|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  26  / 4 / 2025                                 مصطفى القرة داغي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

بالون إختبار لِقاء السوداني بالشَرع في قَطَر

مصطفى القرة داغي
(موقع الناس)

كَثُرَت التعليقات حول اللقاء الذي تم تداول صورته في الإعلام قبل أيام، والذي جَمَع رَئيس الوزراء العراقي محمد شِياع السوداني والرَئيس السوري أحمد الشَرع بحُضور الأمير تميم بن حَمَد في قطر. كان أغلبها هُجومياً ولا مَوضوعياً، لأنها إستَنَدَت الى العاطفة بدلاً مِن العَقل والمَنطِق.

اللقاء الذي لم يَكُن مُفاجئاً، على الاقل لهُما، خُصوصاً وأن كل من سوريا وقطَر أعلَنَتا عَنه وعَن تفاصيله رَسمياً، أُريد به غالباً ضَرب عَصفورين بحَجَر. فالجِهة الراعِية للقاء، وهي قطَر ومِن ورائِها قوى دولية وإقليمية، أرادَت تصفية الأجواء بَين الرَجُلين، والتي تُعَكِّرها البروبَغندا الخارجة عَن سَيطرتِهِما التي يَتَبَنّاها إعلام الدَولتين ضِد بَعضِها البَعض، خُصوصاً الاعلام العراقي الذي تُسيطر عليه مليشيات الحَشد الايرانية. أما السوداني فيَبدو بأنه قد أرادَه كبالون إختبار وجَس نَبض لحُلفاءَه مِن زُعَماء المليشيات وقطعانها في العراق، وتنفيساً لجَعيرهم الذي لم يَتوَقّف مُنذ حُدوث التغيير ووصول الشَرع للحُكم في سوريا بحُجّة أنه كان داعشياً! كأن مَن يَنتقدوه هُم نوري السعيد أو جعفر العسكري أو تشرشل أو ديغول، وليسَ حَفنة أراذِل أياديهم مُلَطّخة بدِماء أبناء جلدَتِهم، ويَجلسون في البَرلمان بفَضل إنتِخاب قطعانهم المُجتَمَعية لهُم.

فمَن يَنتقِد الشَرع أما أن يَكون أفضَل مِنه أو فليَصمُت. لكن أن يَكون أسوَأ مِنه ويُزايد عليه بخِطاب السَلام والإنسانية فلا. فَمَن يُهاجمونه ويُجَرّمونه هُم مُجرمين مَع سَبق الإصرار، أياديهم مُلطّخة بدِماء العراقيين. إذا كانوا يُعايرونَه بالسِجن فقد كانوا شُركاءه في زنازين الأمريكان بتُهمة الإرهاب. وإن كانوا يَتّهِمونه بالقتل والتَهجير، فهو نَفس ما فَعَلوه هُم في مُدُن الغربية بحُجة تحريرها مِن داعِش، ولا تزال تَداعِياته حَتى اللحظه مُتمَثِّلة بمَلايين المُهَجّرين وآلاف المُغَيّبين في سُجون سِرِّيه. وإذا كان الشَرع قد إنشَق عَن تنظيم داعِش الإرهابي وتَبَرّأ مِنه، فَهُم ما زالوا يَفخَرون بأنِهِم مُرتَزَقة في حَشد إيران الإرهابي، وبعَمالتِهِم لوَليّها الفقيه ومَشروعِها التوَسّعي. وإذا كان الشَرع قد أبدى رَغبته في فتح صَفحة جديدة مَع مُحيطَه الإقليمي وَأوّله العراق، رَغم التبايُنات السياسية والإختِلافات المَذهَبية، فَهُم لا زالوا يُقَلِّبون دَفاتِر عَتيقة ويَجتَرّون خِطاب ثارات طائفية عُمرَها 1400 سنة، ويُعادون مُحيطهم الإقليمي لمُجَرّد إختِلافه عَنهُم طائفياً، بَل ويَبتَدِعون القصص لتَبرير عَدائَهُم له، وإقناع قِطعانَهم المُجتمَعية به. لذا هُم آخِر مَن يَتَحَدّث عَن التَعايُش والسَلام وتحقيق العَدالة!

إن التغيير في سوريا باتَ أمراً واقِعاً أقَرّت به أغلب دول العالم، وهو جُزء مِن خَريطة سياسية جَديدة في المَنطَقة، تُمَثِّل سوريا إحدى قُطَع أحجِيَتَها الكثيرة، وأي سياسي بمَوقع المَسؤولية كالسوداني، لديه ذَرّة مِن الحِكمة، عليه التعاطي مَع هذا الواقع، وإيجاد موقِع آمِن لبِلادِه في هذه الخَريطة. لذا لم يَرغَب بالإنتظار لحين إنعِقاد القِمة العَرَبية في17 أيار، التي دُعيَ إليها الشَرع بشَكل رَسمي، ليَأتي الأخير وَسط اللغط الحاصِل مُنذ أشهُر، ثم يَتَفاجَأ برُدود أفعال مُشَوّهة مِن مليشيات حَشد إيران وقِطعانه ضِمن أجواء حَدَث دولي كالقِمّة، بل أراد لكُل هذا القيح الطائِفي أن يَتَفَجّر على خَبَر لقائِه به في قطر، أي إستطلاع الآراء بشَكل غير مُباشر عِبر تَسريب الصورة للإعلام، ليَجِس النبض ورُدود الأفعال ويُهَيّء نفسه لما يُمكِن أن يَحدُث وَقتها أو يَتَعامَل مَعَه مِن الآن. وهو ما يَحصُل الآن فِعلاً مِن تَبايُن في رُدود أفعال حُلفاء السوداني. فقد تم جَمع 50 توقيع نيابي يُطالب بمَنع حُضور الشَرع! كما وَرَدَت أنباء عَن إنسِحاب كتلة بَدر وكتلة السَند مِن تحالف البناء والتنمية الذي يَرأسُه السوداني إحتِجاجاً على لقائه بالشَرع! في حين طالَب أحد نواب المليشيات بقَطع طَريق المَطار إذا وَصَل الشَرع الى العراق! أما كتلة دولة القانون التي يَرأسها عَرّاب الميلشيات نوري المالكي، فقد تناقَضَت تصريحات نوابها بين مَن إعتَبَر الشرع نِتاج إرادة الشَعب السوري التي يَجب إحترامها، وبَين مَن إعتبَر حُضوره للقِمة إهانة للعراق!

لذلك لنا أن نَتَخَيّل ما الذي كان يُمكِن أن يَحدُث لو لم يُبادر السوداني لهذه الخُطوة الإستِباقية، وتَرَك الأمور على حالها الى حين إنعِقاد القِمة وحُضور الشَرع، وحَدَثَت كل هذه المَهازل في حينِها، مِمّا كان سَيَضَعَه في مَوقف مُحرِج أمام ضيوفَه مِن زُعماء الدُول العَرَبية تَحديداً والعالم كَكُل. لذا لديه الآن شَهر تقريباً للتعامُل مع كل هذه الهَلوَسات، لإمتِصاص بعَضَها وتنفيس بَعضَها الآخَر، لتكون الطُرُق مُعَبّدة والأجواء أكثَر صَفاءاً لقدوم الشَرع دون جَعير وإحراج وإشكالات.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter