|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  13  / 11 / 2015                                أ.د. سيار الجميل                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حقيبة ذكريات

عزيز أفندي خياط 1893-1973م
فنان عراقي رائع صاحب صوت شجي

أ. د. سيّار الجَميل *
(موقع الناس)

الحلقة الثانية : ذكريات وتصويبات

ما سجلته ذاكرتي عنه
كان والدي القاضي كوكب علي الجميل – رحمه الله – 1918- 1968م ، يزوره في بيته دوما ، وكنت بصحبته ، وقد التقيت به عدة مرات ابان الستينيات من القرن الماضي ، وكنت في مقتبل الصبا ، وقد حضرت اكثر من حفل خاص كان يقيمه الاستاذ عزيز افندي خياط ، معتمدا على ولده البكر هاشم الذي كان فنانا ماهرا يعزف له على كل من الكمان والعود ، ولقد سجلت له عدة حفلات رائعة ، ومن اشهر ما غنى من قصائد ، تلك التي كان قد انتقاها من ديوان جدي الاستاذ علي الجميل 1889- 1928 م ، وخصوصا قصيدة ” انا والنوى ” ومطلعها :

هل انت مثلي قد شجتك يد النوى ام سالمتك فقمت تلحن بالنوى
إنّـِي وَمــَنْ فَلـَقَ النّـَوى أبداً فَلا قَلبـي لِغيـرِ وِدادِكُـم يومـاً نَوى
ياأهلَ مَوصِلَ مـا قطعـتُ مَـدامِعي عَنكُـم ومازالَ الهُيامُ بنينــــوى
قدْ خُضْتُ فـي لُجَجِ الغرام ببُعدِكُـم وَشَقيتُ لكنَّ غُصنَ شوقـي ما ذَوى

وغناها من مقام النوى وهو من اصعب المقامات ، وغنى للجميل ايضا من مقام الصبا قصيدته ”انا والنسيم” التي ارسلها الى احبائه في الموصل من استانبول ، ويقول مطلعها :

نسيم الصبا هل جئت يوما احبتي واهديت من اهواه عني تحيتي ..
وقبلت عني ثغر من هو قبلتي وعاتبته عني بحسن تلطف
نسيم الصبا وحقك بعدهم فهل لك أن تأتي بذكري عندهم
على الود لم أنكث لعمري عهدهم وتعلمهم شوقي وعظم تلهفي (4)


وقد احب ان يغنيها عزيز افندي خياط لكل من هجر الموصل من اهلها الى الديار البعيدة .

وهناك قصيدة عزيزة على قلب عزيز خياط ، وكان يغنيها بمختلف المقامات ، ويرددها دوما ، وهي قصيدة للشاعر الموصلي الشهير الملا حسن البزاز 1845- 1887م التي قال فيها :

منازل الحي حي الله مغنـــاك اين البدور التي فيها عرفناك
اين الاحبة لا عاش النوى نزلوا بالله يا ورق نوحي واسعدي الباكي
ريح الصبا ام راح الصبا فلقد اصبحت والله نشوانا برياك
هل من حليف جوى مثلي اسامره هيهات ما في الحمى من يسمع الشاكي
انت المنون ام الآجال كنت لنا فان اهل الهوى اصبحن قتلاك (5)

كما غنى عدة قصائد نظمها الشاعر الموصلي المعروف عبد الله راقم افندي (1853- 1891م) ، ومنها التخميس البديع الذي مطلعه :

نوى وجوى وهجر واحتمال
وبال لا يلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم به مــلال
هلكت وليت شعري هل يقال
بأي جناية منع الوصــــــــــــــــــــــال (6)

واذكر ان هذه القصيدة قد غناها الموسيقار الملا عثمان الموصلي – كما قال عزيز افندي – وذيلها بأغنية شهيرة هي "عالروزنة عالروزنة" وهذه الاغنية ، هي من الحان الملا عثمان نفسه لأحدى التنزيلات . وقد كتبت قبل عشر سنوات في احدى مقالاتي ، قائلا عنها : " اصل لحن اغنية (عالروزانا) المشهورة في سوريا ولبنان ، فأقول بأنها من ابداع الملا عثمان في واحدة من " تنزيلاته " (التنزيلة الموصلية : فن موشح خاص بفولكلور مدينة الموصل يقرأ في الموالد النبوية لموشحات لها تقنية معينة في نظمها والملا عثمان واحدا من اهم شعراء التنزيلة . اما كلمة الروزانا فيلفظها الموصليون باحالة الراء الى غاء فيقولون : غوزانا ، ثم يميلون حرف الالف الاخير الى ياء فيلفظونها غوزاني ومعناها : الفتحة العليا في الجدار التي تطل على حوش او مكان عام) وثمة وثائق تحتفظ بها مكتبة العلامة الراحل الدكتور محمد صديق الجليلي في العراق تثبت ما اقول " (7) .

كانت كل تلك الحفلات التي يحييها عزيز افندي خياط مسجلة على شرائط تسجيل لا اعرف مصيرها اليوم ويا للأسف الشديد ، كما كان والدي رحمه الله يحتفظ للأستاذ عزيز خياط بأشرطة قراءات متنوعة لسور من القرآن الكريم بصوت الاستاذ عزيز ، ولقد حفظت من خلال تلك الاشرطة كل من سورتي طه وابراهيم ، اذ كان يتميز بقراءة متميزة للقرآن بصوت غاية في العذوبة وبطريقة تجذب الاخرين ، والتي كان قد استلهم طريقتها عن الموسيقار المقرئ الملا عثمان الموصلي .. وكنت مطلعا منذ صغري على ما يحتفظ به ولده البكر الفنان الاستاذ هاشم عزيز خياط من تسجيلات فريدة لمقامات وتنزيلات وقراءات وتلاوات متميزة بصوت والده .. ولا يعرف مصيرها اليوم بعد مرور اكثر من نصف قرن عليها .. عسى يعثر عليها ، فهي ثروة فنية وتاريخية نادرة لا تقدر بثمن ابدا .. اتذكر الاستاذ عزيز افندي خياط جيدا ا، ذ كان قد تجاوز السبعين من العمر ، كان يستقبلنا في حديقته التي يعتني بنفسه فيها وبزهورها ، وخصوصا تربيته لابصال وردة النرجس الموصلية التي كان يعشقها ، الى جانب شجيرات زهرة الفل التي تشتهر بها بيوتات الموصل .. كان الرجل ابيض البشرة ، ويلبس السيدارة ، عظمي الوجه ، صغير العينين ، ويضع نظارة طبية على عينيه ، عذب الكلام ضحوكا بشوشا متفائلا لا يهتم بالمشكلات مهما عظمت ، واسع الثقافة ، سريع الذاكرة ، ولم ينس اصدقائه القدماء .. بيته يزدحم بأفراد عائلته ، اذ يقال انه ترك من ورائه عشرة من الابناء والبنات ، وقد عرفت من بينهم ولده حسن اذ كنا في عمر متواز ، وقد كان حسن هو الوحيد الذي ورث عن ابيه حلاوة الصوت ومعرفة المقامات ، اما البقية ، فلا اعرف اين تفرقت بهم الحياة من بعده .سمعته يوما يحكي لوالدي قصته مع الملك فيصل الثاني والامير عبد الاله والحاشية ، اذ كان في يوم من الايام عام 1956 يجلس في بستانه تحت عرزال العنب ، واذا بركب من ثلاث سيارات سوداء اللون ، يتوقف عند باب بيته وبستانه ، ويترجل من سيارة سوداء كبيرة كل من الملك فيصل الثاني وخاله الامير عبد الاله والسيد نوري السعيد ، فخرج اليهم محيّيا ومرحبا ، ودخلوا معه بيته وبستانه برفقة حاشيتهم قليلة العدد ، فأجلسهم في بيته المتواضع وعلى الكراسي العتيقة ، وقدّم لهم الشاي ، وقضوا برفقته قرابة ساعة من الوقت ، وقد اعاد نوري باشا ذكرياته مع عزيز افندي خياط وتبادلا الطرائف ، ثم شكروه على ضيافته ، وانطلقت بهم السيارات الثلاثة الى مصيف سرسنك الذي كان الملك فيصل الثاني يحرص على ان يصطاف فيه في صيف كل عام منذ صباه .

سيرة الرجل بين الدقة وبين التشويه
ترجم سيرة حياته كل من المرحوم الدكتور عمر الطالب والدكتور ابراهيم العلاف ، ولكن ما كتبه عنه المؤرخ العلاف من مقال مختصر اضبط بكثير مما كتبه المرحوم الطالب الذي يبدو انه كان متحاملا عليه لأسباب نجهلها ، فقد اخطأ في حقه كثيرا ، ونقل اتهامات ضده لا اساس لها من الصحة ، فضلا عن عدم الدقة في المعلومات التاريخية وفي الاسماء ، وذكر ان سنة ولادته 1887 في حين ان ولادته كانت في سنة 1893 كما اخطأ ايضا عندما قال بأن الوجيه مصطفى الصابونجي كان يتصدّق على عزيز خياط لمدة عشرين سنة من ماله .. !! وهذا كذب وبهتان على الرجل . كما ونقل د. عمر الطالب ايضا تلفيقات كان قد سجلها الاستاذ ذنون ايوب ضد عزيز خياط عندما كان مفتشا في الناصرية بجنوب العراق ! ويقول : وكانت سمعة هذا المفتش الوطنية سيئة حتى في مدينة الموصل” حسب ما كتبه ذنون أيوب في سيرته الذاتية (ذو النون أيوب حياته بقلمه) 1980-1986 . ولا ادري ما الذي جعل البعض يطعن في عزيز خياط وطنيا ، علما بأن الاستاذ خياط رجل عصامي مكافح وصاحب مواهب متنوعة ، وليس له اي اذى على الاخرين ! فضلا عن ان سيرته الاجتماعية والوظيفية بيضاء ناصعة لا غبار عليها ابدا . وثمة خطأ آخر عند عمر الطالب رحمه الله ، بقوله ان عزيزا قد انتقل عندما طعن في السن من الغناء الى التكايا الصوفية ، وهذا ليس له اي اساس من الصحة ، فقد كان الرجل طوال حياته يقرأ القرآن الكريم ، ويقرأ المقام الموصلي ، ويقرأ التنزيلة الموصلية ، ويغني ويطرب ! كما اضاف عمر الطالب خطأ آخر في موسوعة اعلام الموصل المليئة بالأخطاء عند كتابته سيرة عزيز خياط (8) وخصوصا عندما قال بان السهرات الليلية قد انتقلت الى دار صالح الشبخون ، والكل يدرك ان الاخير لم يكن صاحب سهرات ليلية ، بل كان رجلا صالحا ورعا تقيا ، ويصفه المؤرخ عبد المنعم الغلامي في كتابه ” الانساب والاسر في الموصل ” الجزء الاول (9) بأن الرجل ” كان من الصلحاء الاخيار ” ! ليس لأن السهرات الليلية محرمة ، بل لأن لا حقيقة لذلك كله ، وانه طعن في الاموات !

وفاته
توفي الاستاذ عزيز افندي رحمه الله في بيتــــــــــه بالموصل يوم 23-1-1973 وكان آخر مرة رأيته فيها حضوره حفل التأبين الذي اقيم في نادي المحامين بالموصل لمناسبة مرور 40 يوما على وفاة والدي يوم 28 نيسان / ابريل 1968 وكان قد افتتح الحفل بنفسه ، اذ قدّم قراءة لبعض من أي الذكر الحكيم .

واخيرا : ماذا اقول ؟
فان رحلة حياة عزيز افندي خياط كانت حافلة جدا بالابداع والعلاقات الاجتماعية والوظيفية .. واذا كان الرجل قد اشتهر بفنه الراقي وقراءاته المتنوعة المبدعة ، فقد كان قد اكتسب ثقافة عراقية خصبة ، وتعلم من كل مكان عراقي كان يعيش فيه ويندمج مع اهله ويحاورهم من خلال فنهم وثقافتهم .. لقد كان مبدعا في قراءاته المتنوعة والنادرة للقرآن الكريم ، ويكفي انه كان اول من دشن مفتتحا دار الاذاعة العراقية بعشر من القرآن الكريم ، اذ اختير من بين كل القراء العراقيين ليكون في مقدمتهم .. رحم الله هذا الفنان الذي سيبقى ذكره وتاريخه ، ويا حبذا لو عثر على كل تساجيله ، فهي مدرسة فنية ابداعية عراقية رائعة في المستقبل .

اين هو ولده الفنان الرائع حسن خياط؟
انه الفنان القدير والمطرب الصادح بحنجرته التي تشبه الى حد ما حنجرة ابيه عزيز افندي خياط .. عرفته منذ ايام الصبا مذ كنت التقي به اثناء زيارتنا الى بيت والده في القاضية ، وكان من طفولته صاحب موهبة وصوت شجي .. اختفى من الموصل فجأة ، فسألت عنه فقيل لي انه التحق بكلية الفنون الجميلة في بغداد ، .. ولم اعثر حتى اليوم عليه ، اذ كنت قد علمت بأنه قد هرب منذ العام 1971 من العراق الى سوريا واستقر بها بعد ان تعرّض للاضطهاد والمتاعب من قبل فنانين عراقيين كانت لهم علاقاتهم مع النظام الحاكم السابق ، وكانوا من المتريفين ولم يقبلوا أي فن غنائي عراقي حضري ، بل ورفضوا هذا ” الفنان ” الاصيل القادم من الموصل .. وقد اخبرني الصديق الموسيقار احمد الجوادي (المقيم في السويد اليوم) بأن الفنان حسن خياط كان قد غادر العراق الى سوريا ولم يعد اليه ثانية ، وانه اشتغل فنانا واشتهر هناك واحيا عدة حفلات .. واليوم بعد ان حلّ كل الدمار بسوريا ، لم اعرف ما الذي حل به وبعائلته .. ولقد اتصلت بالأخ الموسيقار الجوادي قبل ايام ، واكذّ بأن لديه اتصال بالأخ حسن من وقت الى آخر حــــماه الله رفقة عائلته ..


الهوامش والملاحظات
(1) مدونة الدكتور ابراهيم العلاف ، مقاله عن عبد العزيز الخياط
(2) جريدة الرأي الجديد “الموصلية ” في عددها الصادر يوم 24 -5-2012.
(3) مدونة الدكتور ابراهيم العلاف ، المرجع السابق .
(4) ديوان علي الجميل وما تبقى من رسائله ( مخطوط في حوزتي ، سينشر قريبا ) .
(5) ديوان البزاز : الملا حسن افندي البزاز الموصلي الخزرجي 1261- 1305 للهجرة ، اعده وقدم له : فاتح عبد السلام ، ط2 بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، طبعة مزيدة ومنقحة 2010 ص 252.
(6) ديوان عبد الله راقم افندي ( مخطوط في حوزتي ، سينشر قريبا ) .
(7) سيار الجميل " اسطورة الاغاني العراقية: تأملات نقدية " ، نشرت في ايلاف ، الاحد 13 نوفمبر / تشرين الثاني 2005 .
(8) عمر الطالب ، موسوعة اعلام الموصل في القرن العشرين ، ط1 (جامعة الموصل : مركز دراسات الموصل ، 2008
(9) عبد المنعم الغلامي ، الانساب والاسر في الموصل ” ج1 ط1 (طبع في بغداد سنة 1384 هـ / 1965 م ) .
 


نشرت الدراسة في ملحق الف ياء ، صحيفة الزمان / لندن يوم الثلاثاء 9-10 / تشرين الثاني / نوفمبر 2015

ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com


الاصدقاء الاعزاء
ها قد وجدت صديق الصبا الفنان الرائع حسن خياط ، وهو يشدو في مهرجان المحبة عام 1995
انه الفنان القدير والمطرب الصادح بحنجرته التي تشبه الى حد ما حنجرة ابيه الراحل الكبير عزيز افندي خياط .. عرفت حسن منذ ايام الصبا مذ كنت التقي به اثناء زيارتنا الى بيت والده في المنطقة المقابلة للغابات قرب قرية القاضية ، وكان حسن يتمتع منذ طفولته بحنجرة قوية اذ كان صاحب موهبة وصوت شجي .. اختفى من الموصل فجأة ، فسألت عنه فقيل لي انه التحق بكلية الفنون الجميلة في بغداد ، .. ولم اعثر عليه حتى اليوم بعد ان تفرقنا منذ اربعين سنة ، اذ كنت قد علمت بأنه قد هرب منذ العام 1971 من العراق الى سوريا واستقر بها بعد ان تعرّض للاضطهاد والمتاعب من قبل فنانين عراقيين كانت لهم علاقاتهم الحزبية مع النظام الحاكم السابق ، وكانوا من المتريفين ولم يقبلوا أي فن غنائي عراقي حضري ، بل ورفضوا هذا ” الفنان ” الاصيل القادم من الموصل .. وقد اخبرني الصديق الموسيقار الاستاذ احمد الجوادي (المقيم في السويد اليوم ) قبل اشهر بأن الفنان حسن خياط كان قد غادر العراق الى سوريا ولم يعد اليه ثانية ، وانه اشتغل فنانا واشتهر هناك واحيا عدة حفلات .. واليوم بعد ان حلّ كل الدمار بسوريا ، لم اعرف ما الذي حل به وبعائلته .. ولقد اتصلت بالأخ الموسيقار الجوادي قبل ايام ، واكد بأن لديه اتصال بالأخ حسن من وقت الى آخر حــــماه الله رفقة عائلته .. تحياتي اليه والى كل الفنانين الموصليين المبدعين الذين تشتتّوا وتفرقت بهم السبل طوال خمسين سنة مضت من المحن والرزايا والكوارث السياسية حتى يومنا هذا ..


 

ادعوكم الان الى سماع الفنان الاستاذ حسن الخياط وهو ابن الفنان الكبير عزيز افندي خياط
https://www.youtube.com/watch?v=JM-HzKOmFI0


 

* مؤرخ عراقي
 


 


 





 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter