|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  8 / 10 / 2016                                 نبيل عبدالأمير الربيعي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



أشهر الجرائم والاغتيالات في محافظة بابل
للمؤرخ عبد الرضا عوض

نبيل عبد الأمير الربيعي
(موقع الناس)

الكتابة طقس, ولكل كاتب ميزَّة ونمط معين يمتاز به, وقد يشعر الكاتب بما يكتب لحظة انثيال الخواطر والمفردات وما تركه الكتّاب والباحثين في بطون الكتب من مفردات ونوادر الكلمات ببلاغتها ودلالاتها, وحقائق تاريخية يوثقها الباحثون والمؤرخون لأحداث شخصية أو أحداث تخص الأماكن والمدن والأشخاص, والمؤرخ د. عبد الرضا عوض متابع لما يحدث في مدينة الحلة من أحداث, فجاءت مؤلفاته إضافات لتأريخ المدينة ذات قيمة عالية وفائدة جمّة أغنت المكتبة العراقية والعربية من سرد الأحداث التاريخية, فقد امتلك صفات الشجاعة الكافية لقول الحق وتدوين التاريخ بصدق دون تورية أو مجاملة, فكانت مؤلفاته السبعة والثلاثون مؤلفاً عبارة عن تصانيف لفاكهة من بستان التأريخ النضرّ, حيث أصبحت مصدراً مهماً ومعتبراً يعتمد عليه فيما بعد الباحثون لما فيه من تنوع المواضيع والمؤلفات والأحداث, وتوثيق أمين لقضايا تقادمت عليها الأيام, ويخشى المؤرخ أن تنسى لذلك تم توثيقها في مؤلفاته, والمؤرخ عوض يمتلك طاقة من الإبداع في التوثيق والتمحيص ومتابعة المصادر والأفراد الذين عايشوا الحدث إن كانوا على قيد الحياة.

الأحداث التاريخية التي مرَّت على تاريخ مدينة الحلة الفراتية, تبقى مميزة بحسنها وقبحها على مرّ الأيام, فيتناولها القلم الرفيع والحصيف في قراطيس المؤرخين والباحثين لتصبح وثائق مهمة للباحثين, صالحة للقراء والقراءة لعموم الناس.

مدينة الحلة قدِمَ إليها الكثير من أبناء المدن القريبة والبعيدة لها, من هيت وحديثة والموصل والديوانية وكربلاء وجبَّة وديالى, هؤلاء على ما يذكر أصحاب التواريخ, يقدمون إليها للعمل فيها لما يتوفر في المدينة من تقدم حضاري وما تتصف به من إنسانية لقبول الآخر رغم الاختلاف الديني والمذهبي والقومي, من بينهم قد سكنها اليهود والنصارى والأيزيديون والمندائيون لسماحة أهلها وطيبتهم وابتعادهم عن أي تعصب ديني أو مذهبي أو قومي, فإن أهل الحلة علمانيون إنسانيون يختلفون عن مدن الفرات الأوسط بإنسانيتهم البعيدة المنال (1).

لكل كتاب جديد للمؤرخ د. عبد الرضا عوض, نتفاجئ بمادة موضوعية وبعلمية جديدة يتطرق إليها لم يمر عليها المؤرخين والباحثين إلا مرور الكرام, لكن نجد المؤرخ يسلط الضوء عليها ويلم بجميع جوانبها ليصبح كتاباً مهماً في تاريخ مدينة الحلة التي عشقها المؤرخ عوض.

من خلال متابعتنا لجميع مؤلفات المؤرخ نجده يغوص في أحداث التاريخ ليخرج لنا ياقوت وجواهر وزمرد الأحداث التي لم توثق خلال القرن العشرين إلا قد تطرق إليها البعض ووفق سيّر الأحداث بشكل مبسط وغير ذات أهمية لديهم, لكن المؤرخ عوض قد نقبَّ وبحث وجمع عناصر الأحداث ليخرج لنا بجواهره التي تسرّ القراء والباحثين, وأصبحت ذات شأن في مجال التاريخ, وكان أحد بحوثه هو كتابه الصادر عام 2009م تحت عنوان (أشهر الجرائم والأغتيالات والحوادث في محافظة بابل), الكتاب يحتوي على (121) صفحة من القطع الوزيري, والتي وثق من خلالها الجرائم والأغتيالات التي حدثت في المدينة منذُ نهاية العهد العثماني وحتى نهاية القرن العشرين.

الكتاب يعتبر هو الأصدار الرابع عشر للمؤرخ عبد الرضا عوض ضمن سلسلة تراث الحلة, حيث وثق المؤرخ أهم الجرائم والأغتيالات السياسية وغير السياسية التي حدثت في مدينة الحلة والتي أثارت ضجة لدى أبناء المدينة والسلطة المحلية الحاكمة في حينها, حيث سلط المؤرخ الأضواء على مجريات الأحداث المهمة مستبعداً جرائم الشرف وجرائم غسل العار كما أشار في مقدمة الكتاب.

تضمن الكتاب ثلاثة فصول ومقدمة, وقد شملَّ الفصل الأول الأغتيالات والإعدامات التي نفذتها السلطة المحلية في حق أبناء المدينة نهاية العهد العثماني وما تسمى بـ(وقعة عاكف) الشهيرة, تلك الواقعة التي أشار إليها أكثر من كاتب وباحث دون التعمق في مجريات أحداثها وأسماء من أعدمهم السفاح عاكف والأسباب الرئيسية والموضوعية للواقعة, وأهملها التاريخ زهاء مئة عام على الحدث, وقد صدر أخيراً للمؤرخ عبد الرضا عوض حول الواقعة ودعى ذو الشأن لإقامة مهرجان لها من كل عام, إلا أن من ذكرها من المؤرخين والباحثين منهم (الشيخ يوسف كركوش, د. أحمد سوسة, د. محمد مهدي البصير), والتي دارت أحداثها في معركتين رهيبتين الأولى يوم 17 آب 1915م والثانية عام 1916م بقيادة القائد العسكري العثماني (عاكف بيك), المعركة الأولى استمرت ليومان واشتركت فيها العشائر القريبة من مدينة الحلة مع أبناء المدينة ضد الجيش العثماني, وانتهت بانسحاب عاكف من مدينة الحلة وأطلق عليها الوقعة الأولى (2).
والواقعة الثانية راح ضحيتها أكثر من 4000 فرد من أبناء مدينة الحلة بين الإعدام شنقاً والتهجير والإبعاد والنفي إلى ديار بكر, بين هؤلاء أطفال وشيوخ وعجائز (3), أما مصدر آخر يذكر أن عدد القتلى 1500 قتيل والذين شنقوا 127 شهيداً والذين نفوّا إلى ديار بكر 231 فرداً بضمنهم نساء وشيوخ (4).

كما وثق المؤرخ عوض في كتابه جرائم النظام الحاكم ضد أبناء الشعب عامة وأبناء مدينة الحلة خاصة ومنها جرائم التهجير القسرّي لمكونات الشعب العراقي من الطائفة اليهودية والشيعية, الأولى نحو إسرائيل والثانية كانت نحو إيران, من خلال اتهام المهجرين بالخيانة والجاسوسية, حتى شملَّ الإبعاد والتهجير من ساهموا بثورة العشرين مطلع القرن الماضي من أبناء المدينة, فضلاً عن قرارات ارتجالية لتهجير المواطنين, وهو ما يسمى بالتطهير العرقي لأبناء الشعب العراقي, ففي الصفحة 21 من الكتاب يقول المؤرخ عوض (سميَّ تطهيراً عرقياً, ونحنُ نسميه حقداً طائفياً... ففي نعرة طائفية مقيتة علا صوت (الخليفة السادس – يعني خير الله طلفاح خال الرئيس صدام حسين) بوجوب تنظيف الأرض العراقية من : الشيعة والشعوبية والشيوعية, لأن بينهما قاسم مشترك وهو أنهم (خونة) وتاهت علينا وعليه نوع الخيانة, فيذكر المفكرون إن الخيانة نوعان, فخائن الوطن مجرم ينال عقابه وخائن السلطة لهُ شأن ثانٍ).

لقد اشتدت حملة التهجير لأبناء الطائفة الشيعية التي بدأت سنة 1970م, وأوقفت عشرة سنين لتعاد مرَّة ثانية عام 1979م بُعيد استلام صدام السلطة من سلطة الرئيس السابق أحمد حسن البكر.

في هذا الكتاب يوثق المؤرخ عوض الأسماء الصريحة لمن نالهم التهجير القسرّي من أبناء مدينة الحلة وقصصهم المأساوية لمن عاش أجداده في العراق عشرات السنين, ودورهم في بناء العراق ومهنهم, ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة, والبعض سلبت أموالهم وممتلكاتهم ومنحت إلى رجال أمن السلطة كهبة, وبعضِ آخر بيع في مزاد على ثلّة من وكلاء أمن النظام, وبيعت لهم بثمنٍ بخس, وسجلت المبالغ إيراداً للدولة بصفة غنيمة...!!(5).

يعقب المؤرخ عوض في كتابه صفحة 28 يقول (أمّا في القصبات التابعة لمحافظة بابل فقد حظيت مدينة المسيب بحصةٍ أوفر في عدد المسفرين, وجاءت بعدها مدينة القاسم, ولأهالي القاسم قصة تحمَّلَ وزرها الناس الطيبين, فقد احتج أو تذمر بعض أهالي المدينة على تسفير أبناء جلدتهم, ووصل ذلك إلى أنظار سلطات الأمن فاحتجزوا هم أيضاً وأحيلوا إلى المحاكم بتهمة التعاطف مع الخونة, وأودعوا السجن..!!, وقد بلغَّ عدد المسفرين من محافظة بابل باتجاه إيران للسنين 1979/ 1980م (2412) نسمة واحتجز الشباب القادر على حمل السلاح في معسكرات خاصة, ثمَّ زجوا في المعارك الهجومية فقتل من قتل وهرب من هرب باتجاه إيران, وقد وثق تلك المأساة الأستاذ فائق محمد حسين الخليلي بكتابه (التسفير جريمة العصر), وهو من الذين شملهم التسفير, يحكي فيه معاناة ومآسي الناس الذين أصابهم التسفير(6). وقد تضمن الفصل جرائم إعدام الهاربين علناً وأمام أنظار أبناء المدينة ودفن ممن اعدموا من ثوار الانتفاضة عام 1991م في أكثر من مقبرة جماعية.

أما الفصل الثاني من الكتاب فقد تضمن أهم الأغتيالات التي حدثت في مدينة الحلة في العهد الملكي ومنها (حادثة نجم العبود, وشاؤول اليهودي, وعدنان سلمان البراك, وغضبان الجريان, ومحمد عبد العباس مرجان, وياسين الشيخلي, والشقي إبراهيم عبدكة), وهذه حوادث الأغتيالات وثقها المؤرخ اعتماداً على المصادر التاريخية والمقابلات الشخصية لمن عاش تلك الحقبة الزمنية واطلعَّ على سيَّر أحداثها, فالكتاب يعتبر مهم للباحثين في شأن تاريخ الجريمة المنظمة وغير المنظمة, في ظل حكومات محلية متعاقبة على مدينة الحلة, وعلاقات اجتماعية كانت مسألة الثأر وأخذ حق المجني عليه دون الرجوع لحكم القانون وأسباب أخرى متعددة.

في الفصل الثالث ذكر المؤرخ أهم أحداث العهد الجمهوري في مدينة الحلة بعد ثورة 14 تموز 1958, منها (حادثة بنت ارزوقي اللبلوه, وارزوقي الشمعوني, ومنعم جليل, وجوعي, وحادثة غازي الشعار, وهروب السجناء السياسيين من سجن الحلة المركزي, ومقتل كوادر حزب البعث, وإعدام القيادي في حزب البعث محسن الشعلان, وحادثة موفق الجراخ, وضابط أمن المدحتية, والقيادي في حزب البعث حكيم البكاء, ومجزرة المجرم غازي في مدينة المدحتية, وحادثة مقتل التاجر مهدي العزاوي). تلك الجرائم التي حصلت في مدينة الحلة أبانَ العهد الجمهوري الأول والثاني والثالث, ومرَّ عليها الزمن, وكانت مبهمة ليومنا هذا, حتى تناوها المؤرخ عبد الرضا عوض في كتابه هذا من باب توثيقها للأمانة التاريخية, فالذي حدث لا يمكن تجاهلهُ مهما كانت توجهات الأشخاص, وعليه فقد بينَّ المؤرخ عوض أبرز الأحداث التي هي سياسية في صلبها, لكنها غُلفت بثياب شتى من قبل سلطات النظام, إلا أن توثيقها من قبل المؤرخ قد نقلَ لنا حقائقها الموضوعية والذاتية وأسباب وقوعها في هذا الكتاب, كان الغرض منهُ لتسليط الضوء على مجريات أحداث حدثت في المجتمع الحلي المسالم والسمح, وقد تناقلت تلك الحوادث المجالس اليومية في وقتها ردحاً من الزمن, وكتبت عنها بعض الصحف المحلية, وحيكت حول بعضها حكايات كثيرة قد تكون بعضها بعدية عن الواقع, إلا أن المؤرخ قد سلط الضوء عليها ووثقها توثيقاً علمياً صادقاً في نقل الحقيقة.

لكن في هذا الكتاب لم يذكر المؤرخ عوض أحداث 8 شباط 1963م والصراع السياسي بين الأطراف السياسية, وتشكيل بعض الأطراف ميليشيا لأغتيال العناصر المعادية والمختلفة معها, وما حصل من قتل وتصفيات جسدية ومحاولات اغتيال للعديد من معتنقي الفكر اليساري أو القومي, كما لم يذكر المؤرخ حوادث انتخابات عام 1962م في مدينة الحلة ومحاولة اغتيال الأستاذ عدنان الظاهر في شارع المكتبات من قبل عصابات البعث, فضلاً عن عملية قتل كاظم عبيد (أبو رهيب) سكرتير محلية الحزب الشيوعي العراقي بعد الهجمة الشرسة على الحزب نهاية عام 1979م, وقتل أثناء مقاومتهُ ودفاعه في معركة غير متكافئة مع عناصر الأمن وقوات الشرطة في ريف ناحية الكفل عام 1982م, ومقامة جبار جاسم ومقتله, ومقاومة الأبن البكر للقيادي الفلاحي كاظم الجاسم (قيود) في داره الواقعة جنوب مدينة الحلة واعتقاله من قبل قوى الأمن وجهاز حزب البعث وتصفيته.

سيرة المؤرخ عبد الرضا عوض
ولد المؤرخ والباحث والمحقق د. عبد الرضا عوض في محلة الجامعين التابعة مدينة الحلة عام 1952م, حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي عن أطروحته (الحوزة العلمية في الحلة, نشأتها وانكماشها), حاصل على عضوية في (اتحاد المؤرخين العرب, الإتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين, جمعية الرواد الثقافية المستقلة في بابل, إتحاد كتاب الانترنيت العراقيين, رئيس مجلس إدارة مجلة (أوراق فراتية) وريس تحرير مجلة (أسديون), من مؤسسي مركز تراث الحلة التابع للعتبة العباسية وشغل أول مدير للمركز عند التأسيس عام 2013م, من مؤسسي مركز العلامة الحلي التابع للعتبة الحسينية, أصدر سلسلة تراث الحلة في (37) كتاباً, ومدن فراتية (2) كتاباً, والتحقيق (2) كتاباً, لهُ كتابات في الصحف والدوريات المحلية والعربية, لهُ مشاركات في المؤتمرات العلمية داخل وخارج العراق, حاصل على العديد من الجوائز التقديرية للمهرجانات العلمية داخل وخارج العراق, أسس دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة عام 2006م وصدر عنها أكثر من 450 كتاباً.


المصادر
1- محمد علي محيي الدين. كتب في الميزان. دار الفرات للطباعة والنشر والإعلام في الحلة. ط1. 2012. ص65.
2- د. عبد الرضا عوض. أشهر الجرائم والاغتيالات في محافظ بابل.ط2. 2011. دار الفرات للثقافة والاعلام في الحلة. ص14.
3- د. عبد الرضا عوض. أشهر الجرائم والاغتيالات في محافظ بابل.ص16.
4- يوسف كركوش. تاريخ الحلة. ج1. ص181؛ د. عبد الرضا عوض اشهر الجرائم. ص17.
5- د. عبد الرضا عوض. أشهر الجرائم والاغتيالات في محافظ بابل.ص25.
6- د. عبد الرضا عوض. أشهر الجرائم والاغتيالات في محافظ بابل.ص28.


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter