| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

رزاق عبود

razakaboud@hotmail.com

 

 

 

                                                         الأربعاء  12 / 11 / 2014

 

عندما يدفن الاباء فلذات اكبادهم!

رزاق عبود

كان، في الايام الاخيرة، مهموما، متضايقا، تحس انه يكظم شيئا. يكتم عنك امرا. لقد تعوّد، ان لا يحّمل الاخرين همومه، مع انه يحمل هموم الجميع. تشعر انه فقد بريق عينيه من الحزن. يعاني من شئ ما، ويكابر على ألمه. يتسامى على جروحه، ويدفن همومه في غابة من الحزن تغطي كل ملامحه. عندما تسأله يقول : سلامتك! واذا الححت بالسؤال تجد علامة استفهام كبيرة ترتسم على محيّاه، وامتنان عميق، وهو يحاول تغيير مجرى الحديث كي لا يكدرك بما يعانيه. فكرت الاتصال به تلفونيا، كي اهرب من نظراته الحائرة، المحيّرة، وغشاوة الحزن التي تسكن عينيه، لكني لم اجد الشجاعة لذلك. فشلت في امتحان الغور في اسرار حزنه!

شعور بالذنب يراودنا، تركناه، وحيدا في همومه، والمه، وحزنه وعذابه، وشقائه، ولن يغير من وجودنا معه، بعد الفاجعة، شيئا من خسارته الجسيمة. كلماته المعبرة، وهو يصف ابنته، فقيدته بالرقيقة، الطيبة، الشفافة، العطوفة، الحنونة. تعكس بكاءا مرا برسم الكلمات. تخيلتها ملاكا، لاني لم احض بشرف لقائها. ليس صدفة ان تسمي ابنتها، التي تشبه امها تماما، كما فهمت: "ملاك"!

تركت وراءها بيتا نظيفا لامعا شفافا يوشحه السواد. تركت وراءها بنتين بعمر الزهور تركت عمرا لم يكتمل، وسنينا لم تكمل دورتها، وغيابا محسوسا، وحزنا لا ينتهي. تركت ابا محروقا، مهموما، مكدوما، شاحبا، متألما، وقد تعودنا عليه مبتسما ضاحكا. تركت اهلا، واخوات، واصدقاء، ورفقة، واقارب لا يصدقون انهم فقدوها الى الابد.

عندما ينتقل الحي الى عالم الاموات. عندما تتوقف الحياة في عروق الجسد، ويصمت النبض، وتتجمد الدماء، وتحتل غيوم الحزن ملامح الوجه النير، ويتغير اسم الجسد النابض الى جثمان. لا تنفع، وقتها، كل عبارات التعازي المستهلكة، ولا مواساة ذوي القربى والاصدقاء، ولا تجد تمنيات الصبر، والسلوان لها معنى. فالخسارة لا تعوض، والامل لن يعود، والحياة فارقت الجسد. لذا تجدني عاجزا، وقاصرا على التعبير عن مشاعري .

تذكرت ابي يوم دفن ابنته الشابة، ثم ابنه القوي اليافع. رأيت صور ابنتي اختي في وجهي بنتيها بتول، وملاك. لا اعرف، ولا يمكنني، ان استوعب ماذا يدور في خلد صديقي ابو هند، وهو يدفن، داليا، ابنته الشابة صديقته، عزيزته، اليفته، كما تحدث عنها.

كل ما اسعفني من ذاكرتي مقطعين من خاطرة شعرية كتبتها يوما ما، وانا اتخيل مشاعر من يدفنون احبائهم :

عندما تودع حبيبا، تصبح الدموع اثقل من الصخر
عندما تدفن عزيزا، يصبح التراب اغلى من الذهب

عذرا صديقي العزيز، واستاذي الجليل، الجلد ابو هند (هادي الجواد)، لقصوري في التعبير. فاجعتك شلت تفكيري، وكسرت قلمي، وعقدت لساني. لكني استطيع التأكيد، انه لا يوجد اقسى وجعا، ولا اشد الما، ولا اعمق جرحا، ولا اكبر مأساة من اضطرار الوالدين لدفن فلذات اكبادهم! عسى ان تكون اقوى من المصاب من اجل بقية بناتك، واحفادك!
 

9/11/2014
 

كاتب عراقي
 

 

free web counter