| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأربعاء 21 / 8 / 2013 موسى فرج كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
تعقيباً على : يوم قيامة بغدادي للكاتب عدنان حسين : . . نظام صدام لا يمكن مقارنته إلا به
موسى فرج
من بين تعقيدات الحالة العراقية في أيامنا أن المثقف العراقي اليوم عندما ينتقد الحكومة أو يعترض على بعض من ممارساتها فانه مضطر لأن يقدم قبل ذلك كشفاً بسيرته الذاتية تثبت بأنه لم يكن في السابق بعثياً، وانه أكثر من ذلك كان معارضاً لنظام صدام ، والأستاذ عدنان حسين لم يخرج عن هذه القاعدة عندما كتب مقالته (يوم قيامة بغدادي) فقد قدم لها بقوله :
(أعترف، أنا الذي كان لي شرف معارضة نظام صدام حسين لأكثر من ربع قرن .. معارضته بضراوة لم تَعرف المهادنة يوماً برغم الإغراءات المادية التي قدمها النظام لكي أسكت، مجرد السكوت، وبرغم الاضطهاد المتواصل والمتفاقم الذي تعرضت له عائلتي بعد فراري سرّاً إلى المنفى، من اعتقال وتعذيب وملاحقة وتضييق ومحاربة في الأرزاق، حتى الوالد والوالدة كانت لهما حصة فيها..) ..
أما .. لماذا يضطر العراقي عندما يمارس حقه الدستوري في التعبير عن رأيه ويمارس واجبه الدستوري في تقويم أداء الحكومة لأن يَجبُّ الغيبة عن نفسه أولاً..؟..
فلأنه يعرف إن (أحباشات الحكومة وأحباشات أحزاب الحكومة) ليس في متناولها غير وصمه بالبعثي.. وهي أسهل الطرق وأقصرها بالنسبة لهم ولكنها من أصعب الأمور وأكثرها مشقة بالنسبة له وللأسباب التالية :
1. إن ذلك يخرجه من ملة النظام الجديد ويضعه في ملة البعث وهو ما يماثل في قسوته ـ بحسب مقاييس عصر الرسالة ـ إخراجه من ملة الإسلام والقذف به في خندق الجاهلية .. وهذا ليس عدلا فهو قاس كتكفير المسلم الموحد المتعبد المتهجد في أطراف النهار وأناء الليل في زماننا.. .
2 . وان ذلك يشطب وبجرة قلم معاناة ومكابدة تحملها العراقي من جراء مناهضته لنظام صدام امتدت لعقود وليس أشهر أو سنوات .. وهذا قاسٍ جداً خصوصاً وان العراقي من هذا الصنف عندما يقلب أوراق سيرته الذاتية فأن موقفه من نظام صدام وتلك المكابدة والمعاناة من جراء ذلك الموقف هي ما تجلب له الرضا عن النفس والفخر الشخصي أمام ذاته وعائلته وأصدقاءه والناس من حوله ..
3 . في أعقاب سقوط نظام صدام نشرت إحصاءات شبه رسمية تقول بأن عدد منتسبي حزب البعث يبلغ 2 مليون نسمه بين رجال ونساء ، شباب وكهول ، عسكريين ومدنيين بما في ذلك شيخ رمان وعشيرته وشعبة غزلان وجماعة بدر الدين مدثر وجماعة شبلي العيسمي.. ولما كان تعداد العراق في يوم 9/4/2003 يبلغ ـ الله لا يجذبني ـ (لا يوجد تعداد سكاني) هو30 مليون فإذن يوجد 28 مليون عراقي فإما أن يكون هؤلاء فضائيين مثل منتسبي الداخلية الوهميين أو أن مسطرة صدام التي كان يستخدمها في تصنيف العراقيين بقوله كل العراقيين الجيدين بعثيين وان لم ينتموا.. انتقلت عائديتها إلى أحباشات الحكومة وأحباشات الأحزاب الحاكمة حاليا ليستخدموها ضد كل من يقول : ثلث الثلاثة واحد .. فكل الذين لا ينتمون إلى أحزابهم هم بعثيين وان لم ينتموا .. وهذا سفه بيّن ووقاحة يجب ردعها.. خصوصاً وإنهم لا يحتكمون إلى الجبروت الذي كان يسهل لصدام استخدام تلك المسطرة وهم في هذه الحالة كالرضيع الذي يلبس بسطال شرطي..
هذا جانب (اعذروني بسبب عدم استخدام كلمة جنبه الشائعة هذه الأيام على لسان الحكوميين والبرلمانيين .. فأنا لا أساير الموضة في هذا المجال فلم استخدم كلمة القرمباره المستخدمة قبل عهد صدام ولا كلمة البوري الشائعة إبان عهده..) الجانب الآخر في سهولة ومشروعية إلصاق تهمة البعثي على كل من يقول ثلث الثلاثة واحد هو لأن البعثيين في الحقيقة ابلوا بلاء حسناً وواجهوا النظام الجديد بضراوة ولكن لحساب السعي بالعودة بالأمور إلى ما كانت عليه قبل 9/4/2003 حتى بات متاحا للبعض بان يطلق على الآراء المناهضة والمعترضة وصف الردح البعثي .. .
حول هذا.. أنا عندي تجربة متواضعة ألخصها بالآتي:
في ليلة رأس السنة في عام 2003 وكنت قد التحقت بلجنة شكلها مجلس الحكم مكلفة بإعداد مشروع قانون هيئة النزاهة ومشروع قانون المفتش العام ، كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلاً وكنا نتهيأ للمغادرة حيث غادر جميع العاملين في مكتب الدكتور موفق الربيعي رئيس اللجنة ولم يبقى إلا نحن الاثنين هو وأنا وكنا واقفين في باب مكتبه والرجل لا محزوز ولا ملزوز قال لي بشكل استفزازي : أنتم الذي بقيتم في العراق إما بعثيين أو وكلاء أمن ..! وكان يتكئ بيده على إطار الباب ، في تلك الحقبة فان من يواجه اتهاما كهذا فانه يسارع إلى شبك يديه على صدره ويتجه صوب كربلاء ليحلف بالعباس (ع) بأنه لم يكن بعثياً.. أنا لم أفعل ذلك إنما قلت له : نحن الذين رابطنا في العراق نحمد الله على أمرين تحققا لنا .. قال بتراخ ما هو الأول..؟ قلت له : أن نشهد انهيار نظام صدام وبعثه بأم أعيننا ونكتفي بعد ذلك من عمرنا بساعة واحدة فقط لا غير .. وها قد تحقق لنا ذلك .. قال بتراخ مشوب بالسخرية .. والثاني ..؟ قلت له : إننا لم نتلوث رغم الضغوط الأمنية والمعيشية والنفسية التي لم تكن أسابيع أو أشهر ولا حتى سنوات إنما عقود .. ولو كنت وجماعتك من واجهها لبلغ بكم التلوث إلى هاماتكم ..
صوّب نظره إلى عيني طويلا ومن ثم أنزل يده من على إطار (جرجوبة) الباب ولكن باحترام واضح ً.. درت على نفسي وغادرت .
وقبل 3 سنوات كتبت بان المحيطون برئيس الحكومة ينكرون وجود الفساد في العراق ويتهمون من يقول بوجوده أنه بعثي .. أنا أقول بوجود الفساد ومن يتهمني فان (زيجي أمامكم وأزياكهم يمكم وشوفوا ياهو الزيجه مقدود من قُبُلٍ.. وياهو الزيجه مقدود من دُبرٍ..؟) ومن يقول عني بعثي أقول له : فلان وفلان في مكتبك مو بعثيين ..؟ وفلان وفلان مو من فدائيي صدام ..؟ 40 سنه ونحن نعظ على النواجذ نواجه صدام فهل واجهته أنت أم كنت تحارب طواحين الهواء في أزقة وداربين لندن ودمشق ..؟
ثم من قال إن العراق عزبة خلفها لك أبوك وليس للعراقيين من غير حزبك والشلة التي إليها تنتمي..؟ ثم هل أن الانتماء لحزبك اليوم ابعد منالا من الانتماء للبعث أيام زمان ..؟.
أما الأكثر أهمية في مقالة الأستاذ عدنان حسين فهو الآتي :
(أعترف بأنني أخطأت إذ كتبت في الصحف والمجلات التي عملت فيها خارج الوطن، وإذ قلت في الندوات والمؤتمرات واللقاءات التلفزيونية والإذاعية، أن النظام الذي تشكّل بعد 9 نيسان 2003 سيكون أحسن من نظام صدام .. أعترف بأنني أخطأت في دفاعي المستميت عن هذه الفكرة، فيومها لم أكن أتخيل أن العراق سيشهد نظاماً سيئاً كنظام صدام.).
وفي هذا الصدد أشير إلى الحادثة التالية :في عام 2008 كنت في زيارة لرئاسة مجلس النواب (محمود المشهداني ونائبيه خالد العطية وعارف طيفور).. وقلت لهما : إني أرى أن أقسى ما يوجه للمسؤول الحكومي أو البرلماني اليوم من تقريع هو أن يقال له إن نظامكم لم يختلف عن نظام صدام .. أما إذا كان القول بان نظام صدام أفضل فهي الكارثة واني لأعجب من شخص وطني يسمع هذا ولا يشهر سيفه.. وها أنتم قد أتحتم للبعثيين أن يتحولوا من قول ذلك همساً إلى قوله جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد ( عفواً صديقي عدنان أنا لا أقصدك )..
والذروة في مقالة الأستاذ عدنان حسين كانت قوله :
(كان عهد صدام سيئاً ، لكن العراقيين كانوا، مثلا، يعرفون متى تنقطع الكهرباء ومتى تأتي .. وفي عهد صدام السيئ كانت الحصة التموينية أكثر عدداً في مفرداتها وتصل في موعدها .. وفي عهد صدام السيئ كانت المدن أنظف ... في عهد صدام المتوحش لم يوضع الناس أمام خيارين : إما أن ينحشروا في السيارات ساعات لعبور نقاط التفتيش، أو أن يقطعوا الكيلومترات تحت الشمس الحارقة أو المطر الغزير أو عواصف التراب ليصلوا إلى دوائرهم ومراكز أعمالهم وبيوتهم.. وفي عهد صدام المتوحش كان الذي مع النظام مدللاَ، والمعارض مهدور الحقوق والكرامة، والذي لا مع الحكومة ولا مع المعارضة لا أحد يتعرض له في الغالب..)..
صحيح العراق انتقل من دولة الاستبداد إلى دولة الفساد وصحيح أن النظام الحالي نظام سيء بكافة المقاييس وبكافة المعايير.. ولكن أن تطاوعني نفسي بأن أقول : إن نظام صدام أفضل .. فهذا لن يكون .. ليس لمزايا وأفضليات النظام الحالي ولكن لبشاعة نظام صدام .. ويبدو أن البعض من العراقيين ممن هجر العراق قد أنستهم أفضليات الحياة في الغربة ما علق في نفوسهم من بشاعة نظام صدام ..
لا تقل لي الخدمات والتفخيخ والازدحام .. بل قل لي : إنكار مواطنتك وإهدار كرامتك وسحق آدميتك .. نظام صدام لا يمكن أن يقارن بغيره وإنما تجوز مقارنته به فقط .. فان كانت الأنظمة فيما عداه حمى فهو الطاعون بعينه ..
أما عن الازدحام والخدمات والكهرباء والتموينية .. فـ وداعتك في احد الأيام كنا قد غادرنا دوائرنا باتجاه بيوتنا وفي عبور تقاطع البياع قرب جامع أم الطبول وجدنا الشارع مغلق لأن موكباً سيأتي من المطار وانتظرنا وطال انتظارنا وكانت سيارة بجوارنا تحمل عروساً تريد العبور للجهة المقابلة لتكمل مسيرتها ولكن ممنوع العبور تطوعنا لنتوسل بهم ليسمحوا فقط للعروس أن تعبر الشارع فلم يوافقوا ولليل.. والعروس فاتها القطار.. وفي الليل تابعنا التلفاز وإذا الزائر هو الياس فرح .. بضميرك استاذ عدنان هو الياس فرح يستاهل يقطعون الطريق على موده ..؟
في أحد الايام كانوا يطرقون علينا بيوتنا .. هاه .. عسى ما شر..؟ قالوا : غدا تتواجدون في الحلة بناء على أوامر القيادة السياسية .. ما رحنا .. بالليل شفنا جيفكوف مذهول من البحر المتلاطم من البشر على كورنيش الحله.. لإظهار شعبية صدام ..
وفي احد الايام اشتريت بطل بيبسي من احد الباعه الصغار بدرهم وكان البيبسي ما بيه رغوه ففلت لساني وقلت هذا البيبسي ماكو براسه غيره مثل الجماعه وأنطيت الزغير دينار براسه حتى ما ينقل الكلام .. أما عن قولك :
(وفي عهد صدام المتوحش كان الذي مع النظام مدللاَ، والمعارض مهدور الحقوق والكرامة، والذي لا مع الحكومة ولا مع المعارضة لا أحد يتعرض له في الغالب)..
المدلل والمعارض خلينا منهم بس هذا الـ لا ولا جان مرتاح ..؟
لعد أنت ليش هاجرت قابل مفخخ درب سجوده ..؟.. لازم نسيت الاستمارات الاسبوعيه وكل يومين والثالث يطلبون الجنسيه وشهادة الجنسيه .. حتى أن في أحد الأيام زهكت .. وقلت لهم هاي الجنسيه وهاي الشهاده وتبعيتها عثمانيه انطوني بمكانها بنكلاديشي .. بس خلصوني .. وإذا تريد جواز تروح للشعبه الخامسه.. ومن ليس معنا فهو ضدنا .. ويا محلا النصر بعون الله ..
في احد الاحتفالات ومكبرات الصوت تصيح : أولاد عدنان .. أولاد قحطان .. التفت الىّ زميلي الكردي في الدائرة وقلت له : أنت من أولاد عدنان ..؟ لو من أولاد قحطان ..؟ رد عليّ مهتاجاً : آنا من أولاد طكَعان ..!. .