| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                                                     الأثنين 30/1/ 2012


 

قوانين للعبيد وقوانين للأمريكان – محاكمة المارينز في جريمة حديثة

صائب خليل  

إذا أراد القاضي الأمريكي أن يقسوا كثيراً على مشاة البحرية الأمريكان سفاحي مجزرة حديثة، والتي سقط فيها 24 مدنياً عراقيا من رجال ونساء وأطفال في منازلهم، فسوف يحكم على واحد منهم فقط بالحجز لمدة ثلاثة أشهر! هذا ما وصل إليه القضاء الأمريكي بعد سنوات طويلة من التأجيل والمماطلات.

فلقد تم الإتفاق مع المتهم الوحيد الباقي فرانك ووتريتش بأن يقر بالذنب بتهمة "التقصير" في أداء واجبه، على أن ترفع عنه بقية التهم، كما قال الضابط بالبحرية الأميركية تشاد ماكين، وفق "صفقة" تم التوصل إليها بين فريق الدفاع وهيئة المحكمة!! وكأن أهالي الضحايا كانوا منزعجين من "تقصير" أحد الجنود في أداء واجبه، وليس طلب العدالة عن ذبح ذويهم بدم بارد، واعتبار القتل تسلية حين يتم أخذ  الصور التذكارية مع الضحايا، كما كشفت "نيويورك تايمز" بالصدفة (1)

بطل المجزرة قرأ إفادته بثقة وهدوء وقال أنه "يأسف" لما حدث، مقراً بأنه اعطى الأوامر: "أضرب ثم ناقش" وقال أن ذلك ربما كان خطأ. وقال عنه محاميه أنه "ليس شريراً" وأنه "رجل خلوق وأمين وشريف". وقال هو عن فريقه أنه لا يعتقد أن أي منهم قد تصرف بشكل غير مشرف، أو بخلاف أرفع القيم التي "تعيش المارينز من أجلها" ...". وبالتالي تحولت محاكمة القتلة إلى احتفال تكريمي لهم! (2)

ولم يستطع المحللون إخفاء قلقهم من أن هذا الحكم يرسل رسالة للعالم تؤكد الفكرة المأخوذة عن أميركا بأنها لا تحاسب منتسبيها على جرائمهم، وأنها لا تتبع المقاييس التي تحاول فرضها على الدول الأخرى، وأن هذا، كما قالت ساره ليه مديرة فرع أفريقيا والشرق الأوسط من "هيومان رايتس واج" ، يسهم في تثبيت الفكرة المستهجنة الساخرة من الخطاب الأمريكي في المنطقة. (3)

كتب يساري أمريكي: "لقد أذهلتنا هذه النهاية المحبطة لقضية وصفت يوماً بأنها "ماي لاي العراق" ... "، إشارة إلى مجزرة وحشية أخرى من مجازر الجيوش الأمريكية في العالم. (4)

وحاول ووتريتش في مقابلة له مع برنامج 60 دقيقة أن يعطي إنطباعاً بالتأثر، وروى القصة على أنهم كانوا مجبرين على قتل الضحايا بإلقاء القنابل اليدوية داخل الغرف قبل اقتحامها، وأنهم لم يكونوا يعرفون من قد يكون فيها، وأن ذلك من ضرورات التعليمات العسكرية ووفق التدريب. (5)

لكن الفتاتين الناجيتين من المجزرة أكدتا أن الجنود الأمريكان كانوا يصرخون بوجه أهاليهم قبل أن يقتلوهم، مما يعني أنهم رأوا ضحاياهم وعرفوا أنهم نساء وأطفال أبرياء ولا يمثلون تهديداً، وقتلوهم رغم ذلك عن قصد، وأن القصة ملفقة. (6)

وفي البرنامج قال القاتل أنه لم يخطئ وأنه مستعد لكي يفعل ذلك مرة ثانية لو عاد للعراق!.

أن يكذب جندي مهدد بحكم خطير، ليس أمراً غريباً، ولا يعنينا الكثير. لكن سخرية النظام الأمريكي، القضائي والسياسي والعسكري، واحتقاره لضحاياه، هو ما يلفت النظر. فعندما يقتل أمريكان، فعلى العالم أن يتوقع حرباً وأن تكون "ديتهم" الملايين من الأبرياء وغير الأبرياء، أما عندما يقتل الأمريكان آخرين، مهما كانت بشاعة القتل ومهما كانت الجريمة ثابتة، ومهما كان المجرمون محددون، فالأمر مختلف تماماً. أو كما يقول جومسكي ساخراً: "عندما يقوم الآخرون بالقتل، فهو عمل إرهابي وعندما نقوم به نحن، فهو عمل مضاد للإرهاب".

كلما مرت واحدة من قصص "العدالة" الدولية الأمريكية أمامي، أتذكر حادثة لوكربي وقتلى العراقيين على يد الأمريكان، والفارق في "الدية": ملايين الدولارات للضحايا الأمريكان والبريطانيين، وبضعة مئات الدولارات للضحايا من العراقيين. وأتذكر أيضاً قوانين العالم القديم، أيام العبودية  والإقطاع، وقوانين العبيد والسادة التي قرأناها في مسلة حمورابي. (7)

فتقول المسلة مثلاً : "من تسبب في إتلاف عين رجل من الطبقة العليا تقلع عينيه" وتنص ماده تالية على أن "من يفقأ عين رجل من العامة يدفع مينه من الفضة" وأخرى تقول "ومن يفقأ عين رجل من العبيد يدفع نصف القيمة." (8)

لكن علينا أن لا نظلم حمورابي، فالرجل عاش قبل حوالي 4000 عام من الآن، ويفترض أن الإنسان تطور قليلاً خلال هذه الفترة! فما هو الفرق بين الإنسان العراقي القديم "المتوحش" و الأمريكي الديمقراطي المتحضر؟ النتيجة واحدة، ولكن الفرق هو أن تلك القوانين العنصرية لم تعد مكتوبة، لكنها تنفذ بشكل نظامي ودقيق وفي كل مرة.

والفرق ايضاً أن التمايز بين سادة وعبيد اليوم صار أكبر بكثير من سادة وعبيد زمن حمورابي، فمن يقتل جندياً أمريكياً، حتى لو جاءه الجندي معتديا على بيته، لا يحكم بالحجز فقط لضعف مدة حجز المدلل ووتريتش ، أو ثلاثة أو أربعة أضعاف...بل أحكام أقسى كثيراً، قد تشمل دولته كلها وشعبه كله!

لنعد إلى بعض تاريخ الولايات المتحدة، وقوانين العبيد فيها، لعلنا نجد سبباً لهذا الوضع الغريب، لدولة تدعي أن لها الحق بقيادة البشرية.

قوانين ساوث كارولينا عام 1749 – أي قبل الإستقلال عن بريطانيا، تقول المادة التاسعة أنه في حالة قتل عبد لسيد فأنه يجب إحضار العبد إلى محاكمة عاجلة خلال ثلاثة أيام، وفي مادة أخرى نقرأ إن قتل العبد شخصاً أبيض، فإنها جريمة تحكم بالإعدام، ومادة أخرى تشرح ان قتل شخص أبيض لعبد بلا مبرر فأنه يغرم 700 باوند، أما إن كان في الأبيض في سورة غضب، فأن العقوبة تخفض إلى النصف، فيدفع 350 باوند!

وتوضح لنا مادة أخرى أن معاقبة العبد بأعمال مثل الكي أو الحرق أو الإخصاء أو قطع اللسان أو قلع العين أو قطع عضو منه أو اية عقوبات "قاسية" مشابهة، عدا جلده بسوط من الجلد أو العصا أو وضع الحديد (في يديه و رجليه) أو حبسه .. (هذه العقوبات المسموح بها) فأن الأبيض يغرم 100 باوند. (9)

إذن يمكننا أن نقول أن قوانين حمورابي تتميز عن تلك الأمريكية التي جاءت بعدها بحوالي 4000 عام بأنها أقل عنصرية وظلماً واحتقاراً، لعبيدها من "عبيد العصر الجديد" ...نحن! بل أن مسلة حمورابي في زمن العبودية، تسمح بزواج العبد من حر للجنسين، وتعتبر اولاده أحراراً، بينما قوانين أميركا في القرن الثامن عشر، عصر ازدهار الرأسمالية، تحرم ذلك وتعاقب من يقوم به وتضع العراقيل أمام الإعتراف بالأطفال أيضاً!

لقد أزيلت تلك القوانين، لكن روحها مازالت باقية كما يبدو. فقبل نصف قرن منع شرطة امريكان سود من دخول مطعم في اميركا، بينما سمح بذلك للأسرى النازيين الذين كانوا يقتادونهم! ويذكر وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول أنه منع من دخول مطعم في إحدى الولايات الجنوبية لكونه أسود عندما كان ظابطاً في الجيش الأمريكي. كذلك لا يدل تأخر انتخاب أول رئيس اسود للولايات المتحدة والدهشة الكبيرة التي صاحبت الحدث، إلا على أن القضية لم تنته بعد في النفوس الأمريكية.

هل من غرابة بعد كل ذلك أن يحكموا على من يقتل العراقيين ببضعة اسابيع في الحجز؟ وهل من غرابة بعد ذلك أن يشترط "اصدقاءنا" هؤلاء، الحصول على الحصانة من القانون حيثما حلوا؟

 

(1)  http://www.alsumarianews.com/ar/8/35209/news-details-Iraq%20international%20news.html

(2)  http://www.courant.com/news/nation-world/sns-rt-us-iraq-usa-hadithatre80n1tb-20120124,0,6725921.story

(3)  http://www.informationclearinghouse.info/article30340.htm

(4)  http://www.informationclearinghouse.info/article30339.htm

(5) مقابلة الجندي المتهم عام 2007

 http://www.cbsnews.com/video/watch/?id=2582353n

(6) شهادة فتاة عراقية عن مجزرة حديثة

http://www.informationclearinghouse.info/article30339.htm

(7) http://www.commonlaw.com/Hammurabi.html

(8)  http://radiosawaa.com/vb/t562.html

(9)  http://legal-dictionary.thefreedictionary.com/South+Carolina+Slave+Code

 

free web counter