|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  3 / 11 / 2016                                موسى الخميسي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



فيلم "فالس مع بشير"
ادانة اسرائيلية لمجزرة صبرا وشتيلا 

موسى الخميسي  - روما
(موقع الناس)

تعرض دور العرض السينمائي في عموم ايطاليا واوربا فيلم روائي كارتوني منفذ بواسطة احدى التقنيات المتقدمة للكومبيوتر للمخرج الاسرائيلي "آري فولمان 45 عاما"  بعنوان "فالس مع بشير".  والمخرج، من ولادة مدينة حيفا، درس فن الرسم والسينما، وقدم مجموعة من الافلام الوثائقية والروائية القصيرة خلال السنوات الاخيرة،  منها "سانت كلير" عام 1996, " صنع في اسرائيل" عام 2001 ،وشارك في حرب الاجتياح  الاسرائيلي عام 1982 على لبنان . والفيلم الذي يبدأ بمشهد مجموعة من الكلاب الغاضبة وهي تركض باتجاه احدى نوافذ البيت الذي يسكنه فولمان، هو عن احداث مذبحة صبرا وشتيلا التي تعتبر من افظع المذابح في التاريخ البشري الحديث، قتل فيها الآف من اللاجئين الفلسطينيين المدنيين العاجزين عن الدفاع عن انفسهم، ولم يرحم من هذه المذبحة التي هزت الضمير العالمي في كل مكان ، حتى النساء والاطفال في حفل دموي استمر نحو ثلاثة ايام في شهر سبتمبر/ ايلول عام 1982.

الفيلم يروي قصة المذبحة التي كانت نتيجة تحالف بين اسرائيل وحزب الكتائب اللبناني ضد الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشتيلا كرد على اتهامات باغتيال رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك بشير الجميل ، والذي قتل بعد 17 يوما على توليه منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية ، كان يشغل منصب قائد حزب "الكتائب اللبنانية" ،  ولم تمض الا ايام معدودة على حادث الاغتيال الذي حدث بانفجار عنيف في "بيت الكتائب" في منطقة الاشرفية، وذلك اثناء فترة الاجتياح الاسرائيلي للبنان، حتى بدأت مطاردة التصفية الفلسطينيين، في انحاء كثيرة من لبنان. وقد تهيأت لمجمــــوعة من عناصر "الكتائب اللبنانية" وبحماية من الاسرائيليين انفسهم للدخول الى مخيمي صبرا وشيلا لترتكب واحدة من اعنف المجازر اللاانسانية المرعبة في التاريخ المعاصر. وكان المجند "آري فولمان" ضمن القوات الاسرائيلية التي دخلت بيروت، وكان موقع سريته العسكرية تحديدا على مشارف مخيمي صبرا وشتيلا، حيث انيطت به مهمة قتل الكلاب الضالة في المناطق المحيطة للمخيمين كي لا تثير بنباحها انتباه المقاتلين الفلسطينيين ليتصدوا لعمليات التصفية التي تزعم قوات الكتائب اللبنانية انها قامت بها انتقاما لحادث اغتيال رئيسها امين الجميل.

لقد اشعل الجنود الاسرائيليون قنابل الاضاءة الليلية كي يسهلوا على افراد هذه العصابات مهمتهم في تعقب الابرياء داخل البيوت وفي الازقة والحقول ولمدة ثلاثة ايام على التوالي، وعلى مرأى من الجنود الاسرائيليين ، الذي كان يقودهم آنذاك رئيس الاركان آرييل شارون، حيث اخبروه باهوال المجزرة المروعة  اثناء تناوله وجبة فطوره ، فرد علي مستشاريه العسكريين "اذا لم تشاهد الامر بعينيك كانك لم تراه".

ليست المرة الاولى التي تعلن المؤسسة الصهيونية  نقمتها وعدم رضاها على عدد من السينمائيين والمثقفين الاسرائيليين، فقد سبق للمخرج "آموس غيتاي" عام 1977ان اخرج فيلما وثائقيا باسم "البيت" وقد كان في حينه بمثابة الصدمة للعقل الصهيوني المتزمت، اذ تحدث "غيتاي" بكل جرأة، في الفيلم عن جذور الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي بتناوله لموضوع البيت الفلسطيني الذي تحول الى بيت اسرائيلي، ثم اعقبه عام 1982 بفيلم" يوميات في الريف" تناول المخرج مظاهر القمع المختلفة التي تمارسها المؤسسة العسكرية الاسرائيلية تجاه سكان الاراضي المحتلة. وفي عام 1985 توجه  "غيتاي" الى السينما الروائية حيث انتج فيلما تحت عنوان "استير" وقد تعرض الفيلم بدوره لحملة مقاطعة اسرائيلية رسمية، على ضوء تناوله تاريخ الحركة الصهيونية عبر استعارة شخصية "استير" الاسطورية، فتلك البطلة التاريخية كان قد قدمها التاريخ كقائدة لتحرير شعبها من الهزيمة والعبودية، الا انها سرعان ما تتحول الى قيادة هذا الشعب نحو الهاوية والمآسي والانتقام.

 اما فيلم "فالس مع بشير" فيمكن تقسيمه الى قسمين رئيسيين، الاول يعكس هستيريا الجيش الاسرائيلي وعمليات القتل واطلاق الرصاص العشوائي  اثناء فترة الاجتياح قبل وصول الجنود وهم بغنون، الى المخيمين، والقسم الثاني فهو المتعلق بحصار الجيش الاسرائيلي للمخيمين ايام المجزرة، ليشعر المشاهد بصورة مباشرة بان فرض الطوق العسكري، هو قرار سياسي وعسكري ومساهمة ميدانية في تنفيذ المجزرة.

الفيلم شكل صدمة للعقل الصهيوني الرسمي والشعبي المتزمت داخل اسرائيل وخارجها ،اذ تحدث "آري فولمان" عن الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي بتناوله لموضوع لاتوافق المؤسسات الاسرائيلية على رسالته التي تعتبرها عدوانية بحق الوجود الاسرائيلي.

يخرج هذا الفيلم عبر تقنية الرسوم المتحركة والذي تطغي عليه الالوان الزرقاء وتدرجاتها، وبكل جدارة، من اطار الهواية الى فضاء الاحتراف لدرجة يمكن معها القول بان هذا المخرج ذا الميول اليسارية، قد انتج بالفعل فيلمه الكارتوني هذا بالمقاييس السينمائية العالمية. فيلم يحاول المخرج جمع خيوط ذاكرته، ويمثل السيرة الذاتية له اثناء تأديته الخدمة العسكرية في الجيش الاسرائيلي، والذي تراوده باستمرار ذكرى الفرار من المجازر في المخيمين، الا انه يجري تحقيقا مع من كان يصاحبه في تلك الفترة التاريخية العصيبة من حياته ليتذكر تفاصيل ذلك الماضي المرعب، الذي يأتيه على الدوام وكأنه كابوس. الفيلم مرشح بقوة لنيل جائزة الاوسكار لهذا العام، بعد ان نال جائزة " غولدن غلوب" 2009 من فئة افضل فيلم اجنبي، ونال تقدير النقاد في عموم اوربا.

في اللقطة الاخيرة باجوائها المحمومة، يفاجىء مشاهد الفيلم باختلاط الازمنة في الاطار المكاني نفسه، اذ تتحول الشخصيات الكارتونية على الشاشة وللحظات لاتتجاوز الدقيقة الواحدة، الى مشهد وثائقي حي، يمثل مجموعة من الامهات الفلسطينيات، وهن موشحات بالسواد، يخرجن من احد المخيمات،وهن يولولن بالصراخ والبكاء المر، لتتحول الصورة الكارتونية الى صورة واقعية، مؤكدة للمشاهد بان ما كان يراه هو حقيقة واقعية مأخوذة من المجزرة. وتنطبع في ذهن المشاهد رعب صبرا وشتيلا مع رعب ايام غزة الدامية، لترتسم صورة المطاردة لابناء "الهولوكست" للفلسطيني في شوارع غزة هذا اليوم، وكان الزمن يتكرر، وهو زمن القاتل والضحية.

 ولكن وللاسف يبدو ان دور العرض السينمائية العربية ستمتنع عن عرض هذه الوثيقة الفنية السينمائية التي انتجت بمشاركة اسرائيلية وفرنسية والمانية، بسبب احكام قانون المقاطعة العربية للمنتج الاسرائيلي، اذ بحسب القانون الحالي، يمنع استيراد او رؤية افلام اسرائيلية، مع ان باستطاعة المشاهد اينما كان، رؤية هذا الفيلم عن طريق الانترنيت. وسيحرم المشاهد العربي الذي لا يمتلك جهاز كومبيوتر من مشاهدة واحدة من الادانات النقدية  الاكثر ضراوة للمؤسسة الاسرائيلية العسكرية في عدوانيتها لانه يصرحّ بمسؤولية الجيش الاسرائيلي والقيادة العسكرية والسياسية ايضا في مسؤوليتها الاخلاقية واللوجستية عن هذه المجزرة المرعبة، من خلال اضاءة الجنود للمخيمين امام القتلة، ومشاهدتهم لعمليات القتل بعيون مجرة.

 

 

 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter