|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  9  / 10 / 2018                       محمد جواد فارس                            كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

العمل التطوعي في خدمة الانسانية
تجربة أنغولا الشعبية

محمد جواد فارس
(موقع الناس)

العمل التطوعي هو مشاركة وجدانية يقوم بها شخص أو فريق ، وهو خدمة تطوعية في مجالات متعددة منها الخدمات الطبية ، وخدمات تعمير في المدن التي دمرتها الحروب ، وأيصال الماء النقي الصالح للشرب ، او بناء المحطات الكهربائية ، لذلك ظهرت في نهاية القرن العشرين منظمات المجتمع المدني وانشأت منظمات تطوعية في مجالات عملية لتقديم خدمات للشعوب هي في حاجة لها ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر منظمة أطباء بلا حدود في فرنسا ، ومنظمة أطباء لمساعدة الشعوب في جيكوسلوفاكيا وانا الان بصدد الكتابة في هذه التجربة .

في نهاية السبعينات من القرن العشرين ، جرى التداول في أتحاد الطلاب العالمي والذي كان مقره براغ عاصمة جيكوسلوفاكيا لاعداد فصيل من الاطباء لمساعدة الشعوب الخارجة للتو من الاستعمار وحصلت على الاستقلال ، وجرى أختيار جمهورية أنغولا الشعبية التي حصلت على أستقلالها من الاستعمار البرتغالي .

كنت قد انهيت دراستي الاولية في الطب البشري وبعدها انهيت الاختصاص في الطب الباطني في الاتحاد السوفيتي في مدينة كرسندار في معهد الطب والذي يحمل أسم الجيش الاحمر ، وأصبحت لدي معلومة لماذا معهدنا يحمل هذا الاسم لأنه كان يضخ المتطوعين من الاطباء ويرفدهم الى الجبهة في القتال من أجل الدفاع عن الوطن الام ، ومن خلال الدراسة ترسخت لدي هذه الافكار الرائعة في تقديم المساعدة لمن يستحقها وهو يقدم نفسه من أجل الوطن السوفيتي .

عندما اقترحت منظمة الحزب الشيوعي العراقي ورابطة الطلبة العراقيين في موسكو علينا ، ان كنا نرغب بالمشاركة ، وكان جوابي بالموافقة ومعي من موسكو زميلين انهيا دراستهما وزميل اخر من جمهورية يوغسلافيا ، واصبحنا نحن أربعة من العراقيين في الفصيل، وبعد سفرنا في عام 1980 الى انغولا ، واستقبلنا من قبل أتحاد الشباب الانغولي وعرفنا ان معنا أطباء من ايرلندا والهند وصحفي من براغ لتغطية نشاطات الفصيل ، في البدء وجدنا ان العاصمة الوندا وهي على ساحل المحيط الاطلسي جميلة في الابنية والتي ترك المستعمر البرتغالي مدينة جميلة وواسعة وساحلها يتمتع به سكان العاصمة مساء و تقوم به الكرنفالات التنكرية والموسيقية الجميلة ، الحكومة الأنغولية تستخدم في دوائر الدولة والشارع اللغة البرتغالية ، ولذلك كان من المفروض ان ندرس اللغة البرتغالية للتعامل مع المريض ، فخصص لنا المعهد أيام لدراسة اللغة وفعلا بفترة قصيرة اصبحنا نجيد اللغة واصبحنا نعمل في مستوصفات العاصمة ونحن نسكن في شقة ، واصبحت المواصلات المخصصة لنا لذهابنا للعمل ، واطلعنا على الادوية المتوفرة في صيدلية المستوصف وكذلك امكانية اجراء الفحوصات المخبرية اللازمة للتشخيص ، كانت الامراض التي تعرفنا عليها من تلك التي كنا قد درسناها في الكلية وهي الامراض المعدية ، وامراض المناطق الحارة وشبه الحارة ، وبعد فترة طلب منا العمل في مدينة أويج شمال انغولا قرب الحدود مع دولة الكونغو وقريبة على مدينة كوندا النفطية ، وهناك عملنا مع زملائنا الاطباء الكوبيين وهم أطباء أكفاء في مجال الجراحة ، وكنا نسكن نحن الاطباء العراقيين في منزل كبير ويقوم بأعداد وجبات الطعام أحد الاخوة الانغوليين أتذكر اسمه باشكوال ، وكذلك اخوات من الانغوليات احداهن لتنظيف المنزل والثانية لغسل الملابس ، لقد قدم الرفاق الانغوليين كل ما نحتاجه ، وفي الريف في منطقة قريبة من المدينة ، كان هناك كوخ حدثني فلاح عنه انه كان ايام التحرير يعالج فيه المناضل الدكتور ارنسو تشي جيفارا وهو يضع سلاحه الفردي قربه ويقوم بفحص المرضى ،ومعه ولم يغادره البخاخ لانه كان يعاني من الربو القصبي ،ويستخدمه عند النوبات .

كنا سعداء بعملنا لاننا نقدم خدمات جليلة نهارا وليلا ومعنا سلاحنا الشخصي الكلاشنكوف الروسية الصنع وذلك تحسبا لاي أعتداء يمكن أن يحدث من قوات المرتد (روبرت هولندا) الذي كان يقاتل الجيش الانغولي في الشمال و (سفمبي) في الوسط والجنوب ، ، وسارت الامور بشكل سلس ودون أي مجابهة معهم .

وهنا لابد من أذكر اننا تعرفنا على الاخوة الفلسطينيين وكانت لديهم سفارة منظمة التحرير الفلسطيني ، وهنا اريد ان أؤكد هذه المعلومة وهي ان جمهورية انغولا الشعبية هي أول دولة فتحت سفارة للفلسطينيين وانا أؤكد سفارة وبعد طرد الاسرئيليين من مقر السفارة وتسليمها الى الفلسطينيين عام 1975 بعد التحرير ،لا كما يعتقد البعض ان الجمهورية الاسلامية في ايران هي اول من فتح سفارة لمنظمة التحرير الفلسطنية في طهران بعد مجيئ الخميني الى السلطة .

وهنا على ذكر السفارة كنت قد عملت معهم لتنظيم مكتبة والعلاقة مع السفير المناضل ابو فهد وهو الصديق القريب لياسر عرفات من اهالي مدينة سلواد الفلسطنية وزوجته ميادة احدى أبرز الناشطات في العمل النسوي الفلسطيني ، كان ابو الفهد يحضر معنا مناسبات كنا نقيمها ومنها يوم 31 أذار يوم مولد الحزب الشيوعي العراقي وكذلك مناسبة ثورة الرابع عشر من تموز 1958 المجيدة ، وقد كلفناه بعمل شاق الا وهو ان هناك سفينة صيد أسماك أحتجزها الانغوليين لانها دخلت المياه الاقليمية للصيد ، وكانت تصيد السمك من المياه الاقليمية وتعلبه ويجري بيعه الى الكاميرون ، كان الانغولينن يطلبون بعد حجزها غرامة مليون دولار ، وقد اقنعهم ابو الفهد ان هذه السفينة هي ملك الشعب العراقي وليس للنظام العراقي ، مما وافقت وزارة الخارجية الانغولية وجرى أطلاق سراحها وطاقمها .

ومرة اخرى اقدم الصديق ابو فهد على أطلاق سراح الاخ عوني القلمجي من الحجز في مطار لوندا عندما قدم مع وفود مشاركة في التضامن مع جنوب افريقيا والاشكالية التي حدثت ان الاخ عوني جاء بجواز سفر سوري وهو يمثل الجبهة الوطنية والقومية التقدمية المعارضة في سوريا ، حتى ان ابو فهد اعطى الانغوليين تعهدا أدبيا بأن لا يشارك في المؤتمر .

هذا الرجل الذي كان يعمل لشعبه هو عروبي النفس والتوجه له الخلود في قبره . وكان لدينا علاقات طيبة مع مكتب الجمهورية الصحراوية ومن نشاطاتنا قدمنا التعازي للاخوة في سفارة جمهورية الجزائرية يوم وفاة وزير الخارجية والذي كان يعمل وسيطا لوقف الحرب العراقية الايرانية ، والتي كانت تأكل الاخضر واليابس من ابناء الشعبين العراقي والايراني ، وكتبنا التعازي بأسم فصيلنا (فصيل الاطباء العراقيين لمساعدة الشعب الانغولي) .

هذا الجهد المتواضع من قبلنا وكلنا سعادة ونحن نقدم هذه الخدمات . سوف اكتب عن تطوعي في مساعدة الشعب اللبناني والفلسطيني في عام 1982 أبان الاجتياح الصهيوني ومحاصرة بيروت الصمود .
 

10 تموز 2018  

 طبيب وكاتب

 

 

 

 

 

          موقع الناس .. موقع لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

             جميع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لموقع الناس                                                              Copyright © 2005-2012 al-nnas.com - All rights reserved         

  Since 17/01/05. 
free web counter
web counter