|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  8  / 7  / 2024                                 نبيل عبدالأمير الربيعي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ما يستحضره التاريخ
للرد على كتاب عبد الجبار أيوب (مع الشيوعيين في سجونهم) (2-4)

نبيل عبد الأمير الربيعي
(موقع الناس)

المؤلف عبد الجبار أيوب كتب في كتابه المشار إليه من قبيل التهجم ولتشويه الحقائق؛ وتشويه سمعة السجناء الشيوعيين والنيل من سلوكياتهم وأخلاقهم، ولكنهُ سجل ما يعتقد أنه الحق، وسلك في تفنيد آراء مخالفيه الأسلوب والمجادلة، وكان هذا الكتاب قد صدر من خلف المكاتب الفخمة والأرائك الوثيرة، عن المكتب الذي أسسهُ عبد الجبار أيوب بأسم (مكتبة العامل)، والذي يقع آنذاك في العهد الملكي في شارع المتنبي في العاصمة بغداد، لدعوة الكُتّاب والمؤلفين إلى نشر الكُتب الموجهة ضد الشيوعيين. وقد أكد ذلك الكاتب والباحث عبد الحليم أحمد الحصيني في موسوعته (رجال ذي قار في العلوم والأدب والفنون)، الجزء الثالث.

ويؤكد سليم إسماعيل البصري وهو أحد السجناء الشيوعيين في سجن بغداد عندما كان مدير السجن عبد الجبار أيوب آنذاك، قائلاً: "كان التذمر بين السجناء في شهر حزيران 1953م واضحاً نتيجة للمعاملة السيئة من قبل إدارة السجن. وقد تعقد الوضع عندما أراد جبار أيوب تجريد السجناء من كافة مكتسباتهم التي حصلوا عليها بنضالهم الطويل حينما ابلغهم يوم 18 حزيران بأنهم سينقلون إلى سجن آخر دون أن يكشف اسم السجن. لم يخطر ببال السجناء حينها أنهم سينقلون إلى سجن جديد على الطراز الأمريكي في بعقوبة، وإن الغاية من نقلهم هي عزلهم عن ذويهم وعن علاقتهم بالخارج وحرمانهم من المكاسب البسيطة التي حصلوا عليها". وقد أفاد أحد ضباط السجن آنذاك عنه لسليم إسماعيل البصري: (لو ترك الأمر له لأفناهم جميعاً وبسرعة).

يكتب أيوب ذلك الكتاب والسجناء الشيوعيين في حالة يرثى لها في زنزانات العهد الملكي، وهم على أرض الزنزانات وأثناء الأعمال الشاقة وتكسير الأحجار وحفر الأرض، وكانت الأجساد ممزقة بسياط الجلادين والوجوه يختلط فيها العرق بالدم والغبار، ومع هذا كان تمسكهم بمبادئهم وأخلاقهم وفكرهم النيّر؛ ويشيع بالبشرى في وجوههم، ويزكي نفوسهم ويثبت أقدامهم.

ومن خلال مراجعة الكتاب لأقارع الحجة بالحجة، وسوق الدليل أثر الدليل. وتفنيد المزاعم، وإزالة الشبهات، حتى يسقط في يد القارئ الكريم ما يبطل ما كان المؤلف يدعيه. وينكشف على حقيقته، وحقيقة كل جاهل مغرر به، يتاجر بدماء السجناء والمبادئ في سوق الجهل والضلال. وأجد أن نشر الكتاب هو زيادة آلام السجناء والشهداء الشيوعيين، فتوقفت بين الحيرة والألم، والغيرة على تاريخ مرصَّع بالنضال والدماء ومآثر المناضلين وصمودهم أمام، ومجازر السلطات، وسوط الجلاد وسجونه.

ومن هنا يجدر بنا كباحثين أن نشعر بضخامة العبء وعظيم المسؤولية، لمواجهة هذه الأنماط المختلفة، من أصحاب الشعارات التي تريد القضاء على الفكر اليساري بكل ما تملك من وسائل البطش والإرهاب والكذب والتزوير والتملق والنفاق، وشراء الذمم والضمائر واستعداء الجهلة على الدعاة وإغراء السفهاء بهم.

إن أهوال العذابات التي تتحول في السجون إلى مذابح ومجازر بإشراف عميد الشرطة عبد الجبار أيوب وآخرين في سجون (نقرة السلمان، وبغداد، والكوت، والحلة) كانت تتحكم في خطى الإنسان وحركته، وتحصر وجوده الفكري والمادي والأدبي، وتضغط آماله ميعاً في دائرة قهر الرجال.

مُنذُ عقود سابقة، في العهد الملكي والعهد الجمهوري الأول والثاني والثالث؛ وأصحاب الفكر اليساري يتعرضون لسحق متواصل على مستوى الجماعة، وعلى مستوى الفرد، وكان لا بد من فضح ما تعرض لهُ السجناء، في البحوث والكتب والمذكرات، ودورهم في المقاومة المتواصلة في اسوأ الظروف. لذلك أقف عند ظاهرة السجون وسجناء الفكر لدراستها بإيجابية.

فمن أهداف مدراء السجون والسجانين وهم يلقون بالأحرار في أقبية السجون، قذفهم بالتهم الزائفة والباطلة، وحملهم على إعلان البراءة من فكره ومعتقداته، ندماً وإقلاعاً وعزماً. ندماً على العمل الذى عملوه وإقلاعا عنهُ، وانهزاماً على عدم العودة إليه. فما كان من سجناء الفكر والعقيدة إلا ونزل بهم من الاضطهاد ما أعنتها وآذاها.

فمن السجناء من يكون إحساسه بالاضطهاد سلبياً، يكتفى على ذاته ويطيل النواح ويفقد ثقته بنفسه وينسحق، وهنالك في أرض الضياع تصبح الشكوى وسباب موكب الحياة الزاحف.

لذلك نجد أن بعض السجناء قد هلكوا وتبخروا تحت ضغط هذا العذاب ومن ثمَّ اعطاء البراءة كي تنشر في الصحف الرسمية لإحباط همم الآخرين ممن يحملون ذلك الفكر، لذلك يكون الإحساس السلبى بالاضطهاد. ومنهم من يكون إحساسه بالاضطهاد إيجابياً ينتزع نفسه ويسحبها سراعاً من ضغوط الاضطهاد، ويستدعي جميع طاقاته ويقذفها في ساحة التحدي والصراع، من خلال غريزة البقاء والغضب والصراع البشري ونزعة مقاومة الخطر. فيستمد من مقاومة الاضطهاد عزماً جديداً على مواصلة السير نحو الهدف. ومن الإنصاف أن نقول: إن إحساس الشيوعيين في سجونهم بالاضطهاد كان إيجابياً. ولذلك سأسلط الضوء على بعض ما ورد في كتاب عبد الجبار أيوب من أحداث سواء كانت حقيقة أو ملفقة وفق المصادر والحجج، لنبين للقارئ الكريم الاضطهاد والسجن والقتل والتصفية الجسدية التي تعرض لها الشيوعيين على يد مدير السجن عبد الجبار أيوب وبعض السجانين ممن يحملون الحقد على السجناء، ففي صفحة 68 من الكتاب يبين أيوب حقده على جميع السجناء ومبادئهم قائلاً: (ووجدت في شرطة البادية كباراً وصغاراً أناساً طبعوا على أداء الواجب، ومردوا على كل ما من شأنهُ الإخلال فيه، كما وجدت فيهم نفوراً من كل مبدأ هدَّام وخاصة هذا المبدأ الذي تزعّمهُ أخوان اليهود وسفلة الصهاينة من كل نذل جبان وحقير مستهتر سافل من هؤلاء الذين خبرناهم ووقفنا قراءنا على مآتيهم ومبادلهم وسفالاتهم. فأنا في الواقع مطمئن على هذا الثغر أن يكون لبذور الفساد فيه مواضع ومواقع، فأنهُ بفضل هؤلاء الرجال الغُير المقاديم من ضباط الشرطة وعرفائها وأفرادها، سيكون لها هناك قبر لن تخرج منهُ إلى يوم يبعثون، فحيَّاهم الله وأكثر من أمثالهم من الذين يحترمون الواجب ويقدرونه قدره).

هذا بعض من حقد عميد الشرطة عبد الجبار أيوب. عجيب أمر هذا الرجل، يستخدم كل التفاهات لتشويه تأريخ مناضلين جسدوا نضالهم من خلال الشهادة ومقارعة الظلم، ويؤكد في هذه الفقرة أن سجن نقرة السلمان: (سيكون لها هناك قبر لن تخرج منهُ إلى يوم يبعثون). لا نستغرب من إنسان حاقد يكتب ما يشاء لأرضاء سيده ومليكه وزبانيته. يكتب هذه الأمور كون عائلة يعقوب إسحيق قد تم تهجيرهم إلى فلسطين كونها عائلة يهودية بعد مصادرة ممتلكاتها، والعائلة بعيد عن أرض الوطن كي تقدم شكوى على هذه الترهات آنذاك.

ومن الأفتراءات التي ذكرها عبد الجبار قائلاً: "تم طرد (نافع يونس وسالم عبيد النعمان) من الحزب، وهذا الأخير هو المسؤول الأول عن جميع تنظيمات الشيوعيين في العراق، سواء منهم من كان داخل السجن أو خارجه".

علماً أن آنذاك كان سكرتير الحزب بعد استشهاد فهد يهودا صديق ومالك سيف للفترة من 1946-1948م، ومن ثم بهاء الدين نوري للفترة من 1949-1953م، ومن ثم كريم أحمد للفترة من 1953- 1954م، ومن ثم حميد عثمان للفترة من 1954-1955م، ولم يكن يوماً ما سالم عبيد النعمان سكرتيراً للحزب.

وفي صفحة أخرى من الكتاب يذكر عبد الجبار أيوب لقائه بنافع يونس قائلاً: (راجعني مأمور السجن واخبرني بأن السجين المحكوم عشر سنوات بالأشغال الشاقة وهو نافع يونس من أهالي أربيل يريد مواجهتي، فقلت لا بأس بذلك، جئني به. وبعد قليل رجع إليَّ المأمور (بنافع) وأدخلهُ عليَّ. فحياني بأدب، فرددت عليه بما حضرني من عبارات التحية، ثم سألته عما يريد؟

فقال: لي حديث خاص أرجوا (ارجو) أن اطلعك عليه وحدك. فعلمت من قوله أنهُ يريد أن انفرد به فصرفت المأمور وقلت لهُ: تحدث فأني لكَ سامع.

قال: جئتكَ في أمرٍ أريد أن لا يطلع عليه أحد البتة فأن في افشائه خطراً عليَّ، فأن وعدتني بكتمانه أدليت بهِ إليك وإلا احتفظت به وانصرفت عنكَ).

وهذا افتراء آخر واضح من قبل عبد الجبار، وهل يؤتمن الشيوعي السجين مدير سجناً حاقداً على فكره ليطلعه على أمر، بإفشائه خطراً على نافع يونس إذا وعده بالسر والكتمان؟، أمور تضحكني في الداخل، حتى تعلوا قهقهتي وأنا اقرأ هذه الترهات، لأن ابن آوى مهما كان لا يؤتمن.

 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter