشتراكية والشيوعية في فترة النظامين الاقتصاديين. بكلام آخر تحتاج القوى الوطنية الثورية تدقيق حزمة من ركائزها الفكرية شريطة تماشيها وروح العصر والتي أجد البعض منها في :

1 - الثورة الاشتراكية.
بالرغم من ان الثورة الاشتراكية واستلام السلطة بطريقة عنفيه او سلمية هي جزء من برامج الاحزاب الاشتراكية في فترة المعسكرين إلا ان وحدانية اسلوب الانتاج الرأسمالي وتطور عولمته الرأسمالية تطرح ضرورة تدقيق هذه الموضوعة ومدى تحقيقها مع ميول التهميش في تطور العولمة الرأسمالية.

2 ـ النزاعات الطبقية
اتسعت في العولمة الرأسمالية دائرة الفقر والإقصاء وانحازت طبقات جديدة لصالح الكفاح المناهض للعولمة الرأسمالية وبدى ذلك واضحا من انتقال اقسام من البرجوازية الوطنية لصالح بناء دول وطنية ديمقراطية وبهذا المسار يتطلب من اليسار الاشتراكي ضرورة التحرك صوب هذه القوى الطبقية وما يتطلبه ذلك من التفكير بطرق عملية لبناء تحالف مع هذه الطبقات والفئات الاجتماعية في العملية السياسية والاقتصادية للطور المناهض للعولمة الرأسمالية.

3 - ملكية الدولة لوسائل الانتاج
تتمتع هذه الموضوعة بأهمية مركزية في الدول لاشتراكية السابقة ولكن الوقائع الجديدة في العلاقات الدولية فضلا عن العلاقات الوطنية الراهنة لا تسمح باحتكار ملكية وسائل الانتاج الامر يتطلب صياغة مبادئ جديدة تسمع للقوى المنتجة ببناء شراكة وطنية لكيفية ادارة وسائل الانتاج وصيانة ثروات البلاد الاساسية عبر ملكيتها المشتركة بين ا لدولة ممثلة عن المجتمع وبين القطاع الوطني الخاص المدافع عن الشراكة الوطنية.

4 - بناء التحالفات الطبقية
أصبحت قيادة الحزب الواحد للدولة الاشتراكية محورا اساسيا في كفاح الحركات المناهضة لأسلوب الانتاج الرأسمالي وشكلت موضوعة ديكتاتورية الطبقة العاملة باعتبارها الشكل السياسي للدولة الاشتراكية اساسا لرفض المنهج الرأسمالي. وبهذا السياق أدى انهيار اسلوب الانتاج الاشتراكي الى تغير معطيات قيادة الحزب الواحد للسلطة السياسية وبرزت اهمية التحالفات السياسية بين القوى المناهضة للتطور الرأسمالي عبر إرساء العلاقات الوطنية على قاعدة التوازنات الطبقية المبنية على صيانة الدولة الوطنية من الإلحاق والتفكك الاجتماعي.

على اساس الرؤية المارة الذكر تواجه الباحث اسئلة كثيرة منها ما هو الإطار السياسي المزمع اقامته بديلا عن الرأسمالية المعولمة التابع في البلدان النامية؟ وما هي المرتكزات الفكرية والاقتصادية لهذا البديل؟ وهل هناك آفاق فعلية لتطوير النشاط الديمقراطي المناهض لسياسة التبعية والإفقار؟

محاولة الاجابة على هذه الاسئلة تتطلب ابداء بعض الملاحظات الفكرية التي تساعد على صياغة برامج وطنية تسعى الى بناء نظم سياسية وطنية ديمقراطية تهدف الى بناء نظم اشتراكية مستقبلية.

لكن قبل الخوض في تلك الموضوعات دعونا نتعرض لطبيعة الرأسمالية المعولمة وما تنتجه من وقائع عملية سياسية واقتصادية على الساحتين الوطنية والدولية عبر الموضوعات التالية :

الموضوعة الأولى - أحدثت الرأسمالية المعولمة تبدلات في طبيعة ومهام الطبقات الاجتماعية في المراكز الرأسمالية وذلك بنقلها من اطاره الوطني الاحتكاري الى فضائه الأممي المتسم بإلحاق البرجوازيات الوطنية في البلدان النامية بالاحتكارات الدولية وتحويل اقسام منها الى برجوازيات كمبورادورية. بمعنى آخر ان الكفاح الذي تخوضه برجوازية البلدان المتطورة انتقل من ضفافه الوطنية الى اطاراته الدولية.

الموضوعة الثانية - وبالعكس من ذلك انتقل الكفاح الديمقراطي الذي تخوضه الطبقات الكادحة من اطره الاممية الى ساحاته الوطنية وذلك بسبب وحدانية التطور الرأسمالي وغياب الدول الاشتراكية الداعمة لكفاح الدول الوطنية وقواها الديمقراطية.

الموضوعة الثالثة ـ افرزت وحدانية التطور الرأسمالي واقعا جديدا تمثل باعتبار الاشتراكية نظام اجتماعي ـ سياسي مستقبلي وليس مهمة سياسية آنية وذلك بسبب ارتباط مصائر الكفاح الاشتراكي بتطور الاحتكارات الدولية وسيادتها على الاقتصاد العالمي.

الموضوعة الرابعة - ان التغيرات التي صاحبت انتقال العالم من اطاره الوطني الى آفاق الوحدة الدولية المتناقضة تطرح أمام الاحزاب الثورية وضع الاشتراكية كأسلوب للإنتاج في إطار التحولات لاقتصادية والسياسية التي تطرحها التكتلات الدولية وليس الوقائع الاقتصادية للدول الوطنية.

الموضوعة الخامسة ـ على اساس الإطار المشار اليه تبرز اهمية الديمقراطية السياسية من جانب وتتمتع التحالفات السياسية للقوى الطبقية المناهضة للتبعية الرأسمالية من جانب أخر بأهمية بالغة بعد تحديد طبيعة المهام الكفاحية الملموسة المراد تحقيقها.

استنادا الى ما جرى استعراضه يثار السؤال التالي :
-
ما هي ركائز المشروع الوطني الديمقراطي الذي تحاول القوى الديمقراطية تحقيقه بدلا عن سياسة الالحاق والتبعية؟
- وما هي مساند المشروع الوطني الذي تسعى القوى الوطنية - الديمقراطية اعتماده في كفاحها المناهض للرأسمالية في مرحلتها المعولمة؟

الركائز الفكرية والسياسية لمشروع الوطنية الديمقراطية.
انطلاقا من السمات العامة للدول الوطنية وتشكيلاتها الاجتماعية ولغرض استكمال اللوحة التحليلية نحاول التعرض الى مضامين الايديولوجية الوطنية الديمقراطية التي اعتمدها اليسار الديمقراطي وقوى ديمقراطية اخرى والمرتكزة كما ارى :
 
1 ـ الحفاظ على الدولة الوطنية باعتبارها الرافعة الاساسية للتحولات الاجتماعية ناهيك عن التركيز على بناء أمنها الاجتماعي والسياسي المعتمد على موازنة مصالح الطبقات الاجتماعية وصيانة حقوق الانسان الاساسية.
2 - الحفاظ على الدولة الوطنية واعتماد الديمقراطية لمنظومتها السياسية فضلا عن الدفاع عن حقوق الانسان السياسية والاجتماعية باعتباره يشكل عاملا اساسيا للحفاظ على استقلال الدولة وتحصينها من التبعية والتهميش.
3 - ينطلق برنامج اليسار الديمقراطي من تحقيق مبدأ التوازنات الاجتماعية. والسعي نحو بناء التكتلات الاقتصادية ــ السياسية الإقليمية الهادفة الى مناهضة الرأسمالية المتلازمة ونزعات التبعية والتهميش.
4 - حصر الثروات الوطنية بيد الدولة والحفاظ عليها بالتعاون بين القطاعين العام والخاص باعتبارها ـ الثروات ـ مصدرا اساسيا لتطور البلاد الاقتصادي / الاجتماعي.
5 - التعامل في العلاقات الدولية على اساس توازن المصالح في العلاقات الاقتصادية والسياسية، احترام السيادة الوطنية، المساواة، عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
6 - العمل على بناء التكتلات الاقتصادية بين الدول المتقاربة في تطورها الاقتصادي حيث تشكل التحالفات الاقليمية اهمية استراتيجية في مكافحة التفتيت والتبعية التي تفرزها تطورات العولمة الرأسمالية.

خلاصة القول ان القوى الديمقراطية الوطنية في البلدان الوطنية لا تسعى الى المنافسة الرأسمالية مع الدول الكبرى بل تكافح من اجل الحفاظ على الدولة الوطنية واستخدامها كرافعة للتحولات الاقتصادية الاجتماعية بهدف تحقيق شكلا من أشكال العدالة الاجتماعية الضامنة للأمن الاقتصادي والاجتماعي للطبقات الفقيرة.

استنادا الى بنية المقال التحليلية ونتائجه الفكرية يمكننا صياغة الاستنتاجات التالية :

أولاً ـ لم يعد بناء الاشتراكية كنظام اقتصادي ـ سياسي مطلبا آنياً بل هدفاً استراتيجيا مرتبطاً بالتكتلات الاقتصادية العالمية وطبيعة الدول الرأسمالية المتطورة وعلاقاتها مع البلدان النامية.

ثانياً ـ يشكل مشروع الوطنية الديمقراطية المرتكز على مبدأ التوازنات الطبقية ـ الوطنية بديلا ملموسا عن الاشتراكية في الظروف التاريخية المعاشة.

ثالثاً ـ تشكل التحالفات الوطنية بين القوى الطبقية في التشكيلات الاجتماعية بديلا في الظروف التاريخية المعاصرة عن التفرد بالسلطة السياسية واحتكارها لصالح قوى اجتماعية واحدة.

رابعاً ـ يشكل ادارة الاقتصاد الوطني المشترك بين الدولة وقطاعها العام وبين القطاع الخاص اساسا للتنمية الوطنية ومواجهة الرأسمالية العالمية وميولها الاندماجية.

خامساً ـ تتمتع التكتلات الاقليمية بأهمية كبيرة كونها اداة مشتركة ضد التهميش والتبعية.
 



 







 


 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter