| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

                                                                  الأحد  26 / 1 / 2014



نعم ... التحالف المدني الديمقراطي قادر على التغيير

د. صادق إطيمش 

حينما يتساءل المرء عن الأسباب التي تدفع ببعض المثقفين وحملة الفكر المتنور ورواد الحضارة والمدنية والدعاة إلى دولة القانون والعدالة الإجتماعية ان يضعوا انفسهم في مواقع الساحة السياسية العراقية التي لا تجلب لهم سوى الهم والتعب وحتى التهديد أحياناً، في الوقت الذي يرى القاصي والداني ان الحالة التي تعيشها هذه الساحة اليوم لم يتغير جذرياً منذ اكثر من عشر سنين كما كان المواطن العراقي يتمناه بعد سقوط البعثفاشية المقيتة . وهذا ما ينطبق على قوى التحالف المدني الديمقراطي التي تخوض الإنتخابات البرلمانية العراقية في وطننا والتي ستجري في نهاية نيسان المقبل . إنها مهمة ليست بالسهلة ، وخوض هذه الإنتخابات ليس امراً هيناً ، خاصة امام أحزاب الإسلام السياسي ومن يشاركها في النهب والسلب الذي غزت به العراق ولم تكف عنه حتى بعد مرور اكثر من عشر سنين على هذا الغزو .

في الحقيقة هناك ثلاثة امور تعتمد عليها قوى التحالف المدني الديمقراطي وتراهن عليها على ان تكون هي الظهير لها في خوض هذه الإنتخابات ولتحقيق نتائج تجعل من هذا التحالف قوة سياسية مؤثرة على الساحة السياسية العراقية .

الأمر الأول هو الحالة المزرية التي تمر بها العملية السياسية العراقية ونتائجها على مجمل تطور وطننا وحياة اهله فيه . والأمر الثاني هو مراهنة قوى التحالف المدني الديمقراطي على ان الشارع العراقي قد وعى فعلاً وعاش ويعيش البؤس الذي وضعته فيه الأحزاب المتنفذة في العملية السياسية وهو يريد التغيير ويصرح بذلك علناً وما على القوى المؤمنة بهذا الشارع إلا ان تقدم له البديل القادر على هذا التغيير وها هي قوى التحالف المدني الديمقراطي التي تقدم هذا البديل . اما الأمر الثالث فيتعلق بالنوعية البديلة من الشخصيات الوطنية السياسية والعلمية والمثقفة التي يقدمها التحالف المدني الديمقراطي والتي ستمثله في البرلمان العراقي القادم ، وهي شخصيات تعي موقعها المعادي والرافض لهذا الجمع الكبير من المتحايلين على العملية السياسية والمتاجرين بالدين والعاملين على الإثراء الفاحش والناشرين للفساد بكل انواعه والذين زجت بهم احزاب المشاركات الطائفية والقومية والعشائرية والمناطقية إلى البرلمان العراقي وهي تحاول ان تزج بامثالهم إلى البرلمان الجديد مع تغيير بعض الوجوه . إن ذلك يعني انه في حالة فوز هذه الشلل البائسة من أحزاب الإسلام السياسي وشركاه فإن البرلمان العراقي القادم سوف لن يختلف عما سبقه من برلمانات النواب النوام والنائبات النائبات .

أما ما يخص الأمر الأول والمتعلق بمجمل العملية السياسية التي ما كان من الممكن ان تكون بهذا المستوى من الإنحطاط لولا وجود برلمان لم يستطع الجالسون تحت قبته ان يتجاوبوا مع متطلبات شعبهم قبل ان يتجاوبوا مع متطلبات أحزابهم وطوائفهم . لا أعتقد بوجود مَن يختلف على سوء حالة هذا البرلمان في دورته الحالية التي إستمرت أربع سنين متوالية . إنها في الحقيقة حالة تدعو إلى الخجل في بعض الأحيان وذلك بسبب بعض التصرفات الهمجية التي يتصرف بها بعض النواب والنائبات وهم لا علم لهم بتاتاً باهمية الموقع الذي يضمهم وثقل المسؤولية التي يتحملونها . لقد فهموا الديمقراطية على أنها عِراك الديكة وصراخاً وفوضى يبين الرجال فيها رجولتهم من خلال التصرفات الصبيانية التي يعدونها رجولية ، والنساء من خلال الزعيق والنعيق المعروف عن بعضهن والذي يردن به إثبات أهليتهن لموقع مثل هذا الموقع ، إذ لا قدرة لهن على إثبات ذلك بقليل من العلم أو ببعض المعرفة بالعمل في مؤسسات كمؤسسة البرلمان .

لقد تبلور وضع البرلمان العراقي في ألإنتخابات العراقية ألتي جرت قبل أربع سنين والتي أُريد لها أن تلعب دورآ هاماً لتثبيت معالم التوجه الديمقراطي في الوطن الذي عانى من ويلات الدكتاتورية البعثفاشية لأربعة عقود من تاريخه ، تبلور من خلال الوجوه التي وطأت قاعة البرلمان وافرزت ما عاشه الشعب العراقي من مهازل في هذه المؤسسة التشريعية والرقابية الهامة . لقد أوضح هذا الفرز بما لا يقبل الجدل العواقب الوخيمة التي سببتها توجهات الأحزاب الدينية والقومية المتعصبة والتكتلات العشائرية على الساحة السياسية العراقية والتي عملت منذ البداية على تسويق العملية الإنتخابية برمتها وكأنها التصويت لمذهب أو طائفة او قومية معينة لم يلعب ألإنتماء العراقي المتجرد عن كل هذه التسميات دورآ مؤثرآ وفاعلآ في توجيهها والتأثير عليها . لقد جاءت نتائج الإنتخابات الأخيرة لتضع ضمن تشكيلة المجلس النيابي الجديد عناصركانت بالأمس القريب جدآ ، وحتى الآن ، تقف بكل ما أُوتيت من عزم وقوة أمام عجلة التغيير العاصف الذي قصم ظهر البعثفاشية في وطننا فشعرت هذه العناصر منذ اليوم ألأول للتغيير بأن ظهرها هي قد إنقصم أيضآ وإن مصيرها الذي إرتبط بماضيها ألأسود مع دكتاتورية البعث قد أصبح في مهب الريح فهرب منها من هرب إلى دول الخليج والأردن وسوريا وغيرها وبدأ ينشر قذاراته ضد الشعب العراقي وتوجهه الديمقراطي الجديد مهددآ من خلال القنوات الفضائية الصفراء في قطر والقاهرة ولندن وغيرها وحتى في بغداد نفسها بالويل والثبور . لقد برزت هذه القوى البعثفاشية اليوم أيضاً وبكل علانية لتساهم بالإرهاب المسلط على وطننا واهلنا ولتدعو إلى عودة الدكاتاتورية من جديد وذلك من خلال الدعوة للمشاركة بالإنتخابات القادمة التي يخططون للحصول على مقاعد مؤثرة فيها تمكنهم من الإنقضاض بعدئذ على مجمل التغير الديمقراطي الذي بدأت بوادره تظهر على الساحة السياسية العراقية بعد قبر نظامهم البعثي الأسود . انهم يحاولون ومن خلال الإنتخابات إعادة النظام الدكتاتوري المقيت ثانية وجعل الديمقراطية طريقاً للدكتاتورية.

كما يجلس تحت قبة البرلمان العراقي اليوم أولئك الذين لا يخفون ولائهم الأول لمن تطفل على السياسة العراقية بعد أن لم يكن له شيئاً منها طيلة عقود النضال الوطني . وبسبب هذا الفقر السياسي والجدب الفكري لم يجد مثل هؤلاء الجهلة سبيلآ يسلكونه سوى قعقعة السلاح ولغة التهديد والوعيد فتعلموا السياسة على أنها ألإخلاص ألأول والأخير لا للشعب والوطن , بل لشخص من يقودهم ويجزل عليهم العطايا التي لا تنفذ والتي تعددت مصادرها الإسلامية والعربية بحيث أنها أكثر من كافية لتمويل الفقراء والمعدمين الذين انضووا تحت راية جيش هذا القائد الهمام او منظمة ذلك الفارس المهيوب او مليشيات زعيم من زعماء الإرهاب الذين لم يسمع منهم الوطن والشعب حتى ولا آهة أنين واحدة على ما كانا يعانيان منه من قتل وتشريد وتهجير وحرمان في عهد دكتاتورية البعث الساقطة.

ولا يخفى على كل عراقي حالة التسيب التي يعيشها البرلمان العراقي والمتمثلة بالغيابات المتكررة ، لا بل والحضور النادر للمساهمة في عمل يتقاضى عليه هؤلاء النواب أجوراً خيالية وهم لم يساهموا بعمله بقدر جزء يسير من المبالغ التي صُرفت عليهم . إن كافة ألإحصاءات الرسمية وغير الرسمية تشير إلى أن المبالغ المصروفة على البرلمانيين العراقيين من رواتب إلى مخصصات حراسة إلى مخصصات إقامة إلى مخصصات خاصة إلى مخصصات سفر إلى مخصصات ومخصصات لم يجر صرفها على أي برلمان في العالم . مقابل ذلك لا يوجد أي برلمان في العالم منح منتسبيه الإمتيازات التي منحها البرلمان العراقي لنفسه ، بالرغم من معارضة بعض البرلمانيين لمثل هذه القوانين الغير عادلة ، إلا أن عدد المنتفعين من هذه القوانين كان هو الطاغي . فماذا أنجز للوطن هؤلاء السيدات والسادة الذين عملوا بكل ما يمكنهم لرفض قانون البنى التحتية وعدم البت في قانون النفط والتلكؤ في مناقشة قانون الأحزاب وتأجيل البت في قانون الإنتخابات كي تتأخر العملية الإنتخابية ويمددون بقاءهم وكذلك إمتيازاتهم لشهور أخرى يغرفون فيها ما تستطيع عليه أياديهم من أموال الشعب العراقي وكأن سرقاتهم في السنين العشر الماضية لم تُشبع نهمهم إلى مال الحرام هذا الذي شرعنوا سرقته وهم ، كما يعلم الجميع ، أبطال الشريعة وعلومها ومنافذها وزواياها وزواغيرها التي يجدونها في كل وقت ويطبقونها على كل حال طالما يصب هذا التطبيق في جيوب جببهم العريضة الواسعة ويختفي تحت لفات عمائمهم وكشائدهم وطرابيشهم .

لا نريد الإسهاب في " منجزات " البرلمان العراقي الحالي ومقارنة ما كسبه منتسبوه من مال وعقار وامتيازات بما حققوه للشعب والوطن طيلة مدة وجودهم في مناصبهم هذه ، إذ أن أية مقارنة منصفة ومحايدة سوف لن تكون بصالحهم بأي حال من الأحوال ، وأبرز دليل على ذلك ، وهذا هو الأمر الثاني الذي يراهن عليه التحالف المدني الديمقراطي ، هو رأي الشعب بهم اليوم .

فلو سألت أبسط الناس على الشارع العراقي عن رأيه في كثير من النواب الحاليين فلن تجد جواباً منه على هذا السؤال سوى الإستهزاء بتسميتهم نواباً ، وفي هذا الجواب المقتضب الكثير من المعاني التي يدركها اللبيب وليس هؤلاء البرلمانيين العراقيين . فالشعب الذي خَبِر مآسي السنين العشر ونيف الماضية القاسية وأدرك بما لا يقبل الشك ماهية هؤلاء البرلمانيين الذين عمل جلهم تحت قبة البرلمان لتحقيق ما يصبو إليه هو وحزبه وطائفته واهل عشيرته وأقرباءه ، وليس ما يصبو إليه الوطن واهل الوطن . والغريب في امر هؤلاء البرلمانيين الذين دخلوا هذا المجلس لا بالأصوات الإنتخابية التي حصلوا عليها ، البعض منه لم يتجاوز حصوله على عشرات الأصوات ، بل بترشيحات احزابهم لهم فاصبحوا بذلك خدماً طائعين لأولياء نعمتهم من رؤساء هذه الأحزاب ، الغريب في امر هؤلاء انهم يعلنون وبدون اي وازع من ضمير او قليل من الخجل بانهم وقفوا ضد تنفيذ بعض المشاريع الخدمية ، كقانون البنى التحتية مثلاً ، كي لا يُحسب تنفيذ هذا القانون الخدمي لحساب الحكومة القائمة التي يشترك بها حزبه ايضاً ضمن جوقة اللصوص القابعين في المؤسستين التنفيذية والتشريعية . المؤشر السلبي الوحيد الذي يمكن ان ينعكس في رأي الشارع العراقي على الضد من الرأي السائد الآن هو إستغلال الأحزاب المتنفذة وفرسان لصوصيتها للحاجة المادية والفقر المدقع إضافة إلى الجهل الذي تركوا الناس فيه طيلة هذه السنين والذي دأبوا عمداً على إستمراره مقابل إثراءهم الفاحش على حساب هؤلاء الناس وتكرار ما تعودوا عليه من الرشاوى الإنتخابية التي حللها فقهاؤهم واباحها شرعهم باعتبارها هدايا وليست رشاوى تخوفاً من وقوعهم في رذيلة الرشوة المحرمة شرعاً ، ولكن اين هؤلاء من شرع السماء ومدى إلتصافهم بشرع الفقهاء ؟

أما الأمر الثالث الذي يراهن عليه التحالف المدني الديمقراطي فيتعلق بتلك النخبة من الرجال والنساء الذين سيتقدم بهم هذا التحالف للإنتخابات القادمة والذين لم تتدنس ايديهم بالمال الحرام ولا بالسرقات التي مارسها منتسبو أحزاب الإسلام السياسي والأحزاب المشاركة لها في سلب الوطن ونهب خيراته . وحتى أثناء وجود البعض من هذه الأسماء التي تضمها قائمة التحالف في مراكز المسؤولية فإنها اثبتت للقاصي والداني بأنها خرجت من مركز المسؤولية كما دخلت فيه بأيادي بيضاء وهامات مرفوعة وسمعة شامخة. التيار المدني الديمقراطي يقدم رجالاً ونساءً قادرين على التغيير فعلاً لما يتمتعون به من رصانة علمية ثابتة وتجربة سياسية راسخة ومنزلة إجتماعية حميدة . ففيهم الكثير من حملة الشهادات العليا . وفيهم الكثير ممن مارسوا العمل السياسي في مراحل مختلفة من تاريخ العراق الحديث ، اي انهم ليسوا طارئين على العمل السياسي كسياسيي الصدفة الذين تعج بهم الساحة السياسية العراقية اليوم والذين اوصلوا وطننا وشعبنا إلى هذه المآزق التي يجددونها بين حين وآخر إذ ان بقاءهم في مواقعهم في واجهة المسؤولية هذه يعتمد على تأجيج الأزمات التي يستغلها الإرهاب ابشع إستغلال فيجعل من ضعف السلطة السياسية ومنازعاتها الحزبية والطائفية والمناطقية والعشائرية طريقاً واسعاً لتنفيذ جرائمه بين اهلنا في الوقت الذي يحتمي فيه سياسيوه المتنفذون في ابراجهم المُحصنة .

وليس هذا فقط ما يتمتع به مرشحو التحالف المدني الديمقراطي ، بل ان ما يميزهم عن لصوص السلطة واحزابها المتنفذة التي خلقت الهويات المتعددة في وطننا في الوقت الذي يركز فيه التحاف المدني الديمقراطي على الهوية العراقية وليس غير الهوية العراقية التي لا تتحقق إلا بوجود هذه الحزمة الملونة من خيرة رجال ونساء العراق . مرشحو التحالف المدني الديمقراطي يختلفون في توجهاتهم المبدأية ومتنوعين في إنتماءاتهم الحزبية إلا ان ما اتفقوا عليه كقاسم مشترك اعظم بينهم وكقاعدة صلبة لعملهم هو عزمهم جميعاً ومن مختلف منطلقاتهم على إعادة الهوية العراقية إلى اهلها التي سرقها منهم رواد الطائفية والمذهبية والعشائرية والمناطقية . إنهم سيعملون بكل ما معروف عنهم من إخلاص للشعب والوطن ، وليس للحزب والطائفة ، على إستعادة الهوية العراقية في دولة مدنية ديمقراطية تسودها العدالة الإجتماعية ويحكمها القانون وتشمخ فيها سيادة الوطن وتقترن مسيرتها مع مسيرة العالم المتحضر ، عالم القرن الحادي والعشرين من عمر البشرية بعيداً عن كل الخزعبلات . إن التنوع الفكري في مرشحي التحالف المدني الديمقراطي سوف يُخرس تلك الأبواق الصدئة من ابواق الإسلام السياسي التي طالما إتهمت المتصدين لأفكارها البالية وخطابها الكاذب من أنهم كفار ملحدون اعداء للدين وكل هذه التهم البالية التي اصبحت لا تجديهم نفعاً اليوم ، إذ اثبت هؤلاء المتسلقون على الدين بأنهم هم اول من تلاعب بثوابت الدين وإنهم هم وليس غيرهم من اساء لتعاليم الدين التي لا تحظى بالتجارة بها لدى مرشحي التحالف المدني الديمقراطي كما هو الحال في تيارات الإسلام السياسي والقوى التي تشاركت معها في نهب خيرات العراق خلال السنين العشر ونيف الماضية .

إذن نستطيع القول نعم ... أن التحالف المدني الدينقراطي يستطيع فعلاً ان يقود عملية التغيير في وطننا إذا ما اراد الشعب ذلك من خلال إيصال هذا التحالف ومرشحيه إلى موقع القرار السياسي المؤثر والذي يمكن تحقيقه في الإنتخابات البرلمانية المقبلة .

اما كيف يستطيع التحالف المدني الديمقراطي تحقيق هذا التغيير وما هي الآليات التي سيوظفها لذلك ، فهذا ما سنتطرق إليه في حديث قادم .
 

free web counter