|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  12 / 11 / 2017                                 محمد علي زيني                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



ما زال الفساد مستشري بوزارة النفط

د. محمد علي زيني  (*)
(موقع الناس)

يثير الفساد المستشري في العراق الآن شجوناً لا تنتهي عند أفراد الشعب العراقي المغبون. بدأ الفساد ينتشر على أشده بعد الإحتلال وجاء على موجتين. الأولى بدأت مع الحاكم المدني بريمر وبمعية مجلس الحكم. والثانية بدأت برحيل ذلك الحاكم وما زالت مستمرة. على أن موجة الفساد هذه بدأت تنخفض تدريجياً نتيجة صحوة أصابت مجلس النواب مؤخراً. وإن حساب الفاسدين، كما يبدو، لم يشمل حتى الآن القطط السمان المتربعة على سدة الحكم، وإنما شمل الذين هربوا بما حملوا وما زالوا يتمتعون بما سرقوا. أما الذين حوسبوا وهم في الداخل، ولربما كان حملهم خفيفاً على أية حال، فأولائك لم يتعرضوا إلا لعقوبات خفيفة جداً لا تتناسب حتى مع ما كان يستوجبه القانون.

لقد ارتكب المسؤولون العراقيون، وغير المسؤولين، شتى أنواع السرقات. على أن ما يهمني منها في هذا المقال ما يخص ثروات النفط الخام. ذلك أن ما أثار شجوني هذا اليوم هو ما قرأته من سجال دار بين صاحبَيّ عدنان الجنابي وأحمد موسى جياد (1) حول بعض مشاكل وزارة النفط، وهي كثيرة، يأتي بمقدمتها الفساد المستمر بهذه الوزارة، منذ الإحتلال ولغاية الوقت الحاضر، وبالأخص منه الفساد المتعلق بإنتاج النفط الخام وخزنه ونقله وتسويقه. إن آخر أذىً لحق بوزارة النفط هو قرار مبادرة الشفافية العالمية للصناعات الإستخراجية
EITI القاضي بتعليق عضوية وزارة النفط العراقية، والذي صدر بالشهر الماضي (تشرين الأول 2017) نتيجة لعدم إمتثال هذه الوزارة بالمعايير المطلوبة.

ولشدّ ما هيّج شجوني بذلك السجال هو قول الجنابي مخاطباً صاحبه جياد:
"إن إعطاء العراق (وزارة النفط) براءة ذمة من قبل مبادرة الشفافية هو جريمة بحق العراق وتبرئة لأكبر سرقة وسوء إدارة في التاريخ (
راجع – الخسائر والهدر في قطاع الطاقة – 2015، مركز البحوث والدراسات العراقية – mobdii.org).
إنني لست آسف على "تعليق" عضوية العراق، ولو كنت وزيراً للنفط لطردت كل من له علاقة بمبادرة الشفافية لإسائتهم للعراق ولإعطائهم وثيقة براءة لأكبر عملية سرقة للنفط وإيراداته."

وهذا قول يخرج بمرارة، كما هو اعتقادي، من قلب مطّلع على حقيقة ما يجري داخل وزارة كانت وما زالت، وستبقى مستقبلاً، الأساس الذي يستند إليه الأقتصاد العراقي لسنوات يصعب التكهن بعددها بظل ظروف العراق الحالية التي أصبحت شديدة الإرتباك منذ الإحتلال.

نعم، إن الفساد المستشري في العراق لهو مثير لشجون الشعب العراقي، ومنهم العراقيون الذين اختاروا المهجر وهم مظطرون أينما رحلوا وحلّوا، وكان من بين هؤلاء كاتب هذه السطور. فهو قد كتب عن هذا الموضوع الخطير كثيراً، ويأتي ضمن كتاباته بهذا الشأن سلسلة من ست حلقات بعنوان "الفساد في العراق" منشورة على موقعه الفرعي في "الحوار المتمدن" (2). وليس غريباً القول الآن بأن الفساد في العديد من الوزارات أصبح هو القاعدة، وقد أشار لذلك تقرير سري صدر منذ 2007 عن السفارة الأمريكية ببغداد، يبحث في الفساد المستشري في الوزارات العراقية، وقد نشرت الأسبوعية الأمريكية (
The Nation) مسودة لذلك التقرير. لقد تحدث التقرير بالتفصيل عن حالة الفساد بالعراق وعن قلة متابعة حالة اللصوصية واللاأخلاقية التي اتسمت بها الحكومة العراقية، كما استخلص بأن الفساد في العديد من الوزارات أصبح هو القاعدة. وصوّر التقرير الحكومة العراقية بكونها تعج بالفاسدين والمجرمين الذين لا يمكن أن ينال منهم مفتشو محاربة الفساد، إن لم يكن أغلب هؤلاء المفتشين متواطئون معهم.

وحين تصل مشكلة الفساد الى القطاع النفطي، وبالأخص تصدير النفط الخام، فتلك هي الطامّة الكبرى نظراً لأن الأموال التي تتضنها هذه السرقات هائلة جداً، وهي مستمرة لغاية وقتنا هذا. إذ ما زالـت أجهزة قيـاس كميات الـنـفـط المنـتـج والـمـصـدر لم يكمل نصبهـا بعد. وقـد ذكر ذلك في البداية المجلس الدولي الاسـتـشـاري والرقابي (
International Advisory and Monitoring BoardIAMB”) المعين من قبل الأمم المتحدة للإشراف على عوائد العراق النفطية، والذي انتهت مهمته بنهاية 2009، إذ ذكر في 26/4/2009 إن الحكومة العراقية بطيئة جداً في نصب أنظمة قياس النفط المنتج والمصدر من أجل السماح بالشفافية المطلوبة لعمليات الإنتاج والتصدير. وقال المجلس "إن (IAMB) قلق لأن واحداً من بين التوصيات الأولى، منذ 2004، وهي المتعلقة بقياس النفط، تبقى غير كاملة التنفيذ. وقالت شركة التدقيق العالمية KPMG في آخر تقرير لها، وهي شركة اختيرت لتدقيق مصروفات صندوق تنمية العراق، "إن تحرياتنا في كانون الأول (ديسمبر) 2008 كشفت بان نصب منظومة قياس النفط لم يكمل منها سوى 33%... ولا يمكن التأكد من كميات النفط المنتجة في حالة غياب منظومة كاملة للقياس".

لقد استمرت الأمور على هذا المنوال وكأن سرقة المال العام واجب يجب الإلتزام به وتنفيذه خدمة لمصلحة الشعب والوطن. ولم يتحرك ضد هذا الإجرام المستمر أو يفضحه سوى المؤسسات الأجنبية كما ذكرنا أعلاه. كذلك لم يتحرك أحد من مجلس النواب، وهم من الناحية النظرية، ممثلو الشعب وحماة حقوقه، سوى النائب النجيب صادق المحنا، إذ خرج بمؤتمر صحفي مع ثلاثة من زملائه النواب النجباء (ماجد شنكالي، علي الفياض، غادة الشمري) قائلا "إن نحو 100-300 ألف برميل نفط يوميا، تصل قيمتها إلى 20 مليون دولار، تسرق من عدادات النفط غير المضبوطة، بما يعادل سبعة مليارات دولار سنويا". وتابع أن "الحكومة تبحث عن قروض بمليار دولار أو أكثر من الدول الأخرى، فيما تسرق سنويا من نفط العراق سبعة مليارات دولار". هذا ما نشرته جريدة بغداد بوست الألكترونية بتأريخ 17 كانون الثاني 2017.

إن ما يجري الآن بحق بلد أضحى يتهدم باستمرار، وتنتشر بمدنه النفايات، وتسوده الجريمة، وينخر غالبية شعبه الفقر والمرض والجهل والتخلف والتشرد إنما هي جريمة تأريخية سوف لن تنساها الأجيال العراقية القادمة وهي تعيد بناء عراق الحضارات والعلوم والمدنية والنور.
 

(1) أنظر محمد علي زيني: جدل بين خبيرَين نفطييين. الرابط أدناه
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=578504
(2) أنقر الرابط http://www.ahewar.org/m.asp?i=3340


(*) باحث وكاتب أقتصادي متخصص في الاقتصاد النفطي

 

 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter