| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الأثنين 25/2/ 2008

 

 قصة واقعية قصيرة

لست وفياً جداً لأصدقائي

صائب خليل

قال صديقي لإبنه: "خذ العود بسرعة الى الغرفة الثانية...ولاتنس الدنبك ايضاً...كل شيء إلا الدنبك! لاتفضحونا!" هكذا ابتعد الدنبك مع صاحبه العود وقد تقاسما ابطي الفتى الشاب، واختفيا عن ناظري وراء الأبواب كجزء من تهيئة غرفة الجلوس للزائرة التي اتصلت تواً لتعلمنا بأنها ستصل بعد قليل.
حاولت الإنسحاب قائلاً اني لست متحمساً للقاء اغراب هذه الساعة واريد ان اترككم لحديثكم لكن صاحبي رفض قائلاً انه لايعرفها ايضاً, وانها محامية سودانية وانها جاءت ترسل طرداً لإبنها الذي يدرس مع ابن صاحبي في مصر، واصر ان ابقى معهم، فشاركت قلبلاً في ترتيب الغرفة بحركات رمزية ثم جلسنا في انتظار زائرة المساء.

بعد المجاملات الأولى وبدأ الحديث الذي يقصد منه ملأ الصمت بين اشخاص لايجمعهم جامع، وجدتني انفصل عن الجالسين ذهنياً واعود الى صورة الدنبك وهو يطرد من الغرفة تحت ابط ابن صاحبي. شعرت بالخجل منه وبالخيانة وببعض الحقد على الزائرة التي لاذنب لها بالأمر. كانت تتحدث عن نجاحاتها الباهرة هنا في دبي كمحامية شركات، مما كان ينمي في شعور متزايد بالتمرد الطفولي عما حولي. عدت افكر بالدنبك المسكين الذي كان يجب ان يخلي الساحة لأن منظره لم يكن "لائقاً" بها.

حين ساد بعض الصمت، ووجدت الجميع تقريباً ينظر الي، فهمت اني يجب ان اقول شيئاً لكي لا يبدو علي الضجر وقلة الترحاب بالضيفة, وللغرابة بدا هذا الضغط الإجتماعي علي للكلام كأنه جاء في وقته وظهر لي كفرصة اكثر مما هو ضغط فقلت موجها الحديث للزائرة وأنا اشير الى صاحبي: "نحن نعرف بعضنا من زمن طويل....كنا معاً في الجامعة" ....بعض الصمت...ثم جاءت القنبلة: "كان يهوى عزف العود الى درجة الجنون!" استرقت النظر الى صاحبي الذي لم يبد عليه بعد ان القنبلة وصلته، غير ان ابتسامته تراجعت قليلاً...فاستمر القصف:
"كان الطلاب يسمونه فريد الأطرش ملاطفة لكثرة ما كان "ضجيج" عوده يملأ القسم الداخلي" نظرت حولي ثم اكملت: "تصوري...كان سعيداً حين رسب بدرس واحد لأنه وجدها فرصة ليقضيها مع عوده لوحدهما في القسم الداخلي"...."كان عوداً سيئاً، لكنه كان يحبه بجنون....كان يفضل رفقته على رفقتنا جميعاً...حينما لم يكن يعزف عليه كان يحتضنه...كأنه حبيبته، بل اكثر كثيراً...لم يكن يبالي بتعليقاتنا ابداً...هل تصدقين...إشتراه ولم يكن يملك ما يكفيه للطعام!"...تركت الكلمات تأخذ وقتها لتهظم ثم اكملت...."من اسباب زيارتي الرئيسية للإمارات ان اجلس معه ليعزف ونغني الأغاني العراقية القديمة...انه يحفظ ربما كل كلمات اغاني جواد وادي وعبد الصاحب شراد وحضيري ابو عزيز وغيرهم، وانا اتسلى بغنائي معه وهو يتحمل مني نشازات صوتي وادائي....يبدو لي اننا لم نكبر..."...ضحكت قليلاً والتفت الى صاحبي فوجدت وجهه قد انقلب غضباً صامتاً!!

"امس ذهبنا الى معرض التسوق واشتريت دنبك! انه دنبك مزدوج جميل اشتريته من الجناح الهندي لمعرض التسوق امس. كان هنا مع العود قبل ان تصلي بقليل...". كان صاحبي يفتح فمه صامتاً وقد جحضت عيناه دون ان يدري وهو ينظر الي، اما ابنه، وهو عازف عود افضل من ابيه تكنيكياً، فقد كان يخفي ابتسامة ونظرة شديدتي الأدب الممزوج بلمحات من الخبث والرضا.

"لقد قضينا امس امسية رائعة استمرت حتى بعد منتصف الليل, صاحبته على الدنبك لكني اكتشفت ان الدنبك ليس سهلاً كما كنت اضن...إيقاعي لم يكن افضل من صوتي..هاها ها..، مع ذلك تمتعنا كثيراً...اننا نغني ونعزف كل ليلة تقريباً منذ وصلت الى هنا...شيء رائع اليس كذلك؟"

بينما كانت ضيفتنا ترد بكلام عام عن الموسيقى، حصل صاحبي على الفرصة لينتبه ويهدئ نفسه ثم يغير الموضوع فور حصوله على دور في الكلام. اما انا فشعرت كأن حملاً ثقيلاً قد زال عن صدري. في تلك الليلة ادركت ان وفائي للدنابك أكبر من وفائي لإصدقائي!


24-02-2008



 


 

Counters