| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

عبد المنعم الأعسم

mm14mm@yahoo.com

 

 

 

                                                              الأحد  29 / 6 / 2014


 

حكومة.. بالتلقيح المجهري *

عبد المنعم الاعسم 

الحديث، يخرج الآن من الكواليس الى الفضاء الاعلامي الطلق، عن حكومة جديدة في العراق ينبغي ان ترخّص لها دول اخرى، او تولد عبر التلقيح المجهري في «انابيب» دقيقة من حوامل خاصة (إملاءات) مستوردة من خارج الحدود لغرض مساعدة السياسيين العراقيين الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد، او في المصطلح الطبي يعانون من «العقم» ويتعذر عليهم «إنجاب» حكومة سليمة العود والهوية والسمعة والأهلية، ثم، لكي يسجلوا سبقا في براءة اختراع، لم يسبقهم له أحد، بعنوان «حكومة الانابيب» اعترافا منهم بهذا العقم، وإعلانا بالعجز (العجز!) في ادارة شؤون البلاد.

حكومة التلقيح المجهري العراقية (انتباه) تفتتح مرحلة اقامة مثل هذه التجارب الجديدة وتضعها امام العلم والعالم والامم، بأخذ بويضات من (الأم) الحاضنة العليلة للازمة السياسية وحيوانات منوية من فحل اجنبي (الأب) له سطوة ومليشيات وقواعد في الخليج ونقـْلها الى حيازات مناسبة في مختبرات وكواليس ودرابين شبيهة بقناة فالوب حيث يتم التلقيح وترتفع الصلوات والتبريكات وتبدأ مرحلة انشطار واعادة تركيب وولادة المشروع- الحكومة الجديدة، هكذا، بالضبط، وُلدت «لويز بوران» التي قصّت شريط اطفال الانابيب قبل 36 عاما، كحلّ لمشاكل الرحم (أكرر: مشاكل الرحم) واستعصاءات الولادة الطبيعية.

لكن العالم البريطاني «روبرت إدواردز» الحائز على جائزة نوبل في الطب عن هذه العمليات الجينية الرائدة يحذر من «أن نمو بويضة الأنبوب في ظرف غير طبيعي قد يتسبب في تشوه ما للطفل فيما بعد» كما تؤكد عالمة الاستنساخ الفرنسية «بريجيت بواسولييه» رئيسة مؤسسة «كلون ايد» ان الكثير من الولادات التي يتم تحقيقها بالتلقيح المجهري لا تحمل بالضرورة صفات امهاتها، بل تنشأ في الغالب غريبة في اطوارها، والمهم، قد تكون عليلة، ضعيفة الارادة.

وبعيدا عن هذا، نحتاج هنا الى فهم المنطق الذي يسوّق هذه الاستعانة المذلة بالاخرين، او الاستخذاء امامهم، او القبول باملاءاتهم لاختيار منصب رئيس الوزراء وتعيين شكل الحكومة ومكوناتها، وذلك بالقول، ان على هذه الدول (هكذا يزعمون) التزامات لا توفيها إلا مع حكومة تذعن الى شروطها وأهوائها ومع رئيس للحكومة لا يخرج على فروض التبعية لسياسات هذه الدول، ولا يتخذ قرارات او يعقد تحالفات لا تحظى بموافقتها، بدل ان يعكف اصحاب الازمة على تشكيل حكومة من كفاءات ورجال علم وخبرة ووطنية ومن الاطياف التي تشكل هوية البلد، وبرنامج وحلول عابرة للمحاصصة والطائفية والفئوية وهوس الزعامة والكسب الحرام.

منطق، عدا عن انه يسيء الى اصحابه، فهو يضع جانبا سيادة الدولة العراقية، ويُسقط جملة من المعايير والاليات ذات الصلة بالدستور والبرلمان والاستحقاق الانتخابي.. وقطرة الحياء.


"أتعس أنواع الحكومات هى التي تفرض عليك أن تذكرها صباح مساء"
                                                                                همنغواي



* نشر المقال في وقت واحد في جريدتي (الاتحاد) و (طريق الشعب) يوم الاحد 29/6/2014


 

free web counter