| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                                                     الجمعة 17/8/ 2012


 

كشف كذبتين مدويتين للنواب والإعلام بقرار خصخصة الكهرباء

صائب خليل  

ما الذي صدر في رأيكم مؤخراً عن مجلس النواب بشأن الكهرباء؟ قرار بالزام الحكومة بخصخة الكهرباء وتسليمها إلى المحافظات...وبأية نسبة أصوات حصل "القرار" على الموافقة؟ 199 مقابل 101....

خطأ! أنتم مخدوعون من الرأس الى أصابع القدمين، ، فلا هو "قرار" ولا حصل على تلك النسبة ، ويبدو أننا كنا ضحية تآمر برلماني وأعلامي مخيف!

نبهني الناشط سعد السعيدي أن البرلمانيين كانوا يسمون ما صدر عن البرلمان، مرة بـ "القرار" ومرة بـ "القانون" وتحدثنا في الأمر مع أحد الأصدقاء في العراق، وكذلك عن الغرابة في أن يحضر البرلمان 300 عضو من أعضائه، وهم المعروفين بـ "النوام" لأنهم لا يحضرون بهذا العدد إلا لمكسب أو لصراع شخصي، أو للدفاع عن الفساد، وحينها يتذكر حتى اياد علاوي أنه عضو في البرلمان. وقد كان نتيجة جهود الأصدقاء واستمرار تحرينا عن الموضوع، كشف كذبتين كبيرتين.

كتبنا وبشكل قاس عن قلة الشفافية في مجلس النواب والتي تم تتويجها بصمت بأم الفضائح: إقرار التصويت السري! ذلك العار الذي لن ينساه الشعب والتاريخ لكل عضو في مجلس النواب، بل ولكل سياسي وصحفي عرف به وصمت. ومن المفهوم أن التصويت السري، لم يتم إقراره إلا من أجل تغطية فضائح مستقبلية مخطط لها. وقصة خصخة الكهرباء ليست سوى واحدة من تلك الفضائح المخططة، والمزيد في الطريق، مادام التصويت السري مقراً، ومادام ابطاله نواباً في البرلمان.

الحقيقة هي أن ما صدر، ليس "قراراً ملزماً" ولا "قانون" كما ذهب بعض المتحمسين، بل مجرد "توصية"، والتوصية غير ملزمة!

ففي مراجعتي امس لوثائق البرلمان المنشورة على صفحته، فوجئت بأن القرار قد تم نشره، إضافة إلى بعض المناقشات واعداد المصوتين، وهو ما افتقدته وكتبت عن تعتيمه في الفترة الماضية.

ففي وثيقة البرلمان (http://parliament.iq/dirrasd/j10_kahrbaa_3.pdf)

المرفقة في محضر الجلسة (10) نقرأ : "إن مجلس النواب وبصفته ممثلاً للشعب العراقي وراعي مصالحه وملاذه، وإدراكا من المجلس لمسؤوليته الوطنية" (كذا!) ...."وعلى اساس ما تقدم ((يوصي)) مجلس النواب الحكومة بشكل عام والوزارات والجهات ذات العلاقة بمعالجة ملف الكهرباء بشكل خاص بانتهاج أساليب استثنائية وغير تقليدية لمعالجة الوضع"!

ثم تمضي الوثيقة في التوصية بتأسيس  هيئة استثمار خاصة تعمل بالتنسيق مع وزارة الكهرباء، وإعطاء المحافظات الصلاحيات اللازمة لتسهيل إعطاء إجازات الإستثمار.. الخ

إذن فهو توصية عامة للحكومة وغيرها، وغير ملزمة بالتنفيذ، كما انها حتى في حالة تنفيذها، لا تلزم الحكومة بتسليم الكهرباء للشركات الخاصة كما فهمنا من "إعلامنا" الذي لا نعرف مموليه!

إذن لدينا كذبة كبيرة أولى نشرها النواب والإعلام المتعاون، وإعلامنا أمريكي بامتياز، بتسمية التوصية بـ "قرار" يلزم الحكومة بفتح الخصخصة وتسليمها للمحافظات، فما هي الكذبة الثانية؟

إن عرفنا من النائب شاكر الدراجي أن الإتلاف الوطني رفض التصويت على "القرار"، فمن أين أتت الأصوات الـ 199 التي أيدته؟ هذه هي الكذبة الثانية! وهاهو مجلس النواب ينشر بوضوح هذه المرة أن الـ 199 هو العدد الكي للأصوات، وأن الـ 101 نائب فقط قد صوت مع "القرار"، فورد في نص محضر جلسـة رقـم ( 10 ) (30/7/2012) م ما يلي:

"مجلس النواب يوافق على هذا القرار (101) من أصل (199)."

فيبقى إذن 98 صوتاً صوتت ضده كما نفهم من العبارة. إذن كان القرار "توصية"، وفاز بفارق ثلاثة اصوات فقط!

وفي الوقت الذي كان الإلتزام بالكذبة الأولى عن تحويل التوصية إلى "قرار" ملزم أو حتى "قانون"، التزاماً شاملاً في وسائل الإعلام، فأن عدد قليل جداً من تلك الوسائل ذكر الأرقام الصحيحة للتوصيت حسب بيان مجلس النواب. فأشارت جريدة المدى (ومن نقل الخبر عنها)، في نقلها لكلام عضو لجنة النفط والطاقة قاسم محمد، بأن "المجلس صوت .. بواقع 101 نائب من أصل 199 نائبا". لكنها نقلت كذبته أيضاً بأن التصويت كان "...على قرار يلزم الحكومة بفتح مجال الاستثمار في الطاقة الكهربائية". !

ولإعطاء فكرة عن ما نشر في الإعلام العراقي، نورد أدناه مسحاً لبعض وسائل الإعلام:

كتبت "العراقي نيوز" (اين): "وصوت المجلس بالموافقة على قرار استثمار الكهرباء بواقع [199] صوتاً مقابل [101] صوت اعترض على القرار.

وكررته في أخبارها الأخرى، وأسمته"قرار طرح الكهرباء عن طريق الاستثمار" في مكان آخر

ونقلت "عراق القانون" الخبر نفسه بالشكل التالي: "وصوت المجلس بالموافقة على قرار استثمار الكهرباء بواقع [199] صوتاً مقابل [101] صوت اعترض على القرار".

و"المستقبل": "البرلمان العراقي يصادق على قانون يلزم الحكومة بخصخصة قطاع الكهرباء

... باجمالي 199 صوتا مقابل معارضة 101 صوت

وكذلك أكد "الحوار المتمدن" بوضوح أنه "صوت لصالح القرار 199 نائبا، في حين رفضه 101 آخرون."

ونقلت "الرافدين" وصف قاسم محمد النائب عن التحالف الكردستاني لـ "قرار البرلمان بتشكيل هيئة للاستثمار في الكهرباء"، بأنه "قرار مهم يخدم الاقتصاد العراقي ويوفر الكهرباء".

و"الوكالة الإخبارية للأنباء": "إحالة قطاع الكهرباء للاستثمار"

وقالت "محيط" أن "العراق يخصص قطاع الكهرباء ويفتحه أمام الاستثمارات" و أضافت: "ويقضي القرار بفتح باب الاستثمار في قطاع الكهرباء والزام الحكومة بتشكيل هيئة استثمار وطنية في مجال الكهرباء"

"السومرية": "البرلمان يلزم الحكومة بفتح الاستثمار في الطاقة الكهربائية....بواقع 101 نائب من أصل 199 نائبا"

"الرافدين": "الطاقة النيابية تلزم الحكومة بفتح باب الاستثمار في قطاع الكهرباء"

وحتى "الجزيرة": قرار خصخصة الكهرباء أجيز بموافقة 199 نائبا مقابل رفض 101

... وقد صوت لصالح القرار 199 نائبا، في حين رفضه 101 آخرون.

وكذلك "شبكة الاسهم الاقتصادية" : "..وقد صوت للقرار 199 نائبا مقابل رفض 101 آخرين."

وأيضاً: " الاتحاد الديمقراطي العراقي" : "قرر العراق اليوم خصخصة قطاع الكهرباء المثير للجدل وفتحه أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية"

وموقع الحزب الشيوعي العراقي: "وصوت المجلس لصالح الموافقة على القرار بإجمالى 199 صوتا مقابل 101 صوت".

بينما ذهبت بعض المصادر أبعد من ذلك وأسمت التوصية "قانوناً"!

"المواطن نيوز": "قانون الاستثمار في قطاع الكهرباء"

"وكالة الكوفة للأنباء": مجلس النواب يصوت بالايجاب على قانون لخصخصة الكهرباء

"براثا": "مجلس النواب العراقي صوت .. على قانون استثمار المنظومة الكهربائية من خلال تحويلها الى مستثمرين".

شبكة الإعلام العراقي (إيمن): "صوت مجلس النواب امس على قانون بشأن الاستثمار في الكهرباء، رغم اعتراضات نيابية.وتضمن القانون الدعوة الى تأسيس هيئة استثمار خاصة ".

وفي مكان آخر لنفس الشبكة: "القانون تضمن 3 فقرات اساسية".

وهذا موقع حكومي كويتي: "البرلمان العراقي يصادق على قانون يلزم الحكومة بخصخصة قطاع الكهرباء...باجمالي 199 صوتا مقابل معارضة 101 صوت".

وحتى وزارة الكهرباء!! أكدت : "انها ستتعامل بمرونة مع اي شركة استثمارية يتم التعاقد معها بموجب قانون الاستثمار الجديد".

كيف ننظر إلى هذه الحقائق؟ سيكون من الظلم حقاً إن تصورنا أن جميع وسائل الإعلام هذه قد تعمدت الكذب بشأن نوع القرار وعدد المصوتين عليه. وحتى لو فرضنا أنها أخطاء بحسن نية، وانها حدثت بسبب تناقل غير مفحوص للأنباء، فالقضية تشير إلى حالة خطيرة، للإعلام العراقي ولنوابه بنقل معلومات خاطئة بشكل كبير عما يحدث في البرلمان إلى الشعب، ليوهمه أن "التوصية غير الملزمة" هي "قرار ملزم" أو حتى "قانون"، وأن الذين صوتوا لصالحها هم أغلبية ساحقة، حين يكون الفرق 3 أصوات من مجموع 200 مصوت!

هذا كله طبعاً بافتراض الإهمال وحسن النية لدى الجميع. لقد رفضنا توجيه تهمة التزوير المتعمد إلى الجميع، ولكن سيكون من السذاجة التصور بأن وسائل الإعلام جميعاً قد "أخطأت" عن حسن نية. تعالوا نفحص صيغة الخطأ لنرى إن كانت توحي بالغفلة أم التعمد، ولنسأل كيف تحولت العبارة الواضحة في محضر الجلسة (10) المذكورة: "مجلس النواب يوافق على هذا القرار (101) من أصل (199)."، إلى العبارات التي نشرت في الإعلام. كيف تتحول هذه العبارة مثلاً، إلى عبارة "العراقي نيوز" (اين): "...بواقع [199] صوتاً مقابل [101] صوت اعترض على القرار."

هل كان الإنتقال مثلاً من "السومرية" التي نقلت "الإلزام" خطأً، والعدد صحيحاً: "بواقع 101 نائب من أصل 199 نائبا"؟ وكيف يمكن استبدال تسلسل الأرقام دون الإنتباه إن كانت مازالت تعني شيئاً صحيحاً؟

ثم صار الخطأ واضحاً ومباشراً في "شبكة الاسهم الاقتصادية" : "..وقد صوت للقرار 199 نائبا مقابل رفض 101 آخرين." و"الجزيرة": "بموافقة 199 نائبا مقابل رفض 101". أما وسائل الإعلام التي استعملت عبارة  "الموافقة بإجمالى 199 صوتا مقابل 101 صوت"، فلا يمكن أن نعزو الخطأ بأن القصد من كلمة "إجمالي" هو مجموع الأصوات (كما هو صحيح) لأنه في هذه الحالة لن تكون هناك "موافقة" بل رفض حين يكون المقابل "101" صوت!

وإذا كان الخطأ في الأرقام، وهو ما قد يحدث أحياناً، غير قابل للتفسير المقنع هنا، فأن إتفاق الأغلبية الساحقة على تسمية "التوصية" بـ "قرار ملزم" أو حتى "قانون"، هي قضية كذب واضحة لا يمكن أن تفسر بالخطأ غير المقصود من قبل البرلمانيين الذين تحدثوا عن الموضوع وهم يعلمون بالأمر جيداً، وكذلك وسائل الإعلام التي نقلت الخبر من أصله، فغيرته عن قصد واضح، ثم نقلته غيرها عنها كما هو، وهكذا تم تزييف الخبر ونشره!

ولو فرضنا أن الخطا حدث وانتشر، هل يعقل أن لا نجد نائباً شريفاً واحداً من الذين كانوا حاضرين، ينتبه ويقول لنا: "قفوا...إنها توصية وليست قراراً ولا قانوناً، ولم يصوت عليها بأغلبية 199 صوت!!"؟

لكن من الذي بدأ الخطأ أو التزييف؟ وهل انطلقت الأخبار من مصدر واحد؟ هل يعتمد الشعب العراقي والدولة ومؤسساتها، بما فيها وزارة الكهرباء، على مصدر إعلامي واحد، إن أخطأ فستقفز جميع خراف قطيع الإعلام وراءها في الهاوية؟ ألا يفترض وجود مرجع رسمي يستطيع أي شخص أو جهة إعلامية أو غيرها، نقل الأنباء منه بشكل موثوق، أو فحص ما يرد من أنباه إستناداً إليه؟ إننا في مشكلة كبيرة إذن!

لا بد أن نشير هنا إلى أن البرلمان قد حاول الضغط ومضايقة الإعلاميين منذ زمن المشهداني عام 2006،

بحجة أن الإعلام يعمل على "إثارة الإحتقان"، وأنه تم إلغاء الإجراءات القانونية بعد إحتجاجات من الصحفيين وحتى البرلمانيين، وحينها قال المشهداني:"من الآن فصاعدا فان وسائل الإعلام ستكون خارج البرلمان.". وكذلك اعترضت ومن مؤسسات مراقبة الحرية الصحفية فدعا "مرصد" للحريات برلمان العراق إلى التراجع عن قرار منع الصحفيين من تغطية جلساته. وأخيراً تم اختيار "رابطة تنسيقية" لوسائل الإعلام في مجلس النواب، لكن حضور الإعلاميين لجلسات اللجان منع بشكل واضح ومازال ممنوعاً حسب علمنا، ربما لاسباب عملية معقولة. فهل إمكانية تمرير مثل هذا التآمر، نتيجة هذه الإجراءات؟

مَن يقف وراء ذلك؟ يقال دائماً، للبحث عن المجرم، ابحث عن المستفيد، فمن الذي يمكن ان يستفيد من تزوير إعلامي حول طبيعة قرار البرلماني فيسمي "التوصية" "قراراً ملزما" او "قانون" ويضاعف نسبة المؤيدين لـ "القرار"؟ إنهم بلا شك المستفيدين والمتحمسين للخصخصة، من تجار ونواب ملأوا الإعلام تهريجاً بأن لا حل للكهرباء سوى الإستثمار. إنهم يحاولون فرض الخصخصة ولو بالكذب وتغيير الأرقام والقرارات البرلمانية، وهم الذين طمسوا كلمة "التوصية" ليضعوا مكانها "قرار ملزم" أو "قانون".

في كل ما راجعت مما كتب عن الموضوع، وجدت بين عشرات الإشارات المضلله التسمية، إشارة واحدة أعطت القرار إسمه الصحيح. فقد أشار النائب عن التحالف الوطني (شاكر الدراجي) في تصريح إلى أنه لم يتم التصويت على "قرار تحويل الكهرباء للاستثمار" وإنما تم الإكتفاء بالتوصية! لكن للأسف فان شاكر الدراجي لم يفعل ذلك لرفضه الخصخصة، بل العكس، فرفض هو والتحالف الوطني التصويت (حسب الدراجي) لأن القرار تحول إلى "توصية" وليس قانون. "لان الشعب لايحتاج الى توصيات بل يحتاج الى قوانين تشرع متكاملة"، كما يقول. وكشف أن "التحالف الوطني كانت لديه الرغبه بان ينهي عمل وزارة الكهرباء ويحول الكهرباء للاستثمار ولكن بعد ان يقر له قانون وتوضع له الاليات للعمل به"! إذن المؤامرة تطال وزارة الكهرباء كلها، والعمل على إلغاء القطاع وتسليمه للشركات!

ولكن إذا كان البعض متحمس للتصويت على الموضوع كقانون، فلماذا رضي المتحمسون للخصخصة مثل عدي عواد بـ "توصية" فقط؟ لايمكننا أن نعلم ما في القلوب، لكن يمكننا أن نعطي تفسيراً محتملاً فقط. فالطريقة التي جرت بها عملية إقتراح القرار، من سرعة وتعتيم على النصوص والمناقشات وسرعة تصويت غير معتادة، وبدون اجتماع اللجنة القانونية من أجل صياغته، وكذلك الإعلام الشديد المسبق ضد وزارة الكهرباء والتهويل لحجم الفساد فيها وقوته المستحيلة الإصلاح، وتوقيت كل هذا في قمة موجة الحر، يوحي بأن من يقف وراء المشروع لم يكن مطمئناً إلى ردود الأفعال، وكان يريد أن يحصل على أي شكل قرار وبسرعة، بأمل أن يحوله من "توصية" إلى قرار ملزم وقانون، وأنه بدأ ذلك بالفعل بالحملة الإعلامية التي أوحت للناس بأن قانوناً قد صدر وانتهى!

لقد تم في هذه المعمعة طمس الكثير من الحقائق "غير المناسبة" والتي تخرج بين الحين والآخر من بين السطور. فهذه النائب سوزان السعد تؤكد أن فقرة الإستثمار في الكهرباء قد تم تمريرها بعجل وأن أكثر النواب لم يكن يعمل بإدراجها على جدول الأعمال وأنها "صفقة سياسية". وهذا مفتش عام وزارة الكهرباء يؤكد عدم واقعية المشروع، وأن المشاكل التي ستواجهه ستكون نفس ما واجه الوزارة، وهي مشاكل الوقود والجباية، الخارجة عن إرادتها. وهاهي الكهرباء تجدد التأكيد على حل أزمة الكهرباء نهاية 2013 من دون الاستثمار الخاص، داحضة الحملة الصليبية التي قادها عدي عواد بأنها وزارة محطمة لا يرجى أي حل لها. وذهب إلى كل محافظة ليؤكد لها أنها "مظلومة، ويحرضها على الوزارة ويحثها على المطالبة بأن تستلم الأمر بنفسها لتعطيه للإستثمار، كما سعى لتشويه سمعة كل من يقف ضد الخصخصة باعتباره "مستفيداً من الوضع". لكن الهجمة لم تحقق ما ترجوه على ما يبدو، وهاهو يتحدث عن تأجيل استجواب الوزير حتى الشتاء المقبل، وهو ما لا نرجوه، فالإستجواب يكشف الحقائق، وكلما كان ذلك اسرع كان افضل.

إذن هناك الكثير مما يثير الشبهات ولكن ما الفائدة من تزوير نسبة التصويت؟ نلاحظ أن "الخطأ" في تلك النسبة، كان بنفس اتجاه الخطأ في التسمية: كلاهما كان يحاول على ما يبدو إعطاء الإحساس بقوة القرار وقوة من يقف وراءه، فيوحي لمن يقف معه بالقوة فينشط، ومن يقف ضده بالضعف فينكمش على نفسه، وفي ذلك خدمة كبيرة للمشروع. وهو يعتمد على حالة نفسية كتبت عنها قبل سنوات مقالة بعنوان "حلزون الصمت" حيث تكبر دائرة الصامتين تدريجياً عن رأيهم كلما أوحي لهم بأنهم أقلية صغيرة، وهذا ما يوحي به لهم تزوير النتائج.

ومن ناحية أخرى، فعندما يكون الفارق صغيراً جداً، فأنه يثير الشكوك في سلامة التصويت. فتزوير بضعة اصوات أمر سهل في العادة، خاصة في برلمان يقوده شخص مشبوه في علاقته بالأمريكان، ويعتمد التصويت السري الإلكتروني. وكنت قد كتبت مقالة قبل بضعة أيام عن مثل هذه الإحتمالات تحت عنوان "كيف تزور نتائج التصويت الإلكتروني السري؟" أشرت فيها إلى مثل تلك السيناريوهات المحتملة. لكني لم أشر بشكل مباشر إلى تزوير قرار الكهرباء بسبب الفارق الكبير في الأصوات، حسبما تم إفهامنا خطأً. والآن وقد كشفت الحقيقة، فأن تلك المقالة تكسب أهمية إضافية.

يجب أن أقول اخيراً، أن الخصخصة يجب أن تفهم كخطر كبير على البلاد. وحين ندرس مثلاً ما حدث في مصر، أو الأردن، لوجدنا أن غضب الشعب أكثره كان بسبب سياسة الخصخصة التي سرقت أمواله، وكذلك في أميركا الجنوبية وغيرها. ولو أعطى اي نائب بعض وقته لدراسة نتائج الخصخصة على إقتصاديات تلك الدول الصغيرة خاصة، لأرتجف قلبه لما ينتظر بلده من تلك النتائج، ولرفض الموضوع جملة وتفصيلاً، خاصة مع انتشار الفساد.

فإذا كان المطلوب رأس وزارة الكهرباء الآن، فمن يعلم على أية وزارة أخرى يتآمرون؟ وأي شيء سيبقى للشعب وحكومته المنتخبة، من قرارات بشأن البلد، إن تم الغاء الوزارات الواحدة تلو الأخرى؟ الخصخصة مؤامرة على ثروة الشعب وعلى سيادته على قراراته، ومصدر أساسي للفساد الأكبر!

لكن على الشعب أولاً إجبار البرلمان على إلغاء التصويت السري، والعمل تحت ضوء النهار، لكي يعرف الشعب من الذي صوت على ماذا وكيف، وأن يعلم النائب أنه تحت رقابة ناخبيه، وإلا فأن البيئة مهيئة للفساد الأكبر، والمؤامرات والكوارث قادمة. لقد قرأت قبل يومين خبراً ، عن "مصدر" يصرح بأن "التصويت الالكتروني في البرلمان لا يحفظ السر!"، و أن نظام التصويت السري يستطيع أن يتتبع عملية التصويت ويعرف المصوتين! وكل مهندس يعلم أن هذا صحيح ولا يحتاج إلى "مصدر" ليخبره.

فإن كنتم أيها النواب تصوتون بشكل تخشون معرفة الآخرين به، فاعلموا أن النظام يسجل كل صوت، وان هذه كلها تقدم للشركة التي صنعت النظام، ومن وراءها من أنظمة أمن واستخبارات أجنبية، وأن هذه المؤسسات لن تتردد في ابتزاز أي منكم في اللحظة المناسبة بتهديده بكشف ما صوت به في كل قرار من حياته البرلمانية. إن "التصويت الإلكتروني السري" الذي دفعتم من أجله مليون دولار، لا يخفي الحقائق إلا عن شعبكم، وقد يكون وسيلة لجمع الحقائق لإبتزاز النائب في اللحظة المناسبة، وإجباره على الهبوط اكثر وأكثر، وفي كل خطوة يصير التوقف اكثر صعوبة وكلفة!

ملاحظة: المقالة تحتوي عشرات الروابط المدمجة إلى ما جاء فيها من حقائق، وقد ارتأيت عدم إدراجها بشكل مفتوح لما يتسبب ذلك في إضرار بشكل المقالة أثناء نشرها في بعض المواقع. فإن لم تظهر لديكم تلك الروابط المدمجة وأحببتم الحصول عليها، يمكنكم طلب الوثيقة الأصلية مني على العنوان التالي:

Saieb.khalil*- att-*gamil.com

وقد ذكرت أسماء بعض المقالات الهامة ليمكن البحث عنها في كوكل.

 

16 آب 2012

 

free web counter