| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. مؤيد عبدالستار

muayed1@maktoob.com

 

 

 

الأربعاء 23/11/ 2011


 

عراق الاقاليم  ... مثال  تقسيم الهند *

د. مؤيد عبد الستار

من المسلمات اليوم ان العراق دولة اتحادية ، او فيدرالية ، يمثل اقليم كوردستان فيها الاقليم الفيدرالي الوحيد ، وقد اقر الدستور قيام اقاليم اخرى – اتحادية/ فيدرالية – وفق شروط ، منها المادة 119  الاتية  :

( يحق لكل محافظةٍ او اكثر، تكوين اقليمٍ بناءاً على طلبٍ  بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقتين:


         
      اولاً :ـ طلبٍ من ثلث الاعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم


         
     ثانياً :ـ طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم )

أُعلن اقليم كوردستان ضمن ظرف تاريخي خاص  ، وهو لا يعني ان المحافظات العراقية الاخرى  لها عين الحق ، لان موجبات  نشوء اقليم كوردستان غير متوفرة في المحافظات العراقية الاخرى .

لذلك تحتمل الاصوات التي تـدّعي رغبة  الاقتداء بكوردستان الكثير من المغالطات .

اما تطور كوردستان وازدهار الاعمار فيها ، فيعود  الى ادارة متنورة ، استفادت من الكوادر التي درست وعملت في اوربا ، وقدمت السلطة السياسية  الدعم  لها  فساهمت بعلمها وخبرتها  في تطوير كوردستان ، واستعانت بالاستثمارات الدولية مثل كوريا، تركية و المانيا ، بينما ضاعت ادارات المحافظات في الوسط والجنوب في دهاليز المقاولات الوهمية والفساد المالي والاداري ، وسيطرة عناصر  ادارية  غير كفوءة  على مفاصل الوزارات العراقية ، مما عطل مشاريع والخدمات  ، فظلت المحافظات الوسطى والجنوبية تشكو التخلف  والاهمال وسط صراخ المواطنين  ولا من سامع او مجيب.

في هذه الدراسة حاولنا اجراء مقارنة بين الهند والعراق لا من زاوية تشابه البلدين ، وانما لان الهند بلد فيدرالي ايضا يتشكل من ولايات متعددة ، مختلفة اللهجات والاديان .  فولاية كشمير مثلا ذات اغلبية اسلامية ، بينما ولاية البنجاب ذات اغلبية سيخية ، والولايات الاخرى ذات اغلبية هندوسية او  فيها ديانات مختلطة ، مثل البوذية والجينية والمسيحية  والاسلام  ... الخ

وقد تعرضت شبه القارة الهندية التي كانت تحت التاج البريطاني حتى منتصف القرن العشرين ، اثر استقلالها عام 1947 الى تقسيم خطير ، هو انفصال الباكستان عن الهند ، ونشوء صراع حول كشمير أدى الى اشكالات معقدة مازالت مستمرة حتى الوقت الحاضر.

كما تناولنا مثال الهند بالدراسة بسبب مرور اكثر من نصف قرن على تجربة استقلال الهند وانفصال الباكستان مما يتيح للباحث تقييم التجربة من خلال حقبة تاريخية معتبرة ، بينما من المبكر  اخذ مثال السودان كموضوع للدراسة على سبيل المثال .

استقلال الهند

في الرابع عشر من اب/ اغسطس1947،  أعلن الحاكم  البريطاني العام   للهند  اللورد  لويس  مونتباتن Mountbatten  استقلال الباكستان  ، فادى القسم محمد علي جناح   في كراجي كأول رئيس وزراء للباكستان، ثم بعد ساعات والليل يتقدم  نحو انبلاج فجر جديد ، في  الخامس عشر من اب  / اغسطس  اعلن اللورد مونتباتن استقلال الهند ، فادى القسم  جواهر لال نهرو كأول رئيس وزراء و طلب من اللورد مونتباتن الاستمرار  في منصبه ،  الحاكم العام للهند  ريثما تستكمل الهند هيئات ادارة البلاد .

 انتقل الالاف من سكان  الباكستان الى الهند وبالعكس . المسلمون  انتقلوا من الهند الى الباكستان والهندوس  انتقلوا من الباكستان الى الهند ، وشهدت شبه القارة الهندية ابشع انواع العنف والاقـتـتال بين المسلمين والهندوس . مما اضطر غاندي الى اعلان الصيام حتى يتوقف العنف .

 ما ان انفصلت الباكستان عن الهند حتى حدث استقطاب في كشمير ، حاولت الباكستان ضم  كشمير لها  لان اغلبية سكانها من المسلمين ( 76 %)  ، ولكن مهراجا كشمير طلب من اللورد مونتباتن المساعدة فاشترط عليه اعلان تبعيته للهند ، وافق المهراجا فدخل الجيش الهندي كشمير  واصبح خط الهدنة  بين الجيشين الباكستاني والهندي خط الحدود الذي خضع لمفاوضات باشراف الامم المتحدة .

توزعت  كشمير بين الهند والصين والباكستان، ومازال الصراع قائما بين الهند والصين من جهة حول المنطقة التي تدعى  الصين الاقصى  ( اقصاي جين (Aksai Chin ، وبين الهند والباكستان  من جهة اخرى حول كشمير وازادي كشمير .

القسم الذي  في الباكستان  يدعى  آزادي كشمير ، اي  كشمير الحرة ،  وفي الهند قسم  يدعى  ولاية   (جمو وكشمير ) .

اقتسام ولاية كشمير  

تسببت كشمير بحروب قاسية بين الهند والباكستان ، ومازالت بؤرة للتوتر ، وكنت قد زرتها اواسط الثمانينات ، فرأيت جمال وديانها و ربيع سهولها المليئة بزهور الزعفران  وجبالها الخضراء الشاهقة التي تتصل بسلسلة  جبال الهملايا المكسوة بالثلوج .

تتميز عاصمتها سري ناغر بجمال بحيرتها التي تتوسط المدينة وتحيط بها  فنادق عائمة مصنوعة من انواع الخشب المزخرف  وتتهادى فيها الزوارق السياحية الفولكلورية المزركشة الجميلة.

 رغم جمال كشمير وكونها قبلة للسياحة الا اني شاهدت كثافة انتشار الجيش والشرطة فيها ، فانحسرت السياحة ،على الاخص بعد انتشار العنف وشيوع الارهاب .

وبسبب انفصال الباكستان عن الهند ، اندلعت عدة حروب كبيرة وصغيرة بين الدولتين خلال العقود الستة الماضية  ، وكانت تلك الحروب مدعاة للتسلح وعسكرة الدولتين .

 تعتمد الهند في تسليحها على بريطانيا وروسيا بشكل اساسي ، وتعتمد الباكستان على امريكا والصين في تسليحها وتمويلها بالمساعدات المالية ايضا ، لذلك تنازلت للصين عن جزء من كشمير ، تطالب به الهند وتعده جزء من اراضيها .

هناك مشاكل اخرى تركها البريطانيون دون حل بعد الاستقلال ، مثل بقاء مقاطعة غوا – جنوب بومبي – تابعة للبرتغال التي استطاع نهرو تحريرها واعادتها الى الهند اوائل الستينات ، حين ساهمت مصر عبد الناصر في منع السفن الحربية البرتغالية من عبور قناة السويس  ، حينذاك كانت تربط البلدين معاهدة باندونغ  ، لمنظمة دول عدم الانحياز .

باكستان الشرقية

 فيما بعد انفصلت  باكستان الشرقية عن الدولة الام  الباكستان ، اثر حرب دامية ايضا  ، فاصبحت دولة بنغلادش وعاصمتها داكا. رسمت حدودها عند انفصالها عن الهند عام 1947 وسميت باكستان الشرقية. كانت جزء من الباكستان رغم المسافة التي تفصلها عن باكستان الغربية  والتي تبلغ  نحو 1600 كم من اراضي الهند ، وبسبب التمييز العنصري واللغوي والاهمال الاقتصادي لها من قبل باكستان الغربية ، انفصلت عنها بعد حرب 1971 بمساندة من الهند ، اذ استسلمت القوات الباكستانية للقوات الهندية في مدينة دكا .

عانت بنغلادش بعد الاستقلال العديد من الازمات مثل المجاعة والكوارث الطبيعية – الفيضان- والفقر والانقلابات العسكرية.

ولا نغفل محاولة البنجاب الانفصال عن الهند ، اوائل الثمانينات ، اذ اعلنت دولة خالصتان وعاصمتها امريتسار ، فامرت انديرا غاندي الجيش بدخول المعبد الذهبي الذي تحصن فيه قادة السيخ ، واحبطوا دعوتهم في اقامة دولة مستقلة . 

دفعت انديرا غاندي حياتها ثمنا لهذا الاقتحام على يدي اثنين من افراد حمايتها عام 1984 وكنت حينذاك في العاصمة نيودلهي ،  فشهدت احداث العنف التي اندلعت بين الهندوس والسيخ اثر حادث الاغتيال .

هذه صورة شاملة للهند خلال وبعد الاستقلال ، ولا أحد يجهل الحروب التي خاضتها الباكستان والهند منذ الاستقلال حتى اليوم وعلى مدى يزيد عن ستين عاما . وكذلك الحروب الصينية الهندية والتوتر الذي مازال قائما بينهما.

السؤال الذي يراه البعض ، هو أيهما كان أفضل ، استقلال الباكستان عن الهند ، أم بقائها ضمن الهند في نظام ديمقراطي متعدد ؟

كان من رأي بعض القادة المسلمين المشاركين في النضال مع غاندي  ونهرو ورموز حزب المؤتمر الهندي ، بقاء المسلمين ضمن الهند وعدم الانفصال عنها ، لان انفصال الباكستان سيضعف وجود المسلمين في الهند ،  فلديهم ولايات وممالك كبيرة  مثل ولاية كشمير وولاية حيدر اباد ، وولاية لكناو ،  وان انفصال باكستان الشرقية والغربية يمثل اقتطاع  اكبر الولايات ذات الاغلبية المسلمة.

عانت الباكستان الكثير تحت نظام استبدادي  حاول ذو الفقار علي بوتو فيما بعد تغييره ليصبح مثل  النظام الديمقراطي في الهند ولكنه دفع حياته ثمنا لذلك  ولم يستطع الانتقال بالباكستان نحو شاطئ الديمقراطية .

القت  الحروب بينها وبين الهند  الكثير من المعاناة على كاهل مواطنيها  ، وفيما بعد زاد تورطها في الصراع الدائر في افغانستان من افقار اقتصادها وشيوع العنف فيها ، العنف الذي امتد من كشمير الى افغانستان ، فالقمع والعنف والحروب الطائفية والفقر اصعب ما يواجه الباكستان في الوقت الحاضر.

الهند ليست العراق

لا نريد ان نقول ان  ما حدث بين الهند والباكستان مثال لما سيحدث في العراق ، ولكن في عرض المثال الذي ذكرناه رؤية  قد تنفع السياسي ليتفحص عواقب الامور التي تبدو للوهلة الاولى مغرية وجذابة لما تحمله الفاظ وعبارات مثل الاستقلال والاقليم والفيدرالية من كوامن قد تضر بمن لا يجيد استخدامها في الوقت المناسب.

ولو اخذنا واقع العراق اليوم سنجد شموله على اقليم فيدرالي هو اقليم كوردستان ، ضمن الدولة العراقية ، ورغم  ذلك  مازالت هذه الفيدرالية تحمل الكثير من الاشكالات ، سواء حول تقاسم الموارد المالية ، أم حول المناطق المتنازع عليها ، أم حول عقود النفط واستخراجه ، لذلك نرى من الافضل عدم تشتيت العراق الى اقاليم اخرى ، وليس من العيب الاقرار بعدم نضوج تجربة الاقليم الفيدرالي في العراق في الوقت الحاضر وانها بحاجة الى مزيد من الوقت والتفاهم بين المركز والاقليم والى تطوير الدستور والقوانين الموضوعة للمحافظات والمجالس والمؤسسات الاخرى مثل مجلس النواب ومجلس الوزراء والمفوضيات المستقلة وغيرها حتى تكتمل رؤية هيئات القرار وتنضج الظروف التي تقود الى محافظات او اقاليم مبنية على وحدة البلاد لا على تمزيق الوطن .

إن التسرع بالمطالبة بتطبيق مواد الدستور  فيما يختص بالاقاليم والتي وضعت أساسا لمعالجة الحيف الذي وقع على كوردستان جراء الحروب التي شنتها الانظمة السابقة  غير منصفة ، لا تبرر ان تنسحب تلك القوانين على جميع المحافظات ، لما ندركه من  فارق شاسع بين واقع تلك المحافظات وخصوصية كوردستان  وما جرى لها من تدمير وافقار وتخريب خلال العقود الاربعة الماضية .

خلاصة  ، التشرذم أم الاتحاد  

إن بعد نظر السياسي العراقي يجب أن يدفعه للبحث عن فرص تطوير تكامل واندماج المحافظات العراقية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وجغرافيا ، فكما تجهد تركيا اليوم على الاندماج مع الدول الاوربية وتسعى لقبولها عضوا في الاتحاد الاوربي ، علينا  أن نعمل أيضا من أجل أن يكون العراق وحدة متكاملة كي نسعى  للدخول  في تجمعات اقتصادية وسياسية اوربية او عالمية أسوة بجارتنا تركية وبالدول الاخرى في العالم التي تسعى للانضمام الى  تجمعات دولية كبيرة كي تستطيع توسيع تجارتها واقتصادها  والحصول على خبرات واستثمارات دول كبرى متطورة صناعيا واقتصاديا وثقافيا .

إن العالم اليوم لا يستسيغ التشظي الى مكونات واشباه دول لا تستطيع التأثير في المحيط ، ونموذج النمور الاسيوية خير مثال على ما استطاعت تلك الدول انجازه  بجدارة سواء اقتصاديا او صناعيا ، كذلك مثال ماليزيا وغيرها تشجع على دراسة تلك التجارب والاستفادة منها في تطوير كيان وهيكل الدولة العراقية التي واتتها الظروف للتخلص من الدكتاتورية المتخلفة قبل عشر سنوات ولكنها مازالت تحبو وتتطلع نحو بلوغ آفاق ارحب ، ولكن قصر نظر العديد من القوى السياسية ، يسحبها الى الخلف فلا تستطيع التقدم الى أمام .

إن تقدم العراق وشعبه منوط بقواه الوطنية  المخلصة التي من شأنها أخذ المبادرة والعمل على خلق  قاعدة شعبية واسعة  تساهم في خلق أرضية صلبة يستطيع السياسي الاستعانة بها من أجل قيادة البلاد نحو الحرية والتقدم والازدهار.

 

* رؤوس اقلام  ندوة  قدمها الكاتب في الجمعية الثقافية العراقية / السويد – مالمو بتاريخ 18 / 11 /  2011

 

 





 



 

     


 

 

free web counter