|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 السبت 4/8/ 2012                                  د. مؤيد عبد الستار                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

من أجل سلام دائم وعلاقات اخوية راسخة بين العرب والكورد

د. مؤيد عبد الستار

منذ  تأسيس الدولة العراقية  الحديثة اوائل العشرينات تعرضت كوردستان الى القصف البريطاني والحروب العدوانية من أجل كسر شوكة العنفوان الكوردي وتحقيق اهداف الدول الطامعة في بلدان الشرق الاوسط التي انعتقت من قبضة الخلافة العثمانية فرسمت حدودها معاهدات واتفاقيات استرقاقية مثل اتفاقية  سايكس بيكو ومعاهدات  يالطا ولوزان وسيفر .

ومن اوائل من ذكروا قصف كوردستان العراق بالطائرات البريطانية جواهر لال نهرو في كتابه لمحات من تاريخ العالم ،وهو كتاب شهير صيغ بشكل رسائل من السجن الى ابنته انديرا غاندي ، يذكر فيه تجربة الطائرات البريطانية قنابل النابالم لاول مرة في قصف كوردستان ابان حكومة الشيخ محمود الحفيد في السليمانية  .

خضع العراق للانتداب البريطاني وبعد استقلاله الرسمي اوائل ثلاثينات القرن الماضي ظل مستعمرة بريطانية حتى بزوغ فجر الرابع عشر من تموز 1958  الذي أحيا الآمال في أن تمضي الدولة  العراقية  قدما في طريق التقدم والازدهار، فالعراق  انطلق من قمقم التخلف والجهل والمرض ، الا ان الطموحات انكفأت  فاندلعت من جديد المعارك والمناوشات الصغيرة بين الجيش العراقي والمواطنين المسالمين في كوردستان اوائل الستينات ، وسرعان ما امتد لهيب المعارك لتشتعل  حربا ضروسا زادها ضراما  نظام البعث الذي تسلق سلم السلطة بانقلاب غاشم عام 63 ففرض على  الجيش العراقي اسلوبا  جديدا في الحرب  عرف  بسياسة الارض المحروقة في كوردستان .

 شملت الحرب العدوانية ربوع كوردستان وامتدت اثارها الى الوسط والجنوب الذي خسر الالاف من الضحايا الابرياء في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وعلى حد تعبير الرئيس العراقي انذاك عبد السلام عارف  : هي  حرب يموت فيها كاكة ومحيسن . وبقية قصة الانفال والكيمياوي  الصدامي معروفة للجميع ولا موجب لسردها من جديد .

لم يشهد العراق منذ تأسيسه حتى اليوم حقبة سلام حقيقية  لينعم بخيراته ويعيش مثل دول المنطقة التي استمتعت بثرواتها النفطية رغم انها تفتقر لما يمتلكه العراق  من خيرات زراعية وانهار عظيمة اضافة الى النفط .

اليوم وبعد زوال العصابة الصدامية ، مازلنا نحبو في طريق شائك في محاولة للخروج من دياجير العقلية الدكتاتورية التي مازالت تخيم على مفاصل الحياة السياسية سواء في الحكومة او البرلمان او الاحزاب والقوى المعارضة . الجميع يحمل شيئا من مرض الدكتاتورية يجعله حجر عثرة في الانطلاق نحو التقدم والحياة الديمقراطية السياسية والاجتماعية .

ليس من شك ان ما أرساه نظام حزب البعث من تقليد في الحكم والادارة ، وما شرعه من قوانين  واساليب ادارة في الحكم ما زال نافذا في العهد الجديد وسيبقى الى حين ، ولكن يجب العمل على تقليص زمن  تلك القوانين و انهاء مفعولها السام في جسد الحكومة والمجتمع ، وهو ما يتطلب العمل الجاد من  كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني كي يتعافى العراق من آثار الحكم السابق المتخلف .

ومن بين تلك الاثار نظرة الحكم  الى المواطن العراقي . احيانا تكون النظرة طائفية واخرى عنصرية وثالثة جغرافية ، فالمدن العراقية قسمت في ظل الحكم السابق الى مدن بيضاء واخرى سوداء اي مع النظام وضده ، لتعيش مدن وسط وجنوب العراق الويلات والمآسي ، وكذلك عانت مدن كوردستان من شظف العيش والحرمان من المشاريع والتنمية ، وهكذا شملت الازمات المواطن العراقي فخلقت  منه مواطنا مكلوما  يعاني ويلات الحروب وقصاص النظام المعادي لحقوق الانسان والمناهض لادنى الحقوق التي يجب ان يتمتع بها البشر ، النظام الصدامي  حاول جعل الشعب العراقي قطيعا من الحيوانات المدجنة التي لا تمتلك قدرة على التفكير والفعل . وما زالت اثار تلك السياسة ماثلة  في العديد من جوانب الحياة السياسية العراقية ، حتى ان البعض من كبار الساسة لا يتواني عن الاشتراك في قتل المواطنين والتواطؤ مع اعداء الوطن من أجل الحصول على حفنة من الاموال أومنصب بائس يمارس من خلاله ابشع اشكال النهب وسلب المواطنين الفقراء لقمة عيشهم لينعم هو وحاشيته بنعيم السحت الحرام .

كان من آثار سياسة النظام السابق خلق حالة نفسية قلقة لدى المواطن تجعله يعيش الشك في القيم الانسانية والوطنية البديهية مثل وحدة الشعب العراقي وقدسية الوطن فاستبدل ذلك بوحدة العشيرة وقدسية الفرد الحاكم .

 نجح النظام الصدامي بفرض مفاهيمه تلك على قطاعات واسعة من الشعب العراقي وعلى الاخص المستفيدين من نظامه الذي كان يغدق عليهم الامتيازات التي لا يستحقونها ، كما نجح في خلق جيش جرار يعيش على الاعطيات والهبات مقابل استلاب عقولهم وجعل قادته امعات يركضون خلف القائد الضرورة ويتبعون فلسفته الفاشية ومفاهيمه المنحطة التي تعتاش على تفرقة ابناء الشعب العراقي وضرب شماله بجنوبه وشرقه بغربه ليتفرد مثل الغراب الناعق على تلال الخراب .

ومن اجل التخلص من كل تلك المفاهيم والقيم الهمجية  يجب على القوى السياسية سواء أكانت في الحكم أم في المعارضة العمل على تصحيح مسيرة العقل العراقي التي اصابها الخلل جراء سنوات الجدب التي فرضها النظام الصدامي واولى تلك الخطوات هي تصحيح مسار العلاقة بين ابناء الشعب العراقي وعلى رأسها العلاقة بين العرب والكورد ، لتنعكس مثل هذه العلاقة السليمة على شتى العلاقات الاخرى مثل العلاقات بين العرب والتركمان وبين المسلمين سنة وشيعة  وبينهم وبين المسيحيين والايزديين والمندائيين وهلم جرا .

ان اعادة هيكلة المشروع الوطني العراقي تنبع من تصحيح مسار العلاقة الاخوية العربية الكوردية ، وجعلها مثالا ونبراسا يهتدي به الجميع ويرعوي بها من بقلبه مرض ، فدون علاقة حضارية سلمية لا تقوم لشعبنا وطننا قائمة ، حتى لو نالت كوردستان حلمها الجميل في الاستقلال ، لا بد من علاقات وروابط سلمية اخوية متينة .ولنا في مثال استقلال جنوب السودان خير مثال ، فرغم انفصال الجنوب عن الشمال ، مازالت العلاقات قائمة على صراع وخراب ينال من الشعب السوداني في كلا البلدين الذين تشكلا حديثا .

كما نلاحظ  احتدام الصراع بين الاقليم والمركز حول جملة قضايا مثل المادة 140 ، وقانون النفط والغاز والبيشمركة .. الخ .

ان العزف على اوتار الاشكالات التاريخية دون محاولة جرئية في الاقدام على حلول وسط ترضي جميع الاطراف يعد السهم القاتل في كبد الوطن ، فالجميع مسؤولون عن تقديم تنازلات لبعضهم البعض من أجل ارساء اسس علاقات وطيدة لا تشوبها نوايا مبيتة تتربص الفرص بالاخر ، يجب أن يحرص الجميع على حقوق الجميع دون تفريط باي حق لاي طرف ، وان وجد اشكال يصعب حله فلا ضير من الاستعانة بهيئات دولية او اقليمية او دول صديقة او منظمات دولية معروفة بنزاهتها مثل الامم المتحدة او منظمة دول اسيا ، او محكمة العدل الدولية وغيرها من منظمات وهيئات للمساهمة في حل القضايا العصية والمشكلات الشائكة . كما نقترح تشكيل هيئة حكماء من مجموعة من رجالات القضاء والعلم والادب والفن والسياسة وتخويلها تقديم الاقتراحات التي تراها لحل ما يشكل حله على الحكومة العراقية .

ان استمرار التوتر في العلاقات بين المكونات العراقية وعلى الاخص بين العرب والكورد وتأجيج مشاعر الحقد والشوفينية سوف يحرق الجميع بنيران تشتعل طويلا ، لذلك يجب العمل بجد على ايجاد الحلول المناسبة لكافة الخلافات القديمة واستئصال شأفتها باسرع وقت كي ينعم شعبنا بالسلام ويتمكن من السير مع شعوب العالم نحو التقدم والازدهار.

 

 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter