| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الخميس 10/7/ 2008

 

لو كان الشهرستاني كردياً...

صائب خليل

لو كان الشهرستاني كردياً لنصب الكرد له تمثالاً في كردستان ووضعوه إلى جانب ملا مصطفى البرزاني ومحمود الحفيد....ففي الحكومة العراقية يقف اليوم لوحده تقريباً في الدفاع عن شريان حياتهم ومستقبل أجيالهم، عن نفطهم، بوجه التحالف اللصوصي بين شركات النفط الكبرى وسياسيي التحالف الكردستاني.

سمعت في محطة فضائية مقابلات مع الناس حول عقود النفط الأخيرة, وكان من بين من قابلتهم أكراداً من العامة، وكانت الثيمة الغالبة لهؤلاء إن الحكومات السابقة حرمتهم من نفطهم فما المشكلة أن يوقع الأكراد عقود نفطهم؟ أي أن هؤلاء يعتبرون توقيع العقود بمثابة الحصول على ريعها! هذه الصورة المخالفة للواقع والمنتشرة بين الغالبية الساحقة من بسطاء الشعب الكردي كما يبدو ليست إلا من نسج الإعلام الحكومي والحزبي الكردي الذي يعيش على المشاعر القومية ويغذيها بكل ما ينفخها من حقائق وأكاذيب مناسبة.

يبدو أن احداً في كردستان لم يقل للكردي البسيط إن الجميع الآن مشتركون في النفط العراقي، ويبدو أن احداً لم يقل له إنه يحصل على المال من نفط البصرة أكثر مما يحصل عليه من نفط كردستان وكركوك، وأن ما يأخذه العرب من ريع نفط كردستان وكركوك أقل مما يحصل عليه الكرد من نفط بقية البلاد.

المسؤول عن هذه الصورة المزيفة تكشفه تصريحات الساسة الكرد مثل السيد فلاح مصطفى رئيس دائرة العلاقات الخارجية في رئاسة حكومة اقليم كردستان العراق حين قال ان «اقليم كردستان ومجتمعنا بحاجة الى البناء وهذا حقه، بل هو يستحق اكثر من ذلك، وبدلا من انتظار الحصة الضئيلة، 17%، التي تخصصها لنا الحكومة الاتحادية في بغداد، وبعد ان توضع الكثير من العراقيل والنقاشات، وهي حصة لا تساعدنا في اعادة بناء الاقليم ولا تساعد مواطنينا لبناء حياتهم بشكل كريم يليق بهم» (0)
إنه احتيال صريح على الحقائق والأرقام وعلى الشعب الكردي، لكن أين للكردي البسيط، بل وحتى المثقف من الوصول إلى تلك الحقائق ضمن إعلام كردي قومي يسير على حافة الشوفينية بشكل عام وكثرما يتجاوزها؟

هذه الأكاذيب يجب أن تحقن في رؤوس الناس في كردستان, وأن تستمر الصحافة في مضغ التوجه القومي لتغطية السرقات، ولا يخفي الساسة الكرد ضغطهم على الصحافة لإستمرار وتقوية هذا التوجه مثل دعوة فاضل ميراني سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني إلى ان "روح الانتماء يجب ان تتجسد في انتماء الصحافة الكردستانية، والا فليس هناك فارق بين الصحافة المنتمية قوميا وبين الصحافة غير المنتمية، وعلى الصحافة ان تكون قومية". (
اربيل - اصوات العراق 13 /01 /2008)

لكن من الواضح أن حكومة كردستان لاتنعم بالسلام في بلادها رغم وحدتها المافيوية المدهشة، فهي تخوض حرباً مستمرة على الصحافة بأشد مما هي الحال في بغداد التي تدهورت بعد صولات المالكي وضرورة امتداحها. فلطالما أوردت الأخبار انباء القبض على صحفيين مثل رحمان غريب وئاسو جبار لان الاثنان تطرقا الى الفساد الاداري و"أهانة الشعب الكردي"!!. كذلك لاننسى معركة حرية الصحافة التي دارت بين الصحفيين والبرلمان الكردستاني(!) في نهاية العام الماضي.

إن هذه "التغطية القومية للّصوصية" يجب أن تفضح، فلم يجف الحبر بعد على سرقات أشتي هورامي لحقول نفطية مكتشفة وتقديمها إلى الشركات على أنها حقول استكشافية (1) حتى عادت تلك الممارسات اليوم لتتكرر. فقبل فترة قصيرة جاءت الإنباء لتؤكد استمرارالمسوؤلين في اقليم كردستان بتوقيع عقودها المشبوهة لاستثمار النفط مع شركات أجنبية، بشروط غير معقولة. فقد اعلنت شركة أويل سيرج الأسترالية في 12/5 عن عقد مشاركة في تركيب شاكال في محافظة ديالى والواقع قرب حقل قمر المكتشف، كما وأعلنت شركة فاست/نيكو الكندية في 20/5 عن عقد مشاركة للتنقيب في حقل قرهداغ في محافظة السليمانية، تمتلك الشركة بموجبه 60% مقابل 20% لحكومة الأقليم و20% لطرف ثالث يتم تسميته من قبل حكومة الأقليم خلال ثمانية أشهر. وتتحدث به بعض المصادر عن خمسة الى ستة عقود جديدة ( اضافة لأكثر من عشرين عقدا سابقا) فانه قد تم الأعلان رسميا من قبل اثنتين من الشركات الأجنبية عن تفاصيل تلك العقود. (2)

للحكم على هذه العقود لنستمع إلى رئيس لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي عبد الهادي الحساني يقول "مسودة قانون النفط الحالية تعطي نسبة أرباح للشركات لا تتجاوز 3% للاستثمار والتنقيب في حقول النفط، بينما أعطت حكومة إقليم كردستان نسبه أرباح مبالغ فيها تعدت 40% في بعض العقود التي أبرمتها مع الشركات العالمية لاستثمار حقول النفط في أراضي الإقليم". وأشار الحساني إلى أن العقود التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان مع الشركات العالمية "ستعمل على إفراغ الخزين النفطي المحدود في الإقليم بوقت قياسي".
أي مصلحة للكرد فيما يفعله القادة الكرد "من أجلهم"؟

المشكلة الأخرى أن هؤلاء القادة يدفعون إلى أن "تعم حكمتهم" بقية حقول العراق، حيث أكد الحساني أن "الجانب الكردي اقترح على الحكومة العراقية وباقي الكتل السياسية العمل بقانون النفط والغاز الذي شرّع في الإقليم ليعمل به في جميع إنحاء العراق"، مشيرا إلى أن هذا المقترح رفض من اغلب الكتل السياسية بسبب "نسب الإرباح العالية التي تعطى للشركات". وقال إن "المادة 110 من الدستور العراقي تنص على حصر استثمار الثروات الطبيعية ومن بينها النفط بالحكومة الاتحادية بعد التنسيق مع حكومة الإقليم وليس العكس". (3)

لايخجل البعض رغم ذلك من الإصرار على أن تلك العقود "دستورية", رغم وضوح الإعتراضات التي قدمها العديد من السياسيين والخبراء القانونيين والنفطيين العراقيين كما أشار الحساني إلى المادة 110 من الدستور, وكما أوضح الأستاذ فؤاد الأمير وغيرهم بشكل مفصل في دراساتهم.
ولكن لنقل إن توقيع العقود كان دستورياً، فهل هذا مبرر لعقود لصوصية خاسرة؟ القانون والدستور يوزعان الصلاحيات لكن هل يعني هذا أن إساءة استغلالها أمر مقبول؟ القانون يعطي القاضي حرية الحكم، فهل يعني ذلك أن للقاضي أن يحكم بالظلم؟ أليس الظلم واللصوصية واضحة جداً في عقود كردستان؟ لماذا لايناقش ساسة كردستان ربحية عقودهم وجدواها للعراق بدلاً من التركيز على دستوريتها فقط؟ كيف يبرر الدستور مثلاً تحويل حقول عملاقة من ملحق رقم (3) الخاص بالحقول المكتشفة الى ملحق (4) للرقع الإستكشافية الخاصة بالمناطق غير المسكتشفة بعد، لتقوم الشركات بـ "إعادة اكتشافها" وبيعها للعراق من خلال عقود مشاركة الإنتاج على اساس ان الإكتشاف تم بمخاطرتها بأموالها وبجهودها؟ إن كانت هذه السرقة دستورية فهذا الدستور مهزلة يجب تغييرها. اليست مهزلة أيضاً أن يفسر دستور بأنه يسمح ببيع ممتلكات دون إطلاع من يمتلك 83% منها على نص العقد؟ هذا المنطق مخجل ويثير السخرية لكن البعض مثل الدكتور منذر الفضل لايخجل من الدفاع عنه.

ألحقيقة التي يتم تجاهلها من قبل الإعلام الكردستاني عن عمد، سواء كان الأمر في عقود أشتي السابقة أو اللاحقة هي ، عدا فضائح تحويل الحقول المكتشفة إلى مواقع استكشافية، أن لعقود التي توقعها حكومة الإقليم في الظلام، عقود مريبة أعطت الشركات حصصاً لصوصية، ولا أفهم ما المتعة في أن يكون التوقيع كردياً والعقد يتيح للشركات ان تسرق الأكراد قبل غيرهم؟
إذا كانت المشكلة هي التوقيع، فلنضع قانوناً ينص على أن أي عقد نفطي لايوقع عليه كردي مخول من حكومة كردستان يعتبر باطلاً...واجعلوا لجان التفاوض على العقود نصفها من الأكراد وليس 11% أو 17% منها فقط، وأن يشمل هذا نفط البصرة مثلما يشمل نفط كردستان، إنما يجب أن تكون هناك لجنة مشتركة ترى العقود وتناقشها!

إنهم يعاملون الشعب الكردي كالطفل أو الأحمق فيقولون له: "أنظر...إنه توقيع كردي!!" ويأملون منه أن لايقرأ العقد الذي وضع عليه هذا التوقيع الكردي، فما دام التوقيع كردياً فالعقد بلا شك في صالح الكرد! أي استغفال هذا الذي تشترك فيه شركات النفط الغربية والحكومة الكردستانية بمساندة من أمثال الدكتور منذر الفضل، والجميع يعلم جيداً أن ما يقوم به ليس إلا سرقة تأريخية لنفط الكرد الذين يدعون الحرص على مصالحهم، قبل غيرهم!

قلت في البداية: لو كان الشهرستاني كردياً لنصبوا له تمثالاً في كردستان...لكني كتبت بفرض أن من يملك السلطة في كردستان يمثل أهلها...هذا هو الفرض، أما الحقيقة فهي: لو أن الشهرستاني كان كردياً....لتم قتله!

لقد انتخب الكرد من منطلق قومي، كما انطلق غيرهم في العراق من موقف طائفي، ولو أن الشعب الكردي ينتخب اليوم وفق مصالحه والمدافعين عن مصالحه بغض النظر عن أصل الشخص وفصله وقوميته وجيناته لما وجد من ينتخبه خيراً من الشهرستاني!!
قد يبدو هذا الإستنتاج شديد الغرابة على العقل العراقي حالياً، لكن ربما يغير التأريخ هذا التصور حين تهدأ الأمور وتفسح المشاعر القومية مجالاً للتفكير في مقاييس أخرى أكثر منطقية ومبدأية....المسألة تبدأ أولاً من أن يرى الكرد لصوص نفطهم كلصوص يجب اعتقالهم وليس كأكراد يجب الدفاع عنهم...


(0) http://krg.org/articles/detail.asp?lngnr=14&smap=01010100&rnr=81&anr=22881
(1) مثل حقل كورمور الغازي (والذي هو ضمن محافظة صلاح الدين وتم الإستيلاء عليه)، وكذلك حقل طقطق الذي وصفه خبير النفط العراقي فؤاد الأمير بأنه "قد يكون أثمن اكتشاف في حقول الشمال منذ اكتشاف حقل كركوك."!
 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=131779
(2) http://www.albasrah.net/ar_articles_2008/0508/kord_220508.htm
(3) http://iraqalaan.com/bm/Politics/2573.shtml
 


10 تموز 2008


 

free web counter