|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  28  / 2 / 2015                                 محمد النهر                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



لأربعينية الراحل حكمت الفرحان رجل الصمود البطولي

محمد النهر

بعد اتفاق 11 آذار 1970 بين الحركة القومية الكردية والحكومة العراقية والتي أقرت الحكم الذاتي لكردستان العراق ، تفرغ حكم البعث إلى محاربة الحزب الشيوعي العراقي بكل السبل ولذلك وجه ضربة قوية للحزب الشيوعي ، ولم يوفر في هذه الحملة أيا من أساليبه الفاشية ، من التعذيب والسجن والاغتيالات والتشريد ، خاصة في الطاحونة البشرية قصر النهاية .

وفي نهاية نيسان 1970 شملت هذه الضربة التنظيم الطلابي في بغداد واتحاد الطلبة العام . وكنت وقتها أعمل في اللجنة المحلية الطلابية وكذلك سكرتيرا لاتحاد الطلبة العام ، حيث جرى انتخابي في الكونفرنس الرابع لاتحاد الطلبة العام الذي عقد سرا في جزيرة أم الخنازير في بغداد عام 1969 .

وقد استطعت أن أنجو من الاعتقال بعد ما علمت بأخبار الاعتقالات الطلابية ، وتركت العمل والبيت والجامعة . بعد مغادرتي العمل وصلوا إلى مكان عملي ، وفي الليل وصلوا إلى البيت وتم اعتقال إخوتي رياض النهر وإبراهيم النهر من اجل معرفة مكاني ثم أطلق سراحهم بعد أيام . اختفيت عدة أيام في بيت أختي عائلة الشهيد عماد هاشم الصالحي ، ومن ثم طلب مني الحزب التوجه إلى كردستان عند رفاقنا البشمركة وكان هناك أيضا عدد من الرفاق من مناطق مختلفة من العراق وصلوا أخيرا بسبب الحملة الإرهابية .

في بداية 1971 طلب مني الحزب الذهاب إلى بغداد ومنها أرسلت إلى محافظة كربلاء والنجف التي كان يقودها الرفيق الراحل فراس الحمداني ، وبعد فترة قصيرة استلمت التنظيم في المحافظة . كانت آثار إرهاب البعث واضحة على المنظمة وعلى التقدميين في المحافظة ، فقد شملت الاعتقالات والتعذيب أغلب الرفاق وأصدقاء الحزب ، ومن استطاع الهروب ترك المحافظة . ولكن كانت جذور الحزب باقية حيث كان يوجد عدد من الرفاق غير المكشوفين والذين توزعوا على خطين تنظيميين بعلاقات فردية في كل من النجف وكربلاء وخط واحد في الكوفة .

أما في الريف فكانت هناك لجنة قاعدية لقيادة عمل ريف الكوفة وكذلك لجنة قاعدية لعمل ريف كربلاء ، بالإضافة إلى العلاقات الفردية لعدد من الرفاق هنا وهناك وأغلبهم لمهمات فنية للمراسلة أو كبيوت حزبية أو احتياط لمثل هذه المهمات ، ومن روافد الحزب كانت العوائل الشيوعية والتقدمية وما تحمله من تراث نضالي وتعاطف مع الحزب والاستعداد لتقديم المساعدة ما أمكن .

ولظروف العمل انتقلت للسكن في كربلاء حيث سكنت مع رفيق عامل وعائلته من أهالي الديوانية يدعى أبو حسن اضطر للاختفاء ثم أرسله التنظيم إلى كربلاء وكان يعمل كعامل مع شخصية معروفة في كربلاء سمعت عنها كثيرا من رفاق كربلاء وهو الراحل المهندس الرفيق حكمت الفرحان .

كان حديث الرفاق عنه بإكبار وإعجاب خاصة صموده البطولي أمام كل أنواع التعذيب وكسر ساقه في قصر النهاية سئ الصيت ، مما اضطر جلادو البعث إلى إطلاق سراحه ، هذا عدا حديثهم عن تواضعه وأخلاقيته وعلاقاته الجيدة بالناس والمثقفين . بعدها تعرفت عليه بشكل مباشر عندما أصبحت علاقته الحزبية معي ، كنت أنتظر بشغف موعد الاستلام في شارع منزوي في كربلاء وكنت قد كوّنت مسبقا عدة صور في ذهني عنه ، خاصة صورة البطل الذي تحدى جلادي البعث وفي قصر النهاية بالذات الذي كان اسمه يبعث الرعب في نفوس الناس .

وعند الموعد المحدد وصل الرفيق وجرى التعارف بيننا وذهبنا إلى بيت أحد الرفاق الذي اختاره هو من أجل أن يكون مكانا للقاءاتنا اللاحقة وأن يكون البيت محطة لي للاختفاء فيه عند الحاجة . وكانت مفاجأة لنا حيث ظهر إن صاحب البيت هو الرفيق عبد الله الراوي رفيقي ورفيق أخي أحمد النهر في سجن الحلة لسنوات عديدة ، واستمرت علاقتي بالرفيق الراحل إلى أن انتقل إلى بغداد .

كان الرفيق الراحل يمتاز بالبساطة والتواضع ولا يظهر عليه أي مظهر لذلك البطل الذي تحدى الجلادين في عقر دارهم الجهنمي ، ولكن مع هذه البساطة والتواضع تشعر بأن هذا الإنسان يمتلك إرادة حديدية ، ويثير لديك الكثير من الثقة وكذلك التساؤلات ، من أين أتت كل هذه العزيمة والصمود لتحدي جلاديه الذين يتلذذون بتعذيبه ، أكيد انه لم يتوحد وكان يواجههم بمجموع الحزب وحب الناس والوطن ، وكما أوصى القائد الشيوعي التشيكي يوليوس فوتشيك نفسه ورفاقه في رسائله ( تحت أعواد المشانق ) المسربة من زنزانات التعذيب النازي وهو ينتظر الإعدام ، عن كيفية تحدي الجلادين والصمود بوجههم أن (لا تتوحد) أي لا تدعهم ينفردون بك بل واجههم وكأنك مجموع الحزب وبحب الشعب والوطن .

ومن التساؤلات التي أثارها تعرفي عليه هو هذا الكم الهائل من المعنوية والإصرار داخل هذا الإنسان الذي واصل العمل الحزبي في ظروف استمرار هجمة البعث الشرسة وجراح وآثار التعذيب لا زالت باقية على جسده ، وفي مدينة ليست بالكبيرة في ذلك الوقت وهو معروف فيها من قبل الناس وكانت أعين المخبرين والأعداء ترصده . واستمر عطاء الراحل حكمت الفرحان على هذا المنوال إلى آخر أيام حياته .

وإننا إذ نستذكر نضاله وصموده البطولي فخير تقدير لذلك إهداءه عنوان قصة كتبها أحد المناضلين أثناء ثورة أكتوبر الاشتراكية (والفولاذ سقيناه) وهو خير تعبير عن معدنه الأصيل .


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter