| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صباح قدوري

 

 

 

السبت 25/4/ 2009



الانتخابات البرلمانية الثالثة في اقليم كردستان العراق

د. صباح قدوري

ان جماهير اقليم كردستان العراق على موعد مع الانتخابات البرلمانية المقبلة ، والتي من المزمع اجراءها في نهاية حزيران/ يونيو او بداية تموز/ يوليو 2009 .ففي الانتخابات السابقة كانت توجد فقط القوائم التقليدية المتعارف عليها في الائتلاف الكردستاني ، والمتمثلة بالحزبين الحاكمين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وتتضمن كذلك الحزب الشيوعي الكردستاني، وكادحي كردستان والاشتراكي الكردستاني ، كل هذه الاحزاب، تعمل لحد الان تحت خيمة الحزبين الحاكمين،هذا بالاضافة الى منح عدد محدود من المقاعد للاقليات المتواجدة في الاقليم ، وقائمة اخرى مستقلة تمثل الاحزاب الاسلامية الكردستانية - الاتحاد الاسلامي الكردستاني. وبنتيجة حدوث اصطفافات في صفوف الحزبين الحاكمين والاحزاب الاخرى،اذ من المتوقع ولاول مرة ظهور قوائم جديدة على الساحة الانتخابية القادمة ، منها على سبيل المثال، قائمة نوشيروان مصطفى امين وجماعته ، القيادي السابق والمنشق عن الاتحاد الوطني الكردستاني ،وتفرغ لادارة مؤسسة اعلامية في السليمانية ،تضم صحيفة يومية وموقعا الكترونيا واذاعة عالمية وقناة فضائية ومركز للاستفتاء، وتحمل اسم مؤسسة "وشه" وتعني بالعربية - الكلمة، وكذلك قائمة عبدالمصور بارزاني ، ابن عم السيد مسعود برزاني، باسم حركة الاصلاح الكردستاني ، ومن المتوقع دخول كل من الحزبين كادحي كردستان والاشتراكي الكردستاني هذه المرة بعد ان اجريت تغيرات في قياداتهما، بقائمة موحدة مستقلة عن الائتلاف الكردستاني، ومن المستحسن ان ينظم اليهما ايضا الحزب الشيوعي الكردستاني ، هذا بالاضافة الى قائمة اخرى مستقلة وتمثل الاتحاد الاسلامي الكردستاني، ممكن ان تنظم ايضا مع كادحي والاشتراكي والشيوعي الكردستاني في قائمة ائتلافية موحدة؟.وحسب مكتب المفوضية المستقلة للانتخابات، لقد سجلت رسميا لديها لحد الان ثمانية كيانات سياسية. فاذا اتيحت لهذه القوائم فرصة حقيقية للمنافسة والخوض في المعركة الانتخابية على اسس الديمقراطية الحقيقية، تعتبر ذلك نقطة تحول بارزة في المسيرة السياسية للاقليم! .

تجري هذه الانتخابات في اجواء يتعاظم تذمر شعبي واسع النطاق من قبل الجماهير تجاه الوضع الحالي والعملية السياسية والاقتصادية الجارية في الاقليم.ممارسة سياسة الاستبداد والظلم والحيف بحق مواطني كوردستان، وذلك بسبب الهيمنة الفعلية للحزبين الحاكمين على كل مرافق الحياة والمؤسسات الادارية الفيدرالية. تواصل وتيرة عمليات الاندماج العضوي بين الجهازين الحزبي والإداري الأمر الذي أفضى إلى ضياع الحدود الفاصلة بين الحزب كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني وبين أجهزة الدولة باعتبارها الفاعل الآساسي في المجتمع السياسي.ان مؤسسات الادارة الفيدرالية تمارس سلطتها بالايعاز من الحزبين الحاكمين. حيث اصبح المرء يشعر، بان الجهاز الفيدرالي يدار وبشكل مباشر عبر الاوامر من الحزبين، وانعدام الفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية وحتى السلطة الرابعة - الاعلام ، وبذلك اصبحت مؤسسات هذا الجهاز اداة هامشية لا حول ولا قوة لها. تفاقم الاوضاع المعيشية بسبب الغلاء الفاحش وانتشار البطالة ، وخاصة في صفوف النساء والشباب.تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في معظم مجالات الحياة اليومية ، نتيجة لانعدام التخطيط والرؤية الاستراتيجية الواضحة والشفافية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وافاق تطورها المستقبلي. وقد ساهمت السياسات الاقتصادية القائمة على تحرير الأسواق والأسعار بأشكال تتنافى مع السياسات الاقتصادية التنموية ،وغياب وانعدام المحاسبة والشفافية على الصعيدين الاداري والشعبي، تزايد حدة الاستقطاب الاجتماعي ، مما أدى إلى انقسام المجتمع، ونجم عنها فجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء، مما سببت الى تركز الثروة بشكل كبير في يد الفئات المتنفذة حزبيا واداريا والتي تسيطر على الميول الاقتصادية والتوجهات السياسية.ضعف اداء الادارة الفيدرالية في توفير الخدمات الضرورية والاساسية للمواطنين في مجالات الماء والكهرباء، وتوفير المشتقات النفطية وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والامن الغذائي ،وتنفيذ مشاريع اعمار وتطوير البنى التحتية وغيرها من المؤسسات التي لا تزال مهملة في اغلب مناطق محافظات اقليم كردستان الحالي. توسع في سوق المضاربات العقارية ، مما سببت الى ارتفاع فاحش في قيمة الاراضي والبيوت السكنية والمحلات، وتأثيرها ايضا على الايجارات، وبالتالي انعكاس ذلك سلبا على مستوى مدخولات اصحاب الدخول المحدودة والشرائح الفقيرة في الاقليم. اتباع سياسة الأستيراد المفتوح للسلع الاستهلاكية والايدي العاملة غير الماهرة، وتأثيرها السلبي على زيادة نسبة التضخم المالي . ضعف اداء البرلمان الحالي المقسوم فعلا على اسس المناصفة بين الحزبين الحاكمين، من ناحية مراقبة اعمال الحكومة وتشريع قوانين مهمة في صالح تطوير الفيدرالية بمفهومها السياسي والاداري، وذلك لطغيان ظاهرة الممارسة الحزبية الضيقة على وظائف هذا البرلمان وفي اداءه الحقيقي لمهامه. تهميش دور الاحزاب السياسية الاخرى الممنوح لها بعض المقاعد وتعمل تحت خيمة الحزبين، من المشاركة الفعلية في عملية صنع واتخاذ القرارات المهمة والمصيرية التي تخص الادارة الفيدرالية ومستقبل تطورها. ان اغلبية اعضاء هذا البرلمان ، لا يملكون الارادة الحقيقية للمشاركة في اتخاذ قرارات مستقلة ، ومصيرهم مرتبط بشكل مباشر او غير مباشر بما يتخذها هذين الحزبين من الاجراءات السياسية الفوقية، وعليهم التنفيذ من دون مراعات الى ابسط انواع الممارسات الديمقراطية، وحتى احترام ارادتهم وارادة الشعب الذي انتخبهم.ان الحزبية والمحسوبية وضعف الرقابة المالية والشعبية ، تقف وراء الفساد الاداري والاقتصادي المستشري في كافة اجهزة ومستويات الادارة الفيدرالية والحزبية. تزايد حجم المعاملات في ( السوق السوداء) من دون اي رقيب وحساب، او اتخاذ الاجراءات اللازمة لهذه القضية الخطيرة والحد منها.تفاقم الاجواء السياسية بين الاقليم والحكومة المركزية الى اسوء حالاتها في المرحلة الحالية، وذلك بسبب تعمق الخلافات بينهما وتراكم المشكلات من دون حلها، منها على سبيل المثال، الصلاحيات الادارية ، تقاسم الثروة ، عقود النفط المبرمة من قبل الاقليم من دون التنسيق مع المركز، توسيع دائرة مكاتب وقنصليات التمثيل الدبلوماسي الخارجي في الاقليم، تراوح مسالة تطبيق المادة 140 من الدستور حول قضية كركوك ومناطق اخرى (المتنازع) عليها في مكانها، وعدم حسم امرها لحد الان.وتسبب هذه الحالة في كثير من الاحيان الى زعزعة الثقة بينهما ونشوب مشاكل الامنية والمالية والتوتر وعدم السيطرة على الاحداث الامنية بشكل جيد في هذه المناطق ، وتوجيه التهم الى الاقليم بممارسته الارهاب تجاه اقليات اخرى التي تعيش في هذه المناطق. اما على صعيد الحركة التحررية الكردية ، فان الحزبين الحاكمين منذ توليهما السلطة قبل 17 سنة في الادارة الفيدرالية، لم يقدما ائ شئ ملموس يذكر بهذا الخصوص. ، بل بالعكس فان العلاقة النضالية التي كانت تربط بين الاحزاب الكردية في اجزاء اخر من كردستان تركيا، ايران ، وسوريا، باتت معدومة ودخلت في طور السبات الطويل. محاولة شراء قادتها ، كما هو معمول به حاليا مع بعض قادة الاحزاب الكردية من سوريا وايران ، والموجودين في الاقليم، ويعملون تحت خيمة الحزبين الحاكمين ، وهم يعيشون مع عوائلهم برفاهية اسوة برفاقهم من الحزبين، ويحتلون بعض مناصب قيادية في الاجهزة الاعلامية الكردية والادارية المختلفة. وقد ذهب هذين الحزبين الى ابعد من ذلك ، وهي محاربة جماهير هذه الاحزاب الكردية،المساومة والتعاون مع امريكا وانظمة الحكم في العراق وايران وسوريا للحد من نشاطاتها السياسية والنضالية ، واتهامها بالارهاب وعدم التعامل معها ، في الوقت الذي تناضل هذه الاحزاب في بلدانها تحت ظروف صعبة، ارهابية ، وقمعية ، التي تمارس ضدها من هذه الانظمة ،وبتاييد وبدعم من جماهيرها التي تطالب، بتحقيق الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في هذه البلدان.

ان الاصلاحات التي يعلن عنها الحزبين الحاكمين بين حين واخر ، لا تشمل تطوير الموضوعات التي تخص مفهوم الديمقراطية الحقيقية ، وممارستها فعليا في الحياة اليومية، ولا تشمل تطوير مفهوم الادارة الفيدرالية من خلال بناء مؤسساتها العصرية للسلطات الثلاث ، القضائية والتشريعية والتنفيذية والفصل بينها، وعدم التدخل في شؤنها وتسليط الطغيان الحزبي الضيق عليها، ولا تشمل تطوير مؤسسات المجتمع المدني وتقويتها ودعمها ، كي تساهم في عملية تثقيف وتوعية الجماهير وتدريبها للمساهمة في صنع واتخاذ القرارات المصيرية والمهمة، ولا تشمل ايضا تطوير وجهة نظرهما تجاه حقوق المرأة في كردستان ومساوتها بالرجل في كل اوجه الحياة ، وخاصة اشراكها في المناصب القيادية في الحزب اولا وثم في السلطات الثلاث وفي مجال السلك الدبلوماسي، اذ بدلا من ذلك فقد شرع البرلمان الكردستاني في الاونة الاخيرة قانون تعدد الزوجات، تزايد مشكلة الانتحار في صفوف المرأة، وكذلك مشكلة تفشي ظاهرة ختان المرأة، بشكل لا مثيل لها في المنطقة واكثر من مصر، حسب ما اشار اليه بعض الكتاب مؤخرا، وعدم التصدي والحد من هذه الظواهر المتخلفة في الاقليم. الاصلاحات بمفهوم الحزبين يعني فقط الحد من ظاهرة الفساد الاداري والمالي، بعد ان تفاقمت هذه الظاهرة واصبحت مادة يتداول بها بعض القياديين في الحزبين لقلة حصتهم من هذا الفساد ، ويريدون تفعيل دورهم للحصول على حصة اكثر اسوة برفاقهم الاخرين،وكما ان الشارع الكردي يطالب بألحاح وضع الحد لهذه الظاهرة، واتخاذ الاجراءات الاصولية بحق ممارستها.

وخلاصة القول ، نجد اليوم ان الحالة التي تمر بها الادارة الفيدرالية في اقليم كردستان العراق، تشبه الى حد ما القصص الروسية ، التي كانت ترويها الناس ايام البيروسترويكا ، وهي : رجل ذهب يسأل عن اختصاصي يعالجه، وطلب اختصاص اذن وعين. وقيل له ان هذا الاختصاص غير موجود، فهناك اختصاص انف واذن وحنجرة ، وهناك اختصاص عين ،وكلاهما فرع من الطب مستقل. واصر الرجل على ما يريد، وسألوه :"لماذا"؟ وقال:" لان مرضي اني اسمع شيئا وارى شيئا غيره"!!!.

منذ تطبيق النظام الفيدرالي المقرون من البرلمان الكردستاني في 1992 ، لم يشهد اقليم كردستان تطورا ملحوظا في المجتمع المدني ، حتى هذه اللحظة، ولابد الان من قوانين تضمن حق الشعب في ان يقول رأيه بما في ذلك حقه في ان يقول (لا) عند اللزوم. وبغض النظر من النتائج التي تفرزها الانتخابات القادمة ،فان ممارسة عمليتها ، هي ظاهرة من ظواهر تطبيق الديمقراطية، وتعطي نتائجها الايجابية الملموسة ، كلما اتيحت فرصة لمشاركة اوسع الجماهير لانتخاب ممثلها الشرعي بكل حرية، والذي يعبر عن طموحاتها ويضمن حقوقها المشروعة. وان المساهمة الواسعة فيها ، تدل على نهوض الوعي السياسي والثقافي والديمقراطي لدى الناخب الكردي. وتكون ايضا تجربة اولى في ظل دخول القوائم المعارضة لمنافسة القوائم القديمة ، التي فرضت نفسها منذ ذلك التاريخ. نأمل ان تجري الانتخابات القادمة بطريقة ديمقراطية ونزيهة وشفافة ، ويتاح للناخب الكردي فرصة وحرية تامة لانتخاب ممثله الحقيقي ، الذي يعبر عن امانيه وطموحاته وحقوقه، وينهض بالاقليم، من خلال فتح ابواب الحرية الاقتصادية التي تواكبها حريات ديمقراطية اوسع .ثم يأتي الدور بعدها على الحرية السياسية لا بد ان تتوافر لها سلع وخدمات اكثر! ،وذلك عبر تشريع قوانين مهمة، تضمن حق الشعب في ان يقول رأيه، ويشارك بشكل فعلي في عملية صنع القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المهمة والمصيرية، التي تصب في عملية تطوير مفهوم الفيدرالية وافاقها المستقبلية بشكلها الحقيقي والفعلي..

 


 

free web counter