| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

نجم خطاوي

 

 

السبت 30/1/ 2010

 

العاطلون عن العمل ليسوا سلعة للمساومة

نجم خطاوي

يتذكر الكثيرون خطاب صدام الذي كال فيه السب والشتيمة لشعب العراق, وهو يصفهم ويعيرهم بأنهم كانوا جياعا وعبيدا ومحرومين, وانه وحده الذي حررهم, وجعلهم يعيشون في نعيم وسعادة. وحسب نفس الفهم المتعالي الاستبدادي, شرع بمنح الناس المكارم والهدايا والمنح, وكأنها خرجت من خزائنه وأمواله, وهي أولا وأخيرا أموال الناس, وهم لم يخولوا أيا من كان بالتصرف بالمال العام هكذا,وبلا حساب ودون مراقبة.

ومضى ذلك الزمن واستبشر الناس خيرا بالقادم من أيام بعد زوال الدكتاتورية,لكن مهزلة المكارم السخية واالدسمة,كررت ثانية,ويا للأسف,وصرنا نسمع من جديد بمكارم رئيس الجمهورية ومنح رئيس الوزراء وهدايا وزير الداخلية,والى آخره من وزراء وأصحاب شأن.

ورغم التفسير المختلف لأسباب ودعاوى هؤلاء في منحهم لهذه العطايا والمكارم,فأن الناس وبمن فيهم الذين شملتهم هذه المكارم,يعلمون جيدا أن هناك أسبابا ودعاوى كثيرة تقف وراء هذه المكارم السخية,ويكاد هدف شراء الموقف,ومحاولة تقريبهم من هذه الجهة أو تلك,أو من هذا الوزير أو من ذاك ,أو من تلك الملة أو من غيرها,هي الأسباب لكل تلك العطايا.

وبعد صراخ الناس واحتجاجهم, وبأشكال شتى, وعبر منابر كثيرة ومختلفة, فأن الكرماء لهذه المنح والمكارم الدسمة ,قد قللوا منها, أو ربما استمروا ببذخها, ولكن بصمت هذه المرة, وبعيدا عن فضول أهل الأعلام.
والمتتبع للشأن السياسي في العراق لا يحتاج لدراية وحنكة لفهم حقيقة كون أغلب القوى صاحبة النفوذ و الشأن في إدارة شؤون الدولة, ظلت تتعامل مع الناس وقضاياهم, وكأنها وصي أو وكيل.
فالجهة هذه تدعي أنها حررت هذه الملة أو تلك,والجهة الأخرى تتزامط بأنها وراء المكاسب التي تحققت لهذه الشريحة أو تلك, والحزب الفلاني ينسب لنفسه أفضال ومكاسب قدمها للناس,وهم بالتأكيد حسب فهمه القاصر مجبرين على تنفيذ أوامر الطاعة والتأييد ,ومنحه أصواتهم,ظالما كان أو مظلوما.
ولم يكتف هؤلاء بتكرار وتعداد هذه المكرمات, وظلوا يرددوها في أحاديثهم ومقابلاتهم عبر قنوات الأعلام, وتفاخوالسطوة, من شأنها ودون خجل من تكرارها في حال تحين فيها الفرصة لهم للاستحواذ على القرار والسلطة.

المشكلة تكمن أحيانا في كون بعض أوساط الناس تخدع وتضلل بدوافع وأسباب هذه المكارم وتنطلي عليها هذه الخدع والأساليب, حين يصور لها وكأن حقوقها قد تحققت, أو ستتحقق بصعود هذا الحزب أو ذاك. ويستمر الخداع عبر التأثير في وعي الناس والتأثير على قرارهم في الاختيار عبر تمجيد صفة القوي وصاحب النفوذ والسطوة ,والذي بالضرورة حسب مزاعمهم, يجب أن يقود السلطة ليقدم الفضائل والمال للناس.
الكل يعلم أن واحدة من أكبر أسباب مشاكل العراق الحالية, تكمن في الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل,وهي طبقة مليونية إن جاز التعبير,و ظلت تنتظر إيجاد الحلول العملية لمشاكلها,عبر إيجاد وظائف وأعمال لها تقيها ظروف البطالة وعذابات العوز والفاقة,وتنصف الأعداد الكبيرة التي قضت سنوات شبابها وهي تسعى لنيل العلم والمعرفة.

لقد أغفلت ميزانيات السنوات السابقة في العراق,معالجة قضية العاطلين عن العامل,وظلت تتعامل مع هذه القضية وكأنها قضية ثانوية,ولم تخصص الأموال الكفيلة بإطلاق التعيينات في دوائر الدولة,وظل القطاع الخاص يتراوح في مدى تطوره وحاجاته,ولم نشهد نموا في مجالات الاستثمار المختلفة.
الناس استبشروا خيرا أخيرا,وهم يتابعون موضوع إقرار ميزانية عام 2010, والتي تجاوزت السبعين مليار دولار,وهو رقم كبير مقارنة بالميزانيات السابقة,ويمكن أن يسهم في أعمار وتطور العراق,إذا ما أحسن من بيدهم سلطة القرار, استخدام المال بنزاهة.

ويبدو إن زمن المكارم والحصص والهدايا والعطايا لا زال ملازما لتفكير الكثير من السياسيين,وهم يرهنون قضية ومصير أكثر من 115 ألفا من العاطلين عن العمل, لأنانيتهم الحزبية وتفكيرهم التحاصصي,وكل الذي أرادوا أن يقولوه هو أن الحكومة الحالية لم تمنحكم هذه المكاسب وإنما نحن الذين سنمنحكم هذه الغنائم والوظائف,أو بطريقة أخرى هي : امنحونا أصواتكم في الانتخابات القادمة وبالمقابل سنمن عليكم بعطايانا في توظيفكم ومنحكم مكارم التعيين في دوائر الدولة.

لقد مرر البرلمان العراقي ميزانية عام 2010,عبر الموافقة عليها,و في هذه الميزانية وحجم أموالها الكبير, الكثير من الجوانب الايجابية,رغم أن حجم الاستثمار في القطاعات الصناعية والإنتاجية كان قليلا وغير واضح المعالم, ولم يحدد فيها الفهم الصحيح لدور قطاع الدولة,ولم يتبين الموقف الواضح من تهالك البعض لخصخصة كل جوانب الاقتصاد العراقي ,وكذلك وضعها العراقيل أمام إيجاد فرص عملية لمشكلة البطالة عبر اشتراطها في إطلاق التعيينات بتشكيل مجلس للخدمة,أي بصريح العبارة, منع الحكومة الحالية من الاستفادة من منافع إطلاق التعيينات والذي أساسه احتمال أن يصوت الناس الذين ستشملهم التعيينات لصالح الحكومة الحالية.

لقد ظنت بعض القوى السياسية بأنها ستكسب أصوات الناخبين عبر موقفها هذا,أو أنها ستحرم غرمائها السياسيين من نيل هذه الأصوات,لكن المصيبة الأعظم هي حرمان 115 ألفا من العاطلين عن العمل في الحصول على فرصة عمل,وإذا ما حسبنا أن لكل من هؤلاء عائلات واسر,فأن العدد سيكون كبيرا,خصوصا في ظل الأوضاع المعيشية المتردية والتي تشكل البطالة سببا مباشرا ينشط وسطه المروجون والداعون والداعمون للإرهاب,ولطالما تكرر القول في كون العوز والبطالة والفقر من حواضن الإرهاب .

السؤال الذي يعلن نفسه باحثا عن إجابة:
هل تعي هذه الطبقة الكبيرة مصالحها, وتدرك أن بعض القوى السياسية تريد جعلها رهينة لمصالحها وسلعة لمتاجراتها وكسبها الحزبي الضيق؟؟
الخيرون في الوطن, في انتظار أن تقول هذه الطبقة المليونية من أبناء شعبنا ,من العاطلين عن العمل, نساء ورجالا,أن تقول رأيها صراحة,عبر صناديق الانتخابات في السابع من آذار, رافضة التعامل مع قضيتها وفق أساليب المتاجرة والمحاصة والتنافس الحزبي, وأن تعلي أصواتها للقوائم الوطنية الغير طائفية مطالبة بعدم ربط قضية الحصول على عمل بأي شكل من أشكال بالتنافس السياسي.
العمل حق للإنسان, وموارد البلاد هي ملك للناس, ومن يقود البلد لا يملك البلد وموارده, فالناس وظفته وكلفته لقيادتها, وليس للاستحواذ على أملاكها, ومن ثم توزيعها كمكرمات.

العاطلون عن العمل ليسوا سلعة للمتاجرة أيها السادة !!!
 

 

free web counter