نبيل يونس دمان
nabeeldamman@hotmail.com
الخميس 9/12/ 2010
استحداث محافظة مسيحية في العراق
نبيل يونس دمان
nabeeldamman@hotmail.com
كلما اشتدت وطأة الارهاب على المسيحيين في العراق، كلما ارتفعت نبرة المطالبة بمنحهم الحكم الذاتي في سهل نينوى، لكن هذه النقطة بالذات كانت موضع خلاف للمهتمين بالامر، الى ان كانت تصل الى التوازن القلق بين مؤيد لهذا المطلب او معارض له، واحيانا كان يترك الامر لما يأت به الزمن .
اما اليوم فقد اختلفت الصورة، فما ان وقع الحادث الأكبر في استهداف كنيسة أم النجاة، حتى صرح الرئيس العراقي المنتخب جلال الطالباني عند تواجده خارج العراق، بانه لا يمانع من قيام محافظة خاصة بالمسيحيين، عند هذا التصريح تحركت الاحزاب والقوى المسيحية فاقتربت من بعضها وأخذت هذا المطلب على محمل الجد، وعلى الاغلب بعد ان يتبلور بصيغة متفق عليها، سيجد طريقه الى البرلمان العراقي الذي يرأسه الرجل الصارم أسامة النجيفي، وهو من اهالي نينوى ويعرف جيدا ظروف المحافظة ومشاكلها.
فكيف يجب التصرف، والاستمرار في هذا المطلب، ولحشد الطاقات من اجل انجاحه؟ لا اكتمكم ان ما أثير قد ايقظ مشاعري، بعد ان كنت اعيش احباط مرده استمرار استهداف ابناء شعبي المسيحي الذين هم من القلة المتبقية من سكان البلاد الاصليين، وانهم يُقتلون ويضطهدون بشدة وقسوة منذ سقوط النظام الدكتاتوري وحتى هذه الساعة، لا لذنب اقترفوه، بل لغايات واهداف واجندات، لا يفك طلسمها إلا الباري سبحانه وتعالى.
اقدّر ان يلقى الموضوع اهتمام خاص من برلماننا الموقر والكتل السياسية، لان اوضاع المسيحيين اصبحت لا تطاق، وباتت في مقدمة اولويات واهتمامات قوى الداخل والمجتمع الدولي، فاذا تطابق هذا المطلب مع برامج تلك الكتل والاحزاب، فربما تكون النتيجة انبثاق محافظة عراقية جديدة تنسلخ من نينوى تلك المدينة العظمى في التاريخ، وقد كانت في سني الدولة العثمانية ولاية لها ثقلها الاقتصادي والسياسي. شاءت الظروف ان يصبح قضاء دهوك التابع لها في عام 1969 محافظة مترامية الاطراف، وفي يومنا هذا ربما تلين الظروف القاهرة عن ولادة محافظة للمسيحيين، الذين يستحقون العناية والاهتمام، كونهم الشريحة الاكثر تظلما في كل الفترات السابقة، وهذه الشريحة هي محط اعجاب العالم في قدرتها على الصمود المزمن امام الموجات البربرية التي استهدفتها، واعجاب العالم ايضا في امكاناتها ومواهبها واخلاقها، التي لم تأت من فراغ بل من جذورها، فهذا المكون هو استمرار لعظمة سومر وأكد وبابل وآشور، وبقاياهم اليوم يعكسون وهج الحضارات الغابرة في وجدان عصرنا الحاضر، وتدرك الدول الكبرى واوربا جيداً مميزات هذه السلالة البشرية، ولذلك لا استبعد انها تسعى لاستقطابها الى بلدانها، فهي رأسمال لا يقدر بثمن، ولا أشك انها درست هذه الحالة جيداً، فسارعت الى تشجيع الهجرة، وفتح ذراعيها لاحتضان المهاجرين الذين انقطعت بهم السبل، وباتوا على شفير الهاوية او الانقراض التام.
عندما يخطط العراق لمستقبله ويرسم استراتيجه، عليه ان يولي موضوع المسيحيين اهتمام كبير، ويترتب عليه ان يعالج جراحهم العميقة، ويحل مشاكلهم الماثلة للعيان وتأتي في المقدمة: حقن دمائهم، اعادة استقرارهم، ارجاع البسمة الى وجوههم، واعادة الثقة بانفسهم، عليه يجب توفير كل مستلزمات اعادة توطينهم او بما اقترح من ايجاد محافظة خاصة بهم، ويتطلب ذلك دراسة مستفيضة تاريخية وفنية على أعلى المستويات، لدرء اخطاء ولادة غير طبيعية، قد تجلب نقمة اخرى عليهم. على المهتمين بالامر دراسة اشكالات ومشاكل اثنية مستعصية منذ ازمنة بعيدة، تلك التي على امتداد الخط الواصل من خانقين مروراً بكركوك ونينوى وحتى سنجار، لايجاد افضل الحلول التي ترضي الجميع، فيتحمسوا باتجاه انجاح المشروع، لابد من مشاكل كثيرة تعتري هذا السبيل، ولكن لا مناص من ولوج هذا الطريق، الذي بمرور الزمن يصل الى الغاية، التي تستقر بها تلك المكونات الجميلة، وتعيش حياتها الكريمة، فترفد العراق بطاقاتها وخدماتها، ليبلغ الرقي والتمدن الذي لا بد ان يصل يوماً اليه.
هناك نقطة بالغة الاهمية هنا، وهي ان توحد تلك المجاميع البشرية كلمتها، بدء من مكونات شعبنا واحزابه وكنائسه وطوائفه، ثم باقي الاثنيات خصوصاً من الأيزيدية والشبك فيتكاتف الجميع لتحقيق الغاية المرجوة. ان المحافظة المقترحة ستكون لها بعض الخصوصية التي تاخذ سماتها من حلقات التاريخ، وان شاء الله وبالحكمة والتعقل تنجح التجربة وتزدهر، فتكون ثمارها لعموم العراق وتكون مبلغ سعادة القوميتين المآخيتين: العربية والكردية. يقيناً ان الوضع الحالي لن يستمر الى ما لا نهاية، بل ستأت اوقات ينعم فيها شعبنا العراقي بالحياة الحرة العزيزة.
اخاطب الجميع بان يكونوا على مستوى المسؤولية، ربما هذا اخر حظ لبقاء المكون المسيحي في بلده، وهي فرصة لوقف نزيف الهجرة وعودة المهجرين من بلدان الشتات والضياع. ان التطور العلمي الذي اجتاح العالم ليصبح وكأنه قرية واحدة في مطاوي القرن الحادي والعشرين، قد ولّد الانترنيت الذي سيحمل صوتي وافكاري الى كل مستويات المسؤولين، عسى ان يتعاطفوا مع مطالب شعبي في ايجاد ملاذ آمن، وابعادهم وان بشكل موقت عن بؤر الصراع، اقول مؤقتا لان مكان المسيحيين في كل ارجاء العراق عندما تترسخ الدولة وتتناوب السلطة باسلوب سلمي- ديمقراطي، ويعم الاستقرار والبناء كل العراق، ان للمسيحيين اوقاف واديرة وكنائس تاريخية وحديثة في بغداد والبصرة والموصل وغيرهما، ستظل تنتظر عودتهم، وسيعودون اليها آلافا مؤلفة لتملأ باحاتها وهياكل عبادتها التي تعبق بأريج الماضي، وهي مزدانة على مر القرون بالجمال والابهة وخشية الله.
ايها الاخوة المعنيون بالامر:
دعونا نستقر فقد تعبنا كثيراً.
دعونا نعمل بحرية وسترون ما يقطفه العراق بأسره من نتائج عملنا واخلاصنا.
واخيرا دعونا نعيش بسلام مع اهلنا واطفالنا على ارضنا وفي بلادنا التي زرعها وعمّرها اجدادنا عبر تعاقب الاجيال والازمان.
December 08, 2010