| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                   الجمعة 14/12/ 2012

 

رئيس وزراء الأردن لا يشكر العراق لدفعه الجزية!

صائب خليل      

إذا كانت فضيحة أجهزة كشف المتفجرات المكونة من علب فارغة، هي أم الفضائح الثابتة بامتياز، فأن فضيحة "مساعدة" الأردن هي الفضيحة المستمرة بالتطور وتوليد فضائح جديدة تجعل المرء يتساءل: على اي ارض يقف؟ وما الذي أعد لهذا البلد؟

طالما وددت معرفة رد فعل الحكومة الأردنية على تلك "المساعدة" التي تقتطع من الجياع لتذهب إلى الشبعانين، واخيراً وجدت رد رئيس وزارء الأردن في خبر ذو عنوان غريب هو : "الاردن يرحب بقرار العراق منح بلاده مئة الف برميل نفط مجانا"! (1)

فالأردن لا "يشكر" وإنما "يرحب"! وهي عبارة متحفظة تقال عندما يقوم الجانب المقابل بفعل شيء يمكن اعتباره "إيجابي"، ولكنه "غير كاف" و "أقل من المتوقع". الخبر يقول:
"اعرب رئيس الوزراء الاردني عبد الله النسور الاربعاء عن ترحيبه بقرار الحكومة العراقية منح المملكة مئة الف برميل مجانا بهدف مساعدتها على تجاوز ازمتها الاقتصادية.  وقال النسور في مؤتمر صحافي عقده في مقر رئاسة الوزراء "نحن نرحب بهذه اللفتة ونأمل ان تتلوها قرارات اقوى واعمق".
!!

لم أر في حياتي صلافة بهذا الحجم! تخيل أن أحداً (لسبب لا يعلمه إلا الله والراسخون في ...) يقتطع من أهله الجواعى مبلغاً لأنه يراك محتاج إليه بشكل شديد، فتقول له، "نأمل أن تتلوها قرارات أقوى وأعمق"!!

يقول بقية الخبر:

"واضاف ان "صدور هذا القرار من مجلس الوزراء العراقي هو بحد ذاته تطور مهم ولافت ويشير الى نية العراق الشقيق لتفعيل العلاقات الاردنية العراقية"!

100 الف برميل نفط مجاني، وسنوات من النفط شبه المجاني أو المدعوم، وأخيراً زيادة كميته ثلاثة مرات ونصف، ووضع العراق نفسه كأكبر سوق للبضاعة الأردنية حيث يستهلك 21 % من صادراته وهي في تزايد بنسبة 10% ، ومعظمها من السلع الإسرائيلية، (2) كلها لا "تفعل" العلاقة الأردنية العراقية، وإنما "تشير" فقط إلى "نية تفعيلها" فكم ستكلفنا إذن هذه العلاقة المثيرة للعجب عندما يتم "تفعيلها"؟

وماهي مساهمة الأردن في "تفعيل" هذه العلاقة؟ إنها تشجيع دكتاتورييه على إثارة الحروب لسحق شعبه، ثم ابتزاز البلد ومطالبة الشعب بدفع ثمن "خسائرهم" وهم دون غيرهم من جنى الأرباح الطائلة من كل تلك الويلات، وإستمرار ابتزاز العراق بعد سقوط الدكتاتورية وإرسال الإرهابيين واحتضان كل اللصوص الهاربين منه وإهانة مواطنيه على الحدود والإحتفال بمناسبات ميلاد وإعدام صدام حسين وغيرها من المرارات التي يهدونها للعراق في كل زمان؟ أية علاقة غريبة ومهينة هذه؟

يبرر رئيس الحكومة الأردنية عدم اتصاله برئيس وزراء دولة البرامكة ليشكره على "اللفتة" بأنه حاول ولم يستطع، وسيفعل ذلك فيما بعد! فلماذا لم يقل لمن نقل كلامه في الخبر أنه يشكر رئيس الوزراء الخ؟ ما يقوله علنا للصحافة لا يشبه وضع شخص ممنون من أحد ويريد أن يشكر أحد، بل وضع شخص سلبه أحد ما "حقه" وأعاد له بعضه، فكان بذلك "يشير" إلى النية في تفعيل العلاقة وأنه سوف" تتلوها قرارات أقوى وأعمق" لإعادة هذا "الحق".

أما العبارة التالية لرئيس حكومة الأردن، فتثير المزيد من التساؤلات عن طبيعة تلك العلاقة، حين يقول:

"الدولة العراقية لا تجهل اطلاقا مصلحتها الاستراتيجية في دعم الاردن".!

ما الذي يعنيه أن الدولة العراقية "لا تجهل مصلحتها" في تلك العلاقة؟ إننا لا نستطيع أن نفسرها، إلا بأحد أثنين: أما بإنبطاح ساسة العراق أمام الضغط الأمريكي ليدفعوا إجور عملائهم كما كانوا يجبرون صدام حسين على ذلك، أو أن هؤلاء الساسة يضعون سرقاتهم في بنوك الأردن وهم مجبرين أن يبقوا خط هربهم مفتوحاً، لأنهم يعرفون أن الأردن يرحب حتى الآن بكل سافل ثري سرق شعبه!

على اية حال نشكر فعلاً رئيس وزراء الأردن على صراحته التي تفضح لنا نوع سياسيينا ويضعنا أمام مسؤوليتنا في محاسبتهم على تبديد ثروتنا وكرامتنا معاً.

دحض حجة المواقف المشرفة والعلاقة الطيبة بين البلدين

في مقال سابق لي بعنوان "حكومتنا تجوع شعبها وتضاعف دعمها للأردن"(3) كتبت عن قيام السفير العراقي في عمان بدور البطولة في مسرحية دبلوماسية عندما كان يعلن عن "المساعدة"، فقال:

"العراق منذ سنوات وهو يمد الأردن بالنفط بأسعار تفضيلية وسيستمر في ذلك لأن العلاقة الطيبة بين الشعبين الشقيقين تسمو فوق كل اعتبارات"! وقال "أن الأردن كان وما يزال له مواقف مشرفة مع العراق وشعبه وخاصة أبناءه المتواجدين على الأراضي الأردنية وتزويده بالنفط هو شيء قليل مقارنة بما يقدمه الأردن والعلاقات بين البلدين". وقال "العراق وشعبه يقدمون للمزارع الأردني الشكر الموصول لما يزوده به من إنتاج زراعي ذي جودة عالية"، وأيضاً تأسف على المزارع الأردني الذي "يعاني الكثير بسبب الأوضاع في سورية" وأن العراق يعمل على تخفيف معاناته ببعض الإجراءات..الخ.

هل "العلاقة الطيبة بين الشعبين" و "المواقف المشرفة" للأردن من العراق، شيء من الحقيقة أم أنها أكاذيب تقلب الحقيقة على رأسها؟ هل يمكن تخيل "العراق وشعبه" وهم "يقدمون للمزارع الأردني الشكر الموصول"؟ هل يصعب أن نتصور أن الحضور الذين استمعوا إلى هذا السفير، لابد أن اعتبروه شخصاً أبله، وأن حكومته وبلاده تستحق أن تبتز؟

لقد ذكرت "المواقف المشرفة" لحكومة الأردن في المقالة المذكورة، وأكتفيت بـ 20 نقطة تكفي كل واحدة منها لسحب السفراء بين الدول التي تحترم نفسها وشعبها... أما حكومتنا فتعطيهم وتشكرهم بتذلل على قبولهم العطايا التي تسرقها من فم شعبها الجائع! وما دام الكذابون قد أطلقوا العنان لتصريحاتهم فلنقلها واضحة: لا أعرف للأردن موقف واحد شريف في أية قضية مرت، لا على العراق ولا على الأمة العربية منذ أن تأسس، فقد كان دائماً من هراوات الخندق الأمريكي الإسرائيلي، لا ينافسه في ذلك سوى المملكة العربية السعودية. ولم يتعامل بمودة إلا مع جلادي الشعب العراقي ، ولم يساعده يوماً في أشد محنه بل كان يتبز هذا الشعب ويثرى في محنه فيمتص منه كل ما يستطيع في أقسى ظروفه، وكل من يقول غير ذلك كذاب!

وفوق هذا كله فالأردن اليوم بلد خطر على العراق، كان رأس الحربة في الإثارة الطائفية في العراق، كما أخبرني اصدقاء أردنيون، وهو احد أهم أعضاء "المحور السني"  في المنطقة الذي تقول إسرائيل أنها أنشأته ضد الشيعة، (4) فأية مواقف مشرفة وأية علاقة طيبة واية أكاذيب يبيعها علينا ساستنا؟

ولنفرض جدلاً أن تلك الأكاذيب صحيحة، وأن علاقتنا "طيبة" مع الأردن وأنه بحاجة للدعم، فلماذا لا نبدأ بدعمه بأن نوفي ما له علينا من ديون؟ إن لم نكن نملك أن ندفع بشكل فوري، فلتكن مقسطة ولتساوي مبلغ الدعم الذي نقدمه الآن. لنحتسب تلك الفروق كإيفاء ديون لهؤلاء "الطيبين". أم أن ديون العراق القذرة يجب أن تبقى مؤبدة عليه حتى حين يدفع المال لدائنيه؟ أي نوع من المنطق يقود من يقود العراق؟ (بل أية أسرار يخفون؟) إن أحداً لن يجيب على هذه الأسئلة، فأنا أطرحها منذ سنين بلا جدوى.

ولا أتصور أن هذا الإخفاء عفوي. لقد وصلنا خبر التبرع بشكل إعلان من الناطق السابق باسم الحكومة علي الدباغ بالصيغة التالية: أن رئيس الوزراء اقترح التبرع ووافق عليه المجلس! فهو يحمل المالكي مسؤولية المبادرة فيه. ولا أكتمكم أني فكرت أن أزاحة الدباغ بالشكل الغريب الذي جرى من قبل المالكي شخصياً، ربما كان بسبب الطريقة التي كشف بها الدباغ الخبر! إنه مجرد تخمين، ولكن على من يتركنا في الظلام بلا تفسير لتصرفاته، أن يتحمل تخميناتنا.

دحض حجة الإنسانية

الصمت يخيم على الموضوع في العراق. لقد قال أحد القياديين في حينها أن "الجميع متفق على دعم حكومة الأردن" دون أن يقدم توضيحاً أكثر من الأكاذيب المفضوحة نفسها أعلاه وأدناه. هناك بين الحين والآخر خبر (مؤلم للعراقيين) عن زيادة الدعم ، لكننا لا نسمع مناقشة له، فلم يخاطر من السياسيين بسمعته من أجل محاولة شرح تلك العلاقة وإقناع الناس بها، إلا نفر قليل، منهم هذا النائب من دولة القانون لم أسمع بأسمه قبلاً، "احمد حبيب خبط" الذي يقول أن التبرع بمئة الف برميل نفط للاردن "موقف انساني". (5)

ما هي يا ترى الحالة الإنسانية الشديدة في الأردن التي أيقضت ضمير "احمد حبيب خبط"، ولم يجدها في العراق؟ العراقي لا يحتاج إلى "موقف إنساني" لأنه على ما يبدو ليس إنساناً في حساب "احمد حبيب خبط" وأمثاله ممن يجلسون في البرلمان!

يؤكد خبط "ان النظام الاردني معتدل ومتوازن وكان موقفه مشرفا اتجاه البلاد على عكس بعض الدول التي كانت غير ايجابية مع القضية العراقية".

وحقيقة الأمر أني لا اعرف دولة واحدة كانت مواقفها سافلة من العراق بقدر الحكومة الأردنية ومنذ زمن. وإن كنا نجد في حرب صدام عذراً لمواقف الكويت، فإننا لا نجد أي مبرر للأردن لمعاملة العراقيين بهذا الشكل متناهي الأنانية والقسوة والطائفية، رغم ان كل ما لقوه من العراق كان الثروة والرخاء والفائدة، ودائماً على حساب شعبه! فالحكومة الاردنية لم تكتف برفض حذف أية ديون عراقية سلمها ملوكهم لحروب صدام لحساب موكليهم، بل عبر سياسيوها عن قلقهم الشديد ومعارضتهم من ان تعتبر ديون العراق فاسدة دولياً ويعفى منها، لأنهم كانوا يطالبون ببضعة ملايين، كما بينت في مقالة سابقة عن الموضوع. ثم أخترعت ديوناً ليست موجودة، وكذلك سلبت من العراق مبالغ طائلة بحجج عجيبة مثل 260 مليون دولار "لأضرار بيئية على الأردن جراء حرق صدام لآبار النفط الكويتية" رغم أن الأردن تبعد ألاف الأميال عن الكويت، ورغم أن حكومتها كانت الوحيدة التي شجعت ودعمت صدام في حربه على الكويت، مثلما فعلت في حربه مع إيران!

اتحدى هذا النائب إن لم يكن كاذباً، أن يذكر موقفاً مشرفاً واحداً لحكومة الأردن من العراق، بل من اي بلد في العالم!

أخيراً "يخبط" النائب دوافعه "الإنسانية" بدوافع أخرى، فيقول: "ان حصول المظاهرات من قبل الاردنين جراء قلة مادة البترول في الاسواق الاردنية مما قد تؤدي بكارثة يقوم بها المتعصبين هنالك بتحويل الاردن الى الاضطرابات التي تعيشها سوريا".

من يقرأ الأخبار، ولا بد ان خبط قد فعل، يرى أن القضية ليست عدم توفر البترول في الأسواق في الأردن وإنما كانت التظاهرات حول ارتفاع سعره، وأثره البسيط على سعر المواصلات الخ. الأردني يطالب حكومته الفاسدة حتى النخاع بأن لا تخفض مستوى معيشته برفع الأسعار والدعم للنفط، وهذا من حقه تماماً، فما دخل العراق ليحل المشكلة لحكومة الأردن على حساب شعبه هو؟ هل هناك مشكلة فقر شديد في الأردن أشد مما في العراق، او على الأقل بحجمها، أم أن هناك طبقة متوسطة أردنية لا تريد أن يهبط مستوى معيشتها؟ فالتظاهرات ليست قياساً للفقر والحاجة الإنسانية، لأن الفقير كثرما يصل إلى حالة العجز، فالتظاهرات ضد الأسعار في أوروبا وأميركا أكثر بكثير مما هي في دول آسيا وأفريقيا الأكثر فقراً.

إن احتجاجات الشارع الاردني ليست بالضبط على الفقر، والأزمة ليست متأتية حتى من زيادة أسعار النفط، بل، كما يقول محللوهم، نتيجة ازمة اقتصادية واجتماعية على مدى عقود من الزمن، في عملية تحول رأسمالية استهلاكية فاحشة الإثراء للقطط السمينة التي تصرف ببذخ يزيد كثيراً عن أنتاج بلدها وما تنهبه، فتريد نهب المزيد من الفرد المتوسط الاردني، فلماذا يتوجب علينا حماية هذه القطط من غضب الشعب؟ (6)

بينت في مقالتي السابقة أن الحكومة الأردنية تسعى لرفع دخل العائلة الأردنية "الفقيرة" من 1170 دولار في الشهر، إلى حوالي 1220 دولار في الشهر! فهل لا يوجد في العراق عائلة تعيش على أدنى من 1170 دولار في الشهر لتوقض أنسانية ضمير "احمد حبيب خبط" وحكومة البرامكة في العراق؟ أم لأن فقراء العراق صامتون؟(7)

ففي العراق هناك "آلاف يعيشون في مقالب قمامة ببغداد" - YouTube   (8

وفي العراق "600 ألف أسرة تعيلها أرامل، عاطلات عن العمل، وهي الأعلى بين الدول العربية." (9)

ومن الطبيعي إذن أن "في العراق.. أمهات يبعن بناتهن لامتهان البغاء" (10)

وإذا كان أمثال هذا النائب لا يستيقظ ضميرهم إلا في الاردن فهناك ألأيتام وألارامل والمعوزين من اللاجئين العراقيين في الأردن، والذين أثاروا شفقة الناشطين الدوليين فتصدقوا عليهم ليطعموهم في رمضان (11)

ولأن أعداداً كبيرة من الطلبة هجروا مدارسهم نتيجة عجزهم عن تغطية جميع متطلبات الدراسة، وفق اللجنة المالية البرلمانية، (12)

فأن لجنة العمل النيابية تؤكد أن "عصابات منظمة تدير عمل الأطفال المشردين في شوارع العراق" (13)

هذه لجان برلمانية، اي كان بإمكان خبط أن يوقظ ضميره دون ان يغادر مكان عمله. أو ليذهب إلى اليوتيوب وليكتب "الفقر في العراق" وليشاهد ما يقطع قلوب أشد الوحوش قسوة، فربما يستيقظ ضميره بالنسبة لمواطنيه.

يقول احدهم أن إنفلات الحكومة يتناسب مع تساهل الشعب، فكم هو هذا التساهل الذي اوصل الحكومة إلى هذا التفريط بمصالحه وكرامته؟

وعلى أية حال، فحتى لو كان ضمير ساسة العراق، لحكمة من الله، لا يستيقظ إلا على صوت "فقير" أردني، فأطمئنهم أن هذه المنحة لا تصل إلى هؤلاء ايضاً، وأنقل لهم تعليقاً كتبه لي صديق أردني على مقالة سابقة في الموضوع، يقول:

"هنا اود تأكيد نقطة مهمة ربما لم تأت بشكل صريح في مقالتك هذه, فالدعم الذي يأت للاردن انما يذهب الى فاسدي الاردن ولا يصيب فقراءه بفلس, وعلى الرغم من التفاوت النسبي بالفقر بين الاردن والعراق ومستواه فان فقراء الاردن لا يحصلون ولا حتى على جزء بسيط من اي دعم يأت اليه. وهنا اود ان اشير الى حادثة حصلت في عهد حكومة البخيت قبل عام تقريبا حيث عزل مدير البنك المركزي سمير شرف فقط لانه تصرف بكل امانة وادخل دعم سعودي حصلت عليه الاردن بقيمة مليار وثلاثمائة مليون دولار, وكان من المفروض ان يتقاسمه فاسدي حكومات الاردن. ووقتها قدمت والدة سمير السيدة ليلى شرف استقالتها وقالت بانه لا يشرفها بان تعمل ضمن حكومة فاسدة."

وقبل خمسة سنوات، حين بحثت في الموضوع، اكتشفت بعض ما يؤكد ما قاله صاحبي، فكتبت عن ما جاء في مقالة بعنوان "إكشفوا اين اختفت المنحة النفطية الكويتية للأردن قبل توقيع المنحة العراقية ومد انابيب النفط" (14):

"حين احتل العراق وعجز لحين عن تقديم "الجزية" النفطية المفروضة عليه للأردن، تم تحويلها مؤقتاً الى السعودية والكويت والأمارات. وبعد سنة كشف النائب الكويتي احمد السعدون ان الأردن طلبت من الكويت بيع النفط المخصص لها وإيداع المبلغ في حساب شركة (Free Market Petroleum) الأمريكية التي يمتلكها رجل من اصل تركي! وكشف كذلك ان الحكومة الكويتية كانت قد اخفت اتفاقية مع الأردن تجدد فيها المنحة النفطية لمدة ثلاث سنوات، وهو الأمر الذي سبق وانكرته كل من الحكومتين الأردنية والكويتية.

وقال النائب مسلم البراك "…هل يعقل ان تصبح مؤسسة البترول وسيطا لبيع النفط للأردن وتحويل مبالغ المنحة لصاحب شركة تركي؟!" واضاف :"ان اموال المنحة النفطية لم توجه الى الشعب الاردني."

وبالفعل قال النائب الأردني عبد الرحيم ملحس: «سألت معالي وزير المالية عن البند الذي توضع تحته اموال المنح النفطية في الموازنة العامة فلم اجد منه اجابة». وهذا الحدث الرسمي الموثق يؤكد رسالة صديقي أعلاه عن توجيه هذه المنح، غير المعروف وغير المفهوم. هل هناك اتفاقيات سرية مشابهة لتلك التي كانت مع الكويت؟ لم لا؟ فشكل العلاقة يثير كل الشكوك، كما أن الإتفاقية تظهر لنا كل يوم تطوراً جديداً، فمن دعم بمقدار 10 دولار للبرميل، إلى 14 دولار إلى 18 دولار، ومن كمية 10 الآف برميل في اليوم إلى 15 الف واليوم إلى 35 الف وفي النية رفعها مستقبلاً إلى 125 الف حين يتم مد الأنابيب! اليس شكلها شكل إتفاقية سرية يتم كشف حجمها تدريجياً لكي لا يصاب العراقي بالصدمة؟ فإن كانت كل الكتل متفقة على الصمت في هذا الأمر فمن سيفضحها؟

كنت أنتظر أن ياتي الإعتراض الأساسي من التحالف الكردستاني، فليس الكرد ملزمين بهذه "الأخوة" ليدفعوا جزءاً من حقهم في النفط لها، مثلما لسنا مستعدين أن تدفع كردستان مساعدات لأكراد تركيا من حقنا في نفطهم مثلاً، فلماذا لم يحتج الإقليم عليها حتى في أشد لحظات توتره مع الحكومة؟ لماذا يعترض محمود عثمان على دعم الأسرى الفلسطينيين باعتبار أن العراقيين أحق به، ولا يعترض على نزيف الجزية المستمر الأكبر للاردن؟

لأن الأمر له علاقة بمصالح أميركا وإسرائيل وعملائهما! هذا تفسيري الوحيد ومن لديه تفسير آخر فليتفضل به. لذلك فأن كردستان لم تسكت فقط بل تقوم بمبادرات لتقوية تلك العلاقة المشبوهة وتطويرها. فهذا مقرر لجنة النفط والطاقة البرلمانية النائب عن التحالف الكردستاني قاسم مشختي يقترح على السفير العراقي في الأردن إنشاء مصفاة نفط في العقبة "لتكرير النفط العراقي ومن ثم يتم بيعه للأردن". "فمصالح الدول تتقتضي أحياناً بمساعدة بعضها البعض"(15). الجميع يبدو يريد مساعدة هذا الثري الأردني المحظوظ! ليس ساسة بغداد من يتبرع له بمال فقرائه فقط، بل يتبرع له الكرد بحصة من نفطهم بكل سرور! ومادامت الفكرة أن يباع النفط المكرر للأردن، فيعني هذا أن المصفى سيكون بأموال عراقية، فلماذا لا ينشأ هذا المصفى في العراق؟ أليس العراق أولى بالعمالة وأولى بالإستثمار وأولى بالمرونة بدلاً من ان يكون مجبراً على بيع نتاجه للأردن؟ هل هناك سبب آخر غير تقديس عملاء إسرائيل وتفضيلهم على البشر اجمعين؟ إني لا أجد تفسيراً آخر. ليس من يقول هذا فقط، بل كل من يقبل هذا المنطق يوجه الإهانة للإنسان العراقي لأنه يتجاوزه ويتجاوز مصالحه ومستقبله بكل صفاقة!

ليس مفهوماً لماذا لا تقوم دول التعاون الخليجي بذلك الدعم، فهم الأثرياء، والأردن أنظم إليهم ليحميهم بجيشه من شعوبهم، (يقول نائب كويتي سابق أن قوات اردنية دخلت الكويت لتقمع التظاهرات) (16)  فهم جميعاً يخدمون المصالح الأمريكية، وفي خندق واحد. وهناك بالفعل حديث يجري عن ذلك الدعم، فما الحاجة لمساهمة العراق، أكثر البلدان العربية بؤساً وتخلفاً في وضعه الإقتصادي والإجتماعي والأمني؟ (17)

ليس مفهوماً أيضاً لماذا يعامل السياسي العراقي المواطن بهذا الشكل وكأنه عدوه يريد أن يسلخ منه آخر فلس ممكن وتحطيم مستقبله، إن لم يكن لسرقاته فللتبرع بها لهبات "إنسانية" للآخرين. وليس مفهوماً لنا أيضاً لماذا يحس النائب الكويتي بمسؤوليته عن ثروة بلاده والعراقي لا، رغم الفارق بين رفاه الكويتي وفقر العراقي الذي شرحته المصائب أعلاه، ومدى تأثير "المنحة" على كل منهما!

هنا لا بد أن استثني وأوجه تحيتي باسم العراقيين إلى النائب عن الكتلة العراقية الحرة "عالية نصيف" التي تكلمت حين صمت الآخرون فقالت: نستغرب مساعدة الأردن الحاضنة لجميع التحركات المعادية للعراق، وقالت أن الأردن هي محرك للتنظيم الإرهابي وهناك تحركات معادية تنطلق منها على العراق . وأشارت إلى أن العراق يوزع خيراته دون التركيز على المصالح الوطنية ... مؤكدة أن توزيع الاستثمارات بالمجان  خطأ ستراتيجي يرتكبه مجلس الوزراء العراقي (18)

إن النائب عاليه نصيف لن تجد أبواب الأردن مفتوحة للترحيب بها بعد هذا التصريح، كما سيجد "الإنسانيون" العور، فلتجد منا على الأقل تعويضاً رمزياً بتحيتها، وأن نذكرها لها فيما نذكر من مواقف يوم الإنتخاب.

دحض حجة الوهابية

التفسير الشائع هو أن الحكومة العراقية تساعد حكومة الأردن على الصمود، لأنه إن سقطت هذه الحكومة فسيحكم الاردن وهابيي جوج وماجوج و "تكنوقراط الإنتحاريين"، مثل المعتوهين الذين يحكمون مصر وليبيا وتونس الآن، وترسلهم إسرائيل وأميركا إلى سوريا ومن سيليها في قائمة "الربيع العربي"، ليمنحوا تلك البلدان "الحرية" و "الديمقراطية"، وأن الأردن شديد القلق من ذلك وخاصة مما يحدث في سوريا. (19)

هناك أكثر من تفنيد لهذه النظرية: الأول أن عملية "المساعدة" كانت قد بدأت قبل الإضطرابات الأردنية الأخيرة، فهي قد فرضت على الحكومات العراقية بعد 2003 كما فرضت على الذي من قبلها، بعد هزيمته العسكرية. هذا وحده يكفي لدحض العلاقة بين الوهابية و"المساعدة" العراقية.

والتفنيد الثاني هو ان الحكومة الأردنية لا تتعامل كحكومة قلقة توشك على السقوط بسبب الوهابيين وأثر سوريا، وأن الاردن مهدد بمشروع الوطن البديل (20) فمثلاً هذا رئيس حكومتهم يصر على رفع الدعم عن المشتقات النفطية ، من اجل تقليل عجز الموازنة، وهو الدعم الذي يدعي ساسة العراق أن "المساعدة" موجهة لإبقائه! (21)

ولو كانت الأسعار توشك أن تسقط حكومته وتسلمها للإرهابيين، لما كان هناك مجال للحديث عن تقليل عجز الموازنة. لماذا نقبل في العراق بعجز في الموازنة لنعطي الهبات لمن يريد تقليل عجز الموازنة لديه؟ لماذا لا نتركه يفرض الضرائب على اثرياءه مثلا؟

دليل آخر على عدم الإهتمام والكذب رفض الأردن لعرض لا مثيل له من طهران التي تتعرض للحصار الإقتصادي، فلا تطالب مقابل نفط 30 عام سوى مقايضته بمنتجات محلية أردنية وتغطية تكاليف سياحة دينية للإيرانيين إلى الأردن،(22) فأفتى المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية بأن 'الشرط الذي تضعه إيران لدعم الأردن يخالف شرع الله'! إنه يتحدث عن 'السياحة الدينية' فهل أن زيارات الأضرحة ممنوعة في الأردن؟ (23)

وعلى أية حال كان بإمكان الحكومة، إن كانت هذه الحجة السخيفة هي السبب، أن تسأل إيران أن يكون التعويض بالمنتجات فقط، دون هذه السياحة "المحرمة"، فربما تقبل إيران بذلك. إن من يشعر بتهديد السقوط في أحضان حكومات متطرفة لا بد أن يحاول شيئاً، لا أن يتدلل برفض الحلول. أوعلى الأقل عليه أن لا يهين من يقدم له المساعدة للخروج من هذا المصير المخيف ويتفاخر عليه.

لكن أهم من كل هذه الأدلة، ان من يخشى سيطرة الإرهابيين على بلاده، لا يدعمهم ليسيطروا على بلد جاره، فلماذا يدعم الأردن هؤلاء الإرهابيين في سوريا كما أقرت حتى التقارير الغربية؟ ولماذا لا يخشى أن تدعم حكومة سورية المتطرفة إن وصلت الى الحكم، متطرفي الأردن؟(24)

واخيراً، إن كنا نحن في العراق نخشى من سقوط الأردن بيد الإسلاميين المتطرفين، وصول هؤلاء إلينا، إلى درجة تدفعنا لإلقاء ابنائنا في الشوارع من اجل منعه، فلماذا لا نقدم تلك المساعدة والدعم إلى سوريا التي تتعرض فعلاً إلى هجوم خطر من هذا النوع، بدل الموقف الحيادي الباهت أمام قضية مصيرية بالنسبة للعراق، في الوقت الذي لا يخجل فيه عملاء إسرائيل من القاء انفسهم بكل قوة في سبيل أهداف من يعملون من أجله؟

إذن من حقي ان لا اصدق هذه التفسيرات، وارى أن القصة كلها كاذبة وهدفها إيجاد مبرر لهذه العلاقة المشبوهة التي بدأت قبل حجتها بزمن طويل، وتدحض النقاط أعلاه تلك الحجج كلها. إن "المساعدات" الإنسانية معروفة كأحد أكبر مصادر الفساد في العالم. ولكن سواء كان الدافع لتلك الجزية فساداً أو إنبطاحاً لابتزاز، ومهما تكون التفاصيل، فالعملية كلها لاأنسانية ولاأخلاقية في كل الأحوال لأنها تجري على حساب الفقراء لصالح الأثرياء واللصوص، ولن يسجل التاريخ موقفاً مشرفاً لكل من اسهم فيها، ويجب وقفها فوراً ومطالبة من أسهم بها بتقديم تفسير مقنع لها. إن قصة دعم الأردن قصة فضيحة لا تختلف عن فضيحة أجهزة كشف المتفجرات الفارغة، مادامت لم تكشف كاملة فالبلد ليس بخير، وعلى الشعب أن يصر على أن يعرف أسرارها ، ليس من أجل المال المبدد فقط، وإنما لما قد تكشفه من أمور خطيرة تتحكم في قادة بلده من خلف الستائر وفي الغرف المظلمة، إن أراد هذا الشعب أن يعرف ما يجري حوله وإلى أين يقاد بلده.

 حكومتنا تجوع شعبها وتضاعف دعمها للأردن / صائب خليل
http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=69460

العراق ينقذ الحكومة الأردنية ويهديها مائة ألف برميل نفط خام

http://www.dananernews.com/News_Details.php?ID=2385

العراق يرفع امداداته النفطية للاردن الى 35 الف برميل بالاسعار التفضيلية

http://www.faceiraq.com/inews.php?id=1133037

 

(1) http://www.alalam.ir/news/1410094

(2) http://dananernews.com/News_Details.php?ID=2147

(3) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=69460

(4) http://www.almuraqib.com/index.php?option=com_content&view=article&id=537

(5) http://www.alestiqama.com/news.php?cat=siasy&id=5559

(6) http://www.alalam.ir/news/1393124

(7) http://arabic.arabianbusiness.com/business/energy/2012/nov/27/277816/#.ULU2w4dLOSB

(8) http://www.youtube.com/watch?v=xPNj5AIfC-k&;feature=player_embedded  

(9) http://www.iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/27023-600----.html

(10) http://arabic.cnn.com/2009/entertainment/3/8/unspeakable.crime/index.html

(11) http://www.alhalnews.com/index.php?page=article&id=1310326501

(12) http://ipairaq.com/?p=64486

(13) http://www.alestiqama.com/news.php?cat=siasy&id=5043

(14) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=120437

(15) http://www.dananernews.com/News_Details.php?ID=2370

(16) http://www.sabr.cc/inner.aspx?id=45240

(17) http://www.alalam.ir/news/1400864

(18) http://khabaar.net/index.php/permalink/9189.html

(19) http://www.iraaqi.com/news.php?id=892&news=1#.UI6U34ZyWk8

(20) http://www.sautalomal.org/index.php/2010-04-10-11-40-48/11237-2012-11-18-21-20-19.html

(21) http://www.alalam.ir/news/1393744

(22) http://www.al-akhbar.com/node/172291

(23) http://jordanzad.com/index.php?page=article&id=102821

(24) http://online.wsj.com/article_email/SB10001424127887323894704578104853961999838-lMyQjAxMTAyMDAwOTEwNDkyWj.html?mod=wsj_valetbottom_email

 

14 كانون الأول 2012
 

 

 

free web counter