| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الأثنين 7/9/ 2009

 

الحرب الأمريكية على العالم – "عصابة الديمقراطيات"

صائب خليل

بينما تنشغل عزيزي القارئ بقراءتك لهذه المقالة، تعكف السيدة مادلين أولبرايت على رأس "لجنة الحكماء" التي أطلقها حلف الناتو لصياغة "مفهوم استراتيجي" جديد له. ويأمل الحلف أن يصل "الحكماء" إلى النتيجة المرجوة في نهاية العام القادم. وأهم المفاهيم التي سيتناولها هؤلاء "الحكماء" هو مفهوم "عصبة الديمقراطيات"، والذي سيكون موضوع مقالتنا هذه. وهي تكملة لمقالة سابقة في نفس الموضوع (1).
وليست هذه الحركة الأمريكية داخل الناتو، إلا جزءاً مما يبدو أنه الجولة الثانية من الحرب على العالم، أو إن شئت، حرب ثانية على العالم، حيث أن "الحرب على الإرهاب" لم تكن سوى المحاولة الأمريكية الأولى، أو الحرب الأولى للسيطرة على العالم وفرض نظام "القرن الأمريكي ".

أن الحرب الثانية ستأخذ شكلها وطبيعتها من الدروس التي تعلمتها أميركا من حربها الفاشلة الأولى، والتي كلفتها غالياً جداً، فإضافة إلى الديون الأسطورية التي تحطمها، فأن أميركا خسرت ثروة هائلة من سمعتها في العالم، خاصة بين من كانوا يثقون بها وصارت على لسان أحد صقورها، صموئيل هنتنكتون الذي قال: "بالنسبة لمعظم الأمم، فأن الولايات المتحدة تتحول إلى دولة مارقة عظمى، وتعتبر التهديد الخارجي الأعظم الوحيد لها".
ويجب أن نؤكد هنا أننا عندما نتكلم عن الحرب الأمريكية فأننا نقصد أن قيادة تلك الحرب تتمثل بالشركات وبعض المؤسسات الأمريكية الداعمة لها، وأن الشعب الأمريكي نفسه يقف في الخندق الآخر من هذه الحرب، وبالفعل كان هو هدفاً رئيسياً للحرب الأولى والتي ركزت كثيراً على جمع المعلومات عن الناس في مختلف الشعوب، وبشكل خاص الشعب الأمريكي، وعملت على إزاحة القوانين والتعارفات الديمقراطية والمدنية التي تحد من سلطة الدولة في أميركا، وأقرت للرئيس صلاحيات جديدة لإعقتال من يشاء إلى ما لانهاية بدون توجيه تهمة وشرعنة التعذيب وحتى الإغتيال.
إلا أن تلك المحاولة فشلت وأفلت العالم، لكن الشركات الأمريكية تسارع لجمع شملها وعزيمتها من جديد، حتى في فترة إدارة الرئيس الجديد الذي يبدو أنهم قدموه لتهدئة ثورة العالم، وراحت تدرس أسباب الفشل وتعد أسباب النجاح للحرب الثانية. والحقيقة أن هاتين الحربين ليستا سوى تتويج متميز لمحاولات أميركا للسيطرة على العالم بدأتها منذ القرن التاسع عشر، وكانت نهاية الحربين العالميتين وفترتي ريكان وكلنتون علامات طريق مميزة لها.

بعد الإخفاق الأول، وإفلات الفريسة (
أنظر الكاريكاتير) من الهجوم الأول، ساد شعور عام لدى صقور الساسة الأمريكان بأن عليهم أن يكسبوا دعم الآخرين إن أرادوا النصر في الجولة التالية من حربهم، وأن يوجهوا ضربتهم الأولى إلى مؤسسات القانون الدولي، التي وبالرغم من ضعفها الشديد واختراقها وإفسادها، فقد عرقلت العدوان الأمريكي وأثرت على النتيجة، وخاصة الأمم المتحدة، رغم ما قد يثير ذلك من دهشة القراء.
فالدول التي تعتبر الولايات المتحدة " التهديد الخارجي الأعظم الوحيد لها " كما قال هنتنكتون، وتمثل هذه معظم دول العالم حسب رأيه، تشعر بالضرورة بأن الأمم المتحدة تمثل الهيكل الذي يعطيها نوعاً من الإتحاد والقدرة على إصدار قرارات يمكنها أن تقف بوجه القوة العسكرية الأمريكية أو أن تحد من طموحها في الكثير من الأحيان. وليس غريباً أن تجد هذه الدول حماية جزئية غير مباشرة من القوتين الروسية والصينية التي لا تجمعها معها سوى مظلة الأمم المتحدة.
لنفس السبب تشعر إدارات الولايات المتحدة أن الأمم المتحدة عدوها اللدود، وليس هذا الشعور جديداً على الإطلاق، لكنه ارتفع مؤخراً ليصبح احتقاراً صريحاً، سواء بهجوم كلنتون على صربيا وتأسيس كوسوفو، بالرغم من الأمم المتحدة, أو هجوم بوش على العراق، أو تصريحات "جون بولتون" المحقرة للأمم المتحدة، والذي لم تجد إدارة بوش خيراً منه لمنصب سفيرها في الأمم المتحدة، نكاية بها!

واليوم يأتي تبني حلف الناتو لفكرة "عصبة الديمقراطيات" كخطوة أخرى لضرب هذه المؤسسة الدولية. والفكرة هي تأسيس مجموعة من الدول "الديمقراطية" لتجمع سياسي عسكري الهدف منه حسب أقوال أصحاب الفكرة هو أن يقوم بملأ الفراغ الذي كثرما تركه فشل الأمم المتحدة ومجلس الأمن باتخاذ القرارات الحاسمة وبالسرعة المطلوبة.
ولـ "عصبة الديمقراطيات" سوابق، مثل "تحالف الديمقراطيات" التي كلف الرئيس السابق كلنتون وزيرة خارجيته مادلين أولبرايت بها، لكنها لم تسفر عن شيء وتحولت عن هدفها إلى مؤسسات للحوار وليس لإتخاذ القرار السياسي الدولي.
كذلك دعى السفير الأمريكي لدى الناتو والمستشار السابق للرئيس أوباما أثناء حملته الإنتخابية، إيفو دالدر إلى تأسيس "كونسرت الديمقراطيات" والذي يقول أنه يهدف إلى جعل "الديمقراطيات تتعاون مع بعضها البعض، وتساعد على تعديل وتغيير المؤسسات الدولية بدءاً من الأمم المتحدة." ويرى دالدر أن الكونسرتو يجب أن يعمل من خلال الأمم المتحدة" ويضع أهدافاً له: تشجيع الإصلاح، والديمقراطية وحقوق الإنسان. ويقول أنه ليس القصد منها الحلول محل المنظمة، بل من أجل تشجيع التعاون الدولي.
كلمات جميلة، لكنها تثير قلق الغالبية العظمى من دول العالم، فلم يبدأ أي شر في العالم إلا من كلمات جميلة، وليست حرب هتلر باستثناء عن ذلك، فقد تحدث هو الآخر عن الحرية، لذا يجب النظر في الحال الجديد الذي تخلقه تلك المشاريع وما يمكن أن تتحول إليه، والخطر الذي يهدد الشرعية الدولية منها.

ولمواجهة شكوك العالم العميقة، كتب دالدر بالإشتراك مع روبرت كاغان ( أحد رموز الليبرالية الجديدة ومستشار للمرشح السابق للرئاسة جون ماكين وأحد مؤسسي فكرة "القرن الأمريكي") مقالة تحت عنوان "التدخل القادم" نشرت في مجلة واشنطن بوست، وجاء فيها : "من أجل إدامة دعم واسع يشمل كلا الحزبين في أميركا للتدخل، يجب أن نتوصل إلى توافق بشأن أمر أساسي، وهو مسألة الشرعية."
ورغم إقرار الكاتبان بنقص الشرعية للحرب على العراق لأنها "لم تكن بوضوح حالة دفاع عن النفس"، ولم تحصل على قرار من مجلس الأمن، صاحب " الشرعية التقليدية"، إلا أنهما أكدا على أن المجلس كثيراً ما "يفشل" في اتخاذ القرارت لأنه يتطلب إجماع الأعضاء الدائميين فيه. ويتوصل الكاتبان إلى أنه لابد أن تقوم "ديمقراطيات العالم" بأخذ المهمة على عاتقها في هذه الحالة، معتبرين أن "القيم المشتركة تمنح الشرعية"، وأن "الولايات المتحدة ستقف على ارضية اقوى لإطلاق وإدامة التدخلات" مما هي الآن. من ناحية أخرى لايبدو مبرراً تصور أن الولايات المتحدة لن تواجه معارضات داخل مثل هذه المؤسسة، و مشروع الحرب على العراق قد قدم برهاناً على ذلك.

هذا ما كان من "تحالف الديمقراطيات" الخاص بأولبرايت وكلنتون، وكونسرتو الديمقراطيات لدالدر، أما "عصبة الديمقراطيات" فقد تبناها المرشح الجمهوري "جون ماكين" و قال أنها ستعمل "حيثما تفشل الأمم المتحدة"، وإن كان "كونسرتو الديمقراطيات" صمم ليعمل من داخل الأمم المتحدة فأن العصبة تريد العمل بصراحة كمؤسسة بديلة للأمم المتحدة في حالة فشل الأخيرة في اتخاذ قرار.
ومن الواضح أن الغرض من العصبة والكونسرتو هو توفير غطاء سياسي وشرعي وأخلاقي أوسع للمشاريع الأمريكية والتخلص من الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن، وبعبارة أخرى تقويض ما تبقى من هذه المؤسسة التي لم تتمكن البشرية من الإتفاق عليها إلا بعد أن خسرت أكثر من 60 مليون إنسان إضافة إلى خسائر مادية لا يمكن تقديرها، في حربين عالميتين كبرتين، إن لم نشر إلى الحروب الكثيرة السابقة.
ورغم أن الناتو ودعاة الفكرة يؤكدون أنها مكملة" للأمم المتحدة، وأنها ستعمل فقط في حالة "فشل" الأمم المتحدة في حل المشكلة المطروحة. إلا أن وراء الكلمات معاني مخيفة. فما يسمى هنا "فشل" الأمم المتحدة، هو بالنسبة لهؤلاء رفضها لمشاريع التدخل الأمريكية، ولا ينتظر من عصبة تقودها الولايات المتحدة وبقية "الديمقراطيات" الغربية أن تهتم بـ "فشل" مجلس الأمن باتخاذ قرار ضد إسرائيل، مثلاً. ولن تتدخل عسكريا أو سياسياً من أجل إلزام إسرائيل باحترام القانون الدولي أو حقوق الإنسان في فلسطين.

أما أسباب هذا الفشل لمجلس الأمن في إتخاذ القرارات بسبب حق الفيتو للأعضاء الدائمين، ولوم الصين وروسيا على استعماله فهو نفاق صريح، حيث أن اكثر من استعمل الفيتو في مجلس الأمن هو أميركا بلا منازع ويأتي بعدها بريطانيا! وتكفي مراجعة مواقف الولايات المتحدة من قرارات مجلس الأمن الخاصة بالقضية الفلسطينية وحدها، والتي استعملت فيها الولايات المتحدة حق الفيتو لنقض القرارات، لنقف على حقيقة الأمر.

أما "الشرعية" التي ادعى دالدر وكاغان أن "عصبة الديمقراطية" تتمتع بها فهي مراوغة أخرى. فالديمقراطية تمنح الشرعية للمؤسسة في الدولة التي تم انتخابها فيها، لأنها تصبح عندئذ ممثلاً شرعياً للشعب الذي اختارها، ولا تمنح هذه الشرعية المحلية، أية "شرعية دولية" أو عالمية، وفي دول لم يشارك شعبها في انتخاب تلك المؤسسة التي تريد أن تقرر له مستقبله وليس له فيها من يمثله.

هل يجب أن نخاف من هذه المشاريع؟ رغم أن القلق مبرر تماماً، إلا أن الكثير من المحللين يرون أن مصاعب قاتلة تنتظر هذه الأفكار. وأهم تلك المصاعب هي:
القوة الإقتصادية والسياسية والعسكرية العظيمة للأمم "غير الديمقراطية"، التي تسعى المجموعة لإخراجها من دائرة القرار السياسي العالمي. وبشكل خاص لأن الولايات المتحدة تعتمد في مواجهة العديد من التحديات على دول مثل الصين (وكان دعمها ضرورياً في مسألة كوريا الشمالية) وروسيا (التي لا يستغنى عن إرضائها بالنسبة للحرب في أفغانستان والموقف من تطوير إيران لتكنولوجيتها النووية).
والحقيقة أن علاقة الولايات المتحدة حميمة جداً مع العديد من الدول غير الديمقراطية في مواقفها ومشاريعها السياسية الإقليمية، مثل بعض الدول العربية. وكذلك دعمت دول لم تكن ديمقراطية الموقف الأمريكي بشكل هام قبل أن تتحول بعد الضغط الشعبي إلى ديمقراطيات مثل كوريا الجنوبية والفلبين وشيلي، كما أن أميركا وجدت أحياناً كثيرة من مصلحتها قلب أنظمة حكم ديمقراطية إلى دكتاتورية كما حدث في إيران مصدق وشيلي الندي.
ومن الناحية الإقتصادية فأن الصين هي الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة، وكذلك فأن حاجة الإتحاد الأوروبي إلى غاز روسيا معروفة .
كذلك فأن الفكرة يمكن أن توحد الخصوم السياسيين لأميركا وبقية "عصبة الديمقراطيات"، حيث ستشعرها بالإنعزال وتهديد أمنها القومي وضرورة الدفاع عن النفس.
وأخيراً فأن معظم حلفاء أميركا الديمقراطيين لديهم تحفظات عميقة الجذور وهم ملتزمين بالأمم المتحدة التي يشعرون، وللأسباب التي ذكرناها، أن العصبة تهدد فعاليتها ووجودها. إنهم يدركون تماماً إن "عصبة الديمقراطيات" لو تم تأسيسها فعلاً، فلن تكون لها أية شرعية، ولعل الأسم الأنسب لها سيكون "عصابة الديمقراطيات".

 


(1) المقالة الأولى: إعلان الحرب الأمريكية الثانية على العالم
http://almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=4828:2009-08-29-06-12-43&catid=34:2009-05-21-01-45-56 &Itemid=53
 

 
 

 

free web counter