| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                                                     الثلاثاء 21/8/ 2012


 

كيف نستعيد شرف البرلمان ؟

صائب خليل  

الفضائح المتتالية التي تداعت بعد كشف التزوير الإعلامي الوقح لتوصية البرلمان بفتح الخصخصة في الكهرباء وتحويلها إلى "قرار ملزم" ، والكذب بشأن نسبة التصويت ومضاعفتها من 101 المعلنة لاحقاً في صفحة المجلس، إلى 199 كما أعلنتها الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام العراقية، وسكوت النواب عن هذه الكذبتين رغم اطلاعهم على تلك الحقائق بشكل يومي، ولمدة أسبوعين متواصلين كان موضوع الكهرباء وخصخصتها الشغل الشاغل للإعلام، أشارت كل هذه الفضائح إلى واقع مخيف ينذر بانهيارات سياسية وتمرير أجندات أجنبية كبيرة على حساب الشعب، ويكشف أن الشعب العراقي وحكومته ومؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني التي يفترض أن تستشعر الخطر وتوقفه عند حده، تقع إلى حد بعيد تحت سلطة غير معلومة، تسيطر على مجلس النواب العراقي بشكل كبير، وتجعل النواب بين مزيف وبين "ساكت عن الحق" فساداً أو خوفاًُ أو يأساً أو جهلاً أو بلاهة أو إهمالاً.

وبتشجيع من سلسلة المقالات التي كتبناها عن الموضوع، تكلمت النائب حنان الفتلاوي، رئيسة " لجنة شؤون الاعضاء والتطوير البرلماني" في مجلس النواب وكشفت عن الكثير من الحقائق الخطيرة التي سبق أن طرحتها وجابهتها الصعوبات والمحبطات في هذا الموضوع حتى أصابها اليأس. وقد أكدت السيدة الفتلاوي أن رئاسة مجلس النواب تختار عن عمد كما يبدو، طريقة التصويت التي تسهل عليها الغش في عدد الأصوات، وأن هذا العد يتم بشكل غير شفاف ولا يستطيع حتى أعضاء البرلمان الإطلاع عليه، عدا رئيس المجلس، والذي يمنع الآخرين من رؤيته، مثلما منع الشعب العراقي من رؤية اللقطة التي اتهمت فيها النائب حنان الفتلاوي الهيئة العليا للإنتخابات بتسليم صناديق الإقتراع إلى الجيش الأمريكي، ومثلما حاول منع وزير الكهرباء السابق من الحديث عن الإبتزاز الأمريكي للإقتصاد العراقي وحرمانه من التعامل مع إيران بواسطة ضغوط بنك جي بي موركان، ذو التاريخ الأسود الطويل. كل هذا يشير إلينا لصالح من يعمل السيد أسامةالنجيفي ، رئيس مجلس النواب، وحاشيته، ولماذا يجب إخفاء نتائج عد الأصوات حتى عن النواب، حتى يقوم بنفسه بإعلانها، وبدون وجود أية طريقة لفحص صحتها.

الكذبتين كشفتا أيضاً تواطؤاً إعلاميا رهيباً، مع نفس الجهة المزورة، وتمرير مثل هذه الأكاذيب يجعلنا نشكك بجميع وسائل الإعلام العراقية الرسمية والكبرى الممولة من جهات غير معلومة، والتي أنشأها الأمريكان بعد احتلال العراق. وليس من الغريب أن يشعر العراقي بالإحباط والحصار واليأس حين تتكاتف عليه حتى الجهات التي كان يعتمد عليها. ولقد تعرض أعضاء مجلس النواب إلى الضغط الشديد بكل أنواعه لتليينهم ودفعهم "لتمشية" الأمور، بالقتل والترهيب والإغراء والتهميش، بل وأيضاً بالمعاملة المهينة التي انتهجها منذ البدء رئيس البرلمان الأول المشهداني الذي عرف بخشونة ووساخة تعبيره وطول لسانه على البرلمانيين نساءاً ورجالاً، حتى لقبته في إحدى المقالات بـ "حصان البرلمان"، وانتهج من تلاه أسلوباً ربما أقل صلافة في عباراته، لكنه لا يقل إهانة في محتواه حين يتمكن الرئيس من منع النائب من أداء عمله من خلال عدم منحه الفرصة للكلام أو منعه عن الوصول إلى معلومات عن عدد الأصوات والغيابات وسحب صلاحيات اللجان والتعامل فقط مع رؤساء الكتل وبشكل تآمري يسحب البساط من نوابهم ويجعلهم تحت رحمة هؤلاء. ولكي ندرك حجم ما يحدث، ومدى شلل النواب عن تأدية عملهم كما يفترض بهم، يكفي أن نشير إلى أن الدكتورة حنان قامت بإحصائية عن عدد النواب الذين يفضلون التصويت الإلكتروني العلني، فوجدت أنهم 87% من النواب، ورغم ذلك فقد ألغته الرئاسة! إن علمنا أن 67% من النواب تعتبر سلطة جبارة، تستطيع أن تغير كل شيء في أي بلد ديمقراطي، حتى الدستور، لكننا نجد أن هؤلاء، ومعهم 20% إضافيين، لا يسمح لهم حتى باختيار طريقة تصويتهم في برلمانهم في العراق!

لا عجب بعد ذلك أن يتم التصويت على أمر، فتسمى التوصية، "قانوناً" ويهمل عدد الأصوات ويعطي الإعلام أرقاماً مختلفة تماماً، تبلغ ضعف الأصوات الحقيقية للجانب الذي يريده أسيادهم المتحمسين للخصخصة لأسباب مختلفة، ثم لا يرفع برلماني واحد اصبعه احتجاجاً على تزوير صوته، مثلما لا تستفز أي برلماني حقيقة أنه ممنوع من النظر إلى عدد الأصوات والتأكد من صحتها، إلا القليل الذي يدفع به إلى اليأس وقبول الأمر الواقع!

هذه الحال المخجلة أيها السادة، توحي للمرء بالأقليات المضطهدة التي يعتمد مضطهدها على خلق وتثبيت إحساسها بالدونية واليأس، ليجلعوها تتخلى لهم عن حقوقها المشروعة، مثل السود والنساء وغيرهم على مدى التاريخ. لكننا لم نسمع بهذه الحالة الفريدة في التاريخ، هي "إضطهاد النواب"! ألنواب مطالبون بالدفاع عن حقوق الشعب، فكيف يقوم بذلك من لا يجرؤ على الدفاع عن حقوقه هو كإنسان؟ فمثلما كانت النساء والسود يستخدمون كأدوات لا رأي لها، لإنجاز أعمال من يضطهدها، فأعضاء مجلس النواب العراقي يستخدمون كأدوات للتصويت بما لا يمثل رأيهم، ثم ليتنازلوا بكل بساطة عما صوتوا عليه، وكأنه لا يمثل شيئاً بالنسبة لهم!

هذه الأصوات وعددها أيها السادة، هي كل ما يدفع لكم الشعب مقابله دم قلبه، ويغرقكم بالمال وهو في فقر مدقع! ما الذي تقدمونه للناس مقابل رواتبكم الباهظة غير هذه الأصوات التي تهملون حتى عدها، والتي دفع الكثيرون على مدى عقود وقرون من الزمن، حياتهم، وربما تعذبوا في السجون حتى الموت من أجل تمكينكم من إطلاقها تعبيراً حراً عن مصالح الشعب. الأصوات هي "رأيكم" الذي قبل الشعب به، وأقسمتم على الدفاع عنه ، والآن أنتم تتركونها للنجيفي ليتلاعب بها ويمنعكم من رؤيتها ويتفق مع رؤساء كتلكم على مساومتها وكأنها بقر وغنم! أليست شرفكم الحقيقي؟ فهل يسمح أحد لغيره أن يتلاعب بشرفه؟

فكيف تتحول 101 صوت إلى 199 أمام أعينكم ولا تحرك فيكم شيئاً؟ لم الجلسات إذن ولم المناقشات إذن وعلام التصويت إذن؟ بل لم مجلس النواب بكليته وعلام الديمقراطية وكل هذه الضجة والمصاريف؟ كلما يطرح أمر للمناقشة، أعطوا ورقة بيضاء "للسيد الرئيس" أسامة النجيفي وقولوا له: "سيدي..أنت أكتب بكيفك... إحنا موافجين!".

أفيقوا يا سيدات وسادة مجلس النواب، فما تفعلون مخزي خزياً لن يمحوه التاريخ إن لم تتداركوا! لعلكم لا تحسون بالمهانة التي تمارسونها لكثرة تكرارها وغيرها، مثلما لم يحس الذين صافحوا هتلر يوماً بشيء، وكانوا يتصورونه أمراً عادياً، لكن حين استقرت الأمور، إنكشفت لهم مفاجأة مرعبة! فقد ارتكبوا تواً دون أن يدروا، العار الذي سيلاحقهم طوال حياتهم، ويلاحق أولادهم وأحفادهم من بعدهم.

هذا ما سيحدث لكم إن صوت المجلس تزويراً على قرارات مخزية مثل الخصخصات اللصوصية لثروات الشعب الذي يموت جوعاً، أو الإتفاقيات السالبة لسيادة بلادكم مع العصابات الدولية بأسمائها المختلفة، ولم تعترضوا. إنهم يعدون العدة لمثل هذا وسوف تسجل الموافقات باسمائكم، حتى إن صوتم بالضد، ولن تنفع الأعذار غداً عندما تستقر الأمور، إلا إذا كنتم تراهنون على أن الأمور لن تستقر في هذا البلد؟ وعندها سيكون من مصلحتكم أن لا تستقر!

كل إنسان يخطئ، وليس النائب بمعصوم عن الخطأ، لكنه مطالب أكثر من غيره بأن يسارع بوقف الخطأ فور أكتشافه وإحساسه بالمصيدة التي هو فيها. لذلك فإني أدعو كل نائب شريف أو يائس أو خائف أو من اخطأ  وتورط، إلى العمل على أعادة الشفافية والمصداقية إلى هذا البرلمان، وأن يعمل على الإتصال والتكاتف مع من هو مثله لسحق الفاسدين المفسدين في المجلس قبل أن يسحقوكم، والوقوف بعزم ضد مشاريعهم المشينة التي تستهدف شرفكم فيما تستهدف.

إنني أدعو وعلى وجه التحديد إلى العمل الفوري، وقبل كل شيء، على استعادة الشفافية فيما يتعلق بالتصويت وعد الأصوات، وتصحيح المسار الغريب الذي لم تكن رئاسة المجلس غير الموقرة ولا المحترمة، ستجرؤ على المسير فيه والوصول به إلى هذه المرحلة الدنيئة التي لم يصلها أي برلمان في العالم مهما كان فاسداً. أي إنسان له كرامة يعترض أن يزور شخص آخر رأيه، فكيف بنائب في البرلمان محمي بمئات الإجراءات والقوانين والأمور العملية؟ إنني أعلم أنه لن يكون بمأمن تام، لكن من لا يستطيع، فليخرج وينقذ بقية شرفه وليتمتع بتقاعده المجزي، الذي اقتطعه من أموال الفقراء، فذلك أهون من الإستمرار بهذه الجريمة، فالصمت عنها لن يستمر إلى الأبد.

ومن أجل ذلك نساهم معكم في تكوين نواة لصيغة عمل، بالشكل التالي، لكني أتمنى قبل الدخول في النقاط المقترحة، أن يسأل نائب أو إعلامي رئيس البرلمان عن سبب رفض الموظف الذي كان يختاره للقيام بالعد، إعطاء عدد المصوتين لمن يسأل عن ذلك العدد، إن لم يكن هناك نية تزوير، وما الذي يمكن أن يضير إن اعلن الموظف الرقم بشفافية أمام الجميع وليس أمام رئيس المجلس سراً، والتحجج بأنه "أمانة"؟ نريد أن نعرف الحجة التي لدى هذا الرئيس، إن كان لديه أية حجة!

1- إحتراماً للشفافية وصوت المواطن، يعتبر العلن في كل شيء هو القاعدة السائدة، وما يراد جعله سرياً، فيجب تقديم المبررات الكافية لتلك السرية، وأن تقتصر السرية على أضيق جزء ممكن من القضية المطروحة، فلا يصبح مثلاً تقرير كامل سرياً عندما يحتوي على بعض المعلومات ا لسرية، بل تشطب تلك النقاط السرية فقط من نسخته المعلنة، ولا تكون الجلسات سرية، إلا في الجزء المتضمن إعلان ومناقشة معلومات سرية، في جلسة منفصلة مثلاً، إلخ.

2 - العمل على إصدار قانون بتحريم التصويت السري إلا فيما يتعلق بحالات محددة داخلية في مجلس النواب، مثل انتخاب الأشخاص للهيئات البرلمانية، وكما هو معمول به في أنحاء العالم. ولا يستعمل التصويت السري الإلكتروني أبداً، وذلك لسهولة تزويره، ومن بعيد فلا يرى المزور أحد!

3-  التصويت الإلكتروني، يكون علنياً، وتعرض الأسماء الصريحة للمصوتين على شاشة أمام البرلمان. وأن يحتفظ بتلك المعلومات في النهاية على موقع الإنترنت، علنية ومتاحة للجميع.

4- تكون محاضر الجلسات متاحة على الإنترنت وبشكل أكثر تفصيلاً، وتعلن في نفس اليوم الذي تجري فيه المناقشة أو اليوم التالي كأقصى حد، فلا يوجد أي مبرر لتأخيرها أبداً، فعملية الكتابة تجري في أثناء الجلسة، ويمكن مراجعتها وتشذيبها خلال نفس اليوم، وسهل أن يجدد الموقع يومياً، كما يحدث لدى أغلب مواقع الإنترنت، حتى البسيطة التي يمتلكها ويتفرغ لها شخص واحد!

5- في حالة العد اليدوي لأصوات أي قرار، ينتخب المؤيدون والمعارضون للقرار، وبشكل عاجل، ممثلاً عن كل جهة، ويقوم هذان الممثلان بعد الأصوات بنفسيهما أو مرافقة الموظف الذي يعدها، وإعلانها على الجميع. وضرورة هذا "الإنتخاب العاجل" هي لعدم ترك تحديد الممثل لرئيس المجلس، واحتمال التلاعب بالأمر، ولا أن يكون شخصاً ثابتاً.

6- باعتبار أن الديمقراطية تتطلب العلم بالشيء، كأمر أساسي لتأسيس لقرار علمي صحيح، أن يتم تخصيص مبلغ معقول لا مبالغة به، لأي نائب يرغب باستشارة من يعتبره خبيراً في شأن ما، عند طلب النائب ذلك عن موضوع يهتم به، على أن تقدم نسخة من تقرير الخبير أو موجزه إلى البرلمان. ولا يجب أن يشترط في الخبير المستشار إلا الحدود الدنيا التي تؤهله لتقديم معلومات نافعة للنائب، وأن يمنح النواب الوقت الكافي لمثل تلك الإستشارة، بين لحظة إعلان أجندة جلسة المناقشة، وموعد وعقدها. ويمكن تحديد عدد الخبراء المستشارين في كل قضية بواحد أو أثنين لكل كتلة.

كذلك تتاح الفرصة والوقت لإستقدام خبراء إلى الجلسة في مناقشة القضايا الحساسة، وخاصة عندما يريد المجلس اتخاذ قرارات بشأن القضايا ذات الطابع الإقتصادي والتقني. ويقدم الخبير موجزاً لرأيه قبل الجلسة ليتيح للنواب مراجعة ذلك الرأي والسؤال عنه من مصادر مختلفة، ومناقشة الخبير أثناء الجلسة.

هذه هي أقتراحاتي كنواة لفكرة تتطور وتتوسع لإنهاء هذا الحال غير اللائق الذي لا يرضاه إنسان ذو كرامة لصرح الديمقراطية في بلاده. وعلينا أن لا نتوهم أنها ستقبل بمجرد إقتراحها، فمن أوصل البرلمان لهذا الحال لم يفعل ذلك جهلاً، بل لأنه يريده هكذا، ومصلحته تتطلب أن يكون هكذا، لذا فعلى من يؤمن أن هذا الحال لايمكن قبوله، أن يعلم بحقيقة الأمر، وأن يتوقع معارضة ولا ينزعج من عرقلة لكل خطوة مهما كانت بسيطة ومنطقية، وأن يعد نفسه لمعركة ضغط وصراع وتهديد وربما خسائر، فهناك ذئاب تقتات وتسمن على فريسة البرلمان، وأنت تسعى إلى حرمانها من فريستها، فلا تتوقع أن تتخلى لك عنها إن لم تضطرها لذلك أضطراراً، فاستعد للمعركة وابحث عن طريق لا يترك لها خياراً، ولا تنتظر منها أن تقابلك بالتقدير والإمتنان. إننا لن نترك مفترسي شرف البرلمان يهنأون بجريمتهم طويلاً!

 

21 آب 2012

 

free web counter