| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الأثنين 13/4/ 2009



رد على انتقادات طارق حجي لماركس

صائب خليل

تبدو مقالات الدكتور طارق حجي في نقد الماركسية وكأنها وليدة عمليات "قص ولصق" لقائمة من الأفكار، تم إعدادها من مراجعة للنقاط التي تم انتقاد الماركسية فيها على مدى تاريخها. وبشكل عام ينقل طارق حجي تلك المقولات دون الكثير من التعليق الشخصي، مطالباً القارئ أن يعتبر ذلك برهاناً على ما يقول.

وللبدء نقول إن كلام حجي عن الماركسية لم يكن خاطئاً كله، فهو محق حين قال إن اكتشاف "فائض القيمة" يعود إلى ما قبل ماركس، وأشار بشكل خاص إلى "وليام تومسون"، والذي قال فؤاد النمري إنه لم يسمع به. والحقيقة أن تومسون هو من الإشتراكيين والناشطين من أجل العدالة ومساواة المرأة، وقد كتب عن "فائض القيمة" قبل ماركس، كما أشار الحجي. ولقد تعرف كارل ماركس على أعمال تومسون في زيارة له إلى مانشستر عام 1845 وأشار إليها بشكل عابر في "بؤس الفلسفة" بعد عامين من ذلك، وكذلك في كتاب "رأس المال (1)، بل أن ماركس قال إن كتابه الإقتصادي الأساسي ("رأس المال") هو تركيب لأفكار، إبتداءً من اقتصاديي اليمين مثل آدم سميث و حتى الإشتراكيين مثل الإيرلندي وليام تومسون (
William Thompson). (2).

لكن إن كان هذا صحيحاً، فهو ليس بالأمر الخطير، ولا يعني انتقاصاً لما قدمه ماركس لهذا المفهوم وتطويره، فلو أننا أعدنا الفضل فقط لأول من أشار إلى أمر ما، لأمكن بسهولة أعتبار نظرية النسبية لا تعود إلى آينشتاين، ولا نظرية التطور إلى داروين ولا نظريات الحركة إلى نيوتن. فالنظريات العظيمة لاتنبثق في العادة فجأة من عبقرية مفردة منفصلة، وإنما من خلال تجميع وتركيب وربط لأكثر من نظرية وفكرة معاً، تشكل جميعها أسساً لتلك النظرية ويشترك جميع من أسهم بها في الفضل في النظرية. ولقد كتب عن ماركس أن عبقريته كانت في ربط مختلف النظريات الإقتصادية بفلسفة هيجل.

لم أتمكن من التوصل إلى تحديد دقيق للجزء الذي يخص ماركس في هذه السلسلة من الذين كتبوا في "فائض القيمة" من خلال بحثي في الإنترنيت، ولعل أحد الأساتذة الأكثر معرفة بالأمر ينيرنا هنا، مثل الأستاذ حزقيل قوجمان أو الأستاذ سلامة كيلة أو فؤاد النمري بعد مراجعته لمصادره، أو أي شخص آخرا.

ومهما تكن الحصة التي ستقدم إلى ماركس في هذا السياق، فالأمر مرهون بالتقدير الشخصي، ويمكن أن يحتفظ طارق حجي وكل شخص بتقييمه لتلك الحصة، وهذا ما يجري فعلاً حول دور آينشتاين في النسبية ودور داروين أو لامارك في نظرية التطور، ودور نيوتن في قوانين الحركة والتفاضل والتكامل، إلا أن الباحثين في نسبة تلك الأدوار نادراً ما يذهبون إلى إنكار أو تقليل دور أي من هؤلاء، أو الإنتقاص منه كما يريد طارق حجي إقناع قرائه، وهو الخيط الذي يجمع مقالاته عن ماركس.

ما عدا ماقاله طارق حجي في موضوع أصل "فائض القيمة"، فإن نقده الباقي يدخل إلى ممرات يصعب الدفاع عنها ويضع نفسه في مواقف محرجة كما سنرى. فهو يريد أن يبرهن أن عمل ماركس "لم يكن علمياً"، رغم ماركس كان "يستميت" ليعطيه ذلك الإنطباع العلمي، بل وإنه خال من المحتوى "الإقتصادي" وأنه "مجرد نظرية". كذلك يجهد حجي للإيحاء لنا بأن "إنجلز" كان يكره "ماركس" لأنه حين أراد أن يودع ماركس عند قبره " فإنه لا يجد كلمات يطرى بها «ماركس» أكثر من تلك الكلمات التي يعلم أن ماركس ما كانت تسره في حياته عبارات مثلها"(3) (حول علاقة داروين بماركس). بل لا يترفع حجي عن ذكر العلاقة بين الشيوعية والإباحة الجنسية, وهي إحدى الكذبات الوسخة التي اقتصر قبول مهمة إشاعتها على العصابات التي كلفتها الـ (سي آي أي) بضرب الشيوعية في كل مكان في العالم، وقد توقف حتى هؤلاء عن الحديث في مثل هذا المستوى منذ نصف قرن.

بعد أن يعدد طارق حجي عدداً من مؤلفات ماركس يقول: "وقد طالعنا آثار ماركس الأولى هذه بدقة وتفحص فلم نجد أثراً واحداً للاقتصاد الماركسي" (3)

هذه العبارة ذكرتني بهذه القصة. فقد استمعت بدهشة في أحد الأيام إلى المعلق عند نهاية أحد الأفلام الوثائقية يقول إن الحكومة الكينية الجديدة تمكنت من السيطرة على الأوضاع، وأن الإقتصاد قد انتعش، إلا أن أوضاع معيشة الناس تراجعت!!"
تساءلت حينها عن معنى "انتعاش الإقتصاد" إذن؟ وما الذي يقصد بـ "الإقتصاد"؟ إقتصاد من؟ لم يكن من الصعب أن نكتشف أن المعنى المقصود كان وجهة نظر الشركات لـ "الإقتصاد"...المفهوم الذي يعتبر زيادة أجور العمال ورواتب الموظفين "كلفة" في الوقت الذي يعتبرها هؤلاء أنها "الربح"، بل الربح الوحيد. لقد فرضت الشركات مفهوم عبارة "الإقتصاد" كما فرضت عبارات أخرى، على الناس، فصار "الأدب الإقتصادي" قادراً على أن يمتدح طرد العمال من الشركة مثلاً، باعتباره "إنعاش إقتصادي".. والمثال أعلاه عن كينيا، يبين أنه إذا استخدم الناس ذلك المفهوم بهذا المعنى، فيفترض فيهم أن لايهتموا بالإقتصاد، إن انتعش أو انهار، فهو لايعني شيئاً بالنسبة لمدخولاتهم، فقد يرتفع هذا وينخفض ذاك أو العكس!
من الواضح إذن أن هناك انفصالا تاما بين ما يفهمه الناس من عبارة "إقتصاد" وبين ما تفهمه الشركات، وأن العبارة لاتعني شيئاً بالنسبة لأي من الجهتين، عندما تستعملها الجهة الأخرى.

إن فهمنا هذا فلن يعود غريباً أن لايجد مثل طارق حجي أي "إقتصاد" في كتابات ماركس، فما يبحث عنه طارق هو الإقتصاد الذي يتحدث عن كيفية زيادة الأرباح وتقليل الكلفة للشركات، في حين يهتم اقتصاد ماركس بكيفية توزيع تلك الأرباح، وبالغبن في حصة العامل فيها. لم يكتب ماركس بلغة الشركات فلا عجب أن لايجد حجي والشركات في كتاباته "إقتصاداً"، لكن عموم الناس والعمال لا يفترض أن يجدوا اقتصاداً في غير كتاباته وأمثالها. فلو كتب كل من الذئب والخروف كتابين عن "الطعام" وقرأ كل منهما كتاب الآخر، لهز كل رأسه تعجباً وقال إنه "لايجد أي حديث عن الطعام" في ذلك الكتاب. على كل شخص، لكي لا يكون ضحية مغفلة، أن يقرر أي المفهومين يمثل "إقتصاده" الذي يرتفع دخله مع ارتفاعه, وينخفض مع انخفاضه، وليس العكس.

عدا هذه الإعتراضات، يلجأ طارق حجي إلى أقوال مضادة للماركسية، ينقلها عن فلاسفة كبار بلا تعليق من عنده، ويعتبر ذلك كافياً. ومن تلك الأقوال قول ينسبه إلى برتراند رسل: " إن نظرية فائض القيمة ليست مساهمة في النظرية الاقتصادية، بقدر ما هي ترجمة الكراهية إلى تعبيرات مجردة وصبغ رياضية". (3)
لكن كيف يمكن مناقشة "أن فلان قال كذا" ومدى صحته؟ وكيف يمكن اعتماد هذا القول مالم يكن "فلان" معتمداً من الجانبين على أنه "معصوم من الخطأ". لقد أسمى "فؤاد النمري" هذه الطريقة، مرحاً، بـ "طريقة أن إبن خالتي أخبرني بخطأ نظريتك "!(4)

ربما تكون قسوة فؤاد النمري مفهومة في رده على طريقة حجي في "البرهان" على ما يقول. فيمكننا بهذه الطريقة المائعة، أن نثبت أي شيء نريده وباتجاهات متعاكسة. يمكننا أن نبرهن أن الماركسية أو أية نظرية، بأنها رائعة أو أنها خاطئة وتافهة بالاقتباس من "العظماء المناسبين" لرأينا، ولن نعدم أن نجد عظيماً قد قال أي شيء نريد البرهان عليه..مثلاً ببساطة يمكننا أن نقتبس أيضاً من "أحد أعظم فلاسفة القرن التاسع عشر" لنبرهن أن "المرأة في أفضل الأحوال ليست سوى بقرة حلوب"لأن "الفيلسوف العظيم" نيتشة قال ذلك، أو أنها لاتستحق الميراث وأن تعدد الزوجات هو الشيء الوحيد الصحيح، لأن فيلسوفاً عظيماً آخر هو شوبنهاور قد قال ذلك (5) وهو أبعد كثيراً مما قال به الإسلام الذي طالما انتقده الحجي ودافع عن المرأة بحق، أحياناً في مقالات أخرى له.

أخيراً، في محاولته البرهان على خطل فكرة ماركس عن "قيمة العمل" في "قيمة السلعة" يبدأ حجي بعرض ستة أمثلة لا تبرهن شيئاً سوى أن ما ينتجه العمل من "قيمة" ليس ثابتاً وأن تلك القيمة تعتمد على العامل ومهارته وأيضاً على الظروف والحظ، وكأن القارئ بحاجة إلى أمثلة ليقتنع بصحة ذلك، أو أن ماركس (وكل مؤيديه وناقديه) كانوا من السذاجة بحيث لم يروا ذلك!
المشكلة لم تكن في فهم ماركس، كما بين فؤاد النمري (6) ومعلقون آخرون، وإنما في أن حجي يخلط بشكل كبير بين المفاهيم المختلفة لـ "قيمة" للسلعة.
والغريب في هذه النقطة هو أن حجي "استعار" نقداً لبرتراند رسل لهذه النقطة دون أن يشير إليه، بل أعطى الإنطباع بأنه صاحب الفكرة! فقد سقط رسل في نفس الخطأ المثير للعجب، وهو ما يبرهن أن "العظيم" في أمر ما، ليس بالضرورة عظيما في كل الأمور، وفي التاريخ أمثلة كثيرة على ذلك.
أما تمييز ماركس بين "القيمة" و "القيمة الإستعمالية" واضح حتى لمن لم يقرأ من "رأس المال" سوى عنوان فصله الأول الذي هو:"العاملين المحددين للسلعة: "القيمة" و"القيمة الإستعمالية"،
(The Two Factors of a Commodity: Use Value and Value)
كما بين ثوماس ريجنس في رده على قول برتراند رسل بأن "قيمة السلعة لاتقاس بقيمة الجهد المبذول في عملها" متسائلاً إن كان ذلك لايعني أن رسل لم يقرأ كتاب رأس المال! (7)
وإن كان اعتراض برتراند رسل يجعل شك ريجنس بأن هذا الفيلسوف ربما يكون قد سجل اعتراضاته دون أن يقرأ "رأس المال" بنفسه، فتكرار طارق حجي لنفس الإعتراضات يجعل شكنا مشروعاً بأن الدكتور طارق قد وجه انتقاداته دون أن يقرأ بنفسه، لا رأس المال ولا برتراند رسل!



(1) William Thompson http://en.wikipedia.org/wiki/William_Thompson_(philosopher)
(2) Marx and The State - Workers Solidarity Movement
http://www.wsm.ie/story/178
(3) طارق حجي : من المؤلفات الأولي : الإقتصاد الماركسي
 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=167950
(4) فؤاد النمري - السقوط المدوّي لطارق حجّي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=168305
(5) Schopenhauer: On Women
http://www.heretical.com/miscella/onwomen.html
(6) فؤاد النمري - الماركسية الفجّة لدى طارق حجّي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=168054
(7) Thomas Riggins' Blog: Bertrand Russel on Marx’s Theory of Value
http://leninlives.blogspot.com/2008/11/bertrand-russell-on-marxs-theory-of.html


12 نيسان 2009


 

free web counter