|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  27 / 2 / 2016                                 صائب خليل                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أين الطريق؟

صائب خليل
(موقع الناس)


في غمرة الضوضاء وكثرة العوامل والمؤشرات المتناقضة، يجب أن نعود دائما إلى الخطوط العريضة العامة لنسترشد بها، وهذه محاولة لتمييز تلك الخطوط أولا، وما تعنيه لنا بالنسبة للخطوط التفصيلية. ولصعوبة المهمة وخطورتها وشدة أهميتها، سنحتاج إلى بضعة أسلحة: اولاً ذاكرة جيدة، وثانيا تجنب تفكير الأماني الذي سيسعى إلى خداعنا بقوة كما يفعل في كل أزمة، وثالثاً: تحليل جيد واستنتاجات منطقية، وأخيرا وليس آخراً، شجاعة تردع عن رؤوسنا الدوار عندما نحدق في الهاوية (نيتشه).

قبل كل شيء يجب ان نتذكر أن ما يحدث هو انتصار كبير قبل كل شيء! صحيح أننا لم نحقق شيئا بعد، لكن سقوط حكومة العبادي المرتقب وفشلها في تنفيذ مهماتها التي جيء بها من اجلها: تقسيم العراق بالحرس الوطني، بيع ثروته (خصخصتها) بتعاون اللصوص عبد المهدي وزيباري والعبادي الذي استلم آخر التعليمات من دافوس، انتصار كبير، رغم الخسائر الهائلة التي لحقت بنا، ورغم أننا لا ندري ما سيلي حكومة العبادي، ولا إن كان الأمريكان سينجحون بفرض حكومة لا تقل سفالة عن العبادي أم أن الشعب سيفرض حكومة أفضل وأقرب لمصالحه.

في هذه المقالة، سوف أتخلى عن التزامي المعتاد بتقديم تفسير معزز بالروابط لكل رأي أقدمه، وهي عادة قلما اضطررت للتخلي عنها، وفقط حين تكون المواضيع متشعبة جدا ولا سبيل لحشر الأدلة في حجم مقالة، فمعذرة لذلك.

أميركا

المحور الأساسي الدال في تقييمنا للشخوص والمنطلقات سيكون: موقفها من أميركا وموقف أميركا منها! والسبب هو الوضوح الشديد لهذا المحور كمحور معادي للعراق برهن خلال أكثر عقد من الزمان أنه ذي اجندة تدميرية تتعدى حدود الفساد والربح إلى التدمير المتعمد للعراق والمنطقة، وهي مهمة يبدو أن ساسة أميركا مكلفون بها من إسرائيل، لأن مصالح اميركا لا تفسر كل هذا العداء والوحشية والإصرار على التدمير كهدف، خاصة فيما يتعلق بالموقف من داعش، والتي قدمنا في مقالاتنا السابقة عنها، عدداً هائلا من البراهين ومن مصادر شهود العيان للمساعدات وللقصف "الخطأ" لأعداء داعش، وكذلك مصادر غربية أمريكية وأوروبية، على ان داعش فرق أمريكية إسرائيلية بمجندين مسلمين حمقى (وما اكثر الحمقى في كل بلد وكل دين) يقودهم إرهابيون متخصصون بتحطيم البلدان والشعوب. وحين أقول إنها “فرق أمريكية إسرائيلية" فإني اقصد انها أسست وتقاد وتدعم باستمرار في كل شيء، من قبل أميركا وإسرائيل كما تدعم أي من فرقها الأصلية، ولا أقصد أنها كانت "نتيجة" السياسة الأمريكية "الهوجاء" و "الخاطئة" أو حتى "العدوانية" كما يذهب اليساريون الكلاسيكيون شرقا وغرباً. إنها فرق صنعت بتعمد وتخطيط وامداد واع، وليس استغلالا طارئاً لأحداث وفرص القت بها الصدف بيد أميركا وإسرائيل فاستغلتها. من هذا المحور أنطلق في مقالتي هذه، ومن يختلف معي فيه فمن الأجدى ألا يضيع بقية وقته في قراءة التفاصيل، فكل شيء تقريبا مستنتج انطلاقا من أن هذه الفرضية هي "حقيقة" وتكاد تكون مسلمة أساسية.

ومع ذلك فإننا نبقي الباب مفتوحا لمراجعة هذه المسلمة لأية مؤشرات مختلفة في اية مواقف، لكننا لم نتلق لحد اليوم أي مؤشر لا يمكن تفسيره في ضوء هذه الفرضية أو المسلمة، لا في الماضي ولا الحاضر ولا في تجارب الشعوب الأخرى مع أميركا. وإن كانت هناك نشازات عن هذه القاعدة، فلكل قاعدة شواذها ولهذه الشواذ تفسيرات أيضاً، لا تفرض علينا تغيير النظرية العامة.

العبادي

العبادي هو رئيس الحكومة الذي جاءت به مؤامرة أمريكية كردستانية واضحة، وتهديد للشعب العراقي بتركه لداعش إن لم يقبل بهذا الرجل على رأس حكومته. لقد علق الشعب اليائس، بعض الآمال الناتجة من "تفكير التمنيات"، لكن تعليق أي آمال على العبادي لاتباع اجندة غير الأجندة التدميرية الأمريكية، يفترض ان اميركا كانت "حمقاء" في اختيارها للرجل الذي سيحطم اجندتها، وهي (على عكس السمعة المقصودة) نادرا ما تكون حمقاء، بل تعرف طريقها أفضل من اية دولة أخرى.

العبادي، وفور جلوسه على العرش، قام بلم "فريق منسجم" تماما (على عكس ما يدّعي اليوم) لتنفيذ تلك الأجندة (أو بالأحرى تم تقديمه له مسبقا). واجتمع بعصابته وأقر بسرعة خارقة البرنامج الحكومي والذي كان من اهم بنوده "حل المشاكل مع كردستان" و "تكوين الحرس الوطني". وهما الكارثتان اللتان كلف بهما العبادي من قبل من وضعه على السلطة. وقد تمكن من تنفيذ المهمة الأولى بسرعة خارقة ايضاً حيث زار عادل عبد المهدي كردستان ليوقع أوراق الاتفاقية دون أدنى اعتراض او مناقشة (كما فضح زيباري تلك الحقيقة لاحقاً، غير مراع لتصريحات الوزير المحرج بأن "المفاوضات" ستكون "صعبة وشاقة وطويلة"! وكانت النتيجة تقديم حكومة العبادي القسط الأول من ثمن الكرسي، بشكل حقوق ضبابية الحدود لإنتاج وتصدير النفط بشكل مستقل عن المركز. وكانت هذه المسألة في غاية الخطورة على وحدة البلاد. هذا إضافة إلى مليار دولار أهديت لكردستان فور استلام الحكم، ولم يقدم لها أي تفسير مالي على الإطلاق واكتفت الحكومة بالقول بأنها من اجل "استعادة الثقة"، متفوقا بذلك على سابقه في الخضوع للابتزاز الكردستاني!

الحرس الوطني والحشد

لكن المشروع الأخطر الآخر، "الحرس الوطني"، الذي كان يهدف صراحة إلى تقسيم البلاد إلى محافظات مستقلة عسكريا، وبفضل جيش من عصابات، يقودها من رضيت عنهم اميركا من قواد صدام حسين الذين أعادوا بيع شرفهم للأمريكان كما كانوا قد باعوه سابقا للدكتاتور، والذين اعتمد عليهم الاحتلال لخلق عداء بين السنة والحكومة التي يمثلها الجيش، من خلال فساد شديد وابتزاز مؤلم للناس في تلك المدن، تهيئة لدخول داعش واستقبالها كمحرر. كذلك أدى هؤلاء القادة ادوارهم المطلوبة في سحب الجيش وترك المدن والسلاح لداعش ولكردستان التي تقاسمت المنافع والأسلحة مع داعش. وقام المالكي بالتغطية على جرائم العملاء وإحالتهم على التقاعد كما واصل العبادي ذلك الدور المطلوب امريكيا، مع اختلافات مسرحية في التفاصيل. ويمكننا ان نرى أيضا اختراق الفساد الأمريكي للجيش من خلال أعلى قممه، من القائد العام للقوات المسلحة، إلى وزير الدفاع ذي الصفقات الفاسدة التي شرحناها في أكثر من مقالة والتي فضحتها بشجاعة النائب حنان الفتلاوي، إلى القادة المكلفين بتسليم المدن لداعش بضمان أمريكي بسلامتهم.

بقي "الحرس الوطني" نغلاً عسير الولادة، وكان الفضل في ذلك لبروز الحشد الشعبي الذي شكل أول نواة استطاعت ان تمثل أملا للشعب. كانت الصفة الوحيدة التي مكنت الحشد الشعبي من تحقيق انتصارات عجز عنها الجيش العراقي هي انه لم يكن مرتبطا بالأمريكان، لا إداريا ولا تدريبا ولا أسلحة أو أجهزة اتصال ولا مستشارين ولا قيادات جاءت برضا الأمريكان والتنسيق معهم. هذه النظافة أتاحت للحشد البسيط أن يحقق الانتصارات على فرق داعش. ولهذا السبب بالذات فقد اتجهت اميركا إلى اختراق الحشد من رأسه، فتمكنت (بفضل موقف ضعيف من قادته الميدانيين) من وضع الحشد تحت قيادة عميلها الأساسي العبادي، ووضع أحد أخلص خدم الأمريكان رئيسا لهيئة الحشد، وتجري اليوم تحركات كثيفة لإنزال الضربة الأخيرة به وتحويله إلى جزء من الجيش المخترق، يستلم الرواتب ويسير وفق الخطة الأمريكية. إن النجاح في هذا المشروع مسألة وقت ما لم يغير قادة الحشد موقفهم.

سقوط المجلس وسقوط الحكومة

كثرة الفضائح وسيل الكره المتزايد من قبل الناس لرموز الحكومة، دفع بعمار الحكيم، أحد رموز الفساد والتبعية الأمريكية، إلى ان يعلن سحب وزراء المجلس الأعلى من الحكومة "تضامناً مع إصلاحات رئيسها"! والحقيقة هي ان سحب الوزراء لا يمكن ان يكون شكلا من أشكال التضامن بل العداء، لأن التضامن يكون بوضع الوزراء تحت تصرف رئيسهم، كما هو الأمر في كل العالم، فقد يحرج هذا السحب رئيس الوزراء قبل الأوان، ثم من قال إن وزراء المجلس كانوا من ضمن خطته للتغيير؟ نحن نعلم انهم من أسفل السفلة، لكن المجلس لا يفترض أن يرى الأمر مثلنا! لقد كتبنا عن سقوط المجلس في المقالة السابقة ولا نريد أن نطيل هنا.

التكنوقراط والنظام الرئاسي – البحث عن حل لمشكلة أخرى

من الأوهام الفارغة التي وعد العبادي بها، والتي وضع الشعب، وخاصة المثقفين منه، آمالا كبيرة عليها، هو "حكومة التكنوقراط"! والحقيقة هي ان هذه عبارة فارغة أولا، وأهم من ذلك أنها ليست المشكلة!

لكي نحصل على وزارة جيدة، يجب أن تكون لدى الوزراء أولاً إرادة عمل الخير للبلد (أن لا يكونوا عملاءاً لجهة أخرى او فاسدين) وثانياً أن تكون لديهم الخبرة لتنفيذ مهمات وزارتهم. التكنوقراط قد يكون الحل للنقطة الثانية، لكنه لا يحل المشكلة الأولى ابداً. فما أكثر التكنوقراط الفاسدين والعملاء في العالم! بل لعلهم أكثر من الجهلة الفاسدين. لذلك فعندما يصرخ الشعب من فساد وعمالة الحكومة، فيعدهم رئيسها بجلب "التكنوقراط" الذين "يفهمون" كيف يجب ان تدار الأمور، فإنه يمارس عليهم خدعة كبيرة، فيترك المشكلة الحقيقية التي يبدو أنه لا يريد حلها، ويتجه إلى مشكلة أخرى، غير موجودة في الحقيقة!

ويمكننا ان نبرهن ذلك بسهولة تامة، فنسبة من حصل على الدكتوراه والشهادات العليا في وزارة العبادي ليست قليلة، بما فيهم رئيسها. لكننا نلاحظ أن الغضب على أشده من الوزارات التي يحكمها وزراء بشهادات عليا!

البرهان الأكبر على أن "التكنوقراط" خدعة أخرى من خدع العبادي، هي أن العبادي في تشكيل وزارته، تعمد إبعاد الخبرات عن أماكنها حتى داخل وزارته نفسها! فوضع عبد المهدي الذي ليس له أية خبرة في النفط على تلك الوزارة، بينما ابعد الشهرستاني، الذي له خبرة جيدة بالنفط، إلى وزارة أخرى ليس له تجربة بها! وأبعد زيباري عن الخارجية التي له خبرة بها (على كارثيتها)، إلى وزارة علمية ليس له أية خبرة بها! كل هذه الوزارات وزعها العبادي بهذا الشكل لأنه لم يكن حقا يهتم بنجاح أية وزارة، بل كان يريد فقط إرضاء من قدم له الكرسي، وكان هذا هو التوزيع الأمثل لتلك الجهة!

الأحزاب والكتل والبرلمان والنظام الرئاسي

تصرخ الناس في تظاهراتها برفض "الأحزاب" و "الكتل" وضرورة حل "البرلمان"، بينما وجه البعض غضبه إلى نظام المحاصصة البرلماني وأكد على أن الحل في تغييره إلى نظام رئاسي. هؤلاء كلهم أيضا، مثل دعاة التكنوقراط، يبحثون عن حل لمشكلة أخرى، أي بالعراقي "يخوطون بصف الاستكان"!

فالأحزاب السياسية والكتل والبرلمان والنظام الرئاسي، ليست سوى أدوات، وحين تسلم الأدوات إلى شخوص مكلفة بتحطيم البلاد، فسوف ينتج عنها تحطيم البلاد، ولن يكون الذنب في تلك الأدوات. لا يمكنك أن توجه غضبك نحو المطرقة وتدعو لمنعها لأن أحدهم قتل شخصا بمطرقة. الصحيح أن توجه غضبك نحو من استعمل المطرقة لارتكاب جريمة. فالأحزاب أداة أساسية للديمقراطية وهي موجودة في كل العالم، دون أن يعني ذلك تحطيم كل العالم. ونفس الأمر بالنسبة للكتل السياسية والبرلمان ونظام الانتخاب البرلماني لرئيس الحكومة. اللصوص والعملاء ينجحون هنا بخلط الأمور ودفع التهمة عنهم إلى الأدوات التي ارتكبت بها الجريمة. صحيح أن هذه الأدوات يمكن تغييرها نحو الأفضل بنصوص أفضل في الدستور مثلا، لكن السعي نحو الغاء المؤسسات، غضب يتجه في الاتجاه المعاكس ولا يخدم إلا اللصوص والمجرمين. ولو ناقشت الداعين إلى هذه التغييرات لما وجدت واحدا منهم يعرف ما يريد ولماذا يريده. فهل يعتقد حقا أن البلاد ستدار بشكل أفضل بدون برلمان؟ وما هي افضليات النظام الرئاسي؟ إنها تعطي الرجل الأول في الدولة صلاحيات أكبر بكثير، فهل استطاع الشعب ان يضع رئيسا (للدولة أو الحكومة) يمثله لكي يريد أن يعطيه صلاحيات أكبر؟ بمن يمكننا ان نثق بصلاحيات أكبر، ومن منهم عرقلته "قلة صلاحياته" عن إدارة البلاد بشكل أفضل؟ طالباني أم المالكي ام العبادي ام معصوم؟ اليس في رقبة كل منهم جرائم يستحق عليها السحل؟ فكيف نريد أن نعطيهم صلاحيات أكبر بنظام رئاسي؟

مقتدى الصدر.. محتال آخر.. وتفكير التمني مرة أخرى

صعد مؤخرا وبشكل مثير للشبهة والقلق، مقتدى الصدر إلى الواجهة وتم تقديمه كحل مرتجى.. ولا داعي أن نقول إن هذا ليس سوى تكرار لكارثة تفكير التمني الذي يدفع باليائس إلى قبول ما يعلم أنه مستحيل وخطأ، لأنه لا يجد حلا. وهنا يجب أن نقول إن الصدريين كانوا أفضل كتلة سياسية على الاطلاق في نظر كاتب هذه السطور، حتى حدث تغير من تحت الطاولة لا نعلم أساسه. فأنا قد كتبت عن التيار الصدري من الإطراء ما اثار العلمانيين من جماعتي كثيرا، بشكل خاص. ولكن ذلك كان في بداية الاحتلال، عندما كان التيار الصدري يتصرف وفق أفضل المبادئ التي أؤمن بها، فكان ديمقراطيا متقدما في مبادراته، واضح الموقف من الاحتلال الأمريكي وله فضل كبير في ردعه، لذلك وجه له الاحتلال عصابات المجلس الأعلى في وقتها لحرق بيوتهم واعتقال قادتهم وتسليمهم للقوات الأمريكية. كانت الشعارات والأفعال الصدرية ضد الاحتلال، لكن بعد ذلك، يبدو لي أنه قد تم ابتزاز مقتدى الصدر، ربما في مسألة جريمة قتل الخوئي، فصار مثل العجينة في ايدي الامريكان، ولم يبق منه إلا الخطابات والهتافات ضد أميركا، اما المواقف فكانت بالضبط كما تريد، ولعب دوره لإخماد وتحييد اشد الجهات عداءا لأميركا وشجاعة في مواجهتها.

لقد قام الصدر بتجميد جيش المهدي، وبقي كذلك حتى في المواقف المحرجة، وكان الأمريكان سعداء بذلك. لكن هذا التصرف كان يمكن تفسيره بحسن النية، مع الريبة طبعا. العلامة الأولى الواضحة التي قدمها الصدر على تبعيته الأمريكية كان ترشيح الرجل الثاني المفضل لأميركا بعد علاوي، أي عادل عبد المهدي، لرئاسة الحكومة. والمحرج في الأمر أن ذلك تم بعد ان قام التيار بإجراء استفتاء بين مؤيديه لاختيار المرشح، فاختاروا الجعفري بفارق هائل، ولم يأت عبد المهدي في قائمة المرشحين. ولا عجب في ذلك فقد كان الجعفري في ذلك الوقت قد وقف مع الصدريين في صولة المالكي والتي كانت صولة أمريكية بامتياز رغم مبرراتها (كتبت عن ذلك كثيرا، وأهم ما في الأمر أن المالكي لم يعط فرصة سلمية لحل المشكلة، وهو الأمر المناسب أمريكيا لأسباب عديدة) بينما كان عبد المهدي من العصابات التي كان الصدريون يشتكون من انها كانت تحرق بيوتهم وتغتال قياداتهم وتسلمها للأمريكان!!

منذ ذلك الحين راقبت الصدر، فلم أجد سوى محتال ينفذ الأوامر الامريكية ويشتم الأمريكان، وحتى اليوم. وتحول عدد من الصدريين أيضا من نواب يتكلمون باسم الشعب، رغم بساطتهم غالبا، إلى دعاة للخصخصة وما يناسب الأمريكان واللصوص والتشهير بأعدائهم! كذلك فأن حركات الصدر لم تعد تلك الحركات الواضحة بل صارت مليئة بالغموض والمراوغة وتثير الكثير من علامات الاستفهام. وكان آخرها قبوله بالدكتوراه الشرفية، وهو الذي يصعب عليه وضع جملتين صحيحتين ومفهومتين، وكان مدركا لبساطته سابقا، مع مسحة تواضع كانت تهترئ تدريجيا تحت ضغط غرور السلطة والجاه حتى وصل إلى ما وصل اليه اليوم، ليتقبل بشكل يثير الضحك والأسى درجة الدكتوراه الشرفية.

ها نحن نرى الصدر يظهر في ساحة التحرير كأنه أحد الملائكة، ووجهه يتصنع الجدية والغضب بشكل مضحك، ثم نراه يمنع وزراءه ونوابه من حضور التظاهرات، أي ان يفعلوا ما يفعل! هذه الحركات الشعبوية الفارغة تسقط امام أول اختبار. لماذا شاركت بأفسد حكومة في تاريخ العراق من البداية؟ إن كنت لا تثق بالأمريكان فلماذا وثقت بمن جاء به الأمريكان بمؤامرة واضحة؟ لماذا وقع وزراؤك اتفاق الحكومة الذي ينص على الحرس الوطني وانت تعلم انه أمريكي؟ إذا كان هناك فساد في وزرائك لماذا لم تتخذ فيه إجراءاً قبل الآن ما دمت تستطيع التصرف بهم هكذا؟ هل حاسبت وزيرا او نصحت وزيرا أو اقترحت شيئا؟ إن كنت فعلت فقل لنا وإلا فنحن لا نصدق تمثيلية الغضب هذه. إنه ركوب موجة الهياج الشعبي التي تفضل الضرب بالجملة، وهو دليل آخر على أن هذا الرجل، يتبع أجندة أخرى لا علاقة لها بالصدق أو الوطن، وأنه لا يصلح كأمل، بل هو رجل خطر، ويجب الانتباه إلى عدم الركض وراء الآمال التي يثيرها "تفكير التمني" اليائس، في نفس الناس، فهذا سيلقي بهم دائما في نهاية الأمر، في شبكة الصياد.

المرجعية

لا بد قبل ان نختتم ان نقول كلمة في المرجعية باختصار، ونذكر بأن المرجعية ليست السيد السيستاني وحده بل أيضا من يحيط به ويوصل له المعلومات ويدير له جدول مقابلاته ويعلن قراراته. وإن كان للسيد السيستاني افضال كبيرة في الماضي في درء الفتنة والحرب الأهلية وغيرها، وأنه كسب من خلالها ثقتنا به، فإن تلك الثقة لا تمتد لتشمل نوابه بالضرورة. ولقد رأينا في مواقف المرجعية الأخيرة وتناقضها من حيث الشكل (العجرفة والغرور والتعالي في الخطاب) والمضمون (دعم حكومة عميلة للأمريكان وفاسدة إلى حد بعيد والتدخل السياسي لصالحها ولصالح إصلاحاتها المزيفة) تناقضا شديدا مع مواقف وأسلوب السيد السيستاني والمرجعيات التي سبقته. كذلك نلاحظ عدم استقرار القرار بالتدخل في السياسة أو الامتناع عنه وهو ما يفترض ان يكون قرارا مبدئياً. لذا فإني أشك في ان المرجعية مخترقة، وبالتالي فهي ليست جهة موثوقة بكليتها، ويجب التعامل مع المحيطين بالسيد السيستاني بحذر شديد، فالأمريكان والإسرائيليون معروفون بمهارة اختراق أمثال هؤلاء، كما حدث في الفاتيكان والأزهر والسعودية. وربما يكون من المفيد إيجاد خط اتصال مباشر بالسيد السيستاني لإبلاغه بما يحدث والتأكد مما يقال باسمه، وحتى يتم ذلك فيجب الانتباه لمن يحيط به.

الحل؟

الحل ليس سهلا بالطبع، ولا توجد خيارات رائعة ندعو لها، والسبب في ذلك ان الشعب نفسه لم يؤد واجبه في ابسط الأمور وأنه انساق وراء عواطفه الطائفية ومخاوفه الطائفية وغيرها، وفضل مصالحه المباشرة على المبادئ التي تبني المؤسسات والوطن، لذلك نجد أنفسنا بلا مرشحين ممتازين وبلا مؤسسات تساعدنا على رؤيتهم. فالغضب الشعبي تجاه البرلمان مثلا، لم ينتج إرادة لمنع التصويت السري الذي كان سيساعدنا في هذه اللحظة على تمييز الصالح من الطالح من النواب لنختار بينهم. كذلك الإحساس الجاهل بأنه بالإمكان إزاحة "البرلمان" و "الأحزاب" و "الكتل" لكي نزيح الفساد، اعطى الناس انطباعا خاطئا بأن الحل "المستحيل" هذا ممكن. إننا ندفع ثمن هذا الجهل وهذا الكسل وهذا التخلي عن الأمانة والصدق اليوم، حين نحتاج إليهم وإلى ما كانوا سيقدمونه لنا من أدوات فحص، لذلك نجد أنفسنا نتخبط في الظلام، بينما يرى أعداؤنا كل شيء بوضوح، ويعرفون اعداءهم واصدقاءهم، ولا نعرفهم نحن.

في هذه الحالة ليس لنا سوى المراهنة على الخطوط العريضة. علينا أولا ان ننسى الآمال الفارغة والأفكار الخطأ أعلاه، وأن نجد القيادات التي نستطيع ان نثق بها بالحد الأدنى، مع إبقاء العيون مفتوحة. والخطوط العريضة للاختيار في تقديري هي: أولا القرب والبعد من الأمريكان والإسرائيليين، وبالتالي ذيولهم المعروفة مثل كردستان والمجلس الأعلى، ومثال الآلوسي والعبادي وعبد المهدي وفالح الفياض وأمثالهم. كل من له علاقة قوية نسبيا مع اميركا يجب استبعاده، كل من له علاقة خاصة مع كردستان يجب استبعاده. ربما اتهم بالمبالغة والتعميم، لكن من لديه قواعد أكثر دقة في هذا الظلام فليأت بها.

كذلك يجب قدر الإمكان الابتعاد عمن يتكلم عن الشركات والخصخصة والقطاع الخاص وحرية السوق وقروض البنك الدولي. إنها أسلحة دمار شامل اقتصادية أمريكية لا أكثر، تم تجربتها على دول وشعوب عديدة من قبل بنتائج كارثية، وكل حديث عن ضرورتها للاقتصاد العراقي هراء وخداع. وربما يكون البعض مخدوعا بها دون قصد، لكن للأمان يجب الابتعاد عن هؤلاء قدر الإمكان.

طبيعي انه يجب الابتعاد عن الفاسدين، لكن هذه قضية في غاية الصعوبة، فنحن لا نعرف الفاسدين إلا من خلال الاعلام، وفي الضياع الإعلامي فيمكن بكل سهولة أن نضع ثقتنا في فاسد وشكوكنا في شخص أمين. فقد وجهت حملة إعلامية رهيبة مثلا إلى عقود التراخيص التي وقعها الشهرستاني، رغم ان تلك العقود هي خير ما وقع من عقود في عراق الاحتلال، حتى إن كان فيها بعض النقاط التي كان يمكن ان تكون أفضل. وما لا شك فيه عندي أن هذا هو سبب الحملة عليها.

إذن، وبفضل الإهمال ونقص الأمانة، فليس لنا مرشحون نستطيع أن نثق بهم تماما، ولا أدوات مناسبة للفحص، ونحن ندفع ثمن ذلك بالاكتفاء بالمؤشرات التي ربما ترشدنا إلى الشخص المناسب، وربما يكون علينا ان ننتظر ظهور هذا الشخص الذي يمر باختبارها، لكن في كل الأحوال، فإن تمكنا من عزل توابع اميركا وكردستان والفاسدين المعروفين والمحتالين المعروفين أو الذين يفضحهم تناقضهم (مثل المعممين الذين يتحدثون كملحدين). كذلك يجب استبعاد كل من له علاقة مميزة مع تركيا أو السعودية بشكل خاص، والخليج بشكل عام (نعم، إيران وسوريا ليستا مشمولتين بالقائمة المشبوهة ولا كذلك روسيا، رغم أنى أفضل من لم يكن لديه علاقات مميزة مع اية دولة، لكني لا أدعي أن "كل دول الجوار نفس الشي"، فهذا نفاق) فسنعطي للأخيار الشجعان الفرصة، وستجد أميركا نفسها، عند إزاحة عملائها عن المناصب القيادية وتعرضهم لخطر المحاسبة، مرغمة على خفض سقف طموحاتها في تحطيم هذا البلد، وبالتالي نزيد فرصة نجاته، فالأيام المقبلة في غاية الحرج!



26 شباط 2016


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter