مصطفى القرة داغي
karadachi@hotmail.com
الثلاثاء 9 /5/ 2006
كنّا نتمنى أن .. ولكن ضاعت الأمنيات
مصطفى القرة داغي
لقد كانت لدى الكثيرين منا ولازالت عشرات بل مئات الأمنيات الجميلة التي تمنينا ونتمنى حتى هذه اللحظة وسنبقى نتمنى أن تتحقق كلها أو أن يتحقق جزئاً منها لعراقنا الحبيب خصوصاً وأن جميعها أمنيات واقعية ومعقولة ومن الممكن تحقيقها على أرض الواقع وليست بالخيالية والمستحيلة والصعبة التحقيق.. ولكن.......
فقد كنّا نتمنى أن يكون العراق دولة ذات سيادة.. ولكن.. هل أن دولة تسرح وتمرح فيها عشرات الجيوش المحتلة وعشرات الميليشيات وعشرات أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية وتُنتهَك أراضيها بشكل مستمر من هذه الدولة الجارة وتلك وكل ما تملكه شرطة وجيش ضعيفة التأهيل ومحدودة الإمكانات من الممكن أن تكون لها سيادة ؟
وكنّا نتمنى أن تكون الحكومة القادمة حكومة قوية تعمل على تحقيق الإستقرار في وطننا الحبيب.. ولكن.. هل أن حكومة لم تشكل على أساس وطني بل شُكّلت على أساس المحاصصات الطائفية والعرقية والحزبية فمن كل حزب مسؤول كبير ووزير جرياً على مقولة ( من كل قطر أغنية ) وكل وزير ( يغني على حزباه ) بإمكانها أن تكون كما نتمنى وتحقق مانريد ؟
وكنّا نتمنى أن تعود الخدمات.. ولكن.. هل أن مؤسسات الدولة الحالية التي ينخر فيها الفساد الإداري والمالي وتتفشى فيها المحسوبية الحزبية والطائفية والعشائرية والعائلية بإمكانها أن تعيد لشعبنا المسكين هذه الخدمات ؟
وكنّا نتمنى أن يكون للعراق مجتمعاً حراً مدنياً.. ولكن هل أن مجتمعاً تتحكم بمقدراته قوى طائفية وتتلاعب بمصير أفراده شخصيات وقف أحدها يوماً على خشبة أحد مسارح بغداد مخاطباً فنانيه بالقول " أخاطبكم من هذا المكان القذر ".. مجتمعاً يُقتل رجاله إذا لم يطيلوا لحاهم وينزعوا عنهم سراويل الجينز وتقتل نسائه إذا لم يرتدين الحجاب والنقاب.. مجتمعاً يحارَب ويلاحَق ويقتل أكاديمييه ومثقفيه وشعرائه وفنانيه.. مجتمعاً منع على افراده الرقص في الأعراس وسماع الأغنيات وتغلق وتحرق فيه محلات بيع الكاسيتات الغنائية ومحلات الحلاقة والديسكوات.. هل أنت مجتمعاً هذا حاله من الممكن أن يكون مجتمعاً حراً وأن يصبح يوماً مدنياً .
وكنّا نتمنى أن يعيش شعبنا حياة رغيدة كريمة وأن يستفيد من خيرات بلاده التي أعزها الله بما لم يُعز به أمة من أمم الأرض.. ولكن .. هل أن نخباً سياسية كبعض تلك التي تتحكم بمصير هذا الشعب اليوم لاهم لها سوى التكالب والتصارع على الكراسي والمناصب وعقد الصفقات السرية والوهمية ومضاعفة حساباتها المصرفية في الخارج يعول عليها في توفير مثل هذه الحياة لأبناء شعبنا المنكوب بها ؟
وكنّا نتمنى أن يُخَرّج العراق أجيالاً متعلمة بإمكانها في المستقبل أن تبني العراق.. ولكن هل أن دولة تحولت مدارسها ومعاهدها وجامعاتها الى مُلّة وروزخونيات يقف على أبوابها خُزّان الميليشيات ليقبضوا أرواح من يخالفهم.. وهل أن دولة تقف متفرجة على حملات التصفية التي تطال يومياً العشرات من أكاديمييها وكوادرها التدريسية بأيادي داخلية وفقاً لأجندة خارجية وتقف صامتة بلا حراك وهي ترى مئات آخرين منهم يفرون يومياً الى الخارج نفاذاً بجلودهم وجلود عوائلهم بإمكانها أن تُخَرّج بناة عراق المستقبل ؟
وكنّا نتمنى أن يعود الأمن.. ولكن.. هل أن دولة حُلّ جيشها الذي عمره 80 عاماً والذي شُكّل حينها وفق أسس وطنية ليُستبدَل على عجل وبليلة ظلماء ليس فيها قمر وبدون أي ضوابط بجيش تتحكم به أجندة الأحزاب ولا يمتلك الى الآن طائرة أو مدفعاً أو صاروخاً.. وهل أن دولة حُلّت أجهزتها الأمنية ليستعاظ عنها بأجهزة أمن ضعيفة التأهيل ومحدودة الإمكانات ويتفشى فيها الفساد الإداري ومخترقة بشكل كبير من قبل ميليشيات أحزاب لها أجندتها الخاصة المختلفة عن بعضها البعض والبعيدة أحياناً عن الأجندة الوطنية والمشحونة بالخطاب الطائفي والثأري لساستها الجدد.. هل أن دولة مثل هذه من الممكن أن يعود إليها الأمن ؟
وكنّا نتمنى أن يتطور العراق.. ولكن..هل أن نُخباً سياسية حاكمة لايؤمن الكثير منها بشيء إسمه العراق وتؤمن فقط بطوائفها وقومياتها وتستوزر وتقرب الأشخاص فقط لأنهم من نفس طوائفها وقومياتها وعشائرها وبطانتها السابقة وليس لأنهم تكنوقراط وكفوئين ومفيدين لبلدهم.. وهل أن حكومة ووزارات ومؤسسات بمَلاكاتها تُبنى وتُؤسس على أساس المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية وعلى أساس المحسوبية الحزبية والعائلية وليس على أساس الكفاءة والإخلاص من الممكن أن تطور العراق بمثل هذه الرؤية الضيقة والإسلوب النفعي ؟
كنّا نتمنى ونتمنى ونتمنى.. ولكن ضاعت وتلاشت الأمنيات ونحن نرى العراق الحبيب بوجوده وسيادته وأمنه ومجتمعه وجغرافيته وجماله وفسيفسائه وتأريخه يضيع ويتلاشى يوم بعد يوم وبقيت لنا أمنية وحيدة يتيمة لاغير وهي أن نحافظ على ماتبقى من العراق الذي نريد ونتمنى هذا إن بقي منه شيء وأن يبقى حال اليوم العراقي على ماهو عليه وأن لايصبح أشد سوأً من اليوم الذي سبقه فكل يوم يمضي في العراق يكون أفضل من الذي يليه وكل يوم يأتي فيه يكون أسوء من الذي سبقه وهكذا.. لقد أصبحت أمنياتنا سراباً بل ياليتها كانت سراباً فالسراب يُرى من بعيد أما أمنياتنا فلا تُرى أصلاً وباتت هبائاً منثورا تذروه الرياح .
إن مايُبنى على خطأ وباطل نهايته الفشل.. لذا فإن ما أسس له من هيكلية للدولة منذ اللحظة الأولى التي تسلمت فيه أمريكا وبعض الأحزاب العراقية مقاليد السلطة في العراق بعد سقوط النظام السابق لم يكن لبناء كيان ودولة إسمها العراق بل العكس!!.. سموا الكيان الذي تريدون أنتم وحدكم بنيانه اليوم والذي ليس موجوداً سوى في مخيلتكم ومخيلة من يسير في ركبكم أي شيء وأطلقوا عليه أي إسم ولكن لاتقولوا إننا نبني العراق.. لأنكم ببساطة جعلتم من العراق بكل مافيه أطلالاً يبكى عليها .