| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الثلاثاء 29/9/ 2009

 

التيار الصدري بين وحشة طريق المبادئ ومخاطر طريق التحالفات

صائب خليل

يقول محمد حسنين هيكل "يمر الحزب بأخطر مراحله حين يقرر أن يصبح واقعياً". ويبدو من المبررات التي قدمها التيار الصدري للتحالف الإنتخابي الذي دخل فيه مع "الائتلاف الوطني العراقي" أنه "قرر أن يصبح واقعياً" وما ينطبق على الحزب ينطبق على التيار، وربما بشكل أكبر.

لماذا يكون القرار بالواقعية خطيراً على الحزب أو التيار؟ لأنه اللحظة التي يقرر فيها ما هو مستعد للتنازل عنه وما يجب أن يبقى من مبادئه وأهدافه. فالعمل مع الآخرين يتطلب بالضرورة إجراء مثل هذه التنازلات، وهي عملية جراحية حرجة قد يكلف الخطأ فيها الحزب رأسه. فمنذ اللحظة التي يتم فيها التوقيع على تحالف، فأن الجهات المتحالفة لا تعود حرة تماماً فيما تقرره وفيما تقوله، وتضطر بالضرورة إلى التنازل عن بعض ما تراه صحيحاً من أجل إنجاح التحالف. هذا التنازل قد لا يرضي المناصرين والمؤيدين للحزب ويصيبه بسهم يصعب إزالة آثاره مستقبلاً. وخير مثال على ذلك الكارثة الإنتخابية التي حلت بالحزب الشيوعي في قراره بالتحالف تحت قيادة أياد علاوي، ونتائجه التي لم يشف منها حتى بعد خروجه من التحالف.

أشار العديد من نواب التيار الصدري إلى أن سبب انضمامهم إلى التحالف يعود إلى الإتفاق على أسس صحيحة لعل أهمها التخلي عن المحاصصة، والتي يعتبرها التيار أكبر الأخطار على البلاد، وأشترطوا أن يكون التحالف وطنياً وليس طائفياً، كما وضع التيار شروطاً عملية مثل أن تكون قيادة الائتلاف واضحة، و الاتفاق على آليات اتخاذ القرارات كما أشار بهاء الأعرجي (1) لكن الإتفاقات على المبادئ ليست سوى جزء من أسباب نجاح التحالف وليس كل الأسباب، حيث تلعب شخصية وطبيعة وخصوصية الأجزاء المؤلفة له وبشكل خاص قياداتها دوراً كبيراً أيضاً قد يزيد عن دور المبادئ، والتي قد لا تزيد عند بعض من يدّعيها عن كلمات بلا معنى.

لقد كنت من القلائل الذين كتبوا وأصروا على ضرورة رفض المعاهدة مع الإحتلال الأمريكي على أساس أن الشريك المقابل ليس أهلاً للثقة، وأتصور أن هذا هو نفس موقف التيار الصدري، لأن كلمات المعاهدة كانت جميلة ولا غبار عليها، لكن التيار كان يعرف أن الكلمات لا تكفي، فرفض، فهل أن الكلمات تكفي في التحالفات السياسية؟ صحيح أن توازن القوى مختلف هنا، لكن المبدأ يبقى واحداً ويستطيع أي من أطراف أي اتفاق أن يخربه إن لم يكن يتصرف بحسن نية. ولنتحدث بصراحة : هل هناك ما يكفي من الثقة بين التيار الصدري والمجلس الأعلى؟ وأنا هنا لا أتحدث عن المواجهات الدموية التي جرت بين الصدريين والمجلس، وإنما حتى على المستوى السياسي. فالمتابع للمواقف السياسية منذ الإحتلال وحتى اليوم, وبلا شك قبل ذلك أيضاً، يرى بوضوح أن الطرفين الأساسيين المؤلفين لهذا التحالف مختلفين بل متناقضين في كل شيء تقريباً، كما أن الثقة بينهما تعاني من شق كبير.

من المعروف أن التحالفات الإنتخابية تفقد المتحالفين بعض المقاعد البرلمانية، أي أن مجموع المقاعد التي يحصل عليها المتحالفون تقل عن مجموع ما يحصلون عليه في حالة دخولهم الإنتخابات بشكل منفصل. والسبب في ذلك هو أن نسبة من ناخبي كل من هذه الأحزاب المتحالفة ترفض مثل هذا التحالف فلا تبقى من الأصوات سوى تلك التي تؤيد التحالف أو لا تجد مانعاً منه. بالمقابل ليس هناك عادة أصواتاً أضافية تأتي من خارج ناخبي المتحالفين، لمجرد أن هؤلاء تحالفوا. لذلك فليس هناك من هدف معقول للتحالفات في قوائم انتخابية موحدة سوى الطموح إلى تشكيل حكومة من خلال تشكيل القائمة الإنتخابية الأكبر أصواتاً بين المتنافسين. وهنا يأتي السؤال المهم: هل أن التيار الصدري واثق من أنه يستطيع أن يتشارك مع شركائه هؤلاء بتشكيل حكومة مستقرة متفقة فيما بينها على معظم الأمور؟ هل تدل الأحداث التي جرت في الماضي على وجود أي احتمال معقول لمثل هذا الأمل؟ لا أتصور أن أحداً يصدق ذلك إلا من يريد أن يخدع نفسه، وثمن خداع النفس في هذا غالٍ جداً! في أي موقف أساسي أتفق الصدريون مع المجلس الأعلى؟ هاهي الجماهير القلقة تتساءل إن كان الصدريون قد غيروا موقفهم من إقليم الجنوب، فيطمئنهم الصدريون بالنفي، لكن كيف ستتصرف الحكومة المحتملة في مثل هذه الحالة؟ وماذا عن الموقف من الإحتلال؟ على كل من يدخل تحالفاً أو حكومة أن يقرر الثمن المبدئي الذي هو مستعد لدفعه مقابل ذلك التحالف، فهل حسب السادة في قيادة التيار ذلك الثمن؟ وهل حسب الصدريون أنهم قد يضطرون إلى ترك الحكومة كما حدث في الماضي، بعد أن يكونوا قد دفعوا ذلك الثمن من مقاعدهم ومن نسبة ثقة ناخبيهم ومجموعة من التنازلات عن مبادئهم؟

في خبر قرأته قبل اسبوعين تقريباً (2) جاء أن السيد مقتدى الصدر دعى الناس للتصويت للأكفاء وعدم بيع أصواتهم، قائلاً " أي فعل يؤدي إلى وصول من يريد بقاء المحتل واستمرار الظلم والفقر هو فعل مشين لا نقبل به".
وفي مقابلة سابقة مع الجزيرة إثر انسحاب التيار من الإئتلاف الموحد، كان المتحدث الرسمي باسم التيار، السيد صلاح العبيدي، يتحدث بنفس الإتجاه عن الضوابط الأساسية بالنسبة للتيار لتشكيل أي تكتل برلماني أن "لا يكون داخلا فيه من يشارك في تقسيم العراق أو يحرض عليه لا يشارك فيه من يحاول جر العراق إلى اتفاقات وصفقات تنفع جهات إقليمية أو جهات عالمية"، وأيضاً: " الشيء الأول في حركتنا هو هموم المواطن العادي هي رفع الثقل الاقتصادي عن كاهله" (3).

ولنسأل: هل أن المجلس يقف بالضد من بقاء المحتل أم أنه كان من مؤيدي المعاهدة؟ هل يعمل من أجل رفع الظلم عن الفقراء، وهل أن هموم المجلس هي هموم المواطن العادي؟ أم أنه يتبنى فكراً إقتصادياً ليبرالياً يركز على إنعاش الشركات والتجار؟ هل أن المجلس "لا يعمل على تقسيم العراق" أم أنه كان القوة الدافعة الأساسية لمشروع إقليم الجنوب التقسيمي، والذي كان للتيار الصدري قد وقف بوجهه بقوة؟ كيف سيستطيع التيار أن يشرح لأتباعه وناخبيه مثل هذا التحالف، وكيف سيتمكن من تبرير التصرفات التي لا مفر منها من قبل حلفائه الجدد، دون أن يضطر إلى المراوغة وتشويه الحقائق، ويظهر لهم كأي أتجاه سياسي بعيد عن المبادئ، ويخسر تدريجياً هؤلاء الأبتاع والناخبين؟

لا يجب الوقوف عند جروح الماضي، لكن من ينسى دروسه سيضطر لتكرارها ودفع ثمنها من جديد، ودروس تجربة التيار الصدري مع الحكومة الحالية لم يكن ثمنها من دماء أبنائه وقادته قليلاً. وكان الدرس الأساسي في تقديري أن التيار إن بقي ممثلاً لشعبه ولفقرائه، فأنه سيكون موضع عداء معظم القوى السياسية التي في الطيف السياسي العراقي، وأن هذا قدره، مثلما كان هذا قدر التيارات اليسارية التي وضعت هدفها خدمة الفقراء في أي مكان في العالم. هذه التيارات الشعبية توصلت منذ زمن طويل أن خير ما تستطيع القيام به هو البقاء خارج السلطة وممارسة المعارضة السياسية بأكبر فعالية ممكنة لدرء الهجمات التي يشنها التجار والأثرياء على الفقراء من الناس. فالتيارات الأخرى لن تسمح لها باستلام السلطة أو المشاركة فيها إلا بعد التخلي عن مبادئها تلك.

لذا فأن تصريح رئيس الكتلة الصدرية في مجلس النواب الدكتور عقيل عبدالحسين مثير للعجب وللقلق من سلامة تحليلاته وتقديراته حين يقول: “ان تولي الصدريين رئاسة الوزراء في الحكومة المقبلة امر وارد،وليس مستبعدا". (4) رغم أنه يجب ان يكون الهدف من التحالف، كما ذكرنا.
لا أعرف ما هي الإتفاقات التي تمت خلال مفاوضات التحالف لكي يطمئن الدكتور عقيل إلى مثل هذا الأمر، لكن هذا الكلام في تقديري أقرب إلى أحلام اليقضة منه إلى تحليل الواقع السياسي في العراق المحتل. فلا المجلس سيسمح للتيار بتنفيذ سياساته ولا الإحتلال، (دع عنك استلام رئاسة الحكومة) وستقف معهما العديد من القوى الأخرى لنسف مثل هذا الإحتمال. هل نسينا بسرعة كيف أن كونداليزا رايس جاءت بنفسها إلى العراق لتغير رئيس الحكومة السابق السيد الجعفري وتضع مكانه نوري المالكي، وكيف وقفت معها مختلف القوى السياسية؟
هل سيرضى التيار بالعمل في حكومة يرأسها عادل عبد المهدي، خاصة بعد فضيحة مصرف الزوية؟ إن التخطيط الواقعي السليم هو الذي يجنب صاحبه الإحراج والخسائر الكبيرة غير القابلة للرد مستقبلاً.

أن الخيار السياسي السليم في تقديري هو أن يقف التيار لوحده إن لم يجد حليفاً يقاربه في أهدافه الأساسية. فالشعارات لا تتمتع بالمصداقية ما لم يكن هناك ثقة تساندها، والمثل العربي يقول: "سل عن الجار قبل الدار" لكني ما أرى من الإتجاه في التيار حول التحالفات، أن السؤال كان عن الدار فقط، مؤملاً أن الجار سيكون لطيفاً هذه المرة، رغم أنه لا يوجد أي أساس لهذا الأمل..
السليم أن يدخل التيار الإنتخابات وحيداً، وليطمئن ناخبيه بأن صوتهم لن يسهم في صعود قوى لا يريدها هذا الناخب إلى البرلمان، ثم لينظر في التحالفات بعد الإنتخابات. صحيح أن هذا لا يمكن أن يعطي التيار فرصة لرئاسة الحكومة، لكن ذلك الأمل وهم لا قيمة له، ويجب أن يصحوا الذين يحلمون به، فالواقع بعيد عن ذلك!

ليس العمل السياسي سهلاً عندما لا يكون لديك حلفاء، لكن طريق الحريصين على مصالح شعوبهم لم تكن سهلة أبداً، وليس لي سوى أن أدعو التيار لمراجعة قراره بشجاعة وأقول له "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه"!
 



(1) http://www.albainah.net/index.aspx?function=Item&Id=30126
(2) http://www.sotaliraq.com/iraqnews.php?id=46943
(3) http://www.aljazeera.net/NR/exeres/413CFD87-F80D-46A3-A4AC-DDBA2A7F448C.htm?wbc_purpose=%2F%2F%2F%2F%2F%2F%2F%27
(4) http://www.alkufanews.com/news.php?action=view&id=1680

 

 

free web counter