| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الجمعة 22 / 4 / 2016 محمد علي الشبيبي كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
عبد الواحد كرم
محمد علي الشبيبي
(موقع الناس)أمس 21 نيسان مساءً كنت وزوجتي - أم نورس - في زيارة للعم والصديق عبد الواحد كرم (ابو حسام) بمناسبة مغادرته المستشفى بعد وعكة صحية. بعد الاطمئنان على صحته تبادلنا اطراف الحديث عن طفولته وبداية ارتباطه بالعمل الوطني. أحاول ان ادون باختصار اهم ما ذكره.
عبد الواحد كرم (ابو حسام) مزارع ومناضل شيوعي عنيد ومخضرم من مواليد نواحي مدينة العمارة. في أوراقه ثبتت مواليده 1929 بينما هو يؤكد انها غير دقيقة والأصح 1926 أو 1927! انه معذور في عدم دقة التاريخ فهذا من مخلفات تلك السنوات حيث الأمية والتخلف في تسجيل المواليد في حينها مما يسبب مثل هذه الأخطاء. عاش أبو حسام طفولته وترعرع متنقلا بين نواحي وقرى العمارة، هذا ما كانت تتطلبه حياة والده المزارع حيث كان سركالا يمتهن تأجير الاراضي وزراعتها. يتذكر ابو حسام دور عمه في تأثيره عليه منذ الطفولة. كان عمه متحررا أكثر من والده، وكان مرتبطا أو متأثرا بالحزب الوطني الديمقراطي، وكان محباً للقراءة فاستفاد من مكتبته ومن هنا جاء حب أبو حسام وولعه الشديد بالقراءة. فالمعروف عن ابي حسام ما أن تتصل به أو تعلمه برغبتك بزيارته (وهو الآن في بداية عقده العاشر) حتى يبادرك طالبا منك أن تجلب له معك ما يتوفر لديك من روايات وقصص وكتب سياسية او تاريخية! ولما أحضرت له كتابا واحدا فقط عاتبني لماذا لم أجلب له أكثر من كتاب! ربما ابو حسام نسي اني أعرته معظم كتبي، ومع هذا وعدته بإعارته من كتبي الاخرى (المتواضعة العدد) بعد إعادة كتابي هذا ...! وهكذا بتأثره بعمه حفظ وتأثر بالكثير من الشعر الوطني للجواهري وصالح بحر العلوم والرصافي وغيرهم، ومازال معجبا بقصيدة صالح بحر العلوم (أين حقي) فقد كان لهذه القصيدة دورا تحريضيا وطنيا وفكريا في تلك السنوات وكانت ممنوعة من التداول!. انهى ابو حسام الابتدائية ولم يتمكن من مواصلة دراسته بسبب ما حدثت من نزاعات (عام 1941) وصراعات عشائرية بسبب خلافات على الاراضي والمياه راح ضحيتها العشرات من القتلى من عشيرته، مما اضطرت عائلته لمغادرة قريتهم وترك أراضيهم الزراعية مرغمين.
يواصل ابو حسام حديثه: في عام 1945-1946 كنت بعمر 20 سنة اتصل بي احد معارفي وحدثني عن حزب التحرر الوطني (بقيادة الشهيد الخالد حسين الشيخ محمد الشبيبي) ومنهاجه الوطني. أعجبني منهاجه الوطني ولكنني توقفت عند موقفه التحرري من المرأة ودورها! فقلت هذا جيد ولكن موقفه من المرأة لا استوعبه ولا ينسجم مع ما تربيت عليه من تقاليد متخلفة تحط من شأن المرأة، كيف لي أن اقتنع بموقف الحزب من المرأة وأنا أحتفظ بخيزرانة خاصة لزوجتي! هكذا أوصتني عمتى حين تزوجت وهي أيضا عمة زوجتي، حيث طلبت مني أن لا اتساهل وأتسامح مع زوجتي وابنة عمي، فكنت أفتعل الأعذار لضربها أو تخويفها.
ثم اعتبرت موقف حزب التحرر الوطني من المرأة ثانويا ... فبالنسبة لي الأهم مواقفه الوطنية وخاصة القضايا الاجتماعية والقضية الزراعية بالتحديد فهي تشكل همي الأكبر بعد انتزاع أراضينا من قبل الاقطاع ... واكتشفت حينها أن هناك اجتماعات ولقاءات في الارياف وان هناك حزب شيوعي يناضل من أجل ان تكون الأرض لمن يحرثها ويزرعها ويناضل ضد الاقطاع الذي سلب أراضينا وهجّرنا ... وفي تلك السنوات بدأنا نسمع في المنطقة وبين الفلاحين يتداولون أسم شوعي (أي شيوعي) ... ثم تطورت علاقتي بجماعة حزب التحرر. وبعد رفض إجازة حزب التحرر عام 1946 شاركت في التحرك بين الفلاحين لجمع التواقيع من أجل الضغط على وزير الداخلية (سعد صالح) لإعادة النظر بقرار عدم الموافقة بإجازة الحزب. ولكن استقالة سعد صالح وتشكيل الحكومة برئاسة ارشد العمري أدى الى شن حملة اعتقالات ضد انصار حزب التحرر الوطني وخاصة على الناشطين في حملة التواقيع من أجل اجازة الحزب. وهكذا اعتقلت لأول مرة ولأسباب سياسية، ونقلت مع بعض زملائي الى مركز شرطة العمارة. كان التضامن معنا كبيرا، فكانت تصلنا يوميا موائد الطعام وأنواع الفواكه والسكائر حتى كان الطعام كافيا لجميع المعتقلين الجنائيين الذين كنا نشركهم بطعامنا. ووصلت من بغداد الى العمارة مجموعة من المحامين الوطنيين للدفاع عنا حتى تكلل جهدهم بإطلاق سراحنا بعد شهر من اعتقالنا.
وتختلط التواريخ والأحداث على ابي حسام، وأحيانا تخونه الذاكرة فيسحب دفتر صغير سجل فيه بعض الأسماء والتواريخ عله يجد بين صفحاته ما ضاع في ثنايا ذاكرته ... وتحدث عن انتفاضة آل أزيرج عام 1952 وكيف تحرك هو ورفاقه بتوجيه من الحزب في تقديم المذكرات ومقابلة المسؤولين كرئيس الوزراء أرشد العمري من أجل مطالبهم المشروعة، والتحرك لمقابلة الشخصيات الوطنية مثل كامل الجادرجي ومحمد مهدي الجواهري اللذان نشرا مذكراتهم، ولما ارادوا العودة لقراهم وهم فخورون بنشر مذكرتهم التي نشرها الجواهري لم ينجحوا في الحصول على الصحيفة لنفاذها فطلب لهم الجواهري من احد شغيلته فجلب لهم 15 نسخة.
ويقفز ابو حسام في ذكرياته ليتحدث عن اعتقاله أثر انقلاب 8 شباط 1963 الدموي وكيف تنقل بين سجن نقرة السلمان والحلة، وفي الحلة لم يسعفه الحظ في الهرب من النفق الذي حفره رفاقه حيث تم اكتشاف النفق عندما جاءه الدور للهرب ... وبقى في السجون العارفية يتنقل من سجن الحلة الى الرمادي ثم بعقوبة حتى اطلاق سراحه عام 1968 حيث انهى فترة محكوميته.
وحدثني ابو حسام عن عائلته وزوجته وأبنائه وكيف أضطر الى مغادرة الوطن عام 1979 بعد الهجمة الشرسة على الحزب وجماهيره وعاش منذ ذلك العام متنقلا في المنافي بعيدا عن عائلته الى أن أستقر به الحال في السويد. وكيف غامر بالذهاب الى كردستان أيام الطاغية للقاء عائلته ونجح في ذلك ... ويتحدث بمرارة عن التخلف والردة والإحباط الذي أصاب البعض في داخل العراق بسبب الحروب وسياسة الحصار والدكتاتورية المقيتة التي سيطرت على المجتمع العراقي وانتشار الأفكار الغيبية المتخلفة. ولم يخلُ حديثه من التطرق عن بعض خصوصياته العائلية ..... يقول بفخر واعتزاز أن أبنائه وأحفاده يصل عددهم الى السبعين فردا وهو في تواصل مستمر معهم. ورغم شيخوخته ووحدته فهو ما أن يلقاك حتى يلح عليك باستضافتك للغداء فالجميع هنا يعرفون كرمه هذا. في السنوات الأخيرة أثرت عليه أمراض التقدم بالسن أكثر وأصبح خروجه من البيت نادرا ولكن رفاقه وأصدقائه لم يتخلوا عنه بزيارته والسؤال عنه وتقديم المساعدة له. وهو مازال كثير التدخين وفي احدى المرات (واثناء رقوده في المستشفى) عثرت عليه الممرضة وهو يدخن في الحمام خلسة! فهو يعرف ان التدخين ممنوع في الردهات وفي المستشفى عامة، فجرب التدخين في الحمام معتقدا ان غلق الباب سوف يساعده في عدم كشف سره! لكن جهاز التنبيه الموجود في الحمام نبه العاملين واكتشفوا تلبسه (بجريمة) التدخين خفية، فحذروه من ذلك وهو الان ملتزم بعدم التدخين في المستشفى والله اعلم!
الف تحية للعزيز ابا حسام واتمنى له العمر المديد والصحة والعافية.
لوند 22/4/2016
هذه بعض الصور التقطتها في زيارتي لأبي حسام