|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  10  / 4 / 2016                                 نجم خطاوي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

قوم أعزة

نجم خطاوي
(موقع الناس)

في تشرين العام الماضي حللت رحلي في الوطن.
في مساء منعش وقفت صامتا في شرفة فندق قديم في كاظمية بغداد.
الشريف الرضي شامخا أمامي بقبته الخضراء وسط زحمة البشر ورائحة السوق يزدحم بالزائرين وصوغاتهم..
بين يدي كتابه الديوان الذي سلم من كتبي القديمة ولم تنله مجزرة حرق كتبي التي ارتكبها اهلي في زمن مضي وكنت قد عزمت اصطحابه معي في رحلة العودة لمدينتي ستوكهولم..
.......
لا ادري لماذا استوقفتني كلماته :

شربنا من الأيام كأسا مريرة
تدار بأيد لا نرد شرابها

ويمضي في لوم نفسه على معاتبة الأيام وهو يشرب مرارة كأسها وحوادثها ووسط اللؤماء وجلف القوم :

نعاتبها والذنب منها سجية
ومن عاتب الخرقاء مل عتابها

كنت أتصور نفسي وكأني على لسان حاله بعد ان تكررت معي ومع أبناء جيلي ذنوب الدنيا التي صارت كالسجايا تتكرر في كل مرة وحتى مللنا من عتابها ولوم هذه الأوضاع الخرقاء الذي لا يجدي..
ويمضي صاحبي الشريف الرضي في شكواه:

وقالوا سهام الدهر خاط وصائب
فكيف لقينا يا لقوم صيابها

وهو وجع روحي وندب للحظ ولويلات الزمن وسهامه التي لم تخطه وكانت صائبة في كل مرة ولم تخطئ في إيذائه..
ويستمر نصه في توجيه نقده وصرخاته ضد الظلم واللاعدالة التي يلاقيها بعض الناس ودون وجه حق وعلى قول المثل الشعبي العراقي الدارج
(كد أبو كلاش يأكله أبو جزمه), ويقول:

أبت لقحة الدنيا درورا لعاصب
ويحلبها من لا يعاني عصابها

وهذا القول ربما يكون قد سبق صاحبنا ماركس وفائض قيمته في تصوير ضياع جهد بعض الناس لصالح ناس آخرين وبدون حق وعدالة..
لقد سموا في ذلك الزمن الناقة الحلوب الغزيرة اللبن ( اللقحة )، وكانت العادة أن يعصبوا فخذي الناقة الحلوب من أجل أن تدر الحليب الوفير والأخلاف.
ومن يتمعن في روح بيته التالي من النص :

وقد يلقح النعماء قوم أعزة
وينتج قوم عاجزون شعابها

سيجد قوة في البلاغة والحكمة. وهذا الوصف لا يرقى له وصف اخر في تصويره اللاعدالة والحيف والتناقض، إذ نقف أمام صورة القوم الأعزة الذين يجهدون في الحياة، وهنا يقومون بتلقيح الناقة، وأمام صورة أخرى لقوم آخرين كسالى وعاجزين ولكنهم يحصلون على مكاسب نتج الناقة, أي ينفردون بتوليدها والحصول على الشعاب وجمعه الشعب وهو ولد الناقة ساعة ولادتها....
في فجر اليوم التالي حان موعد مغادرتي الوطن. في سيارة تاكسي قاصدا ساحة عباس بن فرناس، السيارة تمضي وسط شوارع المدنية تاركة أحشائها المكتظة بالصخب والألفة صوب شوارع جرداء عريضة، وأنا أتطلع من نافذتي سيارة الأجرة وكأني لا اريد ترك مكانا دون ان أمتع روحي بطعم مذاقه ومتذكرا كلمات الشاعر الحكيم الشريف الرضي في نصه الخالد:

نشاق الى اوطاننا وتعوقنا
زيادات سير ما حسبنا حسابها

سأعود لغربتي ثانية بعيدا عن مدينتي الكوت وعن عاصمتي بغداد, وسأعلم نفسي وبصبر الرضي وبلاغته على حساب حسابات زيادات السير, لعلها لن تعوقني في المرة القادمة من لحظة الشوق لوطني والعيش فيه..

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter