| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الأثنين 19/5/ 2008

 

إستخدام الإلكترونيات في الإنتخابات ليست حضارة وإنما محاولات تزوير

 صائب خليل

قرأت بقلق قبل فترة نبأً عن استخدام المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات، نظام "ألقرعة الإلكترونية" لإختيار موظفي مراكز تسجيل الناخبين، إستعداداً لإنتخابات مجالس المحافظات القادمة. ومثلما يعلم أي مهندس الكترونيك أو حتى هاوي، فأن النتائج الخارجة من أي جهاز إلكتروني هي مسألة يتحكم بها مصمم الجهاز تماماً، سواء من خلال التصميم الثابت في مكونات الجهاز، أو حتى بواسطة الإشارات اللاسلكية.

قبل فترة أثارتني قضية مشابهة بدأت بخبر مفاده أن أكثر من 100 عضو برلماني قدموا طلباً لإعتماد التصويت السري الإلكتروني في البرلمان، بحيث لا يرى النتائج سوى لجنة رئاسة البرلمان!! وحينها تبارى السياسيون في إمتداح التصويت السري الإلكتروني باعتباره "خطوة حضارية" لأنه إلكتروني وبأنه "يحمي عضو البرلمان" من كتلته لأنه سري فيمكنه من التصويت بشكل وطني!

وقتها إعتبرت مجرد طرح الموضوع للنقاش كان كارثة! كارثة خطيرة من نقص الوعي حيث لايدرك أحد على ما يبدو أن إقرار مثل هذا الأمر مواز لإلغاء البرلمان، وقلت: أعطوني ساعة لوحدي مع أجهزة التصويت الإلكترونية هذه في البرلمان وسأعطيكم نظاماً يصوت كما تشاؤون مهما كانت الأصوات الحقيقية للبرلمانيين. وقتها إتصلت بعدد ليس قليل من الكتاب أدعوهم لكسر الصمت حول هذا الموضوع الخطير، لكني أقر أنني لم أتمكن من إثارة اهتمامٍ كافٍ بالموضوع رغم كتابتي العديد من المقالات عنه، فلم أجد تفاعلاً بين الموضوع و الكتاب والقراء على السواء. لحسن الحظ يبدو أن الخدعة لم تجد إستجابة وطوى النسيان المشروع ولم نعرف الداعين له.

لكن الظاهر أن مهندسي المشروع لم يفتهم ملاحظة نتائج "بالون الإختبار" الذي أطلقوه. صحيح أن المشروع السابق قد رفض، لكنه لم يثر امتعاض الناس والصحافة ولم يواجه بالرفض الشديد الذي يستحقه. أي أن التصويت الإلكتروني يمكن أن ينجح في محاولة مستقبلية ثانية، أو على الأقل، إن استعمال الأجهزة الإلكترونية لمثل هذه الأمور لايواجه بالمقاومة والريبة التي يواجه بها في الغرب. ولعل استخدامه كـ "قرعة إلكترونية" هو الإستخدام المناسب الذي لايثير الكثير من الضجيج، ويتيح لمن يتحكم في صناعة أو شراء جهاز القرعة هذا، أن يقرر الفائزين والخاسرين بكل راحة، ولن يثير أية ريبة، خاصة إن لم يبالغ في تزويره للنتائج حتى تفتضح.

في موضوع التصويت السري الإلكتروني إدّعى بعض السياسيين، كما يمكن ملاحظته من مقالاتي، بأن العديد من الدول المتقدمة تستخدم ذلك النظام. ولما لم أكن قد سمعت بأي من هذه الدول العديدة، فقد أجريت جرداً في وقتها كما استشرت بضعة خبراء في الموضوع، فوجدت أن النظام إستخدم في حالات خاصة جداً وقليلة الأهمية حيث لايتوقع أن يكون هناك حافز كبير للتزوير وفي برلمانات قليلة ، بل إن دستور إحدى الدول منع استخدامه للتصويت على أي قرار يتعلق بالإقتصاد، بينما كان قصد المئة برلماني الخجولين من كتلهم أو المرعوبين منها، أن يستخدم هذا التصويت للقضايا الحساسة والهامة، وكان قانون النفط أهم ما يشغل العراق وقتها!!

قرأت أيضاً أن رئيس الادارة الانتخابية في المفوضية أعلن أن عملية القرعة الالكترونية ستتم وفق آلية خاصة وبشفافية وبحضور جميع وسائل الاعلام. ولم أفهم كيف يتم شيء إلكتروني بشفافية؟ وما معنى حضور وسائل الإعلام؟ كيف ستنظر وسائل الإعلام هذه إلى داخل الجهاز وكيف ستشاهد الإلكترونات وتتأكد من أنها تسير في الإتجاه الصحيح؟ والحقيقة أنهم حتى لو استطاعوا رؤية الإلكترونات وهي تركض، لما أمكنهم أن يحزروا أن حركتها تلك تختار طريقها بـ "عشوائية" كما يفترض. كيف يمكن التأكد من "عشوائية" عملية الكترونية؟ الحقيقة إن الحاسبات لا تعرف العشوائية في حقيقتها، ويعرف ذلك من درسها. فكل ما يمكن أن تقوم الحاسبة به يعتمد على معادلات محددة مسبقاً في البرنامج. وحتى البرنامج المعروف الذي ينتج رقماً عشوائياً في الحاسبة، فإنه ينتج "رقماً عشوائياً ظاهرياً" أو "كاذبا" (Pseudo random) يعتمد على أن المعادلة المستخدمة لإنتاجه معقدة إلى درجة أن ناتجها يبدو عشوائياً، ويمكن استخدامه على أنه كذلك لمعظم الأغراض العلمية. ما أردت قوله هو أن أي ناتج تخرجه الحاسبة يخضع لمعادلات بالضرورة، وليس هناك من ضامن بأن هذه المعادلات قد كتبت فعلاً لتقدم نتائج عشوائية أو حتى عشوائية ظاهرية، ولا أدري كيف سيمكن لأية "شفافية" في العالم أن "ترى" ما يحدث، ولا إلى أي شيء سوف تنظر وسائل الإعلام أو منظمات المجتمع المدني وماالذي يتوقعه فريق الأمم المتحدة. أغلب الظن أنها ستهز رؤوسها موافقة وهي ترى الأرقام أو الأسماء تظهر أمامهم على الشاشة قادمة من المجهول. وربما وضع المبرمجون عروضاً للتسلية كأن تنزل قائمة الأسماء بسرعة لتتوقف عند إسم ما في كل مرة، تشبها بالروليت.

للتأكد ذهبت إلى موقع المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات على الإنترنيت أبحث عن ما يدلني عن الكيفية التي ستستخدم بها القرعة الإلكترونية وما قد يساعدني على تقييم هواجسي ، فلم أجد ذكراً لتلك القرعة رغم وجود صفحة خصصت لشرح الأمور المستعصية للمواطنين. بحثت أيضاً في كوكل عن أي استخدام محتمل لمثل هذه القرعة في مواضيع انتخابات أو ما شابه فلم أجد شيئاً على الإطلاق، إنما استخدمهاالبعض في قرع الرياضة والشطرنج وأمور صغيرة مختلفة أخرى حيث لايعني التزوير كسباً كبيراً.

لم أكتف بذلك بل كتبت رسالة إلكترونية إلى المفوضية (في الثالث من نيسان الماضي)، هذا نصها:

السادة المحترمون في المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات

قرأت مؤخراً أنكم ستستعملون القرعة الإلكترونية لإختيار موظفي مراكز تسجيل الناخبين في المحافظات وان ذلك سيتم بحضور ممثلين عن الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وباشراف الفريق الدولي للمساعدة الانتخابية التابع للامم المتحدة

هل لكم أن تعطوني فكرة عن آلية "القرعة الإلكترونية" وكيف تعمل وكيف يمكن لممثلي الكيانات السياسية التأكد من سلامتها وحياديتها؟ لقد بحثت في صفحتكم على الإنترنيت وخاصة تحت عنوان "تثقيف الناخب عن بعد" فلم أجد شيئاً، لذا أرجو مساعدتي في استفساري هذا ولكم مني جزيل الشكر مقدماً. "

وقعت باسمي مشيراً إلى أنني صحافي لضمان اهتمامهم، لكن الرد لم يأت حتى اليوم، كما هو متوقع، لذا هاأنذا أكتب لكم.

ما أود التنبيه إليه هنا هو الضرورة القصوى للإنتباه إلى الوسائل التكتيكية لتزوير الإنتخابات، لأن ضعف الرقابة الشعبية على هذا الأمر وقلة الإهتمام به تمثل ثغرة، بل هوة هائلة يمكن لأي شيء أن يمر منها، وليس قانون النفط ونصوص المعاهدة فقط. إن وجود مثل هذه الثغرة يكاد يلغي الديمقراطية نفسها، فلا يعود هناك أي معنى لأية مناقشات ولا يعود هناك مبرر لمحاولة إقناع أي إنسان بأي شيء مادمت تسيطر على نتائج التصويت أو الإقتراع الكترونياً. لذلك أستغرب أن تحظى هذه المسألة بهذه الشحة من الإهتمام بين المواطنين والسياسيين.

قبل أسبوعين، ربما قرأتم، أن المعارضة في الزيمبابوي احتجت على أن إعلان نتائج الإنتخابات قد تأخر "عدة ساعات" عن الوقت الذي يفترض فيه إعلانها، وأنها تعتقد أن هذا التأخير يمكن أن يستعمل في تزويرها. هل تذكرون عندما تأخر إعلان نتائج انتخاباتنا الأخيرة "بضعة أسابيع" كانت صناديق الإقتراع حينها في حوزة الأمريكان؟ وقتها أيضاً لم يكد أحد يحتج على ذلك، وتحجج المسؤولون بـ "صعوبة الفرز" لأنهم لا يمتلكون أجهزة حديثة كالدول المتقدمة! ويبدو أن أجهزة زيمبابوي المتقدمة تستطيع في بضعة ساعات ما لاتستطيعه أجهزتنا في بضعة أسابيع!

إن هذا الإهمال الشديد لحماية الإنتخابات من التزوير، سوف يلتقط بلا شك من قِبل المتربصين بأية ثغرة، (أؤكد لكم أن ليس في الأمر أية نظريات مؤامرة) وقد يتمكنون من أن يمرروا من خلال هذا الإهمال الكثير مما عجزوا عن تمريره بالإقناع والتهديد والرشاوى. ما زلت أتمنى أن أثير اهتمامكم بهذه النقطة الخطيرة، وأدعوكم ويدي على قلبي، إلى النظر بريبة إلى أية دعوة لإستخدام الأجهزة الإلكترونية في التصويت أو القرعة وما يتعلق بها في البرلمان، أو أي ما يثير القلق مثل تأخير النتائج .

إسمحوا لي أن اختتم مقالتي بحزورة، أو اختبار لذاكرتكم: هل تذكرون من أعلن نتائج التصويت على الدستور العراقي؟ إن لم تذكروا أنظروا هنا (*)
 

(*) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=58452

19 مايس 2008



 



 


 

Counters