|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  30 / 4 / 2015                          مصطفى محمد غريب                              كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



 الايجابية في المفاوضات للحلول السلمية ولكبح التدخلات

مصطفى محمد غريب

التدخل في الشؤون الداخلية للدول يعتبر خرقاً للقانون والأعراف الدولية حول العلاقات بين الدول والتدخل بمعناه الضيق والعام لا يمكن أن يكون ايجابياً وبخاصة إذا جاء لمصلحة خارجة عن الإرادة الوطنية، وبما أن التدخل وأساليبه الثعلبية له تاريخ طويل وبخاصة من قبل الدول التي استعمرت البلدان بحجة التحرير أو منح الاستقلال فهو مكروه شعبياً وتقف القوى الوطنية بالضد منه مهما كانت حججه ومبرراته، وقد دلت الحقب الأولى من القرن العشرين وما تلاها من تدخلات متنوعة بما فيها التدخلات العسكرية بغطاءات لطالما كانت حججاً غير صادقة للتدخل من اجل المصالح التي تقوم على الاستغلال والهيمنة على الموارد الطبيعية وفي مقدمتها النفط ، وكان نصيب الشرق الأوسط التدخل العسكري والاقتصادي وبخاصة الدول العربية التي تمتلك هذه الثروة الطبيعية ولمجرد الممانعة من قبل شعوب هذه البلدان قامت القوات العسكرية وفي مقدمتها البريطانية والفرنسية في احتلال البلدان ثم بعد ذلك خضعت للتقسيم بحجة تركة الرجل المريض الذي عني به تركيا حينذاك، ولأننا لا نهدف إلى التفاصيل والجزئيات ونسهب في ذكر الأحداث والأسباب والنتائج بل نحاول اختصار تاريخ التدخلات وننتقل إلى ما بعد حرب الخليج الأولى وتداعيات المرحلة اللاحقة وبخاصة الأحداث الأخيرة في المنطقة، ومن هنا نلمس بعد المقارنة العديد من التدخلات بما فيها التدخل أو الاحتلال العسكري بحجج متنوعة لكن هدفها الحقيقي الهيمنة بما فيها مصادر الطاقة وفي مقدمتها النفط واكبر مثال احتلال العراق بحجة الأسلحة المحرمة دولياً .

التدخل في شؤون الدول الداخلية عبارة عن نهج تتبعه الدول التي ترى في نفسها وصية وفي الكثير من الأحيان تحقق مصالحها قبل مصالح البلدان التي تعاني من التدخل، وفي هذا المجال شهدت منطقة الشرق الأوسط العديد من الحروب العدوانية والدفاعية وتابعت أجيال ما بعد الحرب العالمية الثانية ونتائجها كيف جرى التدخل في البلدان العربية حتى بالنسبة لتشكيل حكوماتها ورسم سياستها حتى الداخلية، وكانت وما تزال القضية الفلسطينية على المستوى الوطني والعالمي عبارة عن بؤرة للتدخل والمساومة، ولم تكن الحرب العراقية الإيرانية عام 22/أيلول / 1980 إلا نوعاً من أنواع التدخل أراد منها النظام العراقي التدخل في الشأن الداخلي الإيراني وفرض إرادته لتحقيق مصالحه القومية الضيقة، وما جرى بعد ذلك من حروب داخلية بحكم التدخل الخارجي لأهداف مرسومة خير دليل لما تعانيه منطقتنا الآن من أوضاع مأساوية وكوارث إنسانية وتدمير للبنى التحتية، ثم التغييرات الكبيرة على العلاقات البشرية الموجودة من آلاف السنين بين الشعوب والمكونات القومية والاثنية حتى أصبح الأمر وكان التدخل والحروب أمراً لا بد منه، وكانت حروب الخليج واحتلال العراق 2003 قفزة نوعية في مفهوم التدخل العسكري الذي تصور البعض بأنه زال بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق والمعسكر الشرقي، وقد شهدت المنطقة تدخلات من نوع جديد مصحوبة بتحالفات داخلية وقطرية وعالمية، وتميز العراق بعد سقوط النظام وقيام الحكومات العراقية بميزة هذه الوضعية الجديدة والتحقت العديد من الدول التي حاولت شعوبها التخلص من عهود الظلم والقمع والإرهاب وهذه العينات نراها اليوم في ليبيا وسوريا واليمن ولبنان وهي تكاد أن تتشابه فيما يخص التدخل الخارجي والتحالفات بين الأطراف الداخلية ودعم وتدخل العامل الخارجي المنحاز لطرف دون غيره ، وبخاصة التي تمتلك المال والسلاح بينما نجد شعوبها في منتهى الدمار والخراب والمعاناة على كافة الصعد، وعندما نذكر التدخل الخارجي العسكري يبرز على الفور اسم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في حلف الناتو كأمثلة تاريخية عاشتها شعوب العالم وكذلك البلدان والشعوب العربية، وعند التصور بان هذه الميزة عبارة عن ميزة استعمارية فقط من قبل الدول الاستعمارية القديمة فان قضية العدوان الإسرائيلي والتمسك باحتلال الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 والعدوان والتدخل في الشأن الفلسطيني والدول العربية وما تقوم به إيران من تدخلات شملت العديد من بلدان المنطقة وفي مقدمتها لبنان وسوريا والعراق والبحرين ومؤخراً في اليمن ثم استمرار تركيا في النهج المعادي داخلياً للقوميات والتدخلات في شؤون العراق وغيره تجعلنا ننتقل إلى توسيع مفهوم التدخل الكلاسيكي القديم، ونجد أن ما جرى داخلياً في اليمن من اضطرابات سياسية وصلت إلى الاحتكام بالسلاح بسبب التدخل الإيراني من خلال تزويد البعض من الفرقاء بالمال والسلاح بدلاً من الحلول السلمية، فقد قامت السعودية ومحور دول الخليج والبعض من الدول المتحالفة معها باستعمال لغة الحرب والسلاح للتدخل وهو أمر ليس بالغريب لأنه وليد للأفكار القديمة التي ترى أن الحل العسكري والتدخل الخارجي هو مفتاح لحل الأزمات الداخلية تحت شروط منها مخاطر انتقال الحالة الداخلية ومشاهد التدخل الخارجي إلى حالة من التهديد على امن دول الجوار بينما رُكنت الأفكار حول الحوار وإيجاد الحلول السلمية في زاوية النسيان.

في قضية الوضع اليمني تتحمل إيران الجزء غير القليل في الاضطراب الداخلي ومحاولتها لإيجاد مواقع سياسية وعسكرية تستطيع من خلالها التأثير على دول المنطقة وكأنها تحيي فكرة " تصدير الثورة أو شرطي الخليج " ونجاحها في إيجاد قاعدة سياسية وعسكرية في لبنان أولاً جعلها تقف داعمة للنظام في سوريا والتدخل في الشأن السوري بدفع حزب الله اللبناني لدخول الحرب ونسيان فلسطين!!، ثم التدخل المستمر في الشأن الداخلي العراقي وأخيراً وليس آخراً قضية اليمن والتحالف مع الحوثيين وتزويدهم بالسلاح والمال والعنصر البشري للتدريب والمشاركة، وللتأكيد فها هو العميد علي شادماني مساعد العمليات في قيادة أركان القوات المسلحة الإيرانية يصرح في حوار مع وكالة أنباء فارس إن "إيران تدعم الحوثيين بالاستشارات العسكرية والمساعدات المعنوية والإرشادات" ولم يكتف العميد علي شادماني بذلك فقد أعطى بعداً أكثر في التدخلات الإيرانية التي لا تخدم السلم والأمن لشعوب المنطقة حاله حال العديد من القادة الإيرانيين السياسيين والعسكريين فأشار "نحن أعلنا وبشكل علني دعمنا للمقاومة اليمنية شأنها شأن المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية والأفغانية وسنساعدها"انه تناقض واضح ما بين السياسة الداخلية اللاديمقراطية وما تعلنه حول الدعم خارجياً أو القضية الفلسطينية ومحاربة إسرائيل على حد تصريحاتهم!!.

إلا أن " الرياح تجري بما لا تشتهي السفن " فقد قامت المملكة العربية السعودية وحلفائها في مجلس الخليج ما عدا عُمان بإعلان الحرب تحت اسم " عاصفة الحزم " على الحوثيين حلفاء إيران وبدعم ومساهمة وتحالف مع علي صالح الرئيس اليمني المخلوع، وبهذه الحرب تدخل المنطقة في حالة جديدة من عمليات التدخل العسكري واستخدام لغة القوة والسلاح بدلاً من البحث عن طرق لإقامة الحوار السلمي لحل المشكلة الداخلية التي من الممكن حلها عن طريق المفاوضات والحوار وتغليب المصلحة العامة على المصالح الضيقة الطائفية والحزبية، إلا أن تعنت الأطراف وقيام الحوثيون وحليفهم الرئيس السابق المخلوع بالسيطرة على المدن بما فيها العاصمة صنعاء أدى إلى تعقيد الأمور أكثر فأكثر، وزاد في التدهور التدخل الخارجي العسكري بدلاً من طرح المشروع للحل السلمي وبدعم من المجتمع الدولي بما فيه مجلس الأمن.

مازال الاعتقاد السائد لدى الكثيرون بوجود حلول منطقية وعادلة وبخاصة بعدما أوقفت السعودية وحلفائها " عاصفة الحزم " التي لم تحقق ما كانت تريده كما أنها أضرت بالمدنيين أكثر من مقاتلي الحوثي أو علي صالح، لتعلن عن بدء عملية " إعادة الأمل " ولعلهم أي المملكة العربية السعودية وحلفائها والأطراف والقوى اليمنية بما فيها الحكومة أن ترجع إلى جادة المفاوضات وفق مشروع وطني يحترم فيه إرادة الشعب اليمني ونبذ استعمال السلاح وبهذه المناسبة كان المفروض بالقوى المتحاربة احترام أكثرية الشعب اليمني المحب للسلم والأمان، وبالضد من الاحتراب والقتل الجماعي والفردي، لكن من المؤسف وعلى الرغم من إيقاف "عاصفة الحزم" بقت فرقعة الرصاص واستعمال مختلف الأسلحة بين الأطراف المتحاربة وعلى ما يبدو أن "إعادة الأمل " له وجهان مشروطان احدهما هو الأخيار العسكري والقصف الجوي إذا ما استمر الحوثيون وحليفهم على صالح على موقفهم الذي بدأوا به " الحل بواسطة السلاح "مما يضعف التوجه لمبادرة سلمية، أما الوجه الآخر فقد أكده وزير خارجية اليمن رياض ياسين خلال المؤتمر الصحفي في لندن " إن عملية "عاصفة الحزم التي تقودها السعودية لم تنتهِ بعد!!.

لكن ذلك لا يلغي الجهود التي تبذل لكبح جماح الحرب والتوجه للحل السلمي وهو طريق لا يخدم القوى المتصارعة ولا الحكومة اليمنية والرئيس عبد ربه منصور هادي ولا السعودية وحلفائها فحسب بل جميع بلدان المنطقة والتعايش السلمي في العالم، إن طاولة المفاوضات ما كانت يوماً دعوة للحرب والصدام المسلح بقدر كونها قاعدة للتفاهم وحل المشاكل بصورة سلمية وهو الخيار الوحيد أمام القوى السياسية في اليمن أولاً ولدول المنطقة ثانية .



 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter