| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                   الأربعاء 6/3/ 2013

 

تظاهراتكم قد فسدت، فعودوا لبيوتكم
الجزء اللثاني

صائب خليل 

من فوبيا إيران إلى أحضان إسرائيل

قبل سنوات كانت الصحافة الهولندية تسأل الشابة الصومالية التي وجهتها السي آي أي لإثارة الناس ضد الإسلام في هولندا، إن كانت تفكر بالتوقف عن عملها خوفاً على حياتها أم أن لها الشجاعة اللازمة للإستمرار. لم يسألها أحد إن كانت ستتوقف عما تقوم به لأنها اكتشف أنه خطأ مثلاً. لقد وضعوا أمامها سببا واحداً محتملاً للتوقف وهو "الخوف"، فترد بأنها لن تخاف، وهو بالطبع ما كانوا يأملون أن تقوله.

ومن شاهد تظاهرات الأنبار، يلاحظ أن الدعوات تقتصر على "الصمود" وأن المديح يقتصر على "الشجاعة"، ولم يكن هناك من يتساءل عن صحة الإستمرار. اختفاء المناقشة والتركيز على التحدي والتشجيع، جعل من قادة التظاهرات والمشاركون فيها، يتصرفون ويتحدثون وكأنهم "طفل مدلل غاضب" لا يحسب حساباً لشيء أو لأحد، وكأنه يريد أن يحطم العالم ما لم يستجاب لمطالبه. إنه لا يحس بوجود آخرين "في البيت"، آخرين قد يختلفون معه في الرأي، آخرين قد تختلف مصالحهم عن مصالحه، وتتقاطع بعض حقوقهم مع حقوقه، وأنه يجب ان يتفاهم معهم على مطالبه و"تقاسم" إدارة البلد حيثما يعجزون عن الإتفاق. طفل يعتبر نفسه محقاً في كل شيء، وان من يختلف معه لا بد أن يكون شريراً (عميلاً) وأن هؤلاء قلة يجب إهمالهم وربما إنقاذ البلد منهم!

الحقيقة مختلفة تماماً، فما يهدد التظاهرات وأهدافها ليس نقص الشجاعة بل نقص العقل والقيادة، وسيطر على قيادتها الهرج والدجالون الذين يحلمون بالرسول يأتيهم مع الحسن والحسين وعلي وابو بكر وعمر وعثمان ليقول للحالم أنه "زعلان" ويشكو له قلة التعاون في التظاهرات! حان الوقت للتساؤل إن كان من الصحيح إستمرار هذه التظاهرات، ولصالح من سيكون ذلك.

يظهر ممثل للتظاهرات في التلفزيون أمام نائبة من دولة القانون، فيغلبها بهدوئه وأدبه وردوده البسيطة الصادقة، على غير العادة لغيره من الممثلين السابقين، ويعبر عن احترامه للمذهب الآخر واتباعه ويكاد يكسب الجمهور، ثم فجأة ينفجر بلا مناسبة في هجوم على إيران والحكومة العميلة لها، وكأن كلمة إيران تتيح لمن يذكرها أن يفقد عقله ويهيج كما يشاء دون أن يسأله أحد عن دليل أو برهان على كلامه. وقد ذهب سعيد اللافي في خياله الشاطح إلى تصور وجود "مسؤولين بالمحافظة يحملون الجنسية الايرانية(1) بالرغم من أنها ليست كارثة بحد ذاتها، مثلما يحمل الكثيرون الجنسية الأمريكية والسويدية والبريطانية وغيرها، بل ومثلما يوجد العديد من حملة المناصب العليا في إيران ممن يحملون الجنسية العراقية. لكنك تشعر عندما يكون الحديث عن إيران أنك أمام كائن هائج لايمكن مناقشته بالعقل.

ظاهرة "الرهاب الإيراني" لا تستثني "مفتي الديار العراقية" الذي يقول دفاعاً عن التظاهرات:"نحن نقسم بالله أن المعتصمين لا يتبعون الخارج فهل يستطيع المالكي ان يقسم أنه لا ينفذ أجندة إيران؟"(2)

من الطبيعي أن أحداً من المتظاهرين لم يأت لينفذ عن وعي أجندة خارجية، لكنه في نهاية الأمر قد يفعل ذلك دون إرادته حين تستفيد من ضغط تظاهراته تلك الجهات الأجنبية لتفرض أجندتها على الحكومة العراقية أو تحطم أقتصاد البلد. أما أن يكون المالكي يعمل بأجندة إيران فهو حقاً اتهام غريب لحكومة لا تستطيع حتى إقامة علاقات إقتصادية طبيعية مع إيران رغم حاجتهما لبعضهما البعض، بسبب الضغوط الأمريكية المختلفة وأكثرها وضوحاً شروط بنك جي بي مورغان الذي يحرم التجارة كبيرة الحجم مع إيران، دون أن تتخذ الحكومة أي إجراء بهذا الشأن، ليس من أجل إيران وإنما على الأقل من أجل مصلحتها وكرامتها كحكومة دولة مستقلة! لماذا لم يتهم رافع الرافعي الحكومة بإتباع أجندة أمريكية إذن بدلاً من ذلك ولديه على هذا عشرات الأدلة المثبتة؟ ليس لدي سبب سوى أن هذا "الوباء السني" يعمي المصابين به عن رؤية ما هو أمامهم، ويظهر لهم الهلوسات كحقائق!

ما الذي يوصله "مفتي الديار" هذا و "مفتي التظاهرات" ذاك، للنسبة الكبيرة التي انتخبت هذه الحكومة من الشعب، أو تلك النسبة التي وقفت حيادية تجاهها؟ لو أني كنت ممن انتخب الحكومة، وكنت احتفظ بعاطفة إيجابية تجاه إيران باعتباري شيعياً، فسأجد في خطاب هذا الرجل كل المبرر للإبتعاد عن الوطن والذهاب باتجاه إيران! خاصة بعد المرحلة الأولى المثيرة للإشمئزاز من الشتائم الطائفية المنفلتة التي اعطت الإنطباع الأول عن التظاهرات.

لو كنت من ناخبي المالكي أو القابلين به فسيزداد تعلقي به، وأنا أرى البديل مجنوناً يهتف ضد مذهبي وينشد بأناشيد القاعدة ويتهمني بالعمالة لإيران! ولو كنت شيعياً كارها للمالكي أو مديناً له بالفساد، ومؤيداً فرحاً بالتظاهرات التي تطالب بمحاسبة الحكومة على فسادها، ومؤيداً لمطالب التظاهرات، فسوف أصحوا على غفلتي وأنا أشاهد الشعارات الطائفية ضدي أنا أيضاً. وحينما يتحول الهدوء إلى جنون لمجرد ذكر إيران وبدون تقديم أي دليل، فسوف أعتبر هذا بسبب مذهب إيران الشيعي وليس لأي سبب آخر، لأن احداً لم يقدم أي دليل على أي سبب آخر، ولاستنتجت أن وراء هذه التظاهرات ما تخفيه.

وعندما أسمع التهديدات المجنونة  لحكومة سوريا "العلوية"، وبالزحف بعدها إلى بغداد، فإني سأحسب ما ينتظرني وما ينتظر شعبي وبلدي إن تمكنت هذه المجموعة المخبولة من تحقيق ما تريد! ولكنت رضيت بحكومة المالكي على فسادها حين يكون الخيار بينها وبين مجموعة هائجة لا يعرف أحد حدود أهدافها وأتجاهها.

لقد علق أحد القراء على خبر التظاهرات الأولى المليئة بالطائفية ساخراً بمرارة: "شكرا لكم... لقد كان الشارع الشيعي قد قرر أن يعيد حساباته في من ينتخب في الجولة القادمة، وأن يترك من خدعوه بالإنتخاب وفق المذهب، وأن لا ينتخب اللصوص مهما كانت طائفتهم، وها أنتم تعيدون الإلتحام الشيعي خلف لصوصه بما ظهر منكم ما يخيف أكثر مما يخيف الناس من اللصوص".

أنقل لكم اسطراً من مقالة كاتب احتفظ باسمه، وأعرفه بعيد عن الطائفية، لتروا بأنفسكم كيف ينظر الآخرون إلى ما يجري.

يعدد الكاتب أولاً ما قامت به الحكومة من استجابات للمتظاهرين، ثم يقول "وذهبت جموع من العشائر لتهدئة الوضع في المناطق الغربية والشمالية كون العراق واحد والعشائر هي نسيج متجانس ويصل عمقها للاسرة الواحدة التي تحتضن في محيطها السني والشيعي ولفترات زمنية قديمة، وبعد تحقيق الكثير من المطالب والوعود الصادقة من الدولة الى المعتصمين في ساحات الاعتصام، لم نرَ ما يشجعنا ان نطلق على تلك التظاهرات بانها تحمل الروح الوطنية"....سمعت هتافاتهم واغانيهم التي تقول (ايران بره بره بغداد حره حره) نحن قادمون نحن قادمون( (بغداد بيدينا وماننطيها للفرس المجوس) وياكاع اترابج كافوري، واحنا ميشنا ميشنا، ثم تحدث احمد العلواني الافعى المسمومة وقد نفض سمه وقال (ايران المجوس عبدت الزرداشتية سنخرجها وسنقاتلها) الظاهر ان هذا الرجل مختل عقليا ولم يتذكر قول الرسول محمد صلى الله عليه واله (الاسلام يجب ماقبله)، ولم يميز بين الجمهورية الاسلامية الايرانية شعبا مسلما منذ مئات السنين وبين الفرس المجوس قبل الاسلام، الامور محسوبه عنده ان الاسلام فقط لاهل الانبار ولا يقبل من المسلمين غيرهم، واعتلى شيخ اخر وقال نحن لانؤمن بهذا الدستور وسحقا له ولعن الله من كتبه ثم شدد على ان نسقط هذه الحكومة العميلة الايرانية ....والغريب من ذلك كله ان بعضا من اصحاب العمائم يقول لقد كفل لنا الدستور هذا التظاهر وعلى الدولة ان توفر لنا الأمان، فهو يطبق ما يحلوا وما يناسب رغباته من فقرات الدستور والباقي لايؤمن به ويلعنه، وقد ثبت بالدليل القاطع ان الدولة لو استمرت بتنفيذ مطالبهم سيتمردون عليها اكثر"...

إنها ليست صورة جميلة أبداً، وهي بالتأكيد ليست بسبب طائفية الكاتب، فهو ليس كذلك، وما روى كان وقائعاً، وما استنتجه منها كان استنتاجاً منطقياً... على الإنسان أن لا يحسب نياته فقط في تصرفاته، وإنما كيف سيرى الآخرون تلك التصرفات وما هو وقعها عليهم.. هكذا خسر المتظاهرون الشارع، ورسخوا الشقوق في المجتمع العراقي بدلاً من جمع أطرافه في قضيتهم!

لقد أفتى الشيخ السعدي، بتحريم المطالبة بالإنفصال أو حتى بالأقاليم، وكان يردد بذلك صدى الشارع السني بصدق وبامتياز، لكن ما فائدة هذا الصدى الوطني وما فائدة الفتوى وما فائدة الإمتناع عن المطالبة بتقسيم الوطن، إن كان التصرف يدفع بالآخر إلى المطالبة بالتقسيم والإنفصال؟

ثم قرأنا أن السيد السعدي قد قابل ممثل السفارة الأمريكية، وأنه تباحث معه فيما يحدث في العراق وأعطاه رأيه في ما يجري في العراق. وأسوأ من هذا كله أنه سلمه رسالة تشكو من تصرفات الحكومة وتطالب أوباما بالتدخل لمنع النفوذ الإيراني الذي لم يكن لديه عليه أي دليل سوى رفع صور رموز إيرانيين في بعض أماكن العراق. وكذلك طالبه بالغاء أو تبديل الدستور العراقي "الطائفي" وتغيير الحكم في العراق، وكلها مطالب تثير العجب والدهشة والذهول، إلى درجة أننا لم نستطع حتى الآن أن نصدق أن من كتبها، والذي لم يتوان عن امتداح النظام القضائي الصدامي، هو الشيخ عبد الملك السعدي وتاريخه المجيد أمام ذلك النظام! فما كتب فيها لا يكتبه إلا من يريد إعطاء أميركا وإسرائيل الفرصة للتدخل في البلاد بشتى السبل والطرق ومنها التدخل المباشر والعسكري، إن ارتأت أميركا أو إسرائيل ذلك، أو أن يشكل ذلك على الأقل ضغطاً على الحكومة أن تنصاع لمطالب إسرائيل وأميركا تحت تهديد التدخل الذي كسب بعض "الشرعية" المزيفة، ولعله صار أقل رفضاً بين الناس من السنة خاصة، بمثل هذه الرسالة المشؤومة!

أي جنون هذا الذي يستجير من التدخل الإيراني المتمثل برفع صور الرموز، بتدخل إسرائيلي أمريكي يغير الدستور والنظام!! إن هذا التخبط المخيف يبرهن أن الفوبيا حين تتفاقم حيث لا توجد خيارات واسعة، فإنها لا بد أن توقع صاحبها في ما يخيف حقاً، وأن الرعب الخارج عن حدود العقل والمنطق من إيران، لا مفر من أن يلقي المبتلي به في أحضان إسرائيل وتابعتها أميركا.  هذا الفيديو لرئيس قسم الدراسات الخارجية في جامعة تل أبيب،(2) والذي يكشف تلك الحقيقة ونتائجها المخيفة، يفترض أن يثير رعباً حقيقياً، وليس وهمياً، في نفس كل سني حريص على سمعته وأهله وبلاده، بل كل مسلم وكل عربي. ويا لسوء المصير المخجل! إنني أفضل ان تنشق الأرض فتبتلع بلادي على أن تتحول إلى هراوة أخرى من هراوات العار التي تستعملها إسرائيل لقتل كرامة الإنسان في المنطقة، فتضرب بها كل من لا يخضع لها، مثل تلك الدويلات المشوهة الذليلة التي تنتشر على الخليج. وهذا ما صارت التظاهرات التي لا تعرف طريقها تتوجه إليه كنتيجة منطقية لفقدان المنطق والعقل والسير وراء الفوبيا الإعلامية التي تبثها أميركا. إنه مرض شعبي خطير، لإنتشاره صفة الوباء، ولنتائجه أيضاً خطورة الوباء، فهل من يعالج شعبي منه؟

ومما حققته التظاهرات من نتائج مؤسفة أنها ربطت في أذهان الناس، شيعة وسنة وغيرهم، أكثر من أي وقت مضى بين الإرهاب والقاعدة والبعث من ناحية، والسنة من ناحية أخرى. فعندما يسمح السنة أن يكون ضمن مطالبهم، إطلاق جميع المعتقلين، وبضمنهم إرهابيين فعلاً، وعندما يسمحون أن يكون ضمن مطالبهم إلغاء المساءلة والعدالة، وأن تتصدر المطالب، إعادة البعثيين إلى السلطة وتقديم التقاعد لفدائيي صدام، فمن يلوم الناس والحكومة إن ربطوا بين المتظاهرين وبين الإرهاب؟ خاصة وأنهم قدموا الدليل الذي يدينهم بأنفسهم، بشكل مباشر، حين شاهد الجميع اعلام تنظيم القاعدة وهي ترفع في تظاهرات تقودها عصابات اجرامية "وكان نتيجة السكوت عليها حدوث التفجيرات الدامية" كما يقول أحد النواب من دولة القانون(3) ملمحاً إلى فيديو يعلن فيه تنظيم القاعدة قيادته لتظاهرات الانبار(4) . لقد عبرت الكتل الأخرى عن قلقها الشديد من ذلك، كما يشير خطاب المالكي،(5) أو يطالب النائب الحلي المتظاهرين بالاعلان عن رفضهم لحزب البعث والقاعدة والطائفية(6).

وبالطبع فأن الإرهاب الذي يهدف إلى تحطيم الوحدة العراقية وإثارة الحرب الأهلية سيجد في هذا الجو غاية مناه، فيزيد من تركيز هذه الصورة في أذهان الناس من خلال اعماله وإعلامه(7)

كثرت التفجيرات والدعايات وفي ديالى تنتشر فجأة ظاهرة المنشورات التحريضية لـ"دولة العراق الإسلامية"(8)  ومن عندها يلوم احداً حين يحمل السنة مسؤولية ضحاياه؟ هذا حزب المالكي وائتلافه، يحملان "المتظاهرين والقادة السياسيين" مسؤولية تفجيرات بغداد(9) فهل من عجب؟

الجانب السني نفسه صاريستشعر الخطر، فهاهو الحزب الإسلامي يخشى "نيران الفتنة" ويخاطب السياسيين: اتقوا الله(10) ، ووقف مجلس شيوخ محافظة الأنبار على لسان رئيسه  وأحد قادة التظاهرات، الشيخ حميد  الشوكة موقفاً صلباً برفضه للدعوة التي وجهتها "القاعدة" إلى المتظاهرين لحمل السلاح(11) وقال أن «أهالي الأنبار ومثلما يعرف العالم أجمع هم أول من قاتل الإرهاب و(القاعدة) وأول وأكثر المتضررين منهما». وأضاف الشوكة أن «المتظاهرين وسنة العراق لا يمكن لهم الاستجابة لمثل هذه الدعوات التي تفرق أبناء المجتمع الواحد، فلسنا نحن من جاء بالشيعة إلى العراق، ولا الشيعة هم من جاءوا بالسنة إلى العراق، بل نحن قبل أن نكون شيعة أو سنة عراقيون إخوة متصاهرون ومتحابون عبر التاريخ». وأكد أن «الدعوات الخيرة التي تأتي من النجف وكذلك ما تعبر عنه المؤتمرات العشائرية إنما يصب في وحدة هذا البلد، وإن هذه الدعوات تريد أن يحدث اقتتال بين العراقيين، وهذا بالنسبة لنا أمر لن يحصل، وإن تقسيم العراق خط أحمر تحت أي حجة أو ذريعة».

إنه كلام جميل، بل رائع، لكن هذا قد لا يكفي. فالحرص الحقيقي على الخطوط الوطنية الحمراء ليس فقط بالإلتزام أن لا تعبر "الخط الأحمر" بنفسك، إنما أيضاً أن تحرص على أن لا تدفع بالمقابل إلى عبوره، وأن تتجنب كل تصرف من جانبك يدفع بالمقابل إلى التفكير بعبوره!

أما ما نراه اليوم فالضياع الخطر الإنتحاري، للمتظاهرين ولبلادهم، حيث اختلطت الأمور حتى على قياداتهم المخلصة. فإن كان الشيخ السعدي قد كتب تلك الرسالة المشؤومة إلى أوباما، فتلك مصيبة، وإن كان محاصراً لتنشر رسالة باسمه لم يكتبها، فالمصيبة أعظم! ولكي نفهم أبعاد تلك المقابلة على حقيقتها وحجمها، يجب أن نتذكر أن هذا السيناريو مطابق تماماً لما قام به ثعالب السفارة الأمريكية في سوريا فاطلق الإضطرابات أو دفع بها إلى حالتها الخطرة من الإصطدام بالسلطة.

"روبرت ستيفن فورد"، والذي كان ضمن فريق ثعالب بوش في العراق، فقد كان عضواً في فريق السفير نيغروبونتي في بغداد. ونيغروبونتي إرهابي معروف عالمياً، حيث أسس الإرهاب الأمريكي في أميركا اللاتينية عندما كان سفيراً لبلاده في الهندوراس، وجعلها مركزاً ومنطلقاً لإرهاب أية حكومة وطنية في تلك المنطقة. وعين فورد الذي يتقن العربية، ممثلاً للولايات المتحدة في مدينة النجف، وعُهِدَ إليه بمهمة التأسيس لعلاقات استراتيجية مع مجموعات المليشيا الشيعية والكردية خارج “المنطقة الخضراء”.

ثم عين هذا الرجل سفيراً للولايات المتحدة في سورية فجأة في 2010، بعد أن كانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قد قطعت منذ 2005. وربما أملت سوريا بأن واشنطن صارت تفكر بشكل مختلف، ولكن لم يقض فورد في دمشق سوى شهرين حتى اندلع التمرد، والذي يرى  البروفيسور مايكل شوسودوفسكي(13) أن الهدف منه ليس تغيير النظام بل تدمير سوريا كدولة وتفكيكها إلى كيانات سياسية مستقلة. وهذا الهدف الذي يبدو أنه إسرائيلي، لا يقتصر كما يبدو على سوريا، بل يشمل مصر(14) وربما العراق وكل الدول العربية. وخلال فترة سفارته في سوريا، "كان فورد يزور المناطق السورية الملتهبة مثل حماه وكان يقابل بالتهليل من قبل المتمردين، وبالبيض والطماطه من قبل انصار الحكومة، وحسب رواية ضابط السي آي أي السابق مايكل سخور في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" فأن فورد كان دائماً يحث المتظاهرين على إزالة الحكومة، ولحين تركه لمنصبه." (15)

ومما يؤكد صحة ذلك القلق، التطورات الخطيرة التي تجري في غرب العراق وعلى الحدود السورية بالذات. فلم يكتف إرهاب الناتو بقطع نقاط الحدود بين سوريا والعراق، الذي اثر على الإقتصاد العراقي(16) ، ولا بالإشتباك مع القوات العراقية على الحدود، ومحاولات التسلل إلى الداخل العراقي، لتنفيذ الإرهاب،(17)  بل نقل المعركة إلى عمق العراق وقام بتحدي القوات العراقية وقتل اللاجئين من الجيش السوري من حرس الحدود الذين أفلتوا من مذبحة أقامها لهم الناتو في مراكزهم، فلم يترددوا في إقامتها لهم في العراق الذي لم يستطع حماية ضيوفه الجرحى، فسقط من القافلة 83 بين قتيل وجريح، بينهم عدد من القوات العراقية التي كانت ترافقهم لإيصالهم إلى بلدهم! (18)

لقد كانت تلك العملية إعلان حرب على العراق من قبل أميركا ودول الناتو التي تدعم هؤلاء العصابات، ولا يعلم أحد أين ستقف تلك الإعتداءات والتحديات، ولا إن كانت الحكومة العراقية ستجرؤ على الرد بما يناسب وهي مخترقة حتى أعلى قممها السياسية والعسكرية بمن تركه الأمريكان من العملاء في المراكز ا لحساسة في البلاد. ولا نحتاج للذهاب بعيداً للبحث عن هؤلاء العملاء، حينما نقرأ مندهشين أن رئيس البرلمان الذي يقضي الكثير من الوقت متنقلاً بين تركيا وقطر، لا يقوم بالإحتجاج على التدخل المسلح في بلاده وقتل أبنائه، بل يصرخ بصلافة لا مثيل لها: "على الجيش العراقي عدم التدخل في الشأن السوري ونحن نحقق بما جرى"!(19)

ولا يقتصر الأمر على حادثة عابرة، بل أكد سياسيون أن عصابات سوريا قد حولت الأنبار إلى معسكرات "للقاعدة يتدرب فيها الارهابيون قبل ذهابهم الى سوريا"(20) ، وحتى في مجلس الشيوخ الأمريكي من يصرح بأن "عدوى ستؤدي الى اسقاط ملك الأردن وإرباك الوضع في العراق الهش أساسا". وأكدت تقارير المخابرات الأمريكية أن تحرك العشائر السنية في محافظة الأنبار العراقية، وتصاعد الموجة الطائفية فتح مساحة جديدة لـ"جبهة النصرة"، بعد ان بدا أن عملها في سوريا لا يسفر عن نتيجة قريبة(21)

في مثل هذه الظروف، لا تعتبر مقابلة رجل من السفارة الأمريكية، خاصة من قبل رجل خارج الحكومة العراقية، عملاَ دبلوماسياً أو شكوى إنسانية أو تأسيس لعلاقة ثقافية، بل عمل يثير القلق الشديد في مثل ظروف العراق وسوريا ودور أميركا التخريبي المقاد إسرائيلياً فيهما، ومن حق الشركاء أن يحسبوا لهذا اللقاء ألف حساب، مهما كانت النوايا منه سليمة ومهما بدت البيانات الصادرة عنه بريئة.

لقد بدأت التظاهرات وشارك فيها الكثيرون على أساس مطالب شرعية وطنية، تدل عليها كثرة التأكيد على الوحدة الوطنية ورفض التقسيم. لكن ما كان يحاك في الخفاء كان أكثر، ولطالما تحولت حركات وطنية إلى منظمات لخدمة أعداء وطنها. فمثلما صارت منظمة مجاهدي خلق ذات التاريخ اليساري الشريف، إلى عصابة بيد صدام لقتل أبناء الشعب العراقي، ثم صارت عصابة بيد إسرائيل لقتل علماء بلادهم وتدميرها، وصار ثوار سوريا أداة طيعة بيد إسرائيل، يتجسسون لها (22) ويؤكدون لها متوسلين بأنهم معها في "جبهة واحدة" (ضد من؟)(23)

وهذا نفس ما تتجه إليه تظاهراتك أخي الكريم في الأنبار والموصل. لقد حققت بعض أهدافها، ومن أهمها لفت الإنتباه إلى مظالم السنة في العراق، بعد ان كانت الحكومة ترفض حتى النظر فيها، وتم إطلاق سراح بعض الأبرياء وتغير بعض القوانين والإجراءات بشكل إيجابي، لكن الأمر تغير، وتجري الرياح اليوم بما لا يشتهي الشرفاء. فاسحب أخوانك وأصدقاءك، واذهب لبيتك، واعترف لنفسك بالحقيقة، فمن لا يستطيع أن ينظم تظاهراته ويسيطر عليها، عليه أن لا ينتظر منها أن تحقق مطالبه، بل مطالب الذين يحاصروه. إذهب لبيتك لكي لا يكون تحطيم العراق باسمك، ولكي لا يلحق عار ذلك اهلك ومنطقتك ومذهبك ومدينتك. إذهب فلم يعد هناك مكان لك في هذه التظاهرات المشبوهة. فعندما يصبح التركيز على تقاعد فدائيي صدام، وعندما يكون هناك احتفال للقاعدة (الأمريكية الإسرئيلية) في ساحة التظاهرات، لا يكون هناك مكان للشرفاء فيها.

 

الجزء الأول من المقالة:

 http://almothaqaf.com/index.php/qadaya/72106.html

 

(1) http://www.faceiraq.com/inews.php?id=1416104

(2) http://www.sotaliraq.com/mobile-news.php?id=90668#axzz2MVAzLD8J

(3) http://www.youtube.com/watch?v=RP2M0Js-DP4

(4) http://www.uragency.net/index.php/2012-03-11-16-31-52/2012-03-11-16-33-45/17119-2013-02-17-10-50-54

(5) http://arusalahuar.com/alachbar/10593-2013-02-25-13-49-40.html

(6) http://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=6794

(7) http://arusalahuar.com/alachbar/100-mahliya/10751-2013-03-03-22-31-36.html

(8) http://ar.aswataliraq.info/(S(krqejj55h5iw1un4ziitjh55))/Default1.aspx?page=article_page&id=311378

(9) http://iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/31156-2013-02-26-09-23-56.html

(10) http://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=6800

(11) http://www.shafaaq.com/sh2/index.php/news/iraq-news/52951----q-q----.html

(12) http://iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/29989-2013-02-01-14-31-36.html

(13) http://cdn1.aljaml.com/node/91940

(14) http://www.youtube.com/watch?v=yHV8Fu6gdqU

(15) http://en.wikipedia.org/wiki/Robert_Stephen_Ford

(16) http://ipairaq.com/?p=80349 

(17) http://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=7700

(18) http://www.mustakbal.net/news.php?id=26692

(19) http://www.almadapress.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=7737

(20) http://www.faceiraq.com/inews.php?id=1468566

(21) http://www.mustakbal.net/news.php?id=26296

(22) http://www.syriantelegraph.com/?p=70043

(23) http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=iTWeR4F6IPQ

 

 

free web counter