| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                              الأحد  10 / 8 / 2014


 

عن الوصاية (*)

عبد المنعم الاعسم 

دول كثيرة، في العقدين الماضيين، اخذها منزلق الصراعات الى وصاية دولية مُذلة فوجدت نفسها (تذكروا يوغسلافيا السابقة) تشحذ الصدقات على ابواب الدول "المحْسنة" بالرغم من ان بعضها يعدّ من دول الكفاية، ثم شاءت بعض "ابواب جهنم" ان تنفتح على اسياد الخراب من السياسيين وذوي الرؤوس العنيدة الذين قادوا دولهم الى هذا المآل ليكونوا مطلوبين للعدالة في قفص محكمة الجنايات الدولية، فيما انتهت دولهم الى تكيات وخيام وكيانات مجهرية، وشعوبهم الى طوابير امام فرق الاحسان الدولية.

الوصاية الدولية، أو التدويل، كما يعرف خبراء القانون الدولي، ليس مرخص لهما إلا في حالة تشرذم الدولة وفقدان قدرتها على حماية سيادتها، أو، في مفاهيم العلاقات الدولية، حين يصبح النظام السياسي للدولة شأنا دوليا مباحٌ البحث فيه والتدخل في مصائره، وبمعنى أدق، يصبح مستقبل الدولة التي تمر في دوامة الانشقاقات والاضطرابات (وتشكل خطرا على جيرانها وامن الاقليم) تحت التاثير المباشر للقوى والتحالفات الدولية الكبرى التي تقرر شكل الوصاية والتدويل والتدخل ومدياتها.

والحق، ان رحلة التدويل (بالنسبة الى العراق) بدأت، في حقيقة الامر،منذ ايلول العام 1980حيث قرر صدام حسين، آنذاك، اجتياح الاراضي الايرانية، وخلق مأزقا اقليميا وفراغا، سرعان ما شغلته الاساطيل الامريكية والغربية، ثم، تكامل التدويل مع مغامرة صدام حسين الثانية باجتياح الكويت، بل كُرّس على الارض وفي قرارات، زادت على العشرين، لمجلس الامن الدولي اجمعت على تحميل العراق المسؤولية عما ترتب على هذه العملية، وكان العراق سينأى عن خطر التدويل والوصاية بعد انسحاب قوات الاحتلال العام 2010 لولا الصراع الفئوي على السلطة واندلاع اعمال العنف والارهاب وسوء ادارة السياسات وملف الارادات، ما اعاد احياء هذا الخطر على طاولة البحث.

اقول، كان يمكن احتواء قيود ولوازم وتاثيرات خطر الوصاية، فقط، عن طريق بناء ارضية لدولة مواطنة اتحادية تحترم التنوع ولا تقصي او تهمش (أو تُسلّط) مكونا من مكوناتها، وبمعنى ادق، بناء مرجعية عراقية وطنية مؤهلة، ومفوّضة من مكونات وشرائح وعقائد المجتمع، وتهيئة الملايين لممارسة "تمارين" اولية من الديمقراطية والحريات العامة، وتحقيق تحسينات جدية في سبل المعيشة والدورة الاقتصادية.

وإذ يشار الى اخطاء ومنزلقات الطبقة السياسية التي ادارت لعبة الحكم ومسؤوليتها في تأثيث المسرح للوصاية والتدويل فان علينا ان لا نقع في التبسيط فنتغافل عن استبصار التأثيرات التي ترتبت على اندلاع دورة العنف والعصيان المسلح والجريمة المنظمة وانتقال البؤرة الارهابية العالمية الى شمال العراق والاعتداءات الاجرامية ضد المسيحيين والايزيديين والمذاهب المختلفة وتدنيسها الحريات والانتماءات وحقوق العبادة والوجود، وتدفق الانتحاريين من كل مكان، حيث خلقت كل هذه المعطيات خطر تدويل المستقبل السياسي للعراق، وقد فاقم ذلك انانية ونفاق وتدخل واطماع شركاء العراق في الاقليم.

باختصار، يقف العراق فوق برميل من البارود، قد ينفجر فتتناثر اشلاؤه، وتُسبى ملايينه، ويتحول الى استغاثة مدوية ومثيرة للشفقة، فيما اصحاب الادارة السياسية إذنٌ من طين وإذن من عجين.

"ليس من الضروري أن تنصح الحكيم، فالحمقى هم من يحتاجون النصيحة"
                                                                                بل كوسبي -
ممثل وناشط امريكي
 

(*) نشر في جريدتي (الاتحاد) و(طريق الشعب)



 

free web counter