| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الأثنين 6/4/ 2009



سيمور هيرش: تشيني أدار كتائب للإغتيالات في العالم

صائب خليل

بالرغم من كثرة القائلين بأن أميركا دولة مؤسسات، وأن تغيير الرئيس لن يغير في الحال شيئاً، فقد سعدت لإنتخاب أوباما لسببين (عدا الإحتقار الطبيعي الإنساني لوضاعة بوش): الأول هو أن هذا القول، رغم أنه صحيح عموماً، ليس دقيقاً (حتى بعد تغيير عبارة "مؤسسات" إلى "شركات"). ليس صحيحاً أن تغيير الرئيس لايعني شيئاً في دولة الشركات تلك. فرئيس مثل كارتر، رغم بعده عن المثالية، أثار حنق المؤسسات الأمنية للشركات الأمريكية المتحدة، لأنه جعل أعمالهم أكثر صعوبة واضطرهم إلى اللجوء إلى الوسائل السرية البعيدة عن رقابة الحكومة، وهي في كل الأحوال وسائل أقل حرية في العمل، خاصة اللاأخلاقي واللاقانوني، من حرية العمل العلني الذي يمكن لهذه المؤسسات القيام به لو توفر له الدعم الرئاسي، لذا فقد احتفل رجال الـ سي آي أي وأمثالها في أميركا الوسطى وغيرها بفوز ريغان، الذي يعد الأكثر وحشية، ربما بعد نكسون. فرئيس جيد أو معقول أو أخلاقي نسبياً أو حتى أقل وحشية، سيوفر بلا شك من ألام العالم لبضعة سنين، وأوباما يبدو كذلك.

والسبب الثاني هو أنه حتى لو كان القادم سيئاً مثل بوش تماماً، فيمكن انتظار بعض الأخبار الجيدة عن انكشاف فضائح! فإدارة الجمهوريين ستتغير بشكل جذري، والإدارة الجديدة، مهما كانت سيئة، لن تكون مسؤولة عما أرتكبته الإدارة الأولى من جرائم، لذا لن يكون لديها مصلحة تدفعها لتتحمل مخاطرة من أجل إخفاء حقائق جرائم إدارة بوش. ورغم أن بعض تلك الجرائم والفضائح قد بدأ حتى في إدارة بوش نفسها، إلا أنه من المعقول أن نتوقع تسارعاً كبيراً في حلقات المسلسة بعد سقوطها. فمن كان يريد أن يتكلم، لن يخاف على نفسه مثلما كان سيفعل لو أن المجرم كان مازال على رأس السلطة.

وهاهي أولى الفضائح الكبيرة تتكشف، حيث أتهم الصحفي الكبير، الحائز على جائزة بوليتزر للصحافة التحقيقية، سيمور هيرش، إتهم ديك تشيني، نائب الرئيس بوش، بأنه كان يدير "حلقة تنفيذ إغتيالات" ترتبط به مباشرة وتقدم تقاريرها إلى مكتبه! (1)
وقال هيرش أن أعضاء الحلقة كانوا يدخلون البلد المعني وهم يحملون قائمة للأشخاص المطلوب اغتيالهم، وبدون التحدث، لا إلى السفارة الأمريكية ولا إلى مكتب الـ سي آي أي (CIA)، يتجهون إلى تنفيذ عملهم مباشرة ويبحثون عن المطلوبين وينفذون عملية القتل ويغادرون البلاد!

وقد أثارت هذه التصريحات التي اعلنها هيرش في خطاب في جامعة مينسوتا في العاشر من آذار الماضي، الكثير من اللغط في الولايات المتحدة, وماتزال تداعياتها تتفاقم. وقال هيرش في مقابلة مع محطة "الديمقراطية الآن" بأن الكونغرس ليس له اطلاع على الأمر، وأشار إلى أن مجلة التايمز قد نشرت فعلاً بأن قائد مجموعة الإغتيالات، النقيب البحري "ماك رافن" قد أمر بوقف العمليات لكثرة ما ينتج عنها من "قتل غير مقصود".

ولم ينكر "جون حنا"، المستشار الأمني السابق لنائب الرئيس تشيني الأمر بل برره في مقابلة للـ (CNN) قائلاً: "أن عمليات الإغتيال كانت ضد من أرتكب "أعمالاً حربية" ضد الولايات المتحدة، أو هم "في حالة حرب مع الولايات المتحدة" أو "يشتبه بأنهم يخططون للقيام بعمليات حربية ضد الولايات المتحدة" وفي هذه الحالة تعطى الصلاحيات للقوات المتواجدة في ساحة القتال أو مسارح الحرب للقبض عليهم أو قتلهم، وهذا بدون شك صحيح!".
وعن سؤال عن قانونية ودستورية تلك الأعمال، قال حنا: "لا مجال للتساؤل بأننا في مسرح الحرب، عندما نكون في حالة حرب، ونحن نعلم – وليس هناك أي شك في ذلك، بأننا مازلنا في حالة حرب ضد القاعدة في العراق، والقاعدة في أفغانستان، وعلى تلك الجدود الباكستانية، وأن لدى قواتنا الصلاحيات لمطاردة وإمساك وقتل العدو، بضمنها قيادته."

ومن هنا يمكننا أن نستنتج مفهوم "جون حنا" لـ "الشرعية" بأن الرئيس الأمريكي يمكنه أن يصدر أوامر قتل خارج القانون وبلا محاكمة، مادام يقول أنه في "حالة حرب", وأن ساحة سلطته في ذلك القتل تشمل العالم كله، ودون أن يحتاج إلى برهان أو دليل. وبما أن "الحرب على الإرهاب" لانهاية لها حسب قول بوش، فأن للرئيس الأمريكي، إن ترك الأمر لمجموعة بوش، أن يقتل من يشاء في العالم في أي وقت يشاء، ولـ "مرحلة" لا نهاية لها!

لكن هيرش رفض هذا التبرير قائلاً أن ماقاله جون حنا يعني إذن: "نعم نحن نقتل المشتبه بهم في المشاركة بجرائم ضد الولايات المتحدة، وهذا مخالف لقانون وقعه الرئيس جيري فورد في السبعينات يمنع مثل هذه الأعمال " وقال أن هذا ليس فقط خارج القانون والأخلاق، ولكنه أيضاً ذو مردود سلبي.
وأضاف هيرش في مقابلة "الديمقراطية الآن" أنه سيكشف قريباً بشكل محدد الدول التي تمت فيها مثل هذه العمليات، وإنها دول أبعد كثيراً من أن تسمى "مساحات اشتباك"، وأنها تشمل ما يصل أو يزيد عن 12 دولة وأن الرئيس قد سمح بمثل هذه العمليات في دول في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية.

وفي تشكيكه في إمكانية الإعتماد على المصادر الأمنية لإتهام الناس، قال هيرش أن تقريراً داخلياً صدر في صيف 2002 أشار إلى أن ما لايقل عن نصف معتقلي "غوانتانامو" لا علاقة لهم بعمليات ضد الولايات المتحدة، وأن المعلومات الأمنية مشتته وغير دقيقة، وقال "يثير دهشتي أن يعتقد الرئيس أن لديه الصلاحية الدستورية أو الحق القانوني بأن يأمر الجنود الذين ليسوا في حالة اشتباك عسكري مباشر، بأن يطاردوا أشخاصاً إعتماداً على قوائم تقدم لهم، وثم قتلهم...إنه يثير دهشتي، إنه يثير دهشتي حقاً"!

وشرح هيرش أن ما يسمى "قيادة العمليات الخاصة المشتركة" هي نوع من الوحدات الخاصة، لها هيكلها المستقل ولها استقلاليتها في الترفيع, وأن أحد العوامل التي تقرر ترفيع العاملين فيها هو عدد ما يقتله كل منهم. وقال أنه أمر مفهوم أن يقتل الجنود أعداءهم في حالة القتال، مثلما يحدث في أفغانستان والعراق، "لكن عندما يذهبون إلى دول أخرى لقتل أناس لأنهم يعتقدون أنهم في قوائم القاعدة أو لهم روابط بالقاعدة أو أنهم يعملون ضد أميركا، فهذا مخالف لكل المبادئ" مشيراً إلى أن مثل هذا حدث في دول مثل اليمن، و بيرو وكولومبيا واريتريا ومدغشقر وكينيا، لكنه قال أنه سيقدم قائمة الدول التي حدثت الإغتيالات فيها بشكل محدد في وقت لاحق.

هل سيحاكم ديك تشيني بتهمة الإغتيالات غير الدستورية؟ هل ستكشف التحقيقات المزيد من الجرائم التي ارتكبتها إدارة بوش ضد البشر في مختلف أقطار العالم؟ هل هناك فضائح من أنواع أخرى؟ ليس لدي شك بذلك والأمل كبير أن يتم فضح الكثير منها لتفهم البشرية مع من تتعامل. وماذا سيفعل تشيني وأمثاله في مثل هذه الحالة لإنقاذ أنفسهم؟ إنهم لم يهملوا لحظة الحساب هذه بل أتخذوا ما يمكن من احتياط لها، وهو ما تدلنا عليه بوضوح فضيحة أخرى مدوية لديك تشيني لم يزل صداها يتصاعد، تشير إلى أن هذا الرجل قد ترك "بقايا تجسسية" له في إدارة أوباما، لتقوم بإبلاغه بالتطورات الخطيرة لكي يحتاط لها ويتصرف في الوقت المناسب (2)، وهو ما استعملته الولايات المتحدة، غالباً من خلال حلف شمال الأطلسي، لترك العملاء السريين في البلدان التي تضطر لتركها للتآمر عليها مستقبلاً، وكذلك الدول التي كانت تخشى أن يسيطر فيها الشيوعيون على الحكم، فهل يعامل تشيني حكومة أوباما بنفس الطريقة؟ هذه الفضيحة الجديدة بحاجة إلى تخصيص مقالة لها، بل مقالات لها ولتاريخ هذا النوع من تعامل حلف شمال الأطلسي مع الدول "الصديقة" والعضوة فيه أيضاً!

ومن ناحية أخرى تجري تطورات فضيحة أمريكية ثانية بعيدة عن الأراضي الأمريكية. فقد بدأت محكمة أسبانية إجراءات لمحاكمة ستة من أعضاء إدارة بوش السابقة هم جون يو و جاي بيبي وديفيد أدينكتون و البرتو غونزالز ووليام هاينز و دوغلاس فيث بتهم قيامهم بإعطاء صلاحيات للقيام بأعمال تعذيب في معتقل غوانتانامو. ويسمح القانون الإسباني بمحاكمة غير الإسبان ولجرائم لم تقع على الأراضي الأسبانية، وفق "الشرعية العالمية" وهو مبدأ استعمله الأمريكان لمحاكمة إبن الرئيس الليبيري السابق بتهمة التعذيب، واستعملته إسرائيل لمحاكمة رودلف إيخمان لجرائمه أثناء الهولوكوست.

من كوابيس تشيني أن الولايات المتحدة صادقت على قانون بتحريم التعذيب ووعدت بذلك بتسليم أو ملاحقة من يرتكبه او يساعد عليه. وليس هناك خير من جواب أوباما يشرح الوضعية الحالية القلقة لعصابة بوش من القتلة الأنيقين. فعن سؤال لأوباما إن كان سيرحب بمحاكمة مسؤولي إدارة بوش، قال: "من وجهة نظري ليس هناك أحد فوق القانون، وإن كان هناك دلائل واضحة على إساءة عمل، فيجب ملاحقة هؤلاء كأي مواطن عادي"، لكنه عاد فأضاف: "لكنني بشكل عام مهتم بالنظر إلى الأمام أكثر من النظر إلى الخلف".
وهذا في تقديري تعبير عن أن أوباما قد يفضل تجنب مثل تلك "المشاكل" لكنه ليس مستعداً للمخاطرة ببعض سمعته من أجل الوقوف بوجهها، وهو ما عنيته في مقدمة المقالة عن موقف الإدارة الجديدة من جرائم القديمة.

ومن المعقول تماماً أن نتوقع ضغطاً على إدارة أوباما من أجل تلك المحاكمة، فالفرح العام الذي رافق خروج بوش (وأمثاله من جمهوريين) من السلطة يدل على كراهية شعبية شديدة لسياسته وسياسييه وإرادة لمحاسبتهم على ما قاموا به. وبالفعل فأن ثلثي من شملهم تعداد "يو إس أي توداي" فضلوا إجراء تحقيقات حول تورط فريق بوش بالتعذيب، و 40% فضلوا أن يكون التحقيق جنائياً. وتقول البروفسورة ماريوري كوهن(3) بأنه إن رفضت هذه الإدارة أن تقوم بالتحقيقات فأن ذلك سيشجع إدارة أخرى على تكرار نفس السيناريو.(4)

يقال أن النبتة العنيدة تنبت من بين الصخور، فهل تكون "الحقيقة" تلك النبتة، وهل تصر الإنسانية على أن تراها تبزغ وترتفع من بين تلك الصخور الصماء؟ في مقالتي السابقة تساءلت: " ماذا يحمل هذا الربيع للبشر من أخبار؟" (5) فهل سيكون هذا الربيع، ربيع اخضرار نبتات الحقيقة العنيدة؟ من ناحية أخرى، ألا ترى أن التساؤل عن احتمال لدور أمريكي في قيادة الإرهاب وفرق الموت في العراق، قد حان وقته عزيزي القارئ؟


(1) Secret US Forces Carried Out Assassinations in a Dozen Counties
http://informationclearinghouse.info/article22325.htm
(2) Countdown: Seymour Hersh on the Dick Cheney "Stay Behinds"
http://videocafe.crooksandliars.com/heather/countdown-seymour-hersh-dick-cheney-stay-behind

(3) ماريوري كوهن البروفسورة في "مدرسة توماس جيفرسون للقانون" ورئيسة جمعية المحامين الوطنية، ومؤلفة "جمهورية الكاوبوي": ستة طرق خرقت إدارة بوش بها القانون.
(4) Spain Investigates What America Should
http://informationclearinghouse.info/article22360.htm
(5) http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/2sp.htm
 


6 نيسان 2009


 

free web counter