| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صباح قدوري

 

 

 

                                                                                     الأربعاء  30 / 7 / 2014



استخدام العقيدة الدينية / السياسية لارهاب المسيحيين في العراق

د. صباح قدوري
 
يمارس الاسلاميون المتشددون والارهابيون وبشكل منتظم ومخطط ومدروس سياسة العنف والارهاب والتهجير ضد المسيحيين والاقليات الدينية غير المسلمة من الايزيديين والصابئة المندائيين والشبك وغيرهم. هؤلاء لا يعترفون بتاتا بوجود هذه الاديان في العراق - بلاد الرافدين اي ما بين النهرين منذ الازل، وهم من سكانه الاصليين . يعلنون جهادهم عليهم باعتبارهم كفار، ويعتبرون قتلهم مباح ، كما يدّعون بان بقتل المسيحي تخضر يد القاتل ، ويضمن لنفسه الجنة ، وغيرها من هذه المفاهيم المسمومة ، لا تدل الا عن افكار الجهل والتخلف وعدم احترام قدسية الانسان ومعتقداته الدينية والمذهبية والفكرية.

واليوم بعد ان احتلت "داعش" مدينة الموصل، قامت بتنفيذ مخططاتها الاجرامية الوحشية اللاإنسانية بحق المسيحيين والاقليات الدينية الاخرى، من فرض التهجير القسري عليهم، والطرد من ديارهم والأستيلاء على املاكهم وممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة ، واهانة كرامتهم ومقدساتهم، وطلب تغيير دينهم او فرض الجزية عليهم او قتلهم . وما اشبه اليوم بالامس،عندما اجبرت عائلة الجليلي المسيحية الاصيلة العريقة في الموصل في حينه الى ترك المسيحية واصبحت مسلمة.(للاطلاع على تفاصيل هذه القصة في مقال لي بعنوان : الى متى استمرار العنف والارهاب وانتهاك حقوق المسيحيين في العراق؟! ).

كذلك قامت عصابات "داعش" الارهابية بتدمير وتخريب وحرق الكنائس ودور العبادة والمعالم التاريخية والاثرية والمتاحف والمكتبات التراثية والمعرفية ومراقد الانبياء... والأستيلاء على بيوت المسيحيين والاقليات الدينية غير المسلمة، ونهب محتوياتها بعد تهجير اهلها... ومنع الموسيقى والمسارح ودور العرض وكل ما له صلة بالحضارة والتمدن والثقافة المتنورة والمعرفة والاعمال المجيدة لاتباع الديانات والمذاهب الاخرى، بالاضافة الى تهديدات متكررة من قبلها لاجتياح بغداد، ووضع خطة عمل مدروسة لتنفيذ ذلك.

ان تصرفات "داعش" الهمجية المتخلفة والجاهلة، شبيهة بحصار بغداد من المغول،عام 656 هجرية /1258 ، وما اقدم عليه "هولاكو خان" في حينه من حرق المعالم الحضارية والكتب القيمة ذات القيم المعرفية والتاريخية ، والقى بها فى نهر دجلة،مع قتل الملايين من اهلها .

واليوم حالة المسيحيين في مدينة الموصل والمناطق الأخرى التي هي تحت سيطرة واحتلال "داعش" مأساوية وكارثية بكل معنى الكلمة ،وتشمل كل مناحي الحياة . ليس لديهم اية مساعدات محددة غير بعض المساعدات الأنسانية الأولية من الحكومة المركزية واقليم كردستان العراق وبعض المنظمات الانسانية الدولية ، ولا حماية دولية. والسؤال يطرح نفسه : من سيساعد المسيحيين في محنتهم هذه، اذا كان العامل الذاتي ضعيف لدى المسيحيين اليوم، وغياب الامن والاستقرار في العراق والمنطقة، واذا كان العامل الموضوعي المتمثل في التدخلات السافرة من الدول الاقليمية (تركيا، قطر والسعودية والاردن وايران) في شؤون الشرق الاوسط، ومنها العراق، والمكلفة بتنفيذ السياسة الامريكة وحلفائها وفق خارطة الطريق المرسومة لها للشرق الاوسط الجديد. واليوم اصبح دور امريكا وحلفائها ، من الدول الغربية ودولة الفاتيكان ومنظمة الامم المتحدة ظاهرة للعيان، في تحفيز وتشجيع المسيحيين للهجرة من موطنهم الاصلي في منطقة الشرق الاوسط ، وخاصة من العراق وسورية. وبذلك اصبح المسيحيون اليوم يطبق عليهم مقولة طارق بن زياد عندما حطت اقدامه اسبانيا وقال : يا قوم العدو من امامكم والبحر من ورائكم...

ان ما يجري اليوم تجاه المسيحيين في المنطقة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص من الجرائم وانتهاك للقانون الدولي ومبادئ وقرارات الامم المتحدة ذات الصلة بحقوق الاقليات الدينية والاثنية ، دلالة واضحة عن عجز مؤسسات الدولة العراقية في تأمين الامن والاستقرار منذ احتلال العراق في 2003 ولحد الان، وبذلك تعتبر هي المسؤولة الاولى عن كل ما يجري في العراق من الارهاب والقتل والتدمير والخراب والجهل وزعزعة السلم الاهلي والاجتماعي ، الذي يقود العراق وطنا وشعبا الى مصير مجهول مستقبلا. والوضع يبقى اسوأ في الامد القريب، ما لم يتم الاسراع في التغيير والاصلاح الجذري في المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لادارة الحكومة القادمة ، وذلك عن طريق تعميق وتوسيع الممارسات الديمقراطية في الحياة اليومية من خلال التنوع واحترام هذا الموزاييك المتنوع داخل اطياف الشعب العراقي بكل مكوناته واطيافه ومذاهبه ودياناته وقومياته ، وتنميته وتطويره ، وتكريس مفهوم هوية المواطنة وتعزيز الوحدة الوطنية في اطار عراق فيدرالي ديمقراطي موحد، على اسس المساواة في الحقوق والواجبات واقرار التعددية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، من خلال الأقرار بمبدأ تداول السلطة، وانضاج رؤية استراتيجية واضحة وشفافة وآليات فعالة لازمة في تحقيق التنمية الوطنية المستدامة.وانهاء سياسة نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية والحزبية الضيقة في ادارة الدولة الى الابد.

ندين ونشجب بشدة كل تصرفات "داعش"وعصاباتها والمنظمات الارهابية الاخرى على ممارساتها اللاإنسانية بحق ابناء بلدنا من المسيحيين ، وكل الأطياف الأخرى من الايزيديين و الصابئة المندائيين والشبك وغيرهم. ونعلن تضامننا مع محنتهم واوضاعهم الكارثية هذه ، وننادي المجتمع الدولي والمنظمات الانسانية وحقوق الانسان والمجتمع المدني ان يقف صفا واحدا مع شعبنا، وتحمل مسؤولياته الانسانية والاخلاقية والقانونية ازاء ما يجري من انتهاكات وخروقات بحقوق الانسان على يد عصابات "داعش"المحتل وحلفائها. ونطالب بوضع حد لهذه المـأسي والنزيف الدموي الذي يعاني منه المسيحيون منذ فترة طويلة ، من دون ايجاد حل انساني لمآسيهم لحد الان. العمل باسرع وقت لعودة المهجرين من المسيحيين واتباع الديانات الاخرى، وتعويضهم عن كل خسائرهم المادية والمعنوية، ومساواتهم مع الاخرين في الحقوق والواجبات،وتأمين عيش سليم وامن لهم ولاجيالهم القادمة.
 

free web counter