| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلام إبراهيم كبة

 

 

 

 

الأحد 1 /7/ 2007

 

 

المؤسسة العسكرية في العراق الجديد

 

 المهندس الاستشاري/ سلام ابراهيم عطوف كبة

    شهدت بغداد التاسع من نيسان عام 2003 دخول القوات الأميركية العاصمة العراقية والشروع بالاحتلال المباشر لتمر البلاد بالمرحلة الاستثنائية -  الانتقالية او الكارثة الوطنية بعينها. لم يسقط النظام ولكن ايضا سقطت الدولة وانهارت، وادى فقدان الحكم الى اعطاء سلطات كبيرة الى المحتلين رغم تأسيس مجلس الحكم وتشكيل الحكومة المؤقتة ورفع العقوبات الأقتصادية . ومجد القرار 1483  للأمم المتحدة سلطات الاحتلال وأكد على الدور الاستشاري فقط للعراقيين والسلطات الكاملة للمحتلين. واقرت قرارات الأمم المتحدة  1500 ،1511  بمجلس الحكم العراقي، وبسلطات الاحتلال الأميركي التي هي فوق كل اعتبار . اتخذ بول بريمر، المندوب السامي الامريكي في بغداد،في 23 /4/2003، قرارا بحل الجيش العراقي نهائيا وحل كل القوي العسكرية وشبه العسكرية المرتبطة به... انهار الجيش العراقي كمؤسسة عسكرية، وكوحدات وافراد...انهار الجيش العراقي كأحد اهم ادوات الدولة في العراق الحديث ، وقد تلت الانهيار عملية تدمير منظمة وشاملة لمعسكراته ومراكز تدريبه ومبانيه الادارية ومراكز تحكمه، بما في ذلك بنايات وزارة الدفاع في العاصمة بغداد.   

     اختزن الجيش العراقي تجربة عسكرية طويلة عبر سلسلة من الحروب والمعارك خلال ثمانين عاما من تاريخه. وهو جيش حديث لأنه اتبع وسائل وانماطا عسكرية حديثة واستهلك نسبا عالية من ميزانيات الدولة العراقية في سبيل تجهيزه بما هو متاح سياسيا من عتاد عسكري حديث... كما ضمت صفوفه ضباطا تلقوا مستويات تعليم رفيعة ومتميزة، علي الأقل خلال السنوات الثلاثين الاخيرة.لكن ازمة المؤسسة العسكرية العراقية جزء من الازمة العامة للمؤسسات العسكرية في البلاد العربية وهي استهدافها ان يبقى الجندي مجرد آلة قتل فائقة التدريب، لا تلعب شجاعته او حنكته او ايمانه بقضية ما اي عامل رئيسي في موقعه او دوره العسكري، يخوض المعارك كجزء من آلة اكبر وأعظم من المعدات وادوات السيطرة وطاقة النيران... الامر الذي تسبب في التكديس المستمر للعتاد العسكري الحديث! هكذا نمت المؤسسة العسكرية العراقية بافراط – حوالي 14 مرة بين 1950 و 1980 فقط ... في الوقت الذي نما حجم السكان 3 مرات والجهاز الاداري للدولة 10 مرات فقط. وفي عهد البعث بلغ التناسب بين القوات المسلحة والسكان نسبة 33 فردا لكل 1000 نسمة واحيانا 60 فرد لكل 1000نسمة وهي اعلى معدلات في العالم لان المعدل العالمي هو 7 لكل 1000 نسمة زمن السلم ! (فالح عبد الجبار / الثقافة الجديدة / عدد 295) . وبلغ الانفاق العسكري العراقي عام 1994 ما يعادل 14.6% من الناتج الاجمالي الوطني  اي الانفاق الاعلى بمستوياته في جميع البلدان العربية . ويبلغ هذا المعدل 3.2% عالميا و 3.6% في البلدان النامية .ومع افول العهد الصدامي هبطت القدرات العسكرية العراقية الا ان الماكنة العسكرية احتفظت بقدرتها على توجيه اللكمات لضمان بقاء صدام حسين في السلطة ! وامتلك العراق قبيل سقوط الطاغوت : 2000 دبابة ، و 200 – 300 طائرة اعتراضية وهجومية ، 1000 عربة مصفحة مدرعة ، 2000 ناقلة جنود ، 800 دبابة خفيفة للمشاة ،200 مدفع ذاتي الاطلاق و 1500 مدفع آخر متطور ! ، 100 طائرة هليكوبتر ، 6000 مدفع مضاد للطائرات ، 1000 صاروخ ارض – جو ! وصواريخ سكود ... كان الجيش العراقي كبيرا وفاعلا ، 350 – 400 الف جندي وترسانة فتاكة من الاسلحة ! ...حرص صدام حسين على اعادة تشكيل المؤسسة العسكرية لضمان الهيمنة عليها ، وتسهيل مراقبتها وادارتها وضمان ولائها ، وحمايتها للنظام القائم ورموزه وولائها للدكتاتورية الشمولية . وأدرك صدام اكثر من غيره مدى خطورة المؤسسة العسكرية على نظامه وعرف حقد ابناء القوات المسلحة على الحكم ورغبتهم بالخلاص منه فاستحدث الحرس الجمهوري خارج اطار المؤسسة التقليدية بعد ان اسس تشكيلات الجيش الشعبي غير النظامية وادخل البلاد في اتون كارثة حربية مع ايران اعقبها حربا مجنونة مع العالم ! في غزوه للكويت .استحدثت اجهزة الحرس الجمهوري الخاص والامن الخاص وتوسعت التشكيلات المسلحة غير النظامية... ولا يكاد يمر شهر دون ان تكون هناك كوكبة من العناصر الوطنية من ابناء القوات المسلحة تحال الى غياهب المصير في المعتقلات وساحات الاعدام . كان الحديث عن المؤسساتية المدنية في العهد الصدامي ترفا فكريا وميكافيلية بينما تحولت المؤسسات التمثيلية كالمجلس الوطني في سياق عسكرة المجتمع الى ادوات لاحتواء الحركات الجماهيرية والاجتماعية .

الغزو الاميركي المبيت للعراق

    قبل انتخاب جورج و. بوش كرئيس للولايات المتحدة قام ديك تشيني و دونالد رامسفيلد و پول ولفويتس بكتابة مذكرة تحت عنوان "اعادة بناء القدرات الدفاعية للولايات المتحدة" في ايلول 2000  اي قبل عام من احداث ايلول 2001 .. وورد في هذه المذكرة ما معناه انه بالرغم من الخلافات مع نظام صدام حسين والذي يستدعي تواجدا امريكيا في منطقة الخليج العربي الا ان اهمية واسباب التواجد الأمريكي في المنطقة تفوق سبب وجود صدام حسين في السلطة و يمكن قراءة النص الكامل للمذكرة في (Rebuilding America’s Defences Strategies , Forces & Resources For A New Century).

    كانت الحملة العسكرية مخالفة للبند الرابع من المادة الثانية لقوانين المنظمة الدولية و التي نصت على انه " لا يحق لدولة عضو في الأمم المتحدة من تهديد او استعمال القوة ضد دولة ذات سيادة لاغراض غير اغراض الدفاع عن النفس" .. من الجدير بالذكر ان السكرتير العام للامم المتحدة كوفي عنان صرح بعد سقوط بغداد ان الغزو كان منافيا لدستور الأمم المتحدة .. وكان هذا مطابقا لرأي السكرتير السابق للامم المتحدة بطرس بطرس غالي . وفي 28/4/2005 اصدر وزير العدل البريطاني مذكرة نصت على ان اي حملة عسكرية هدفها تغيير نظام سياسي هو عمل غير مشروع .

     كان الغزو سريعا بالفعل فبعد حوالي ثلاثة اسابيع سقطت الحكومة العراقية وخوفا من تكرار ماحدث في حرب الخليج الثانية من اشعال للنيران في حقول النفط قامت القوات البريطانية باحكام سيطرتها على حقول نفط الرميلة و ام قصر و الفاو بمساعدة القوات الأسترالية. في 9 /4/2003 اعلنت القوات الأمريكية بسط سيطرتها على معظم مناطق العاصمة العراقية.. بعد 9 /4/2003 بدأت عمليات سلب و نهب واسعة النطاق في بغداد وبعض المدن الأخرى حيث قام الجيش الأمريكي فقط بحماية مباني وزارتي النفط و الداخلية ومن ضمنها المخابرات العراقية وبقيت المؤسسات الأخرى كالبنوك و مشاجب الأسلحة و المنشآت النووية و المستشفيات دون اية حماية بحجة عدم توفر العدد الكافي للجنود لحماية المواقع الأخرى. من السرقات التي حصلت وكان لها دورا بارزا في الأوضاع السياسية في العراق بعد 9 /4/2003 كانت سرقة الاف الأطنان من الذخيرة الحربية من معسكرات الجيش العراقي و سرقة مركز الأبحاث النووية في التويثة والذي كان يحتوي على 100 طن من اليورانيوم حيث قامت شاحنات بنقل محتويات هذا المركز إلى جهات مجهولة .كانت جريمة قيام قوات الاحتلال بتدمير أكثر من 8000 دبابة ومدرعة عراقية صالحة رغم انتهاء الحرب عام 2003 والسماح لعصابات التهريب ببيع الكثير منها الي دول الجوار أو تصديرها كخردة عبر الأردن، هي جزء من المخطط الامريكي لنزع كل أسلحة الجيش العراقي السابق . أمر مؤلم أن يصبح مصير مئات الالاف من ابناء الجيش العراقي بكل خبراتهم وأمكانياتهم وتاريخهم في الشوارع بلا عمل أو مصدر رزق.اشارت دراسة اجرتها مجلة لانسيت الطبية البريطانية المرموقة الى ان 655000 عراقي قتلوا منذ بداية الغزو الامريكي في 19/3/ 2003 وحتى 11/11/2006 .. بينما قالت الامم المتحدة ان نحو 34000 عراقي قتلوا خلال عام 2006 فقط !

الحرس الوطني

    ومع اعادة تأسيس القوات المسلحة العراقية ، والاعلان عن البرامج السياسية لحكومات العهد الجديد - "حكومات ما بعد التحرير" - حكومات ما بعد التاسع من نيسان عام 2003 ، وطائفة الأهداف والالتزامات التي تعهدت بتنفيذها في المستقبل الموعود .. اثبتت الوقائع العملية الملموسة الفشل الذريع لقوات الحرس الوطني والشرطة في مجال تحقيق الامن ومكافحة الارهاب وحماية الحدود الخارجية ،  مكافحة الفساد  ، الاسهام في الاعمار واعادة الاعمار وحل مشكلة الخدمات الاساسية كالكهرباء ، حل مشكلة البطالة ، الثبات الاستراتيجي على الجدول الزمني لانسحاب القوات المتعددة الجنسية . قوى أساسية مارست سيادتها ودورها في تأسيس قوات الحرس الوطني وهي : الطائفية السياسية  ... المخابرات والعصابات الدينية الإيرانية... المخابرات السورية.... بقايا البعث العراقي المنهار ... العشائر العراقية التي تقترب إلى الجماعات الإسلامية بسبب قربها من المرجعيات الدينية ولكنها تحاول الدفاع عن أبناء عشائرها عندما يتعرضون للاضطهاد من جانب القوى السياسية والمخابراتية...القوات المتعددة الجنسية التي كانت وما تزال تنسق مع الجميع وعلى الجميع .

    باتت الطائفية السياسية تنخر الجيش والداخلية العراقية ، ومستوى الاداء الإداري في الوزارات ذات العلاقة ينحدر الى مستوى الفوضى الممزوجة بالسرقات والرشوة حيث كل مدير ومستشار هو عبارة عن اقطاعي صغير في مكانه والدائرة الحكومية هي اقطاعيته وإقطاعية حزبه الخاصة ،يوظف فقط الأقرباء وأصدقاءه( ومعظمهم من منتسبي حزبه )...إما إذا دخلت إلى مقرات الوزارات ستجدها مليئة بشعارات حزب الوزير(كأنها جامع أو حسينية ) وكأن هذه الوزارة ملك خاص لحزب الوزير.انتشار الصور الشخصية لعائلتي الحكيم والصدر مثلا والتي تحتل نفس أماكن صور صدام حسين يمثل نوع جديد من بناء عبودية الفرد التي عانى منها العراق الويلات ، بل تعدت إلى القيام بتسمية المعسكرات والفرق والالوية والافواج والسرايا والدوائر الامنية ومراكز الشرطة، والأحياء السكنية والأماكن والشوارع والساحات العامة والمستشفيات القريبة منها ، والجسور بأسماء هاتين  العائلتين( بالضبط كما فعل صدام سابقا الذي اختصر تضحيات العراقيين على مدى أجيال بشخصه وأطلق أسمه على كل شئ في العراق ). الحكومة التي يدين وزراؤها بالولاء للطائفة أكثر من ولاءهم  للقسَم الذي أقسمه كل منهم  بالعمل للوطن والشعب لم تعد لديها القدرة في السيطرة على وزراءها حينما " يزعلون " على الحكومة ويعلقون عضويتهم فيها إلى أجل ما ، لا لخلافهم مع حكومتهم هذه على إجراء أو قرار يتعلق بمصير الوطن والشعب ، بل لأن إحدى ميليشيات بعض القادة الحكوميين تحرشت بميليشيات أخرى من قادة حكوميين آخرين ، والكل يردد مع نفسه مقولة الدكتاتور الساقط  " أنا القانون " .  لا يزال معظم قادة هذه التنظيمات يبرأ نفسه من الممارسة الطائفية في سبيل الضحك على الذقون، لأن هذا الادعاء لا يبرهنه الواقع بل يفنده و لا يؤكده، وها هو الشعب العراقي المدمى يختنق بالنفس الطائفي الأسود، بعد أن تحول على أيدي بعض العراقيين والعرب من تجار الدين والمذهب والشعارات القومية والطائفية بدعوى مقارعة المحتل، وبدعم هائل من بعض الدول العربية والاسلامية والإقليمية كل حسب أجندتها، تحول إلى مرتع سهل للحرامية و السفاحين. والملفت أن كل ذلك وغيره يتم في خضم أساليب التجهيل الحكومي للمواطن عما يجري في البلد بأساليب إعلامية بالية واللجوء إلى التبريرات الجاهزة للتنصل عن المسؤولية. 

    ان اساس تركيبة القوات المسلحة العراقية الجديدة ( الحرس الوطني ) حمل في ذاته ومنذ الولادة خطأ سياسيا بنيويا يعتمد المحاصصة الطائفية - القومية و يبتعد عن نهج البناء المؤسساتي على اساس الوحدة الوطنية.  ومثلما وقف صرح الأمة العربية وباني مجدها صدام حسين وراء الهزيمة المنكرة للجيش العراقي ابان كارثياته ، تتحمل اليوم الحكومة الحالية المسؤولية الكاملة عن الفشل الذريع للقوات المسلحة العراقية  في تأدية مهامها لأنها حكومة تتسم بالضعف والخذلان وعدم إمكانية المواجهة الحقيقية ، والتخفي خلف الشعارات والإستعارات والعواطف الإعلامية الفارغة، دون مقدرة حقيقية على حماية أرواح الناس ومممتلكاتهم ولا القدرة الفاعلة على مواجهة الأطراف المجرمة التي هي وحدها باتت تختار الطريقة والكيفية والأسلوب المتخذ في تنفيذ المجازر الجماعية. والاخطر ان يجر تحول الجيش في عراقنا كمعظم الدول العربية الى العنصر الحاسم في ضمان استمرار الحكم ولتضحي مهمته الرئيسية أمنية داخلية كرديف قوي للأجهزة الأمنية الداخلية الأخرى ولتتزايد الحالات التي يتم فيها الاعتماد على الجيش في مهمات الأمن الداخلي لدرجة ان طبيعة تدريبه واختيار ثكناته وتمركز تشكيلاته مرهون بالهواجس الأمنية الداخلية والطائفية وليس لهواجس المخاطر الخارجية .

    حال النزاهة في القوات المسلحة العراقية حالها في بقية مؤسسات الدولة والمجتمع بضياع ملايين الدولارات العراقية في عقود وزارتي الدفاع والداخلية وفضائح الاسلحة الفاسدة ! وبسيادة الولاءات العصبوية دون الوطنية و(فايروس) العصابات الطائفية والمفاهيم الميكافيلية وبالاصابة بداء " الغيبة " الذي تفشى مؤخرا في كل الوزارات ... وبحصر التعيينات لأغراض توسيع الحاشية ! وبالعشعشة واستخدام السيارات الحكومية للاغراض الشخصية والعائلية.. وباستغلال المسؤولين لمناصبهم وعلاقاتهم وصلاحياتهم المالية والإدارية وما موجود تحت تصرفهم من اموال الدولة لتحقيق المنافع الشخصية بحيث يتحول الضابط من شخص متواضع الامكانيات الى صاحب ثروة ومالك للعقارات والمكائن والسيارات بفضل ما يحصل عليه من اتباع طرق ملتوية وحيل قانونية.... وبالمكافآت الى  المنتسبين او غير المنتسبين بحجة الجهود المبذولة لانجاز عمل ما والتي تحولت الى وسائل لاستعباد الحرس والمرؤوسين ولشراء ذمم المسؤولين في الدولة .  

    يجري تنفيذ الكثير من عمليات الخطف والقتل والتصفيات   بملابس الجيش والشرطة وباسلحتهما وسياراتهما، الامر الذي يعزز الشعور بالقلق وعدم الثقة لدى المواطنين ، بينما ازدادت  عمليات العنف والخطف والقتل على اساس الهوية  لتزيد من تعقيد الوضع ، خاصة منذ تفجير مرقد الامامين في سامراء ، وهي تأخذ  في بعض المناطق طابعا منظما. وبعد احداث سامراء اخذ نشاط الميليشيات يرتدي  بصورة متزايدة   طابعا طائفيا ، وتجلى ذلك في ارتكاب جرائم  الخطف والتعذيب والتهجير القسري وحتى القتل  تبعا للهوية المذهبية . ووجد  البعض في العمل لدى الميليشيات  مهنة تؤمن له القوت  في وقت تستشري فيه البطالة وتعزّ فرص العمل . فيما تشير معطيات اخرى الى  تحول قسم من تلك  الميليشيات الى مافيا جريمة منظمة.... لقد تعاظم دور الميليشيات ، حتى  حلت في احيان وحالات كثيرة محل مؤسسات الدولة . ويعني هذا ما يعنيه من تغييب لدورالدولة واضعاف لهيبتها وعرقلة لتاسيس دولة القانون والمؤسسات وتخريب للديمقراطية.

   تؤكد شهادة الجنرال مارتن دمبسي ، المسؤول عن ملف تدريب القوات العراقية المسلحة ، امام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الاميركي ان القوات العراقية تتحسن لكنها لازالت مبتلية بالطائفية والفساد وتعاني من افتقار القيادات وانسحاب عشرات الالاف من العناصر ، ومنهم لا على سبيل الحصر 32000 شرطي بين تموز وكانون الثاني 2005 . ويضيف دمبسي ان الشرطة الوطنية هي الاكثر اشكالية بالمشاكل الطائفية ، وتصله اسبوعيا التقارير بان مراتب الشرطة الوطنية يتم اقصائها لاسباب طائفية ، وفي بعض الحلات تغير الحكومة بعض القيادات الناجحة لانها تشعر انها بحاجة الى موالين لها!.. ويؤكد دمبسي " ان المسؤولين العراقيين يقدمون رشاوى في بعض الاحيان لرجال الشرطة سواء بمنحهم العمل او كنتيجة للفساد ... على سبيل المثال فان المسؤولين في كربلاء والنجف قد زوروا وثائق اعداد من الشرطة بين 60000 – 75000 في قوائم الرواتب ومن هذا العدد فان 10% – 20 % هم مجرد اشباح ومسجلين فقط للحصول على رواتبهم ".

   توصلت التحقيقات الحكومية في فساد الشرطة العراقية الى أن الضباط يكسبون المال عن طريق اختطاف الأفراد والتزوير ونقل المعلومات الى المسلحين.... وإن قائد لواء أعفي من منصبه مؤخرا لقيامه ببيع أسلحة ووقود في السوق السوداء... وان 14 ألف بندقية دفع ثمنها الأمريكيون أصبحت مفقودة. ويضيع حوالي 4 مليار دولار سنويا بسبب الفساد في العراق، حسبما يقول مدققو الحسابات، بينها 100 مليون دولار من تهريب النفط ، وهو مبلغ يذهب لمساعدة المسلحين. وتؤكد التحقيقات أن رئيسا سابقا للشرطة كان يدير ميليشيا خاصة مكونة من 1400 جندي.

    وفي محاولتها استعادة ضباط ومراتب الجيش السابق والحاقهم بالجيش الجديد لوحظ مع الاسف أختيار الحكومة العراقية عدد محدود منهم من رتبة نقيب فما دون وأهملت اصحاب الرتب الأعلي ذوي المشاعر الوطنية والكفاءة والخبرة العالية ... ثم جاء قرار لجنة حقوق الجيش والكيانات المنحلة بمنح راتب تقاعدي فوري لجميع الضباط في الجيش السابق من رتبة مقدم فما فوق ممن لا يرغبون في العودة إلى الجيش ... بالتأكيد لابد من اليقظة الشديدة لعودة الجزم العسكرية ( المعتقة ) بمراتبها وأوسمتها ونياشينها العسكرية وما أغدق عليها الطاغية من إمتيازات خيالية في حروبه  المجنونة ، تعود لتستعيد بريقها من جديد !عبر الفوضى السياسية والتزكيات المشبوهة التي أوصلتها الى مناصبها الجديدة ، كي تقول كلمتها و سطوتها على أرض الواقع من جديد وبزي مدني تفوح منه رائحة نفس الثقافة التي إبتلى بها الوطن في سنوات الدكتاتورية المنهارة ! المهانة والإذلال ومظاهر الإستغلال والإستعباد والتصفيات الجسدية للجنود العراقيين الأبرياء الذين سيقوا عنوة لحروب الطاغية ، وعذابات الأمهات والزوجات والآيتام والآرامل .. يراد لها الآن تطمس وتنسى شيئاً فشيئا عبر تهيئة الساحة والأجواء من جديد في ظل سياسة ما يجري الآن ، وتجاوز كل المصائب والآلام عبر غسل الأيادي الملطخة بالدماء وإلباس أصحابها ثيابا جديدة أكثر عصرية ، غير تلك التي خدشت أنظار الإنسان العراقي على مرّ عقود طويلة ! لكن الملفت للانتباه والاسف الشديد أن الضباط الذين راجعوا وزارة الدفاع استجابة للدعوة بعودة الضباط الي الجيش الجديد فوجئوا بمن يخبرهم أن الضباط الذين تزكيهم الأحزاب الشيعية يعودون كضباط أما الذين يزكيهم الحزب الاسلامي أو المستقلين فيعودوا كجنود ومراتب وبغض النظر عن رتبهم السابقة...

    يؤكد انتوني  كوردسمان، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية ، خيبة البنتاغون ولجنة القوات المسلحة في الكونغرس الاميركي بجدوى تدريب القوات المسلحة العراقية والتي انعكست في توقف البنتاغون عن اصدار تقييمه الدوري لمستوى تدريب الجيش العراقي ، ودرجة استعداد القوات  المسلحة في الميدان والاكتفاء بتحديد  " جاهزية " هذه القوات من خلال  قياس  الاستقرار والامن في العراق. كان اختلاف الثقافات العسكرية  ابرز عوائق التدريب الى جانب متطلبات القدرة القتالية في ظل تواجد عدد غير قليل من الوحدات العسكرية غير الجاهزة. لقد ازدادت المعونات الأمريكية للقطاع الأمني بالعراق من 3.24 مليار دولار في كانون الاول 2004 إلى 13.7 مليار في حزيران 2006. يذكر ان الخطة السنوية لعام 2007 تطالب بزيادة اكثر من 50000 جندي وشرطي عراقي الى الحجم الحالي ليصل الى قرابة 325000 فرد بداية عام 2008 بغية قيادة الدوريات اليومية ونقاط التفتيش وحراسة القواعد والدور السكنية والمهمات الحاسمة الخطيرة الاخرى. وبالرغم من أن 277600 عراقي أكملوا التدريبات الأولية للالتحاق بالأجهزة الأمنية، نجد أن العديد من الجنود المدربين يتركون اعمالهم دون تسليم اسلحتهم ومعداتهم، خصوصا في قوات الشرطة. لقد ازداد  حجم الجيش العراقي من أربعة الوية  و23 كتيبة في تشرين الثاني 2005 إلى 25 لواء  و85 كتيبة في شهر آب 2006، بما يشمل 115 ألف جندي إضافي مجهز ومدرب. لكن القوات العراقية لازالت غير مؤهلة للعمل مستقلة من الإشراف والدعم الخارجي ولن تستطيع العمل وحدها دون مساعدة خارجية حتى  2010 وفق كوردسمان في تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية المعنون"القوات العراقية غير مؤهلة للعمل بدون قوات التحالف حتى 2008"في الموقع الالكتروني" http://www.csis.org/ ". وتعاني القوات العراقية من معدلات عالية لهروب الجنود ومن مشكلة الطائفية داخل صفوف القوات. فشلت وزارة الدفاع العراقية في كسب ثقة الشعب العراقي مع  ازدياد عدد الهجمات الارهابية على قوات التحالف والقوات العراقية والمدنيين العراقيين  بمعدل 15% بين شهري ايار وايلول 2006 فقط .

عدد العمليات  الارهابية

ان الارهاب ليس فقط عبارة عن سيارة مفخخة او شخص يطلق النار على البشر لكن الارهاب ايضا" هو كل ما يتعارض مع مصلحة المجتمع وامنه وازدهاره"  والأضرار بالمصلحة العامة . الشرطة تبتز الاموال، والحرس الوطني يستعرض عضلاته على ابناء المدن وهو يضع نقاط  تفتيش ليس فيها غير الحجارة وعرقلة الطريق. ليس من واجبات  هؤلاء ان تكون هناك حالات مواجهة بينهم وبين العصابات العشائرية وعصابات الاجرام التي اطلقها  القائد البعرورة من السجون التي كانوا يقبعون فيها بسبب جرائمهم كعمليات السلب والسرقات والتهريب كالشقاوات .... المدن العراقية حزينة وشوارعها مظلمة .. جسورها مقفلة .. شوارعها مقفلة ..الخراب عارم في كل العراق .. أين النظافة وأين الاعمار؟ الشوارع حبلى بالقوات و الحمايات التي لا تعرف سوى أزعاج الناس و التزمير على الصفارات!! و رمي الطلقات لترهيب المواطنين!

الجيش العراقي لن يكون محايدا

     الفواصل كبيرة بين مقاومة الاحتلال بالموقف الموحد المعبر عن الأمل الوطني المأخوذة شرعيتها من الشعب نفسه وصولا الى التحرر والسيادة والاستقلال ، ولو بقوة السلاح ، و بين ارتكاب المجازر ضد المؤسسات الدولية و ارتكاب عمليات القتل ضد جموع المواطنين البسطاء من العراقيين المعوزين وفاقدي الأمان. إن ما يقع على الأرض العراقية كل يوم من قتل وبالرصاص وذبح بالسكاكين والسواطير وقطع الرؤوس ومن تفخيخ للسيارات مما يؤدي الى قتل العشرات وجرح المئات لهو جريمة كبرى بكل المعايير بل هو أفظع من جريمة . ان عشرات آلاف الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ . . من عمال فقراء وشرطة طيبين ، وموظفين ومصلين – فإن قاتليهم هم ذلك الجمع المسخ من تكفيريين وظلاميين ، ومن خريجي دورات جمهوريات الأمن والمخابرات الصدامية والخمينية والاسدية والطالبانية.. من يريد رؤية عراق حر كامل الاستقلال ، عليه دعم القوات العراقية المسلحة وشد أزرها ، وليس اغتيال أفرادها والتمثيل بأجسادهم ، مثلما عليه إتاحة الفرصة للسلطة ومساعدتها في إنجاز مشروعها المؤسساتي وجهدها السلمي. كما ان عمليات القتل التي تمارسها العصابات الاجرامية ضد مراتب القوات المسلحة وخاصة الطيارين والخبراء ، فاقت الحدود واخذت بعدا عشوائياً خطيراً يهدد بزعزعة الاستقرار العام وعدم انتظام العمل، لعدم وجود أي حق يجيز لاي شخص انهاء حياة انسان دون محاكمة عادلة.. إن الفوضى والإستهتار قد أضحت من سمات الحياة السياسية، وإذا لم تتحرك الدولة وتقوم بإغلاق مراكز تلك العصابات الطائفية الاجرامية وطردها من مقرات ومراكز الدولة ومؤسسات القوات المسلحة التي تحتلها وتنزع أسلحتها بالكامل وتفرض هيبتها، فقولوا على العراق السلام !... إنها الحقيقة دون رتوش تجميلية أو مجاملات خيالية. إن تلك الجماعات الطائفية المريضة تستهدف علنا البنية العامة للدولة العراقية ومؤسساتها وتعمل بحرية و تمارس ابتزازها وإرهابها بصورة علنية مرعبة ... يبدو ان العقلية العسكرية العراقية تحمل اليوم مثلما حملتها بالامس بذرة فناءها بحكم الحنين والميل الى التجليات التقليدية للسلطة كالزعامة والوجاهة والاولوية وترك هامش امكانية ظهور السلطات الاستبدادية لممارسة القمع ضمن الشرعية ...

   ان استعادة المؤسسة العسكرية لهيبتها يتجلى في إعادة بناء القوات المسلحة (جيش، شرطة، امن، مخابرات وغيرها) على أساس المهنية واحترام حقوق الانسان والحريات التي ينص عليها الدستور وتأكيد ولائها للوطن وإبعادها عن الصراعات والمحاصصات الطائفية والقومية والأثنية  وتكريس مهمة الجيش في الدفاع عن الوطن واستقلاله وسيادته والحفاظ على النظام الدستوري ، تربية منتسبي القوات المسلحة على احترام المؤسسات الدستورية والديمقراطية الممثلة لإرادة الشعب والالتزام بقراراتها  وإخضاع الميزانية العسكرية  وإعلان حالة الطوارئ والحرب إلى قرار ممثلي الشعب المنتخبين ديمقراطياً ، تأمين التدريب والتجهيز بمستوى عال للقوات المسلحة والتسليح بالمعدات والمنظومات الحديثة لصنوفها كافة لتتمكن من القيام بمهماتها في الدفاع عن الوطن ، إعادة هيكلة مؤسسات التصنيع العسكري وتحويلها لتلبية حاجات الإنتاج المدني  والامتناع عن إنتاج أسلحة الدمارالشامل  الكيمياوية والبيولوجية والنووية واحترام العراق لالتزاماته الدولية في هذا المجال ، رعاية شؤون العسكريين المسرحين وتأمين عودتهم إلى الحياة السلمية الطبيعية وتأهيلهم ، ضمان الحقوق السياسية لمنتسبي القوات المسلحة وحقهم في الانتخاب كما ينص عليها الدستور ، إعادة الخدمة العسكرية الالزامية على ألا تزيد على سنة واحدة.

      ترسخ الطائفية السياسية اليوم من العقلية العسكرية العراقية التي كانت سائدة في عهد صدام والتي اتسمت بالحماقات والجهل المطبق والاستعراض البهلواني العدواني لأنها نزعة نخب عصبوية رجعية . وحولت الطائفية السياسية تقاليد القوات المسلحة العراقية التي انبثقت هي من اجلها في الدفاع عن الوطن وحماية مكتسبات الشعب ، وهي تقاليد الضبط والدقة والانضباط والصرامة واللغة العسكرية والادارة العسكرية، حولتها الى مهازل يجري التندر بها !والبديل هو ارجاع العسكر الى الثكنات ، والتصفية الفورية للميليشيات – العصابات ، واحياء التقاليد الثورية  والارتباط المصيري  بحركة الشعب الوطنية التحررية فالجيش لا يمكن ولم يكن في يوم من الايام ولن يكون محايدا .  ان أهمية وضرورة دحر قوى الإرهاب والجريمة واستعادة الأمن والاستقرار في العراق اليوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بانهاء الوجود الأجنبي وتصفية تركة النظام المقبور ووضع حد للتسلح الميليشياتي والمضي في طريق إعادة الأعمار والبناء وبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية ، وإعادة تشكيل مؤسسات الدولة السيادية: الحرس الوطني، الجيش، الأمن وغيرها وضم العناصر الوطنية الكفوءة الى صفوفها وتخليصها من العناصر الفاسدة والمتقاعسة، وتزويدها بالمستلزمات الضرورية لأداء واجبها الوطني في حفظ الأمن والاستقرار وترسيخه.  

بغداد 30/6/2007