| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                   الخميس 25/10/ 2012


 

نفطكم لنا ولعملائنا، وإن أردتم شيئاً فاقترضوا

صائب خليل   

أعلن العراق صفقة أسلحة جديدة بمليارات جديدة مع أميركا! العراق الذي لم يستلم طائرة واحدة بعد ليعرف إن كانت تناسبه، وإن كانت العقود جاءت بما كان يأمله، يريد المزيد والمزيد من الـ (F-16)!

 

وهنا لا مفر من أن نقارن مندهشين بين سلاسة وسهولة انسياب المليارات من الخزينة عندما يتعلق الأمر بشراء الأسلحة الأمريكية، أو "مساعدات" للأردن، أو الفساد، أو ابتزاز لكردستان، والعسر والصراع السياسي والتشنج والفشل عندما يتعلق الأمر بتخصيص ملياري دولار فقط لبناء مدارس العراق كله.

 

ما الذي حصل عليه طلاب العراق وفقراءه من كل هذه الضجة؟ ورقة سمّيت بمشروع "قانون البنى التحتية"، كتبت على ما يبدو خلال نصف ساعة، وبقيت تناقش لمدة اربع سنوات ولم تطور ولم تقر.

وما الذي حصلت عليه شركات الأسلحة الأمريكية؟ مليارات تتدفق تلو المليارات دون أي تأخير أو اعتراض.

وإذا كان البعض المخاصم للحكومة قد فتح فمه حول شراء الأسلحة لخوفه أن تستعمل ضده، فأن الإبتزاز الثاني، "مساعدة" الأردن النفطية مازالت تنعم بالصمت التام! فهي التابو الذي لا يستطيع أي سياسي في الحكومة أو البرلمان أن يقترب منه أو يقول عنه شيئاً! وماذا يقولون؟ فكل ما يمكن أن يقال هو : إننا مجبرون على تنفيذ البرنامج الأمريكي! ومثل هذا القول لا يطعنهم فقط، وإنما يثير تساؤلات كثيرة أخرى عن البرنامج الأمريكي وعلاقتهم بهذا البرنامج. هذا الصمت المخزي لا يشمل الحكومة فقط، بل كل أطراف المعارضة وكل من له علاقة بالسياسة العراقية بلا استثناء.

 

قبل ايام وكنت أفكر بأي تبرير ممكن لفضيحة الأردن، والإنسانية الزائفة فيه. أفليس من المنطق البسيط أن تؤسس بنيتك التحتية أولاً لتصل إلى مثل ما لدى جارك أو أعلى قبل أن يصحو ضميرك عليه؟ أن تبني مدارسك ليحصل أطفالك على مثل ما يحصل عليه أطفاله من تعليم أو أفضل قليلاً قبل أن تحن عليهم؟ وتعتني بصحة مواطنك ومعدل عمره ونسبة وفيات أطفاله ومؤسساته الثقافية وغيرها، قبل أن تمد اليه يد الكرم؟

لنفترض أن "راتبنا" أعلى من "راتب" الأردني، وأن فقرنا سيزول بفضل فرق الموارد، فهل يعقل أن يبدأ المرء الفقير ببناء بيت جاره المرتب والنظيف قبل أن يستخدم "راتبه" الأعلى هذا لبناء بيته المحطم ويبلط أرضيته الوسخة ويؤسس لمرافقه الصحية أولاً؟

بل ألا يفهم حتى المختلين، انه إن كنت مدين لجارك هذا بمال، أن تدفع هذا الدين أولاً قبل أن تتبجح بمساعدته؟

 

ثراء المواطن، يعتمد على بضعة عوامل إقتصادية، إن تناسينا عدالة التوزيع. أهمها ما يسمى بـ "الناتج القومي الكلي" للرأس الواحد، والبنية التحتية والبيئية للبلد الذي يعيش فيه. وبما أن العراقي يعيش واحدة من أسوأ البنى التحتية والبيئية في ا لعالم، فلم يبق سوى أن نكون أثرى في العامل الأول لنبرر هذه الكرم الطائي، فلنبحث هذا العامل.

هناك طريقتان لحساب دخل الفرد من الناتج القومي، الأولى تعتمد على تقدير القوة الشرائية للفرد، والثانية تسمى "الدخل الإسمي"، (للتفاصيل أنظر الروابط). وتختلف التقديرات لهذا الدخل بعض الشيء حسب المؤسسة التي تحتسبها وطريقتها في ذلك.

في المجموعة الأولى نجد حسب "البنك الدولي" أن تسلسل العراق هو 124 ، بينما تسلسل الأردن 103، أي أن الأردن أعلى. وفي جدول "صندوق النقد الدولي" تسلسل العراق 127 وتسلسل الأردن 110.(1)

أما في مجموعة "الدخل الإسمي" فنجد تسلسل الأردن في البنك الدولي 100 والعراق أدنى 117. وفي تقديرات "صندوق النقد الدولي" تسلسل الأردن 97، والعراق 112، وجداول السي آي أي الأردن 101 والعراق 112. وفي نشرة الأمم المتحدة الأردن 100، بينما العراق أدنى كثيراً عند 157. .(2)

أي أن حصة العراقي أدنى من الأردني في كل طرق الحساب وفي كل الجداول! يعني أن حتى دخل صاحب البيت المهدم، أقل من دخل جاره صاحب البيت المرتب، وأنه مدين له، ورغم ذلك يقدم له جزء من راتبه كـ "مساعدة"! ومن يقوم بذلك؟ حكومته التي أنتخبها لتمثل مصالحه!

 

ليس التبذير بـ "مساعدة" من هم أكثر رفاهاً، حالة وحيدة. أنظروا مثلاً هذا الخبر: العراق يعتزم استثمار نحو 1.6 مليار دولار في الطاقة النظيفة لاضافة 400 ميجاوات خلال ثلاث سنوات! .(3)

ونقرأ رداً كافياً شافياً لأحد المعلقين: هناك محطات هنديه والمانيه تنتج اكثر من 1000 ميگا واط بربع هذا المبلغ وبنصف السقف الزمني المذكور. وبعدين العراق هسه بيا حال حتى يدور طاقه نظيفه دخليه يكتفي من الكهرباء وبعدين خلي يسون الطاقه النظيفه.

يجيب معلق آخر مدافعاً بأن وراء المشروع "بعداً ستراتيجياً"! فأي بعد ستراتيجي وأنت في ازمة كهرباء خانقة ولا تملك لبنيتك التحتية سوى أن تستدين؟ هل يمكن أن يكون هناك شيء أكثر استراتيجية من أن توفر المدارس لطلاب الإبتدائية لمنع تشردهم؟ إنها ليست "إستراتيجية" بل سرقة أخرى واستهبال آخر للشعب، لجعله يدفع من أمواله تكاليف بحوث في مواضيع من المستبعد أن يستفيد منها هو، بل الجهات التي تبحث عن بدائل للنفط وتسعى بذلك إلى تخفيض سعره! إن كان هناك من ليس له مصلحة مباشرة في تلك البحوث فهو البلدان المصدرة للنفط، ولا يعتبر مثل هذا التخصيص تبذيراً بقدر ما هو في العراق!

 

وعن مقالة لي علق صديق قائلاً: لقد أقر البرلمان قبل اسبوع إحتساب تقاعد مدير عام لجميع أعضاء مجالس المحافظات الذين يخدمون ستة أشهر!

وعلق آخر على مقالة لي: .(4) بالامس افتتحوا نصب الشهداء في قضاء الجبايش بكلفة 23 ملياااااااااااااار دينار و يحتوي على 98 قبرا رمزيا و مهبط طائرات هليوكوبتر. اهل الجبايش يشترون ماء الشرب من التانكرات ولا تتوفر مدرسة, المدرسة سيدي الفاضل ستخرج مثقفا يحاسبهم على فسادهم و القبور ستصنع اجيالا مربوطة الى شبابيكها بانتظار الفرج يمكن توجيهها بخطبة واحدة الى اي صندوق اقتراع تريده فأيهما أكثر جدوى المدرسة أم القبر؟

ومن حسابات مقالتي السابقة عن كلفة المدرسة البالغة ثلث مليار دينار، يمكننا أن نحسب أن المحتالين سرقوا من الأطفال ستين مدرسة ليبنوا هذا النصب!

صديق آخر كتب لي: المصيبة أنهم هدموا المدارس الموجودة على أساس إصلاحها، وتركوها مهدمة، وجاء الشتاء وموعد الدراسة والطلاب بلا مكان يدرسون فيه!

 

هذه أمثلة عن الحال. فكارثة العراق ليست فقط في عقود السلاح والفساد، وإنما تمتلك مواصفات مخطط متكامل لتدمير البلاد ومنع بناءها. لقد حرص الأمريكان على تحطيم البنية التحتية للعراق منذ حرب الكويت، ثم ترك دكتاتورها يسلخ شعبها، وأخيراً أعيد تدمير ما تم بناؤه أثناء الإحتلال، ونهبت ووضع لها دستور مليئ بالألغام واختاروا لصوصاً مرتشين لأول حكومة وهربت المليارات وفرض عليها العودة إلى دفع الجزية للأردن وأسس فيها الإرهاب من خلال نيكروبونتي ألمشهور بما أسسه من إرهاب مماثل في أميركا الوسطى والجنوبية وغيره. وحين غادروا، أبقواها تحت الفصل السابع ليتمكنوا من العودة إليها في أي وقت، ولكي تزيد كلفة اقتراضها من اي مكان بين 35% إلى 45% ، ثم وضعها تحت شروط مؤسستي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كشرط لحذف معظم الديون الهائلة التي كان يمكن أن تحذف بكل سهولة بعدم الإعتراف بها كديون فاسدة، كما فعلت أمريكا نفسها في كوبا عندما احتلها عام 1820 ، لكن ما أريد لكوبا حينها غير ما يراد الآن للعراق.

 

لنسأل أيضاً: ما الصفة المشتركة للجهات التي يتجه ابتزاز العراق إليها؟ دعوني أقول صراحة: علاقتها بإسرائيل! فالأردن هي الدولة الأقرب إلى إسرائيل بين الدول العربية، وهي الوحيدة التي تحظى بعقود النفط المدعومة. قبل أيام تم توقيع اتفاقية منطقة تجارية حرة مع الأردن (تم تمريرها دون مناقشة في البرلمان)، التي ترتبط باتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل، وأخرى تعطي مدخلاً للسوق الغربية لإنتاجها المشترك مع إسرائيل، مما يجعلها تحرص أن تدخل إسرائيل في كل منتج أردني، فهل هناك فرق عن أن نكون قد وقعنا اتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل؟

والجهة العراقية التي تحظى بأفضلية خاصة إلى حد الإبتزاز هي كردستان، الجزء الأقرب في العراق إلى إسرائيل. إبتزاز يجعل حصة الفرد الكردي من الخزينة والبرلمان تعادل حصة عربي ونصف!

ومن أوروبا يتعامل العراق بشكل خاص مع جيكيا، ممثلة إسرائيل بلا منازع في الإتحاد الأوروبي!

وممثلة الإتحاد الأوروبي في العراق جيكية أيضاً، وهي رئيسة لجنة الصداقة الأسرائيلية الأوروبية.

ومن هو الأمريكي الأكثر تردداً على العراق؟ جو بايدن، الذي يفاخر بمناسبة وبلا مناسبة بأنه "صهيوني".

ولنسأل أخيراً: أي فنان عراقي تم تخليد حياته في مسلسلة تلفزيونية؟ الفنان العراقي اليهودي صالح الكويتي الذي هاجر إلى إسرائيل وتوفى فيها! هل هذه كلها صدف؟

 

ما يراد اليوم للعراق هو منعه من أن يحيا من جهة، وربطه بإسرائيل بكل الطرق من جهة أخرى. يراد أن يضمن ان لا يستخدم العراق نفطه لصالح شعبه. فما يبقى من الخزينة بعد عقود السلاح يجب أن يذهب للصوص البلاد من سراق مباشرين تتكفل أميركا بتهريبهم إن إمسكوا، و "مستثمرين" تسعى أميركا وكردستان والخلايا النائمة في البرلمان مثل لجنة النفط والطاقة ولجنة الإستثمار وفي الحكومة إلى تحطيم مرافق البلاد ثم عرضها للبيع لهم. ولعل ما تم الكشف عنه حول شبهات فساد خطيرة ونصوص مقلقة في قانون المصرف المركزي العراقي هو جزء خطير آخر في هذا المسلسل الذي يحاصر العراق. ما يحدث في العراق ليس فساداً فقط، بل مخطط متكامل لإبقائه مدمراً، رغم نفطه. فما يجري فعلياً من توزيع الموارد الفعلي على الأولويات، والمقارنة بين مشاريع تحظى بالدفع السريع والمساعدات المشبوهة والإبتزاز من جهة، وتلك التي تترك لقروض الآجل من الجهة الأخرى، لا يفهم منها سوى إنهم يقولون لنا: نفطكم لنا ولعملائنا وإذا أردتم شيئاً فعليكم أن تقترضوه!

 

24 تشرين الأول 2012

 

 

(1) http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_countries_by_GDP_%28PPP%29_per_capita

(2) http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_countries_by_GDP_%28nominal%29_per_capita

(3) http://qanon302.net/vb/showthread.php?t=19806

(4) http://www.facebook.com/saiebkhalil

free web counter