| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الجمعة 8/5/ 2009



يهودي من الناجين من معسكرات النازية :

إسرائيل تذكّرنا بألمانيا النازية

حاجو ماير
ترجمة: صائب خليل

هذه مقالة نشرت في صحيفة "تراو" الهولندية في 10 شباط 2001، وترجمتها في حينها ونشرت في نشرة عراقية في هولندا. كاتب المقالة يهودي من أصل الماني، من الناجين من معسكرات الإعتقال النازية, ومن الموقعين بيان "صوت يهودي آخر" الذي يدين السياسة الإسرائيلية وقد تعرض إلى التنكيل من اللوبي اليهودي في هولندا بسبب مقالته تلك ومواقفه الجريئة المستمرة حتى اليوم، رغم كبر سنه، ومما أذكره له قوله: "إن كان الخيار فقط بين الإتهام بالخيانة, وبين السكوت عن الحق، فأفضل أن أتهم بالخيانة، وليحدث ما يحدث".
لم يتغير العالم للأسف منذ ذلك الحين نحو الأفضل، ومازالت مقالة حاجو صحيحة ومفيدة، إن لم يزيد الزمن تأكيد تشاؤم ومقالق وألام حاجو. لقد تحدثت بضعة كلمات مع هذا الشيخ الشجاع وشددت على يده حين كان يحضر إحدى المناسبات الفلسطينية في هولندا قبل فترة قصيرة، وسألته إن كان يذكر مقالته عام 2001, وقلت له إني ترجمتها ونشرتها لأبين أن هناك يهوداً لا يرضون على المواقف اللاإنسانية لإسرائيل، فابتسم سعيداً وقال: "حسناً فعلت"!

أن أمثال حاجو من اليهود الرافضين لظلم إسرائيل, وبالمقابل أمثال عدد من الكتاب العرب المبررين لهذا الظلم والداعين إلى "التساهل" معه، يبين بوضوح أن الصراع ليس بين العرب وإسرائيل، وإنما بين إنسانية سليمة وبين مخلوقات فقدت مقياسها الإنساني وضاعت خطوطها الرئيسية، ومن اؤلئك وهؤلاء من يوجد في جانب المعتدي وجانب الضحية معاً.
أترك حاجو يتحدث إليكم بنفسه...

****

ولدت في بيلفيلد في ألمانيا عام 1924. وحتى التاسع من نوفمبر 1938 (اليوم التالي لليلة الكريستال التي أحرقت فيها منازل اليهود) كنت أدرس في مدرسة جمناسيوم (ثانوية ممتازة) حيث كان علي أن أستمع يومياً الى تعاليم الإشتراكية القومية. في 1939 هربت لوحدي كطفل لاجئ الى هولندا, واختبأت في ملاجئ مختلفة حتى عام 1944 حين اعتقلت وتم ترحيلي إلى معسكر اوشويتس (أشهر معتقل نازي لليهود في بولونيا). بعد نهاية الحرب عدت إلى هولندا ودرست العلوم الطبيعية، واشتغلت مدة 34 عاماً في البحوث الصناعية. إذن كما ترون, لست مؤرخاً, ولكنني جربت الحياة كمواطن من الدرجة الثانية، لذا تسبب لي الأوضاع في اسرائيل الكوابيس. يجب أن تظهر كلمة الحق. الوضع مرعب, مؤلم ومأساوي بعمق. ولعله من المخجل أن أقول ذلك, ولكنني أحس بتشابه كبير بين إسرائيل الحالية وألمانيا في أيام شبابي!

أعرف جيدا أن التاريخ لا يعيد نفسه حرفياً, ولعل الفروق أهم من التشابهات, ولكن مع ذلك هناك الكثير مما يمكن تعلمه من التاريخ. أنظروا مثلاً إلى الفرق بين الكيفية التي أستفيد بها من الهزائم الكلية لألمانيا بعد الحرب العالمية الاولى، وبين تلك التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية. بعد هزيمة الحرب الأولى، كان الشعب الألماني مأخوذاً بما سمي حينها "المعاهدة المخزية للسلام" في فرساي. لقد كانت تلك المعاهدة خطأً كبيراً, (يشير حاجو هنا إلى حقيقة كتب الكثير عنها وهي أن المنتصرين جعلوا الشعب الألماني يدفع ثمن الهزيمة غالياً، من خلال معاهدة قاسية مما ترك في نفسه مرارة ورغبة شديدة في مسح آثارها والإنتقام من مسببيها – المترجم) ونتيجة لذلك تمكن هتلر من الصعود إلى السلطة.

وبعد الحرب العالمية الثانية, تعلم الحلفاء المنتصرون من تلك الغلطة العظمى, وقرروا إعادة بناء ألمانيا المحطمة تماماً, وبنتائج ممتازة كما نعلم. أما بالنسبة إلى الشعب اليهودي, فكان الأمر أكثر عمقاً وبقاءً في تأثره بالهولوكوست. لقد أدى الإحساس بالذنب عالمياً تجاه الجريمة التي لم تعرف لها مثيلاً مسبقاً, إلى قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين 1947, واعلان دولة إسرائيل المستقلة عام 1948. إن الإهانة العميقة الأثر التي تعرض لها الالمان بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية, والتي هيأت المناخ السياسي نفسياً لصعود هتلر, يجب ألا تتكرر. من أجل ذلك كان من المهم خلق أسطورة "الشعب الذي لا وطن له"، وأن الحدود الآمنة ممكنة فقط بالتوسع، وأن المجال المفقود في الشرق يجب أن يستعاد.
لقد تم تبرير ذلك تاريخياً بمقولة أن فرسان الحروب الصليبية الالمان, قد أعادوا بناء مدن مثل كراكاو البولونية في القرن الثالث عشر بعد أن دمرها المغول. وبنفس الطريقة, فأن اليهود عموماً, ويهود إسرائيل خصوصاً, يعبرون عن عزمهم المفهوم أن لا يتكرر ما حدث لهم من خلال حصرهم في مجمع مغلق. وهم يشعرون مرة ثانية بأن عليهم أن يعيشوا في أرض ضيقة. ومع أن هذا الشعور مفهوم، وأكثر واقعية مما كان في حالة الألمان, لكنه لا يبرر مطالب التوسع حاضراً. كذلك يفكر الإسرائيليون بالتوسع إلى الشرق, متذرعين بالتبرير التاريخي بسقوط يهودا والسامرة والذي يعود إلى زمن قديم قدم الإنجيل.

كان اليهود في ألمانيا حتى الحرب العالمية الثانية مواطنين مخلصين، لهم - على الأقل أمام القانون - حقوق مساوية تماماً لأي مواطن ألماني آخر. لكن هذا الحال تغير بشكل حاد عند مجئ الحكومة النازية، التي دفعت بهم إلى مستوى مواطنين من الدرجة الثانية, وحتى إلى النبذ من المجتمع. كذلك فأن فلسطينيي إسرائيل (ويشكلون 19% من سكان إسرائيل) مواطنون مخلصون لخمسين عاماً بشكل ملفت للنظر(حتى انتفاضة الاقصى). وعلى رغم من ذلك فأنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية, مع أن القانون لايميزهم عن غيرهم، عدا فيما يتعلق بالخدمة العسكرية.

كان أحد أساليب التمييز الذي عومل به اليهود تحت حكم هتلر، هو مبدأ المسؤولية الجماعية. فلو أن يهودياً اقترف جرماً, فأن اليهود كلهم أحيانا يتعرضون للعقوبة. المثال التاريخي المعروف جيداً هو "ليلة الكريستال". إحدى الليالي في 1938 قام الألمان بتحطيم آلاف المخازن والمعابد اليهودية كعقوبة جماعية على إثر قيام شاب يهودي بقتل دبلوماسي ألماني في باريس. المثال الآخر ما يعرف بـ "سبنهاف", ومضمونه أنه إذا فعل يهودياً أمراً ممنوعاً, فأن عائلته كلها تحبس. للأسف فأن مبدأ المسؤولية الجماعية، مطبق بشكل روتيني في إسرائيل. فلو أن متطرفاً فلسطينياً قام بهجوم ما, فأن الأحياء الفلسطينية تعزل عن إسرائيل, وبذلك يبقى سكانها دون عمل ولا مصدر دخل. وإذا تم التعرف على منفذ الهجوم، فأن منزل عائلته يسوى بالارض.

ولكي تلقى الإجراءات المضادة لليهود القبول من قبل الجمهور في ألمانيا النازية, قام الإعلام بإعطاء صورة بأن اليهود من "نوع آخر" من البشر, وأنهم لا يناسبون الثقافة الجرمانية. لقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي المستقيل في صحيفة "هاارتز" الإسرائيلية المعروفة في 2 شباط:" أنه بسبب طريقة التفكير العربية, فأن ثقافتهم لا تعرف التناصف. يبدو أن التناصف فكرة غربية لحل الخلافات في الرأي". ثم يضيف لاحقاً في نفس المقابلة الصحفية متحدثاً عن أعضاء فريق السلام الإسرائيلى الذين خاب أملهم، قائلاً: "أنهم يرون الآن أن الجيران (الفلسطينيين) ليسوا خيرين، ولايصلحون كجزء من الثقافة الغربية".

في السنوات التي تلت عام 1940 كان اليهود في ألمانيا والمناطق التي احتلتها, يوضعون في مجمعات سكنية منفصلة "كيتو", وذلك لفصل الشعب الألماني النقي وتخليصه من الإتصال باليهود. ومن خلال ملاحظة خارطة الضفة الغربية والمدن والقرى التي يسكنها الفلسطينيون, والمستوطنات المحيطة بها ومنشات الطرق, فأن من الواضح أن تركيباً من نوع الكيتو يجري التخطيط له وأنشاؤه في إسرائيل أيضاً.

في مقابلة صحفية سابقة تحدث باراك بطريقة ملطفة (وكان الألمان يتقنون الحديث الملطف أيضاً!) عن كانتونات ترتبط حسب خطة لشارون, بواسطة أنفاق أو جسور (هاأرتز 11 كانون ثاني 2001 ). من المناسب الحديث أيضاً عن الفروق بين المعاملة العنصرية لليهود الألمان في الثلاثينات، ومعاملة الإسرائيليين للفلسطينييين. لقد تحمل اليهود ?لألمان الإجراءات التمييزية ضدهم بالتصابر, وسمحوا لها أن تمرر عليهم, وهو موقف لم ينتقده أحد بشدة أكثر مما فعل الاسرائيليون الحاليون أنفسهم. بالمقابل فأن الفلسطينيين اتخذوا على الخلاف من ذلك، موقفاً مضاداً من التمييز الحاصل ضدهم. ولذا نتجت اختلافات هامة بين الحالتين. إن هذه الإختلافات لا تبرر على الإطلاق التمييز المضاد للفلسطينيين, والذي استمر لأكثر من خمسين عاماً. لن أنسى أبداً الإذلال الذي عانيته وقت النظام النازي الألماني, مع الإعتراف أن ذلك لم يعد يسبب لي الألم الآن. إن ما يسبب الألم لي حالياً هو الإدراك أن شعبي يسبب اليوم نفس العذاب المهين للفلسطينيين دون مبرر, مراراً وتكراراً.


 


 

free web counter