|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  18 / 5 / 2016                                موسى الخميسي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



النقاد الايطاليون يحاصرون مهرجان " كان" السينمائي

موسى الخميسي - روما
(موقع الناس)

لا زال النقاد يتوقعون أن يعطينا المخرجون الكبار المشاركون في الدورة الحالية لمهرجان " كان" خير ما يعتبرونه جديد في عالم الفن السابع،وخاصة في المسابقة الرسمية، وكذلك في التظاهرات العديدة ،وأهمها، تظاهرة "نظرة ما"، ولكل ما من شأنه تفادي السلبية التي ميزت دورة العام الفائت من المهرجان ، واعتبرت من أسوأ دورات الأعوام الأخيرة. حتى وإن كان ثمة إجماع من قبل النقاد الايطاليين ، بعدم خروج هذه الدورة عن سلبية الدورة السابقة ، فإن المنطق يفرض علينا بعض التحفظ على مثل هذه الاحكام المسبقة ، ومن قبل أن يكون أي كان شاهد أياً من أفلام الدورة الجديدة للمهرجان نفسه، والتي افتتحت فاعلياتها قبل أيام قليلة بفيلم جديد للمخرج الأميركي وودي آلن( مقهى سوسايتي)، فهو الاخر يتسم بالملل ،إذ فاجأ الجميع بنصّ ثرثار وميلودرامي فاقع ومتقشف بنكاته وتحاملاته وغمزاته الفارقة، التي زيّن مشهدياتها الباذخة المعلّم الإيطالي ومدير التصوير فيتوريو ستورارو بلون ذهبيّ، محتفياً بالثراء البصريّ لفترة الثلاثينيات الهوليوودية. من السابق لاوانه أن نحكم على هذه الدورة الجديدة ونقارنها بالدورة السابقة ، . فمن الناحية الفعلية، لم يعد في الإمكان إبداء اليقين المسبق تجاه أي فيلم طالما أننا عرفنا في الدورة الفائتة، خيبات مدهشة لعدد من الافلام المشاركة التي قدمها عدد من كبار سينمائي العالم الغربي . في الدورة الحالية ،سنجد أنفسنا، ومنذ الافتتاح، أمام مجموعة من كبار السينمائيين العاملين في سينما اليوم في العالم. من دون أن ننسى أننا نجد أنفسنا أيضاً أمام عدد لا بأس به من مخرجين شبان في عشرينات عمرهم، يشاركون في " كان" للمرة الأولى . فالحال أن استعراضا لأمهات الأفلام المعروضة – في المسابقة الرسمية وحولها على الأقل ، سيعيدنا الى تلك الحساسية التي دائماً ما نعزوها الى السينمائيين في قدرتهم، وربما أكثر من أي مبدعين آخرين، على التقاط الروح العامة للزمن الذي نعيش فيه. وإدراكهم البؤس والتهميش السائدين، الى درجة قد يكون ممكناً معها الحديث عن عودة السينما، من احكام تبدو جائرة الى حد كبير.

من الأخوين داردان الى جودي فوستر، ومن وودي آلن الى كين لوتش وأندريا آرنولد، وصولاً الى بول فيرهوفن وستيفن سبيلبرغ وأوليفييه السايس وبدرو المودافار وبالوكيو وعشرات غيرهم، يتوزع على تظاهرات دورة " كان" الجديدة، إذاً، عدد من ألمع الأسماء في تاريخ سينما اليوم في العالم. ولعل في الإمكان القول أن التوزع – جغرافياً على الأقل – يبدو هذه المرة عادلاً الى حد ما، فلكل منطقة جغرافية حصتها، إن كان هذا الأمر لا يزال مهماً في زمن العولمة الذي نعيشه اليوم حين يصور كوري جنوبي رواية إنكليزية، ويصور مخرج فرنسي فيلماً أميركيا .وإذا استثنينا فرنسا (التي تشارك بخمسة أفلام في المسابقة الرسمية، وبعدد لا بأس به في التظاهرات الأخرى – ونسلّم بأن هذا حقها طالما أنها هي البلد المضيف، وطالما، وهذا أهم، أنها هي من يموّل العديد من أفلام آتية من بلدان أخرى مثل رومانيا، والبرازيل والمغرب ولبنان وحتى الفيليبين). وفرنسيو هذا العام هم أوليفييه السايس (في "برسونال شوبر") وآلان غيرودي (في "البقاء عموديا") وبرونو دومون ، ونيكول غارسيا، ناهيك بفيلم خامس أضيف في اللحظات الأخيرة!، إذا استثنينا فرنسا، نجد أربع مشاركات أميركية ، ومشاركات عربية( لبنانية ومصرية ومغربية) وافريقية وكورية ودانماركية وايطالية وكندية وانكليزية وغيرها.

فيلم "اشتباك"
لم يخف المخرج المصري محمد دياب من أفلمة حدث تاريخي كبير في فيلمه الجديد" اشتباك" الذي افتتح تظاهرة "نظرة ما"، لكنه لم يسع الى توثيق كل منعطفاته ومواجهاته ودمائه وشهدائه وخرائبه، بل اختزل فصلاً واحداً من فعل عنيف، وولفه على شكل حكايات قصيرة تبنيها شخصيات بتؤدة مدروسة، تتوالى على شاشة خانقة واستفزازية مرعبة. استبعد دياب اللعب خارج شاحنة مدججة لنقل معتقلي الأمن المركزي المصري، محولاً إياها الى ما يشبه الزنزانة المغلقة ، تصوّر العسف البوليسي ، ومعاناة المتواجدين بداخلها، وهلع الشارع خارجها، تختلط فيها كينونات هامشية تنتمي الى طرفي صراع، غمز فيلم "اشتباك" الى أنه بين الخير والشر مكبوت، بسبب استحكام سلطة توتاليتارية وقمعية على مجمل طبقات المجتمع المصري، تتردى حيواتها ومصائرها ومواردها وقوتها وخدماتها يوماً إثر يوم. ركز المخرج محمد دياب على يوم حاسم (3 تموز) تصاعدت فيه حدّة المواجهات عام 2013، قبل أن يتم تنحية حكومة محمد مرسي وإزاحة سلطة "الإخوان المسلمين"، وعودة "السلطة المهيمنة" مع عساكرها الى واجهة الحكم.

فيلم دياب ليس عن ثورة وتفاصيلها وأبطالها. وهو ليس كشف لواقع سياسي تقلبت فيه كل الامور، بل اختار ـ بحصافة درامية ـ تصوير معاناة بشر عاديين، وجدوا أنفسهم سجناء داخل مساحة صغيرة. كل منهم متهم بظروف وجوده، شابان مصوران يعملان لوكالة أنباء غربية، يعتقلان بتهمة "المساس بامن الدولة" تنذر صرخاتهما آخرين متوجهين الى ميدان التحرير بينهما السيدة نجوى (نيللي كريم ) وعائلتها، ليضافوا الى حافلة النقل تلك. يتعجل الشريط إضافة آخرين بسرعة قياسية. ان هذه الزنزانة، التي ربما يرمز بها المخرج للوطن ، عبارة عن مرجل محتقن ، حيث قوة قاهرة تتسلط ضد محتجين ومعارضين. بعضهم يصرخ بنداءات انسانية مفزعة تعكس انحطاطات لحظاتهم الإنسانية، وسعيهم للانتقام أوالفرار أوالانعتاق أو الإعلان عن مروءاتهم الانسانية التي يريد الاخر انتزاعها منهم قسرا.

الشرق الأوسط ليس غائباً عن هذه المسابقة، حيث أعلن في اللحظات الأخيرة عن مشاركة أصغر فرهادي، المخرج الإيراني المبدع (صاحب فيلم " طلاق" الذي فاز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي قبل سنوات، ثم فيلم " الماضي" الذي شارك في مسابقة " كان" الرسمية قبل ثلاثة أعوام ونالت بطلته جولييت بيجو جائزة أفضل ممثلة). فرهادي يعود هذه المرة مع جديده " البائع" الذي يدور في طهران لكنه يبدو، الى حد ما، مقتبساً من مسرحية آرثر ميلر "موت بائع جوال". مهما يكن، لا شك في أن فيلم فرهادي سيكون مثيراً للاهتمام من ناحية تصويره جزءاً من صعوبة الحياة في المجتمع الإيراني اليوم.

وفي مجال النسخ المرمّمة التي اعتاد " كان" رعايتها وعرضها في احتفالية خاصة، هناك هذا العام في ما يخص السينما العربية، وبالذات فيلم يوسف شاهين "وداعاً بونابرت" والفيلم الرائع الساخر " سيداتي سادتي" للايطالي بيترو جيرمي، وفيلم " رجل وامرأة" الفرنسي الشهير الذي عرض في صالات السينما في بغداد بداية السبعينات، للمخرج كلود ليلوش.

بؤس العالم
ظاهرة الجشع ،تصوّره لنا جودي فوستر – إنما خارج المسابقة – بفيلمها الجديد "المال الوحشي" الذي تتعاون فيه، كمخرجة، مرة أخرى مع جورج كلوني الذي يلعب دور مقدم برامج تلفزيونية اقتصادية يبدي نصائحه في برنامجه لصغار أصحاب الأموال في ما يتعلق بشراء الأسهم وبيعها. وذات يوم، يحدث أن واحداً من هؤلاء يخسر كل تحويشة العمر، إذ يتبع نصائح كلوني، فيخطفه خلال تقديم برنامجه على الهواء .

وفي سياق يتعلق كذلك بما تعانيه البشرية في هذه الأيام، ها هو شون بين، يعود الى مسابقة " كان" بعد خمسة عشر عاماً من مشاركته كمخرج بفيلم "التعهد" (عن قصة للسويسري فردريك دورنمات)، إنما هذه المرة بفيلم عنوانه "الوجه الأخير" جعل بطولته لتشارليز ثيرون وخافيير بارديم، وموضوعه أولئك الأطباء المتطوعون الذين يعرضون حياتهم للمخاطر والاحتيال والخداع الرخيص.

أما الأخوان لوك وجان – بيار داردان، اللذان لا يغيبان عن " كان" إلا ليعودا إليه، سواء كانت الجوائز من نصيبهما – عن استحقاق -، أو محجوبة – ظلماً – عنهما، فيعودان هذه المرة بفيلم جديد( الفتاة المجهولة) ربما يخرجان به عن السياق البؤسوي الذي طبع اعمالهم السابقة ،ليغوصا في موضوع عوالم الطب النفسسي، والتمزقات التي تعاني منها الشبيبة الاوربية،

العودة الاسبانية
فيلم "خولييتا" الذي يعود به الإسباني الكبير بيدرو المودافار الى "كان" بعد غياب طويل، وهو يصور حياة امرأة تعيش في مدريد فقدت لتوّها زوجها خوان، وها هي ابنتها التي بلغت الثامنة عشرة من عمرها، قررت أن تبارح البيت من دون أن تعلمها. من هنا تنطلق خولييتا في رحلة معقدة للعثور على ابنتها. أما الشيء الوحيد الذي تعثر عليه في نهاية الأمر، فهو اليقين من أنها لم تكن تعرف شيئاً عن هذه الابنة. ويكاد ان يكون فيلم " الطريق" للاسكتلندية اندريا آرنولد، الذي تم تصويره في الولايات المتحدة الاميركية، شبه كبير بفيلم" خوليتا" يروي قصة فتاة تهرب من ديارها لترافق مجموعة من الهامشيين بائعي المجلات وهم يدورون بين قرية وأخرى.

فتى مونتريال الذهبي
المخرج الكندي "كزافييه دولان" بفيلمه الجديد"إنها فقط نهاية العالم" من إنتاج كندي – فرنسي يقوم ببطولته عدد من النجوم الفرنسيين،غاسبار أولييل، ناتالي باي، ماريون كوتيار، ليا سيدو وفنسان كاسيل، عن رواية للكاتب الاميركي جان – لوك لاغارس. أما موضوعه فيدور من حول كاتب يعيش أيامه الأخيرة فيعود بعد 12 عاماً من الغياب ليعلن لعائلته قرب موته. ولنا أن نتصور التوترات والصراعات والأشجان التي يثيرها مثل هذا الإعلان.

اليساري البريطاني الاخير
دائماً يجد المشاهد في أفلام أخر جيل السينمائيين اليساريين في انكلترا، وهو المخرج الثمانيني كَن لوتش ما يوحي بالصراحة، إحساس هائل بأننا أمام معطيات حقيقية بعيداً من الأشياء المُستعادة بافتعال. فهذا الرجل لا يزال يملك الاستعداد والقوة للتصدي للظلم الاجتماعي في بلده بريطانيا من خلال سينما تلتزم قضايا الفرد. فيلمه المشارك بالمسابقة الرسمية "أنا، دانيال بلايك"، يسير على خطى الانتصار للذين يعيشون على هامش المجتمع. ورغم أنّ لوتش كان أعلن سابقاً أنّ "ردهة جيمي" (٢٠١٤) سيكون فيلمه الأخير، عاد عن هذا القرار- وذلك لحسن حظنا- لأنه بعد مشاهدة الفيلم الذي يتسابق به على "السعفة الذهب"، يصبح واضحاً أنّ بئره لم تجفّ. والأهم أنّ فيلماً كهذا يمكن اعتباره إعلان موقف مفاده أنّه يمكن عزف تنويعات مختلفة على اللحن نفسه من دون أن ينتج نشازاً. والذي يدور من حول بنوك الغداء والإفلاسات، وكل ما يتعلق بما يسمّيه لوتش، بجشع الرأسمالية المصرفية.

أما رومانيا فلها أيضاً فيلمان، من إنتاج فرنسي، واحد لكريستيان مونجيو (بكالوريا)، والثاني لكريستي بويو (سييرا نيفادا). والى هذا، إذا كانت رومانيا تمثل أوروبا الشرقية وحدها، في المسابقة الرسمية على الأقل، فإن القارة الآسيوية تبدو أفضل تمثيلاً نسبياً، إذ هناك، فيلم من الفيليبين هو "ماروزا" لبريانتي مندوزا... الى جانب الفيلم الكوري الجنوبي "آغاسي، او الخادمة اليدوية". وفي المقابل، يبدو الحضور الأميركي اللاتيني شديد البؤس: فيلم واحد من البرازيل هو "أكواريوس". وفي السياق البائس نفسه، تتمثل أوروبا الى جانب الأفلام الفرنسية وفيلم الإسباني المودوفار، فقط بفيلم "شيطان النيون" الذي حققه نيكولاس ودن رفن، وهولندا بفيلم "ايل" لبول فرهوفن، علماً أن هذين الاثنين باتا منذ سنوات محسوبين على السينما الأميركية!

الغياب الايطالي
هي المرة الاولى منذ سنين طويلة يخلو برنامج المسابقة الرسمية فيه من فيلم إيطالي فعلى العكس ممّا جرى العام الماضي عندما كان الفريق الإيطالي في مسابقة الدورة الثامنة والستين من المهرجان مكوّنة من ثلاثة أسماء هامة ، المخرج (نانّي موريتّي وباولو سورّينتينو، وماتّيو غارّوني)، فقد خلت قائمة المسابقة في الدورة الحالية من المهرجان الفرنسي من أي فيلم إيطالي، بعد أن كانت تسرّبت في الأيام السابقة لإعلان تييرّي فريمو عن تشكيلة مسابقته أنباءٌ حول احتمالات ضم فيلمي ماركو بيلّوكيو وباولو فيرزي الجديدين في المسابقة، لكن الإعلان جاء مُخيّباً، واقتنص برنامج «نصف شهر المخرجين» أعمال بيلوكيو وفيرزي ‫«لتكن أحلامك جميلة‫» و ‫«الفرح المجنون‫»، إضافة إلى فيلم كلاوديو جوفانّيزي " زهور" وكان جوفانّيزي أنجز عمله الروائي الأول (ذي العينين الزرقاوين) من بطولة الفنان الفلسطيني صالح ‫ بكري.

غير أن مسابقة المهرجان لن تكون خالية بالكامل من ألوان العلم الإيطالي، وستحملها هذه المرّة النجمة الإيطالية الحسناء فاليريا غولينو لتكون ضمن لجنة التجكيم الدولية التي يترأسها جورج ميللر‫. وكانت الممثلة القديرة فاليريا غولينو‫، التي مثّلت إلى جانب توم كرويز وداستن هوفمان في فيلم "رجل المطر"، حازت على جائزة كأس " فولبي" لأفضل أداء تمثيلي نسائي لمرّتين، ، ويذكر ان هذه الممثلة الحسناء قدّمت قبل سنتين عملها الأول كمخرجة .

اجمعت الصحافة الايطالية على ان المخرج الفرنسي آلان غيرودي قدّم بفيلمه المشارك بالمسابقة الرسمية( البقاء عموديا)عملاً متميزا بجودته ، فقد وصفه ناقد صحيفة " لاربوبليكا" بأنه يقتفي خطى المخرج الايطالي الراحل بيير باولو بازوليني. جنس واستفزاز وكوميديا، هي بعض مكوّنات هذا الفيلم الكاسر لكلّ أنماط السرد التقليدي، والذي يصعب حتى أن نجد منطقاً له من شدة إمعانه في الجنون غير العاقل. استناداً إلى حفنة من الشخصيات المتحدّرة من الطبقة الشعبية، أخرج غيرودي فيلماً لا يساوم، بل ينطوي على تشويق نوعي يطرحه كأحد "المؤسلبين" الأكثر قدرة على الابتكار والتنويع في السينما الفرنسية الحالية. غيرودي هو اليوم نموذج الحرية في السينما.

وإذا كان لنا أن نذكر المزيد في هذا السياق الذي يضعنا أمام صفحات زاهية من تاريخ السينما، سنذكر في الختام هنا تكريماً مزدوجاً حلّ أوانه بالتأكيد، يكرّسه مهرجان "كان" في دورته لهذا العام لآخر عملاقين كبيرين من عمالقة السينما الوثائقية في عالم اليوم: فردريك وايزمان وريمون ديباردون. وهو تكريم كبير حتى وإن كان سيقتصر على عرض فيلم واحد لكل من هذين المبدعين: "أحداث عادية" لديباردون (1983)، و"المستشفى" لوايزمان (1969) علماً أن هذا الأخير سيتسلم خلال العرض، إذ سيكون حاضراً في "كان"، احدى جوائز المهرجان.





 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter