|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  1  / 5 / 2015                                د. صادق البلادي                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

 بعد 125 عاما من قرار الإحتفال بالأول من أيار عالميا

صادق البلادي

الشَيَبةُ أمثالي ما زال يتذكرون المظاهرات الخاطفة ، التي كان ينظمها الحزب الشيوعي أيام العهد الملكي المباد ،في البصرة وغيرها من مدن العراق احتفالا بذاك اليوم النضالي، التضامني مع عمال العالم ، وتعبيرا عن الإستجابة الى نداء البيان الشيوعي : يا عمال العالم إتحدوا !!، كما نتذكر- نحن الشَيَبَة - المظاهرة الضخمة في أيار عام 1959، أول مظاهرة في العهد الجمهوري الأول، العهد الذي حققته ثورة الرابع عشر من تموز58 بقيادة الشهيد الوطني ،النزيه، العفيف عبد الكريم قاسم، تلك الثورة التي كان يمكن لها أن تسهم في تحقيق ما حلمت به البشرية، وخاصة شبيبة العالم بعد الحرب العالمية الثانية ، إثر القضاء على الفاشية، وسعت من أجل تحقيقه : عالم الحرية والعدالة الإجتماعية ، التي تحقق للإنسان كرامته بتوفير حريته، بإقامة المجتمع الذي يكون فيه التطور الحر لكل فرد شرطا للتطور الحر للجميع . لكن تلك الفرصة أضاعها الفصل بين الوطنية والديمقراطية ، وأجهضها إنقلاب الثامن من شباط الإنقلاب البعثي الفاشي، بتدبير "سائق القطار " ، " الحليف الستراتيجي" اليوم ، كما تسميه معاهدة 1930 الثانية ، ألإتفاقية الستراتيجية المعقودة مع الأمريكان، على طراز الأولى التي عقدت مع البريطانيين.

ومعروف أن يوم الأول من أيار هو يوم عالمي تضامني ، نضالي للعمال الكادحين، المظلومين ، دعا الى تنظيمه مؤتمر الأممية ألاولى ، المنعقد في جنيف عام 1866، والذي جدد المطالبة بتنظيمه مؤتمر عمالي عالمي عُقد في باريس ، يوم 14 من تموز 1889، وحضره 400 ممثل لوفود عمالية من أحزاب اشتراكية ، و نقابات عدد كبير من البلدان ، وكانت مناسبة انعقاد المؤتمر ، الإحتفاء بالذكرى المئوية لاقتحام على الباستيل، الذكرى المئوية للثورة الفرنسية معروف أن مؤتمرا عماليا إنعقد في باريس الكومونة في عام 1889 بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الفرنسية. كان قد دعا الى" تحديد وقت يجري فيه تنظيم تظاهرات أممية كبيرة ،في نفس الوقت في جميع المدن يوجه فيه العمال الى السلطات العامة المطالبة بتحديد يوم العمل بثمان ساعات. و بالنظر الى حقيقة أن عصبة العمال الأمريكية قد قررت تنظيم مثل هذه الفعالية في يوم 1 أيار 1890، تقرر إعتبار هذا اليوم يوما للتظاهر العالمي." وخلال هذه ال 125 سنة من بدء الإحتفال بالأول من أيار يوما عالميا لنضال ووحدة الطبقة العالمية شهد العالم تغيرات كثيرة، نجاحات وإخفاقات ، المعلم البارز فيها إنتصار ثورة أكتوبر الإشتراكية وقيام المعسكر الإشتراكي لسبعين سنة حتى إنهياره، ولم تسُتخلص الدروس و العبر منه. ومن نجاحاته أيضا الثورة الكوبية وصمودها حتى اليوم، وقبل أربعين عاما مثل هذا اليوم ، الثلاثين من نيسان 1974، كان يوم إنتصار الثورة الفييتنامية بتحرير سايغون ( هوشي مين اليوم ) ، والهزيمة النكراء للإمبريالية الأمريكية.

ولم يشهد ماركس هذا اليوم، فقد كان الموت قد إختطفه قبل سنوات سبع، إلا أن رفيقه انجلس شهد يوم الأول من أيار عام 1890 ، وكتب عنه :
" يـا عمـا ل ا لـعـــا لم أ تـحـــدوا " حينما ألقينا هذه الكلمات في العالم لم تجاوبنا سوى بضعة أصوات . وكان ذلك منذ أثنتين و أربعـيـن سنة وكنا إذ ذاك على أعتاب الثورة الباريسية ، أول ثورة خاضتها البروليتاريا بمطالبها الخاصة . ولكن لم يحن يوم 28 أيلول عام 1864 حتى كان العمال من أكثر أقطار أوربا الغربية يتحدون ويؤلفون جمعية الشغيلة العالمية (عرفت فيما بعد باسم الآممية الأولى) ذات الذكرى المجيدة . ان الأممية نفسها لم تعش سوى تسع سنوات ، أما التحالف الأبدي الذي أنشأته بين عمال جميع البلدان ، فليس أدل من يومنا هذا نفسه على أنه لا يزال موجودا ، وانه الآن أقوى منه في أي وقت مضى. ففي اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور ، تستعرض البروليتاريا الأوربية والأمريكية قواها الكفاحية التي تنتظم لأول مرة في جيش واحد ، وتحت علم واحد ، وفي سبيل هدف مباشر واحد – هو تحديد يوم العمل العادي بثماني ساعات تحديدا قانونيا ، هذا اليوم الذي طالب به مؤتمر الأممية المنعقد في جنيف عام 1866 ، وطالب به من جديد مؤتمر العمال المنعقد في باريس عام 1889 . إن مرأى هذا اليوم سوف يبين للرأسماليين وكبار أصحاب الأراضي في كل الأقطار ، أن عمال العالم متحدون الآن اتحادا حقيقيا.

ألا ليت ماركس الى جانبي ليرى بعينيه كل هذا
بهذه الكلمات اختتم فريدرش انجلس مقدمة الطبعة الألمانية الثانية عام 1890، وكان انجلس يعيش يوم ذاك في لندن، بعيدا عن وطنه.
ولكن ما شأني وأنا إبن التاجر المتدين ، أنا الطبيب و المثقف بيوم الأول من أيار؟ ذلك لأني موقن تمام اليقين، ومع انهيارمعسكر الإشتراكية "القائمة بالفعل"، إزددت إيمانا ، وقناعة بأفكار الشيوعية، بأن لا خلاص للبشرية من الفناء إلا بالقضاء على الرأسمالية، وآنذاك فقط " يحل تجمع تكون فيه حرية التطور لكل فرد فيه شرطا للتطور الحر للجميع." ولأني موقن بصحة قول فهد أنه بالإشتراكية يبدأ " الإنتقال من أدوار عاشت فيها البشرية عيشة لا إنسانية ، عيشة بربرية شبه وحشية الى مجتمع إنساني حقيقي، مجتمع يعمل فيه الإنسان بمحض إرادته وفيه يبتدئ تاريخ الإنسان. " ولأن الشعور والإحساس بانضمامي الى جبهة الطبقة العاملة التي هي ثورية أو لاشئ، الى الطبقة ، التي تبقى باعتمادها على العمل المأجور في تضاد مع الرأسمالية ، وكم هو ماركس على حق بإشارته

الى " أن البرجوازية قد نزعت حتى عن الأعمال المحترمة والورعة ما كان لها من هالة قدسية ، وحولت الطبيب، ورجل القانون ،و الكاهن، و الشاعر، ورجل العلم الى عامِل مأجور في خدمتها" ، هذا يملأني بالفرح والسعادة ، ويمنحني الهمة ويُبقيني أحس رغم الشيخوخة فتى مع الفتيان.

إن عدم تحقيق أهداف فورية، راسخة بعد كل حراك، كما نشهد هذا في الربيع العربي ، ليس دليلا ، يتدستر به الذين تخلوا عن الماركسية ، على خطأ الفهم المادي للتاريخ. تحية الى الطبقة العاملة ، المتغيرة بنيتها ، والتي تظل تحمل المستقبل في قلبها، ويبقى الإحتفال بالأول من أيار ، كما قال انجلس، " الدليل على أن العمال يوطدون العزم اكثر فأكثر على الظفربالنظام االإجتماعي الجديد عن طريق النضال".

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter