| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

                                                                  الأربعاء  27 / 8 / 2014



هل يكفي تجفيف منابع الإرهاب المادية فقط ؟ وماذا عن الفكرية ؟

د. صادق إطيمش   

تدور كثير منن النقاشات حول الأعمال الإرهابية التي ترتكبها منظمات ومليشيات وتجمعات مسلحة، اغلبها دينية اسلامية، بحق الكثير من المخالفين بالرأي. وكثيراً ما تطال هذه الأعمال الإرهابية الأبرياء الذين يسقطون خلال الحرب الدائرة بين المنظمات الإرهابية نفسها او من خلال استعمال السلاح والعنف من قبل هذه المنظمات لمواجهة حكومة ما او او نظام سياسي معين او سعياً منها لنشر ما تؤمن به بقوة السلاح. ولم يرف جفن لمنتسبي هذه المنظمات الإرهابية حينما يكون القسم الأكبر من الضحايا من الناس الأبرياء الذين لا علاقة لهم البتة باطراف الصراع. وما اتضح للعالم اجمع في الحقب القريبة الماضية بان هذا النوع من الإرهاب قد مورس من قبل منظمات اسلامية على وجه التحديد، وبشكل شمل بقاع مختلفة من العالم بحيث اصبح لا يقتصر على المجتمعات الإسلامية فقط. وحينما تفتخرالمنظمات الإرهابية الإسلامية بانها تعمم العنف ولم تجعله مقتصراً على بلد واحد او مجتمع واحد فهي تنطلق من قناعتها بانها مسؤولة عن هذا العالم الذي يخوض في غمار الجهل والكفر والفساد وما مهمتها إلا " انقاذه " مما هو فيه من خلال نشر الإسلام حتى بالقوة، وبذلك تكون قد ادت رسالتها الإلهية واستحقت ثوابها الأخروي. وهذا ما ميّز الحركات الإرهابية الإسلامية بحيث اصبحت تؤثر على حياة كل مواطني العالم حينما نشرت ارهابها على مختلف بقاع الأرض مستخدمة حتى الدول المضيفة لبعض اعضاءها كسوح قتال مع المجتمع الذي آوى مشرديها واطعم جائعيها. كما اصبحت اخطار هذه المنظمات سبباً مباشراً لعرقلة الإنسيابية في حياة الناس الذين لا علاقة لهم بما يدور في المجتمعات الأم لهذه المنظمات. فاصبح التفتيش القاسي في المطارات العالمية خوفاً من التفجيرات او الإختطافات التي يمارسها الإرهاب جواً. كما شمل ذلك وسائل السفر الأخرى التي عاش الناس فيها الإنفجارات في القطارات وفي باصات النقل وحتى في السيارات الخاصة. كل هذه الجرائم التي تُرتكب على النطاق العالمي تميزت بها المنظمات الإرهابية الإسلامية وحازت بها على شهرة عالمية لم تشهدها اية حركة من قبل. وما نشاهده اليوم في وطننا العراق وفي بعض المناطق الأخرى من ارهاب يمارسه مجرمو تنظيم داعش الذي اصبح يحمل الإسم الرسمي: الدولة الإسلامية في العراق، يصب في هذا النموذج والذي تميَّز عن سواه من المنظمات الإرهابية بالهمجية والقساوة التي لا يمكن مقارنتها حتى بقساوة اعتى الوحوش الضارية. والأسئلة التي يطرحها كل عاقل على نفسه وعلى المجتمع، مسلماً كان هذا العاقل او غير مسلم هي: لماذا اصبحت كل هذه الجرائم تُرتكب باسم الإسلام حصراً؟ وهل ان هذه الجرائم بحق الآخرين لها ما يبررها لدى مرتكبيها من المسلمين؟ وما العمل المسؤول الذي يجب القيام به لإنقاذ المسلمين وغير المسلمين من هذه الجرائم التي اصبحت لا تفرق بين المخالفين لمرتكبيها من اية جهة كانوا ولأي دين انتموا؟

كل هذه الأسئلة واسئلة كثيرة اخرى تدور في اذهان الناس، حتى تركزت فكرة الإسلاموفوبيا كحقيقة واقعة لها ما يسندها من الأفعال والأقوال التي تميَّز بها المسلمون دون غيرهم سواءً داخل مجتمعاتهم او خارجها. كما كثرت الآراء حول العمل على قطع دابر هذه الجرائم من خلال العمل على قطع مصادر تمويلها وامدادها بالسلاح والعتاد والمعونات الأخرى التي تردها من دول لها كيانها الدولي المعترف به، ومن مجموعات دينية اسلامية داخل هذه الدول وخارجها يقوم على ادارتها فقهاء مسلمون ومشايخ يديرون دور عبادة اسلامية يجعلون من خُطب الجمعة فيها منابر للحث على مثل هذه الجرائم والتشجيع على ارتكابها والدعوة إلى السفر الى المناطق التي تُمارَس فيها كجهاد لنشر راية الإسلام. إن كل ذلك يشير على ان ارتكاب مثل هذه الجرائم لا يتم فقط عبر توفير المستلزمات المادية لمرتكبيها من مال وسلاح، بل ان هناك دوافع اخرى تُغري كثيراً من الشباب وتدفعهم للتنافس على المشاركة في الجريمة التي اخذت صفة دينية ترقى الى موقع الجهاد الإسلامي الذي يبشر بالثواب الذي يرجوه كل مؤمن في الحياة الأخرى. وإن هذه الدوافع الفكرية التي " تُقنع " الكثير من الشباب الخالي من التجربة الحياتية والمؤهل لكل عمليات غسل الدماغ لها مكانة قدسية لا يستطيع اي انسان ان يشك فيها او ينكر وجودها.

فالمسألة اذاً لا تتعلق بمكتسبات مادية يحاول المشارك بتنفيذ الجريمة الحصول عليها في حياته هذه، بل انه يسعى وبقناعة نحو حتفه للحصول على ما وعدته به كل هذه الأفكار الجهادية التي تلقفها وخزنها في فكره وسعى إلى تنفيذها دون اي نقاش. ومن اين لشاب لم يبلغ الحلم إلا قريباً امكانية النقاش والتقصي والإستطلاع حول كل ما يجري تلقينه له؟ وهنا يقع اي متقصي للحقيقة حول هذه المنابع الفكرية للإرهاب بين متاهة التبريرات التي يوظفها الإرهاب مستعملاً ما يحلو له من النصوص التي تؤيد ذلك، وبين حقيقة النصوص الأخرى التي تضاهي تلك النصوص في قدسيتها وحقيقة وجودها كمؤشرات دينية يتضمنها فكر الدين الإسلامي. وهذه المتاهة تجعل الإنسان الملتزم التزاماً اخلاقياً بالدين، وليس بالشرط عبادياً، ان يميز بين مدرستين في ديننا الإسلامي : مدرسة التحريض التي لم تبخل يوما ما باستخدام كافة ما لديها من امكانيات مادية وفكرية لتحريض الشباب على الدخول في موجة العنف وارتكاب الجرائم باسم الدين منطلقين من مبدأ الثواب الأخروي موظفين لكل ذلك الكثير الكثير من النصوص الواضحة والصريحة التي لا تحتاج إلى كثير من التفسير، ناهيك عن التأويل، والتي تشكل بعدئذ الاساس الفكري لكل المفخخين والإنتحاريين والجهاديين والمختطِفين وكل ما يتعلق بارتكاب الجريمة باسم الدين والذي يظهر بكل قباحته اليوم في ممارسات جنود الدولة الإسلامية في العراق. ومدرسة التوجيه التي تطرح وباستحياء احياناً محاولات تفنيد اطروحات الدولة الإسلامية ولكن دون التعرض إلى ما يستند عليه فقهاء هذه الدولة من نصوص دينية موثقة. لذلك يظل نشاط هذه المدرسة التوجيهية منصباً على إثارة الإرتباط بالدين عاطفياً مراهنين على وجود هذا الإرتباط اصلاً في غالبية المجتمعات الإسلامية. ولتوضيح معالم هاتين المدرستين التحريضية والتوجهيهية يمكننا الإستعانة ببعض الامثلة التي قد تساهم في توضيح المتاهة التي يقع فيها الإنسان المسلم الذي يسعى إلى الإرتباط بدينه عبادياً، وليس بالضرورة فلسفياً.

إذا ما اخذنا ما يجري في وطننا العراق اليوم مثلاً على هذه المتاهة فسنلاحظ ان مدرسة التحريض ودولتها الإسلامية تبرر هجمتها الهمجية على منتسبي الأديان غير الإسلامية بآيات قرآنية لم يتطرق احد من الفقهاء إلى تفسيرها غير التفسير الذي ينطلق منه فقهاء الدولة الإسلامية هذه والذي يشكل القناعة الفكرية المقدسة لمرتكبي الجرائم بحق غير المسلمين من قبل مصممي الجسور الى الجنة عبر الرؤوس المقطوعة لضحاياهم. ان فقهاء الدولة الإسلامية في العراق، وستكون مسيرتهم ذاتها إذا ما تمكنوا من السيطرة على مناطق اخرى، يحرضون جنود هذه الدولة الذين يطلقون عليهم صفة المجاهدين على قتل الكفار ويفسرون ذلك كواجب شرعي تفرضه نصوص دينية لا لبس فيها ولا شك، مستندين في ذلك على مضمون هذه النصوص القرآنية، مثلاً: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ . (
التوبة ـ الآية 123 )

او: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ-;- فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ-;- إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (
التوبة ـ الآية 5)

هذا التحريض على مقاتلة الكفار وجعل قتلهم واجباً دينياً هو مضمون نصوص لم تتطرق لها المدرسة التوجيهية بشكل من التفسير الذي قد يختلف عن تفسير فقهاء الدولة الإسلامية ومدرستها التحريضية. ولكن السؤال الذي يمكن ان يواجَه به فقهاء الدولة الإسلامية من قبل بعض مريديهم هو: ومن هم الكفار هنا في العراق؟ ويأتي الجواب دون اي تردد من نص آخر مقدس يقول: ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ )
المائدة الآية 72 . او :
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ-;- وَمَا مِنْ إِلَٰ-;-هٍ إِلَّا إِلَٰ-;-هٌ وَاحِدٌ ۚ-;- وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
المائدة ـ الآية 73.

او ما يشمل النصارى واليهود (اصحاب السبت) سوية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ-;- أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ-;- وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)
النساء47.

فإذا كان التعامل مع اهل الكتاب الذين يعترف بهم الإسلام كأديان سماوية يتم على هذه الشاكلة من قطع الرؤوس وسبي النساء ونهب الأموال وتهديم دور العبادة، فكيف سيكون الأمر مع منتسبي الأديان الأخرى الذين لا وجود لهم اصلاً في فكر فقهاء الدولة الإسلامية؟ فالإسلام يؤكد في نصوص مقدسة : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }
البقرة الآية 62 . وعلى هذا الأساس فإن اليهود والنصارى والصابئة وكل من يؤمن بالله واليوم الآخر كالإيزيدين مثلاً، كل هؤلاء حسب هذا النص لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، حسب الفهم الواضح لهذا النص، اللهم إلا ان يكون هناك اي فهم آخر لا يصرح به فقهاء المدرسة التوجيهية، او انهم لا يعترضون في باطنهم على ما يذهب إليه فقهاء المدرسة التحريضية الذين يفتون دوماً بنسخ كل الآيات التي تشير إلى السلام والتآخي بين الناس في الإسلام الذي يقول: ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ-;- وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ-;- إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ-;- إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات الآية 13. ولم يقل هنا لتتقاتلوا حتى وإن كنتم مختلفين، وهذه هي ارادته في الإختلاف، اذ انه لو اراد غير ذلك لجعل الناس كلهم امة واحدة حسب النص القرآني ايضاً : (..... لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ-;- وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰ-;-كِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ .....) المائدة 48 . وهذا يعني ان اكراه الناس على غير الدين الذي شرعه الله لكل واحد من انبياءه يخالف الإرادة الإلهية التي لم ترد للناس ان يكونوا امة واحدة . افتونا مأجورين إن كان هناك تفسير آخر لجملة : ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة.

هناك كثير من الآيات القرآنية الأخرى التي يحتاج المرء إلى فهمها واستيعابها ومقارنتها مع شبيهاتها من الآيات في نفس النص القرآني إلى وعي وعلم فقهاء المدرسة الإسلامية التوجيهية ليضعوا الناس على حقيقة امر دينهم، وهذا من الواجبات الأساسية لهؤلاء الفقهاء الذين سكتوا علىة تفسيرات فقهاء المدرسة الإسلامية التحريضية، وإن كل ما سمعناه من فقهاء التوجيه هو ان هؤلاء المحرضين على العنف والقتل والسبي ليسوا من الإسلام بشيئ وإنهم غريبون عن مقاصد الشريعة وما تريده النصوص الدينية في محتوياتها. إلا انهم لم يبينوا، خاصة لبسطاء الناس، اين غرابة هؤلاء عن الإسلام وهم يستشهدون بآيات قرآنية يعترف بها الجميع ولا احد يشك بصحتها من المَدرستين. ربما قد يقود ذلك فقهاء المدرسة التوجيهية إلى اعطاء تفسيرات اخرى لمفهوم الكفر والشرك وللموقف من الأديان السماوية وخاصة اليهودية والمسيحية وما يأمر به الإسلام فعلاً في كيفية التعامل معهم سابقاً وحالياً، وهل ان اسباب النزول التي كانت بالأمس لا زالت سارية المفعول اليوم بعد مرور اربعة عشر قرناً عليها وبعد هذا التغيير الجذري الذي حدث على حياة الإنسان وعاداته وطبائعه. هذه اسئلة مهمة وحيوية يحتاجها مسلم اليوم المتمسك بدينه والذي تضعه تصرفات بعض المسلمين اللاانسانية واستنادهم في تصرفاتهم هذه على نصوص مقدسة في حيرة من امره وامر دينه وهو لم يلق العون والمساعددة في رسم الصورة الواضحة له عن دينه لدى فقهاء مدرسته. |

إلا ان قليلاً من فقهاء المدرسة التوجيهية ممن تصدوا حقاً لأطروحا وتفسيرات النصوص القرآنية التي جاء بها الإسلاميون وانكروا عليهم ما جاءوا به باعتباره اما مخالفاً للمضمون المراد منه في النص او ان بعض النصوص وما يترتب عليها من افعال خضعت لمجريات الناسخ والمنسوخ وصورها المختلفة سواءً تم ذلك على النص او على الفعل المترتب عليه. وهذا موضوع شائك ينبغي التفصيل به كثيراً حين معالجته معالجة جدية مثمرة. إلا ان الجرأة التي تطرق بها بعض الفقهاء التوجيهيين إلى بعض تفسيرات التكفيريين سدَّت في واقع الأمر حيزاً من الفراغ الذي يعاني منه الإنسان البسيط في الفهم الصحيح لأمور دينه. فمثلاً ما تطرق إليه الفقيه علي عبد الرزاق في كتابه " الإسلام واصول الحكم " الذي تناول فيه موقف الإسلام من سياسة الدولة مفنداً آراء فقهاء السلاطين التكفيرية في هذا المجال. او ما جاء بالكتاب القيم للمستشار محمد سعيد العشماوي والمعنون " الإسلام السياسي " الذي خطَّأ فيه كل مقولات الإسلاميين عن الحكم والحاكمية واثبت مدى كذب الشعارات التي يرفعها الإسلاميون كشعار : لا حكم إلا لله وغير ذلك من الشعارات البراقة الزائفة والكاذبة في نفس الوقت. او ما جاء به الفقيه الشيخ جمال البنا في كثير من اطروحاته حول الحجاب وتفنيد آراء الإسلاميين في وجوبه كما جاء بكتابه " الحجاب " او ما تطرق إليه في كتابه : " ألإسلام دين وامة وليس ديناً ودولة " او كتابه : " تفنيد دعوى حد الردة " وغيرها من الأطروحات القيمة التي تمثل الإرتباط الديني التعبدي بواقع اليوم من خلال فهم الدين لا من خلال إفهامه للآخرين بحد السيف وقطع الرقاب وسبي النساء وتشريد الناس من ديارهم وهدم دور العبادة كما يفتي بذلك اليوم فقهاء الدولة الإسلامية. إلا ان اجرأ من تصدى لطروحات الإسلام السياسي وارهابييه هو العالم والفقيه السوداني الشهيد محمد محمود طه في كتابه " الرسالة الثانية للإسلام"

 http://www.maaber.org/eleventh_issue/lookout0.htm

حيث جاء في ردِّه على سؤال حول الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام وكرَّر مقولته بالفصل بين قرآن مكة وقرآن المدينة إذ يقول: " القرآن فيه الآيات التي جاءت وفيها حرية أكثر؛ وفيها المرأة والرجل متساويان. والناس ليس عليهم وصاية، والناس يقنعون بالكلام وليس بالسيف... هذا قرآن مكة. أما قرآن المدينة فقد أمر الناس بالقتال وجاء بعدم المساواة بين الرجال والنساء وجعل النبي وصيًّا على الناس. ونحن نعتقد أن قوانين الحرية هي قوانين اليوم، وقوانين الوصاية هي التي خلَّفها الوقت الحاضر. ولذلك فنحن ندعو إلي العودة إلى الآيات المكية وإلى سُنَّة النبي التي التزمها في خاصة نفسه." وقد ادت مثل هذه الطروحات إلى ان يضحي هذا العلم بنفسه حينما اعدمه " المسلم جداً " دكتاتور السودان السابق النميري الذي اثبت إلتزامه بتعاليم الاسلام بكمية الأموال التي سرقها من خزينة الدولة بعد تركه الحكم.

كثيراً ما يردد فقهاء الإسلام ، وخاصة السياسي منه، بان الإسلام صالح لكل زمان ومكان. وقد يكون ذلك جائزاً حينما يجعل المسلمون من دينهم منطلقاً لتلبية الحاجات الروحية والمادية للجيل الذي يتبناه في المراحل المختلفة من التاريخ البشري. اما ان ننطلق من صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان مع انتفاء اسباب وجود النصوص الذي يجري الإلتزام بها حرفياً حتى بعد عشرات القرون من تثبيتها، فإن ذلك يحاكي ان تطلب ممن يريد العلم والمعرفة في حياته ان يعيد ويكرر كل ما تعلمه في السنوات الأولى في مدرسته الإبتدائية ولا تسمح له بالرقي بمعارفه بحسب تطور قابلياته الفكرية واتساع معارفه استناداً إلى تطور واتساع معارف المجتمع الذي يعيش فيه في حقب تاريخية مختلفة. وهذا يعني ان المجتمعات الإسلامية اصبحت اليوم تعيش مآزق ارهاب وتصرفات الإسلام السياسي ليس في مجتمعاتها فقط، بل وخارج هذه المجتمعات ايضاً وكل ذلك يستند على نصوص دينية مقدسة لا اختلاف عليها يطبقها رواد مدرسة التحريض حرفياً ويسكت عنها رواد مدرسة التوجيه. واستناداً إلى ذلك لابد للمجتمعات الإسلامية ولكل من يريد الإستمرار في فهم الدين على الأسس التي يتبناها في مقولات مثل " لكم دينكم ولي ديني " او " لكم اعمالكم ولنا اعمالنا " او ان الله هو الذي يقيِّم البشر وليس الإنسان حينما قال لرسوله " وما انت عليهم بوكيل " من اللجوء إلى الإصلاح الديني الذي اصبح ضرورة ملحة بعد ان تلاعب بمبادءه المتلاعبون وبعد ان بَعُدَت المسافات بين فرقه الثلاث وسبعين وما انشطر منها من مئات المِلل والنِحَل الأخرى. ألإصلاح ليس مشيناً أذا ما ارتبط بالنية الصادقة لغربلة كل ما ورثناه من الإستهتار بالدين وتزييف مبادءه الإنسانية وتحويلها إلى تصرفات همجية حيوانية من خلال ممارسات الأمويين والعباسيين والعثمانيين وكل الأنظمة بتراثها الأسود المخزي الذي لا زال يطبع حياتنا كل يوم ويلاحقنا حتى في القرن الحادي والعشرين من عمر البشرية. وفكرة الإصلاح هذه ليست بعيدة عن كثير من المفكرين الإسلاميين. فقد نادى بها المصلحون الأوائل محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ثم استمر ينادي بها علي عبد الرزاق وطه حسين ومحمود طه وغيرهم من مفكري الإسلام التنويري التوجيهي. إلا ان جميع هذه المحاولات لم تأت أُكلها وذلك بسبب تصدي الإسلام السياسي لها الذي نرى انعكاسات سياسته هذه على المجتمعات الإسلامية اليوم التي تعيش ادنى درجات الإنحطاط والتخلف وإرهاب وفسق وفجور وجرائم الدولة الإسلامية.

لم يكن المصلح محمد عبده على خطأ حينما قال: ولكن ديناً قد اردت صلاحه ..... مخافة ان تقضي عليه العمائم




 

free web counter