|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  28 / 3 / 2021                                                      د. لطفي حاتم                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

التوسع الرأسمالي ودولة العدالة الاجتماعية

د. لطفي حاتم
(موقع الناس)
  

اثارت سيادة وحدانية التطور الرأسمالي كثرة من الاجتهادات الفكرية - السياسية الهادفة الى إعادة بناء الفكر الاشتراكي واستناداً لذلك تبلور خطان فكريان أحدهما تمثل بإلغاء التجربة الاشتراكية منحازاً الى خيار التطور الرأسمالي منتقدا نموذج الدولة الاشتراكية وما قدمته من حلول واقعية لكثرة من القضايا الاجتماعية - السياسية الهامة والهادفة الى بناء مستقبل البشرية وسعادتها وأمنها الاجتماعي وثانيهما خطاً ناقداً لكثرة من القضايا الفكرية والسياسية التي أحاطت بالتجربة الاشتراكية المنصرمة مركزاً على انعدام ديمقراطية نظمها السياسية.

رؤية فكرية متزنة للكفاح الاشتراكي الراهن تتطلب دراسة الظروف الفعلية الناتجة عن الانهيار المدوي للنظم الاشتراكية وصياغة منطلقات فكرية جديدة لبرنامج الكفاح الاشتراكي.

استنادا الى صياغة رؤية فكرية ناقدة للتجربة الاشتراكية أحاول تثبيت رؤيتي لإخفاقات الدولة الاشتراكية والتوقف عند عدة منطلقات فكرية تشترطها وحدانية التطور الرأسمالي للنضال اللاحق عبر ثلاث ملفات أساسية :

أولا - التجربة الاشتراكية واشكالياتها الفعلية.
ثانيا - التوسع الرأسمالي والكفاح الاشتراكي.
ثالثا - الديمقراطية ودولة العدالة الاجتماعية.

اعتمادا على المحاور المثارة نحاول التقرب من مضامينها الفكرية - السياسية بدراسة المحور الأول الموسوم بـ :
 
أولا - التجربة الاشتراكية واشكالياتها الفعلية.
بداية لابد من التأكيد على ان النظم الاشتراكية السالفة لم يشهد التاريخ السياسي المنصرم مثيلاً لها استناداً الى ان جميع النظم الاجتماعية - الاقتصادية نشأت وتطورت في رحم أساليب إنتاجية غاربة لهذا فقد نمت العلاقات الرأسمالية وتطورت في رحم المرحلة الاقطاعية.

هذا المسار التاريخي شذت عنه العلاقات الاشتراكية حيث انها لم تتطور في رحم التشكيلة الرأسمالية الا إذا استثنينا تطور الطبقة العاملة وتطور تجربتها الكفاحية في صراعها ضد الاستغلال الرأسمالي.

انطلاقاً من هذا المسار نصل الى نتيجة مفادها ان سلطة الدولة الاشتراكية وقواها الطبقية لم تتطور في رحم التشكيلة الاقتصادية - الاجتماعية الرأسمالية، بل جاءت بفعل ثورة اجتماعية.

التقدير الفكري المشار اليه يلقي الضوء على اخفاقات النظام السياسي للدولة الاشتراكية خاصة إذا تم ربطه بغياب الديمقراطية السياسية وعدوانية المحيط الوطني - الدولي المناهض للدولة الاشتراكية الوليدة.

هيمنة الحزب الواحد على الدولة الاشتراكية وغياب الديمقراطية السياسية مهدت الطريق امام تبلور قوى بيروقراطية تطورت تدريجياً الى شريحة - سياسية سائدة تقود الدولة وهيمنتها الاقتصادية وما نتج عن ذلك من تحجيم كفاح القوى الطبقية الراغبة في تجديد بناء الدولة الاشتراكية.

الرؤية المارة الذكر ترافقت والخشية من العدوان الخارجي والذي شجع على تطوير القدرات العسكرية للدولة الاشتراكية على حساب تلبية الاحتياجات المادية للطبقات المنتجة في التشكيلة الاجتماعية للدولة الاشتراكية.

تكثيفا يمكن القول ان هيمنة الحزب الواحد على الدولة والاهتمام بتطوير القدرات العسكرية الهادفة الى صيانة الدولة الاشتراكية عززا من انعدام الديمقراطية السياسية التي يتمثل جوهرها بمشاركة المنتجين الفعليين في تجديد قياداتهم السياسية وتحديد القضايا الضرورية لتطور التشكيلة الاجتماعية الاشتراكية.

ان تحول الحزب القائد للدولة والمجتمع الى قوة سياسية كابحة للتطور عزز من سيادة البيروقراطية الحزبية في قيادة السلطة السياسية وأفضى الى ركود سياسي - اقتصادي اعاق نمو وتطور الدولة الاشتراكية وتشكيلتها الاجتماعية.

ثانيا - التوسع الرأسمالي والكفاح الاشتراكي.
ان انهيار الدولة الاشتراكية وسيادة خيار التطور الرأسمالي يشترط على القوى الاشتراكية صياغة منظومة فكرية سياسية للدولة القادمة وبناء سياسة فعلية تعني بالتعامل السياسي مع الواقع الرأسمالي السائد.

انطلاقا من ذلك لابد من التركيز على بعض الموضوعات التي اراها ضرورية للإجابة على التساؤل المذكور لغرض تطوير الحوار الفكري المتواصل والتي يتصدرها :

أولاً - الثورة الاجتماعية.
بداية نشير الى ان التوسع الرأسمالي يشترط التعددية الحزبية ويعتمد الشرعية الديمقراطية واستناداً الى ذلك نتساءل هل لا زالت الثورة الاجتماعية وسيلة وحيدة لاستلام السلطة السياسية ام يجري استبدالها بالشرعية الديمقراطية الانتخابية؟

ثانياً - ملكية وسائل الإنتاج.
يعتمد التطور الرأسمالي على المنافسة الاقتصادية والملكية الخاصة لوسائل الانتاج وهنا نتساءل هل تسعى الدولة الاشتراكية الى الملكية العامة لوسائل الإنتاج ؟ ام تعتمد على تعدد أنماط الملكية ومنافستها في الدولة الوطنية.

ثالثاً - قيادة الحزب للدولة والمجتمع.
هل تسعى القوى الاشتراكية قيادة الدولة والمجتمع عبر سيادة الحزب الواحد ام تعمل على مشاركة القوى السياسية الأخرى في بناء الدولة الوطنية الجديدة ؟ بكلام آخر هل تسعى الأحزاب الاشتراكية الى الانفراد بالسلطة السياسية ام تعتمد الديمقراطية والتحالفات الوطنية؟

ان الأسئلة المثارة حيوية والاجابة عليها متعددة تبعاً لمواقع الباحثين ورؤيتهم لطبيعة ودور السلطة السياسية فضلاً عن طرق وأساليب الوصول اليها.

استنادا الى تعدد الرؤى الفكرية وطبيعة القوى القادرة على تحقيق التوازن بين المصالح الطبقية نسعى الى طرح رؤيتنا النابعة من الطور الجديد من التوسع الرأسمالي وهي رؤية قابلة للنقد والاغناء غير خاضعة لقوالب فكرية محددة، بل تعتمد الوقائع السائدة منطلقاً لإجابتها.

ثالثا - الديمقراطية ودولة العدالة الاجتماعية.
بات واضحاً ان قوى اليسار الاشتراكي هي الكتلة التاريخية الثابتة في مكافحة التهميش والالحاق الرأسماليين وما يعنيه ذلك من ترابط نهج اليسار الاممي بالوطنية الديمقراطية الهادفة الى بناء دولة العدالة الاجتماعية المناهضة لسياسة التبعية والتهميش.

اعتماداً على تلك الموضوعة فان دولة العدالة الاجتماعية تشكل بديلاً تاريخياً ملموساً عن دولة التطور الرأسمالي وبهذا المعنى يواجهنا السؤال التالي - ما هي خصائص دولة العدالة الاجتماعية وما هي قواها الاجتماعية الفاعلة؟
للإجابة على السؤال المثار نحاول التقرب من مضامينها الفكرية - السياسية عبر الدالات التالية :

اولاً - اعتماد الشرعية الديمقراطية.
ترتكز دولة العدالة الاجتماعية على الشرعية الانتخابية والتداول السلمي للسلطة السياسية.

ثانياً - اعتماد البرامج الوطنية.
تعتمد الوطنية - الديمقراطية الدفاع عن مصالح الطبقات الاجتماعية الفاعلة وجرها للكفاح الوطني المناهض للتبعية والتهميش.

ثالثاً - تعدد الأنماط الانتاجية
تسعى الوطنية - الديمقراطية الى سيادة الدولة في الحياة الاقتصادية انطلاقاً من تعدد ملكية وسائل الإنتاج واعتبارها أساساً للتنمية الوطنية.

رابعاً - التحالفات الوطنية
تعمل الوطنية الديمقراطية على بناء التحالفات الوطنية لغرض قيادة السلطة السياسية وعدم احتكارها من قبل حزب سياسي واحد وما ينتجه ذلك الاحتكار من سياسة إرهابية مناهضة للروح الديمقراطية.

خامساً - بناء المؤسسة العسكرية.
تسعى الوطنية الديمقراطية الى تأهيل المؤسسة العسكرية للدفاع عن الوطن ونظامه الديمقراطي ومنع انتشار تشكيلات سياسية عسكرية موازية للمؤسسة العسكرية؟

سادساً - بناء علاقات إقليمية
تهدف الوطنية الديمقراطية الى إقامة علاقات إقليمية تستند الى صيانة المصالح الوطنية وتطورها وعدم التدخل في الشؤون الوطنية.

سابعاً - مناهضة الهيمنة والتهميش.
تكافح الوطنية الديمقراطية سياسة التهميش التي تنتجها الرأسمالية المعولمة والاهتمام بالوطنية الديمقراطية المناهضة للتبعية والإلحاق.

ان الأفكار الواردة لمضامين دولة العدالة الاجتماعية قادرة على رعاية مصالح طبقات تشكيلتها الاجتماعية كونها - دولة العدالة الاجتماعية - الشكل الوحيد الممكن تحقيقه في عالمية وسيادة التطور الرأسمالي.
 


 




 


 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter