| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلام إبراهيم كبة

 

 

 

 الأربعاء  1 / 10 / 2014                                                                                                

 

عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز
(8)

سلام  كبة  

8في 26/10/2014 يكون قد مضى عقد كامل على رحيل الدكتور ابراهيم كبة،العالم الاقتصادي المعروف والباحث الاكاديمي والمربي الاجتماعي والوزير السابق في اول حكومة بعد ثورة 14 تموز 1958.ولاطلاع الرأي العام العراقي على دوره السياسي والاقتصادي والاكاديمي في بلادنا نلقي الاضواء على جوانب هامة من نشاطاته ومؤلفاته!
 (من هنا وهناك)في ذكرى الانقلاب الدموي على الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم(2)
 سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه العراق في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم 1958 – 1963
 النفط والأزمة العالمية

كتب علي محسن التميمي في"(من هنا وهناك)في ذكرى الانقلاب الدموي على الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم(2)"نشرتها وكالة انباء براثا بتاريخ 11/2/2014 ما يلي:"2- عندما اسقط عبد الكريم قاسم الحكم الملكي جلب وزراء من كل الكتل السياسية من الكفوئين وذي الاختصاص ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب،فعين العالم الاقتصادي د. ابراهيم كبة وزيرا للمالية واعطيت له وزارات اخرى وكالة وهو الذي خلص العملة العراقية من ارتباطها بالجنيه الاسترليني وشرع قانون 80 الذي امم النفط وشرع قانون الاصلاح الزراعي وانشاء شركة المبايعات الحكومية(راجع دفاع ابراهيم كبة امام ما يسمى ب (محكمة الثورة) عام 1963 حيث سجنه وعذبه البعثيون الاوغاد بعد سقوط الثورة وطبع دفاعه بكتاب رائع ياليت المسؤولين يطبعونة واسمه (هذا هو طريق 14 تموز)،كما سجن الاوغاد العالم عبد الجبار عبد الله الذي كرمة عبد الكريم فجعله رئيس جامعة بغداد رغم انه من الاخوة الصابئة ثم سجنه وعذبه البعثيون بعد سقوط الثورة.هذه مكافأة العلماء،وبقي الجواهري شاعر العرب الاكبر منفيا ببراغ".
- لم يشغل الدكتور كبة حقيبة وزارة المالية انما شغل حقيبة وزارة الاقتصاد بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 ثم وزارة الاصلاح الزراعي في الثالث عشر من تموز 1959 وكذلك وزارة النفط بالوكالة!
عن دار المرتضى صدر للاستاذ سنان صادق حسين الزيدي عام 2013 الكتاب المعنون"سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه العراق في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم 1958 – 1963".واعتمد الكاتب في دراسته على الوثائق الامريكية والعراقية والبريطانية المنشورة وغير المنشورة،وبالاخص محاضر اجتماعات مجلس الامن القومي الامريكي وتقارير وزارة الخارجية الامريكية وسفارة واشنطن في بغداد،وكذلك مذكرات علي حيدر سليمان اول سفير عراقي لدى الولايات المتحدة بعد ثورة 14 تموز المجيدة 1958! واورد الكتاب مرات عديدة شخص الدكتور ابراهيم كبة كأحد اهم الفاعلين الناشطين في السياسة الاقتصادية العراقية ابان العهد الجمهوري الاول.
1. جاء في الكتاب ص(114 – 115)"انتهجت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع العام 1959،سياسة ابقاء الموظفين الدبلوماسيين الامريكيين في العراق بعيدين عما يحدث على الساحة العراقية"مؤقتاً" لأسباب تتعلق بالموظفين انفسهم لانهم"غير مهيئين"بشكل كاف للأنخراط في هذا الواقع المعقد الخاص بالعراق.ومع ذلك فأن هؤلاء الموظفين ظلوا يراقبون الاحداث عن كثب يومياً تقريباً كما ورد نصياً في مذكرة حوار في اجتماع لمجلس الأمن القومي الأمريكي بالرقم (393) في الخامس عشر من كانون الثاني 1959.
وفي غضون ذلك شهدت بدايات العام 1959،تبادل رسائل التهاني بين محمد نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة والرئيس آيزنهاور،ولقاءات دبلوماسية امريكية- عراقية. بمناسبة اعياد الميلاد والسنة الجديدة،بعث الرئيس آيزنهاور رسالة تهنئة الى محمد نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة كجزء من الاعراف الدبلوماسية،رد عليها الاخير بالتعبير عن امتنانه للرئيس الأمريكي في رسالة بعثت الى السفارة الامريكية ببغداد.وفي سياق دبلوماسي آخر،التقى السفير جيرنيكان بصحبة مستشاره الاقتصادي بابراهيم كبة وزير الاقتصاد العراقي،وقد وصفت الصحافة العراقية المقابلة"هي مجاملة للتعرف على السفير الجديد".كما استقبل عبد الكريم قاسم السفير جيرنيكان في الثامن عشر من الشهر نفسه،وجرت خلال اللقاء مناقشة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
2. في هامش ص(114 – 115) ورد الآتي:"ولد ابراهيم كبة في بغداد عام 1919،اكمل الدراسة الثانوية عام 1936،تخرج في كلية الحقوق عام 1940،حصل على دبلوم عالي في القانون والاقتصاد في جامعة القاهرة عام 1947،عمل استاذاً في جامعة بغداد (1953- 1958).عين وزيراً للاقتصاد بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958،عين وزيراً للاصلاح الزراعي ووكيلاً لوزارة النفط في تموز 1959،اعفي من منصبه في شباط 1960(للتفصيل ينظر:ابراهيم كبة،هذا هو طريق 14 تموز. دفاع ابراهيم كبة امام محكمة الثورة، دار الطليعة، بيروت،1969،ص(8 - 20)".
3. ورد في ص (148 – 149) ما يلي:"وهنا يجب ان نسجل حقيقة مفادها ان العراقيين ادركوا التطورات الجديدة بصورة جيدة،وبدأوا يولون كل ما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية ومواقفها اهتماماً اكثر بكثير من السابق.ويبدو واضحاً من خلال ما ورد في بعض الوثائق الامريكية التي تعود لتلك المرحلة،ظهر توجهين مشجعين على الساحة العراقية،متوازيين من وجهة نظر حكومة واشنطن:اولهما،سلسلة الاجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم في شهري شباط وآذار 1960 لتقويض قوة الشيوعييين وفعاليتهم العراقيين،وثانيهما،التطور في مواقف المسؤولين تجاه الولايات المتحدة".وفي هامش ص (149) ورد الآتي:"تمثلت تلك الاجراءات،برفض اجازة الحزب الشيوعي"جماعة زكي خيري" في شباط 1960،واعفاء ابراهيم كبة من الوزارة العراقية.وتعرض صحيفة "اتحاد الشعب" الى سلسلة من المضايقات من الحكومة العراقية في شهر آذار من السنة نفسها".
4. في هامش ص(206) جاء ما يلي:"زود مكتب شؤون الشرق الأدنى،المعلومات الآتية عن حياة طلعت الشيباني"وزير الاعمار":ربما هو مثل سيئ من وجهة نظرنا.فقد ذكرت التقارير انه ذهب الى جامعة كاليفورنيا،ومن الواضح انه من اولئك الطلبة الاجانب الذين عاثوا فساداً في بلادنا،انه شاب،غادر منذ ثلاث سنوات فقط او نحو ذلك!ومن المثير للأستغراب ان يشغل منصب وزير التنمية.لذا فأنه هو،وابراهيم كبة وزير الاقتصاد ما يزالون في الوزارة،هما وهما في وضع يؤهلهم لعقد صفقات مساعدات تقنية واقتصادية اكثر مع السوفييت.انظر:وثائق مكتب شؤون الشرق الادنى في وزارة الخارجية الاميركية 1958 – 1960/القسم السابع/ص(379)!".
5. في ص( 238 – 239)جاء ما يلي :"تابع السفير جيرنيكان طلبات الاحزاب السياسية العراقية لإجازتها للعمل العلني في سياق اهتمامه بالتطورات الداخلية في العراق.فبعد اعلان وزارة الداخلية في الثالث والعشرين من شباط 1960 رفض طلب الحزب الشيوعي "جماعة زكي خيري"، ارسل السفير جيرنيكان تقريراً الى وزارة خارجية بلاده.تحدث فيه عن اجراءات عبد الكريم قاسم بدعمه جماعة داود الصائغ،واجازة حزبه المنشق من الحزب الشيوعي.وقد وعد السفير جيرنيكان تلك الاجراءات جزءاً من تكتيكات رئيس الوزراء "الشاذة" و"الغريبة الاطوار"،لغرض "استعادة التوازن" واضعاف قوة الشيوعيين.فضلاً عن ذلك،فقد اخرج عبد الكريم قاسم ابراهيم كبة من وزارة الاصلاح الزراعي.واثر ذلك،شنت صحيفة "اتحاد الشعب" انتقادها للحكومة العراقية بشأن الركود الاقتصادي وارتفاع الاسعار،ودعت الى تطهير شامل لبعض الوزارات العراقية،منها وزارتا الخارجية والداخلية،وهي الامور التي نقل تفاصيلها السفير جيرنيكان في تقريره الى وزارة خارجية بلاده". انظر:وثائق مكتب شؤون الشرق الادنى في وزارة الخارجية الاميركية 1958 – 1960/القسم السابع/ص(502)!".
6. في ص(376 – 377)ورد الآتي:"والملاحظ ان الحكومة العراقية قبلت من حيث المبدأ في الايام الاولى للثورة استمرار المساعدات الامريكية على وفق النقطة الرابعة،الامر الذي عدته صحيفة "نيويورك تايمز"مبادرة طيبة من الحكومة العراقية في تعاملها مع الولايات المتحدة الامريكية.ومن الجدير بالذكر بالأشارة هنا ان مجلس الوزراء العراقي قد ناقش طلباً تقدمت به وزارة الداخلية بقبول المساعدات الفنية وفق منهاج المساعدات الامريكية التي تقدم للشرطة العراقية،الا ان المجلس ارتأى ان الافضل اعادة دراسة الشروط المتفق عليها سابقاً،والاستغناء عن المساعدات المشروطة.من هنا يلاحظ ان الاستغناء عن المساعدات الاقتصادية والفنية المشروطة،ولاسيما مع الدول الغربية،غدا يؤلف واحداً من المهمات الملحة التي تنتظر اوساط عراقية مختلفة تحقيقها من منطلقات متباينة،اجمعت على ان استمرار تعامل العراق بموجبها يعد اخلالاً بسيادته على حد تعبير ابراهيم كبة".
7. في ص(378- 379)جاء ما يلي:"وتشير الدلائل الموثقة الى ان حكومة الولايات المتحدة قد اتضح لها من خلال اتجاهات بعض اعضاء الحكومة العراقية وتصريحاتهم،ان تقديم المساعدات الامريكية للعراق اصبح امراً غير مرغوب فيه،وعلى وفق تلك الحقيقة،فقد حسم عبد الكريم قاسم الموضوع عندما الغى اتفاقية المساعدات الاقتصادية بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق في الرابع عشر من مايس 1959!اثر ذلك ايدت وزارة الخارجية العراقية في جلسة مجلس الوزراء العراقي في الرابع والعشرين من ايار 1959،ما وصفته بـ "الخطوة الحكيمة" لرئيس الوزراء العراقي التي اعلنها سابقاً،وارتأت ابلاغ حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بها رسمياً.ويتضح مما تقدم ان اتخاذ عبد الكريم قاسم قرارات خطيرة،من دون استشارة او دراسة مسبقة في الشؤون كافة اثناء خطاباته،تعطينا الادلة الواضحة على تخبط نهجه وممارسة الفردية في الحكم.وقد ابلغت وزارة الخارجية العراقية السفارة الامريكية ببغداد،بموجب مذكرة اعدت للغرض المذكور انفاً في الثلاثين من ايار 1959 قرار الحكومة الذي عده ابراهيم كبة خطوة نحو التخلص من جميع رواسب السياسة الاقتصادية التي ارتبط بها العراق مع "الدول الاستعمارية"".
8. في ص (380 – 381)ورد ما يلي:"في ذلك الحين تصرف وزير الاقتصاد ابراهيم كبة بطريقة اتسمت بتطرف كبير تجاه الخبراء الامريكيين العاملين في العراق وبأسلوب لم يخل من انحياز واضح للمعسكر الشرقي،فقد رأى كبة عدم وجود فائدة من وجود الخبراء الامريكيين في العراق،بل وصفهم فيما بعد "بالخبراء المشبوهين". وبغض النظر عن اتجاهات كبة وميوله، فأن وجود الخبراء الامريكان في العراق لابد من ان يكون قد حقق اموراً ايجابية وذات فائدة في اضافة خبرة ونتائج علمية ملموسة للمسؤولين العراقيين.
وقد اثارات تصريحات ابراهيم كبة حفيظة المسؤولين الامريكيين في وزارة الخارجية الامريكية الذين استدعوا السفير العراقي علي حيدر سليمان،وطلبوا منه تفسيراً رسمياً لتصريحات وزير الاقتصاد،ومدى حاجة الحكومة العراقية الى الخبراء الامريكيين.
ثم انعكس الاستغناء عن الخبراء الامريكيين في العراق على الاوساط الاعلامية الامريكية،التي عدته احد الفرص التي هيأتها الحكومة العراقية لتغلغل سوفيتي في البلاد.الا ان السفير العراقي علي حيدر سليمان سعى الى توضيح موقف حكومته،عندما ضيفه نادي الصحافة في واشنطن في حزيران 1959،اذ رأى ان الاستغناء عن الخبراء الامريكيين نتيجة طبيعية لما املته سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه العراق،لاسيما بعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958،والتي بعثت الريبة في نوايا القادة العراقيين الجدد تجاه واشنطن على حد تعبيره،ودعى السفير العراقي الادارة الامريكية الى انتهاج سياسة ايجابية تجاه العراق،لتعبر فيها عن حسن نواياها،ومن ثم تغيير الصورة التي ارتسمت في اذهان الرأي العام العراقي ضدها"انظر:مذكرات علي حيدر سليمان/الدفتر العاشر/ص 76.
9. في ص(387)جاء ما يلي:"وانطلاقا من الواقع السياسي الجديد الذي انبثق بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958، فقد عدت الحكومة العراقية الجديدة مجلس الاعمار بأنه "اداة بيد الاستعمار، وان معظم المشاريع في العهد الملكي، كانت تخدم "اشخاص معينين ولا تخدم مصلحة الوطن" على حد تعبير وزير الاعمار فؤاد الركابي، فضلاً عن ان اسلوب المجلس "قد جلب الكوارث" على الاقتصاد العراقي بسبب الاعتماد على الشركات الغربية كما يقول ابراهيم كبة. من هنا فان اعادة النظر في قوانين المجلس غدا امراً متوقعاً".
10. في ص(390 – 391) جاء التالي:"وقد عانت الشركات الامريكية التي لديها عقود سابقة مع مجلس الاعمار لتنفيذ بعض المشاريع في العراق، نتيجة السياسة الجديدة التي اتبعها المجلس تجاه الشركات الاجنبية عموماً، ومنها الامريكية،ولعل ذلك يعني دفعها لانهاء عقودها في العراق.هذه الامور وغيرها، دفعت السفارة الامريكية ببغداد الى مفاتحة الحكومة العراقية في اوائل عام 1959 لعقد اتفاقية بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق لضمان استثمار رؤوس الأموال الأمريكية وحمايتها في العراق،وقد جاء في اهم بنودها،حل جميع الخلافات والمشكلات التي تنجم عن استثمار رؤوس الاموال الامريكية في العراق عن طريق الحكومة الامريكية نفسها،ويجري حسم النزاع بالمفاوضات الحكومية،او التحكيم بحسب الاتفاقية،بأختيار شخص واحد من الطرفين،الحكومة العراقية والحكومة الامريكية،وفي حالة عدم الاتفاق يجري اختيار هذا الشخص من رئيس محكمة العدل الدولية، فضلاً عن ذلك، تجيز الاتفاقية للحكومة العراقية ان تحل محل رعاياها لضمان اموالهم المستثمرة داخل العراق. وقد احيلت مسودة الاتفاقية الى لجنة في وزارة الاقتصاد لدراسة استثمار رؤوس الاموال الاجنبية في البلاد،وبعد دراسة مستفيضة،رأت اللجنة في بنود الاتفاقية التي قدمتها السفارة الامريكية لها،انها لا تتلائم مع مصلحة البلاد لما في ذلك من مخالفة لسياسة الجمهورية العراقية الاقتصادية التي تقوم اساسا على الاستقلال التام،وعدم السماح لأية دولة اجنبية بالتدخل في سياستها الاقتصادية "المتحررة والموجهة".ومن الضروري الاشارة هنا،الى ان ابراهيم كبة ادى دوراً كبيراً في رفض بنود الاتفاقية،وتكمن اسباب رفضه لحرصه على مصلحة العراق ولميوله نحو المعسكر الشرقي في استثمار رؤوس الاموال الاجنبية. وهذا ما اكده كبة فيما بعد بشأن رفض الاتفاقية، التي عدها لا تقر "بمبدأ المساواة" بين الدول، وانها "تخل بسيادة العراق"، لانها مشروطة بشروط سياسية، فضلا عن انها تمنع الحكومة العراقية من "تأميم المصالح الامريكية"، وعلى هذا الاساس رفضت الاتفاقية على حد تعبير كبة".
11. ص(391 – 392) جاء ما يلي:"ونظرا لأهمية الاستثمارات الامريكية في خطط الستراتيجية الامريكية،انصبت جهود الادارة الامريكية في متابعة سياسة الحكومة العراقية الجديدة تجاه الاستثمارات الغربية بشكل عام.ويتضح من خلال محضر اجتماع مجلس الامن القومي الامريكي في الثلاثين من نيسان 1959،ان الدوائر الامريكية المعنية، قد تابعت تصريح وزير الاقتصاد العراقي ابراهيم كبة الذي دعى فيه الى اعادة النظر في اتفاقيات العراق مع "العالم الحر"، وتنظيم اقتصاد العراق على غرار النهج السوفيتي.وعلى وفق ما تقدم وغيرها من المستجدات الجديدة على الساحة العراقية،تم استدعاء السفير جيرنيكان الى واشنطن لحضور اجتماع مجلس الامن القومي الامريكي في السابع عشر من ايار 1959،وقد طمأن السفير جيرنيكان بدوره المجتمعين ان وزير الاقتصاد العراقي يود اقامة علاقات ودية متوازنة لبلاده مع دول المعسكر الشرقي والغربي على حد سواء في المجالات الاقتصادية.مع ذلك كانت هناك ميول بشكل اكبر الى دول المعسكر الشرقي،استناداً الى ميول ابراهيم كبة اليسارية وافكاره انذاك.واشار السفير جيرنيكان ايضاً الى ان توقيع العراق الاتفاقيات التجارية مع المعسكر الاشتراكي تأتي في ضوء سياسة عبد الكريم قاسم المعلنة وهي الحياد وعدم الانحياز الى اي من المعسكرين.وعلى أية حال لم يطمأن اعضاء مجلس الامن القومي الامريكي الى تطمينات جيرنيكان كما ينبغي بسبب توارد تقارير الى واشنطن عن "ازدياد النفوذ الشيوعي" في العراق في تلك المرحلة،ومن نتائجه،وعلى وفق تصورات المسؤولين الامريكان في واشنطن،دفع الحكومة العراقية الى احضان المعسكر الشرقي،لاسيما بعد توقيع الاتفاقية الاقتصادية مع الاتحاد السوفيتي في آذار 1959،فيه ادت الى تعزيز النفوذ السوفيتي في العراق على حساب الامريكان انفسهم".
12. في ص(392 – 393) ورد النص التالي:"وتتوافر في الوثائق الدبلوماسية الامريكية التي تعود الى تلك المرحلة حقائق اخرى كثيرة عن متابعة السفارة الامريكية في بغداد للتطورات الاقتصادية في العراق عن كثب. فقد رأى السفير جيرنيكان ان من شأن حالة الارباك التي تعرضت لها المشاريع الاجنبية، بعد الرابع عشر من تموز 1958، ان تخلق "وضعاً اقتصادياً خطيراً" في العراق.وفي الاحوال كافة سوف تؤدي الى اعاقة جهود الحكومة العراقية في المحافظة على استقرار البلاد. ويلاحظ هنا ان السفير جيرنيكان قد ابدى تعاطفاً في برقيته الآنفة الذكر الى وزارة خارجية بلاده في التاسع من آب 1959، مع السياسة الاقتصادية التي يتبناها محمد حديد بوصفه "رئيساً ادارياً واقتصادياً ناجحاً"، واعرب عن رغبته ببقاء محمد حديد بمنصبه، بالمقابل تمنى اقصاء ابراهيم كبة من منصبه لان ذلك من شأنه ان "يؤدي الى الاستقرار الاقتصادي" في العراق، كما ورد في نص البرقية المذكورة".
13. ص(400 – 401) ورد ما يلي:"فضلاً عما تقدم،تعد شركات التأمين احدى انواع الاستثمارات الاجنبية في العراق ومنها الشركات الامريكية، فهي كما وصفها احد الباحثين العراقيين تساعد المؤسسات التجارية على تشغيل رؤوس الأموال بحرية تامة وأمان، الامر الذي يساعد على اتساع البنوك وكذلك التوسع في الاعمال التجارية. لوجود عدد من شركات التامين الاجنبية في العراق ومنها شركة امريكية واحدة فقد اقترح وزير الاقتصاد ابراهيم كبة في جلسة مجلس الوزراء في الثالث عشر من تشرين الاول 1958 دراسة واقع حال الشركات الاجنبية في العراق ودعى المجلس الى اتخاذ اجراءات ضد بعض هذه الشركات لوجود فروع لها في اسرائيل.وإثر ذلك صدر قانون شركات وكلاء التأمين الجديد في الثاني والعشرين من آب 1960، وقد ادى الى تقليص الشركات الاجنبية في العراق.وتشير الاحصاءات الرسمية المتوافرة الى استمرار عمل شركة تأمين امريكية واحدة في العراق".
14. ص(404 – 405) ورد النص التالي:"وبعد وصول السفير الامريكي الجديد جيرنيكان الى بغداد في مطلع عام 1959،وبالمناسبة استقبله ابراهيم كبة وزير الاقتصاد،بحضور المستشار الاقتصادي للسفارة الامريكية ببغداد في التاسع عشر من كانون الثاني 1959،ووصفت الصحافة العراقية اللقاء آنذاك بأنه "ودي وللمجاملة للتعرف على السفير الامريكي الجديد". وعلى ضوء تلك المقابلة سجل السفير جيرنيكان انطباعه الشخصي عن كبة في تقريره الى وزارة خارجية بلاده في السادس والعشرين من أذار 1959، قائلاً ان "الوزراء العراقيين ليس من بينهم شيوعي سوى كبة الذي يناصر الخط الشيوعي علناً" كما ورد نصاً في تقريره. وعلى كل حال ونتيجة لتفاقم الاوضاع في العراق، ولاسيما بعد احداث الموصل 1959، التي تطرقت مضامين العديد من التقارير الامريكية في تلك المرحلة الى "احراز الشيوعيين والمناصرين لهم مكاسب بارزة في الحكومة العراقية، تطلب الأمر مثلما يبدو حضور السفير الامريكي جيرنيكان الى واشنطن، للقاء المسؤولين في مجلس الأمن القومي الامريكي في السابع من ايار 1959. ففي رصده لتوجهات الحكومة العراقية في تبادلها التجاري مع الشرق، اشار جيرنيكان الى ان وزير الاقتصاد العراقي ابراهيم كبة، يود اقامة علاقات تجارية بين الغرب والشرق على حد سواء، وعلى هذا الأساس عقدت الحكومة العراقية اتفاقيات مع دول المعسكر الشرقي".

"النفط والأزمة العالمية": كراس بقلم روجيه برونيه عن مجلة (الفكر) الباريسية عدد (71)،عام 1957..عربه وعلق عليه د. ابراهيم عطوف كبة ونشرته مطبعة المعارف،بغداد.

 تقديم المعرب

تمخضت الازمة العامة للشرق الاوسط وما صاحبها من العدوان الثلاثي الاجرامي على الشقيقة مصر،عن ازمة فرعية خطيرة هي ازمة النفط،ادت مباشرة الى صعوبات اقتصادية وسياسية واستراتيجية وادبية هائلة بالنسبة للعالم الغربي الاستعماري،وكشفت بصورة ملموسة واضحة عن اهمية ازمة الشرق الاوسط نفسها،المرتبطة على جميع الصعوبات المذكورة المباشرة،من نقص في تموين الزيت،الى خسائر هائلة في الصناعة الغربية،الى ازمة نقدية تهدد العمالة الغربية بالانهيار،الى بطالة متفشية،الى اضطراب خطير في موازين الدفوع،الى انكشاف زيف الاحلاف العسكرية،الى التخبط والفوضى في الامور المالية..الخ مما عرفه القراء تفصيلا في الاشهر الاخيرة..اقول ان جميع هذه الصعوبات وغيرها ما هي في الحقيقة الا مظاهر متصلة متشابكة لقانون اجتماعي اساس من قوانين تطور النظام الاجتماعي الحالي في الغرب،هو قانون التعارض الجوهري بين القوى الاستعمارية وبين الشعوب الرازخة تحتها،ومن جملتها بعض الشعوب العربية.ان الكثير من العلاقات الاستعمارية القديمة القائمة بين الامة العربية وبين دول الاستعمار بدأ يتداعى تحت ضغط القانون المذكور،وتجاهد الأمة العربية الآن تساعدها جميع القوى العاملة للتحرر والسلم في العالم،لإحلال نوع جديد من العلاقات السياسية والاقتصادية بينها وبين جميع الامم الاخرى،قائمة على التعاون الحقيقي واحترام السيادة المتبادل والعمل في سبيل الرفاه والازدهار والاعمار والسلم.
والمقال الذي عربته في هذه الصفحات يلقي بعض الضوء على طبيعة هذه الازمة النفطية،ويحلل عواملها المختلفة،ويحدد القوى المنضوية تحتها،ويحاول ربطها بالازمة العامة الاصلية للشرق الاوسط.وكل املي ان يساعد في شحذ وعي القارئ للموقف العام وتبصيره بالحقائق الاولية في الموقف المذكور،وتمكينه من تمييز السمين من الغث والحق من الباطل والجوهري من العرضي.(اما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض).

ابراهيم كبة
10/3/1957

 مقدمة المؤلف
يجتاز العالم اليوم ازمة ذات اهمية واستثنائية،من الخطر الكبير عدم تقديرها التقدير الكافي،ومصدر هذه الازمة هو حوادث الشرق الاوسط،برميل البارود المعروف.وقد اأخفى التدخل العسكري الفرنسي البريطاني من جهة،والموقف المضطرب للولايات المتحدة،على هذه الحوادث طابعاً تراجيديا،كما ان النتائج المباشرة لهذه الازمة– التوتر الفجائي في الموقف،وتخفيضات المنتجات النفطية– احلت مسألة النفط المحل الاول من اهتماماتنا الحالية.ان الصعوبات الحالية في تجهيز النفط،والتقييدات الجارية على ذلك،زادت لحد كبير جداً الاحساس بالأهمية القصوى للدور الذي تلعبه المنتجات النفطية في نشاطاتنا الاقتصادية.فالرعب الذي سيطر على مستخدمي النفط،وصفوف الانتظار التي برزت ثانية للوجود فجأة بعد غيابها منذ عام 1946،والسوق الاسود،واختزان المؤن في البيوت،كل ذلك حمل الجميع على التساؤل عن المصير الذي ينتظرنا في المستقبل.على ان الاخطر من جميع ذلك،هو شعور الكل بمدى كون النفط وراء جميع الحجج والمعاذير التي قدمت لتفسير الأزمة الحالية السياسية والعسكرية.
والغرض من هذه الدراسة هو جمع طائفة من الحقائق الأساسية لالقاء شيء من النور على هذه المسائل المعقدة غاية التعقيد،وسوف نحاول بدل الحكم على الحوادث الحالية بصورة آلية تعميمية،استناداً الى افكار مسبقة،مبسطة،كفكرة"هستيريا الكولونيل ناصر"ان نتقدم ببعض العناصر الأساسية للتقدير،عناصر تناقض مع بعضها بعض الاحيان،ولكنها تكون جوهر المشكلة على وجه التأكيد.

 النفط في الاقتصاد العالمي
تطور الانتاج

للنفط استعمالات كثيرة،وتتطور استعمالاته بصورة جد سريعة على العموم.انه يمتاز على المصادر الأخرى للطاقة بمزايا هامة:طاقة حرارية اشد(فطن النفط يعادل طنين من الفحم و 3000 كيلواط ساعة) وقابلية هائلة على سهولة النقل مما يسمح بإمكان نقله آليا،والاقتصاد الكبير في الايدي العاملة،اشغال اقل مقدار ممكن من الحيز نظراً لطبيعته السائلة،عدم امكانية استبداله وخاصة ما يتصل بالمحركات،قابلية على الاحتراق المباشر في الاسطوانات(سلندرات) مما يسهل تقليل حجومها وتكييفها وفق مقتضيات التداول،واخيراً انه يكون المادة الاولية لكثير من الصناعات الكيمياوية التي تبلغ الآن قمة الازدهار.
ان تطور وسائل النقل"87 مليون عجلة في العالم عام 1955 مقابل 43 مليون عجلة فقط عام 1938 و2 مليون فقط عام 1914"وتقدم الآلية في كل الميادين،وتطور الصناعات البلاستيكية (بلاستك) والمطاط الصناعي،والصناعات الهيدروجينية واستبدال نظم التدفئة القديمة بنظام التدفئة بالمازوت المنزلي والصناعي(1).ان كل ذلك اثار زيادة هائلة في استهلاك النفط تبعث مباشرة زيادة الانتاج.ففي عام 1950 جهز النفط والغاز الطبيعي اكثر من نصف مجموع الطاقة المستعملة في العالم"37% بالنسبة للنفط مقابل 24% عام 1939"وقد اصبح المحل الذي يحتله النفط على درجة من الأهمية تجعل اي توقف في تموينه يثير حتماً ازمة خطيرة جداً في جميع البلدان التي تستخدمه،وهذا ما تم ثبوته،بشكل وحشي،في الازمة الاخيرة.
لقد زاد انتاج النفط من 300 مليون طن عام 1939 الى 760 مليون عام 1955(2)،وقد كانت الزيادة خلال السنوات الخمس الاخيرة فقط،تعادل مجموع الزيادة التي حصلت خلال الاربع عشر سنة التي سبقتها،والخمس وسبعين سنة قبل عام 1936.كما ان طاقة المصافي الانتاجية زادت هي الاخرى الى الضعف منذ عام 1946،مما يظهر معه بشكل واضح ان هذه القفزة الهائلة هي ظاهرة حديثة جداً،وان الاستهلاك النفطي وان كان في ازدياد على الدوام بوجه عام الا انه لم يبلغ قط المدى الذي بلغه خلال الخمس او الست سنوات الاخيرة.على ان هذا التطور لا يعتبر حتماً آية من آيات الموقف الاقتصادي السليم،بل انه في احيان كثيرة،على العكس،يزيد من قلق النظام الاقتصادي،ويقوي من خضوع بعض الشعوب.ويمكن القول بأن هذه الزيادة الاستثنائية في الاستهلاك ترجع لحد كبير لاصرار اتحادات الشركات الكبرى(التروستات) التي تهيمن على الاسواق الرأسمالية للنفط،وليس لها صلة كبرى بالادارة الصائبة للموارد الارضية والاقتصاديات القومية.

سيطرة التروستات

ان سبع شركات كبرى تقتسم لوحدها تقريباً مجموع النفط العالمي خارج البلدان الاشتراكية.وهذا الاحتكار النفطي الذي يمثل حالة نموذجية من احوال الاحتكارات الاقتصادية في الفروع الاقتصادية الاخرى،يمكن تفسيره بالخصائص الخاصة التي تميز جغرافية النفط (توزيعه الجغرافي).
ان البحث عن النفط واستغلال منابعه يتطلبان درجة عالية جداً من المعارف العلمية،واستخدام وسائل فنية هائلة،واستثمار رؤوس اموال طائلة،تستعصي على المؤسسات الصغيرة.
فالبحث عن النفط مخاطره مجهولة العواقب.وتتطلب نفقات باهضة جداً،وهي تجري غالبا في مناطق صحراوية يجب ان تستورد اليها كل وسائل الحياة والعمل،دون الأطمئنان الى النتائج على وجه مؤكد.
ان كلفة اجهزة الحفر ونقلها لمحل العمل،كانت تبلغ عام 1948،قبل اي استعمال لها،حوالي الخمسمائة مليون فرنك.كما ان حفر بئر متوسط في تكساس في ظروف ملائمة يكلف 28 مليون فرنك عام 1949،اما في فرنسا فإن كلفة حفر بئر ذات عمق 2000 مترا تبلغ 80 مليون فرنك،وتصل الكلفة 300 مليون فرنك اذا بلغ عمق البئر 4000 متراً.على ان اغلب الآبار تتجاوز اعماقها الآن الــ 2000 متراً،وبالنظر لسبق اكتشاف الآبار السهلة،فإن كلفة الحفر في ازدياد مطرد،مع زيادة نسبة الآبار الصعبة،على أن من الضروري أن تسبق عملية الحفر اختبار التربة.وتبلغ كلفة هيئة البحث الاعتيادية في فرنسا مليوني فرنكا شهرياً،وقد تبلغ في بعض المواقع الزلزالية 15 مليون فرنك شهرياً.
وقبل المباشرة بالاختبار والتحقق من التربة،يجب احياناً القيام بعمليات انشائية كاملة.ففي الاكوادور دفعت الضرورة الى انشاء سلسلة من المطارات للقيام بعملية التصوير الجوي قبل البدء بأي بحث جيولوجي.وفي غينيا الجديدة قامت طائرات الهليكوبتر بـ 1100 رحلة جوية لنقل المواد اللازمة في قلب الغابات.وفي البلاد العربية اقتضى الأمر انشاء الطرق وبناء الموانئ ونصب مكيفات الهواء لتأمين راحة المستخدمين الاوربيين.وفي قطر وايران دفعت الضرورة حتى الى تعليم وتلقين العمال المحليين بعض الاوليات اللازمة لاستغلالهم في عملهم الجديد.
كذلك يقتضي انتاج النفط التصرف بعدد كاف،كبير نسبياً،من العمالة الماهرة.فمصفى متوسط من مصافي الولايات المتحدة (موبيل اويل في بولزبورو ، نيوجرسي) يستخدم 750 باحثاً في مختبراته، منهم 550 من حملة الدبلومات الجامعية من مجموع 2500 مستخدم يعمل في المصفى.وقد اقامت شركة شل مختبراً في (بيير) يضم 185 باحثاً يقومون بــ 1500 عملية تحليل في اليوم الواحد.ان هذه الامثلة اذاً تظهر بوضوح زيادة الكلفة الباهضة لعمليات النصب والتجهيز.ان مصفى كيمياوياً واحداً يكلف في فرنسا ملياري فرنكا،وقد كلفت شبكة الانابيب لحوض الآكوتيان وحده (4300) مليون فرنك.
على انه بعد ان يتم نصب المكائن والمعامل والتجهيزات المبدئية، تصبح نفقات الانتاج في غاية الانخفاض.ان النفط يتدفق لوحده،وفي اسوأ الظروف يحتاج ضخه لمكائن قليلة الكلفة جداً.
في هذه الشروط والظروف،لا يستطيع القيام بعمليات البحث والتجهيز الاولية الا عدد قليل جداً من المؤسسات الكبرى العامة او الخاصة،مما يجعل النفط بحكم خصائصه المذكورة اكثر قابلية للتركيز الاقتصادي.
ومما يزيد في هذه القابلية ان العمليات التي يجب ان تجري عليه بعد استخراجه،تشجع سيطرة الاحتكارات عليه.فعملية نقل البترول وسيلة نادرة لتأكيد التركيز،وما استطاع روكفلر في الولايات المتحدة السيطرة على السوق وسحق المنافسين الا بفضل احتكاره لانابيب النقل،واضطرار هؤلاء الى امرار نفطهم عبر انابيبه.والواقع ان كلفة انشاء انابيب النفط باهضة جداً،وقد استعمل روكفلر كل الوسائل لمنع انشاء انابيب نفطية منافسة له.
كذلك لا يمكن القيام بعملية تكرير النفط الا في معامل ضخمة باهضة التكاليف،وتقل كلفتها كلما زادت سعتها.ان نقل النفط وتكريره وسيلتان ممتازتان لاعتصار اعظم الارباح.
* * *
وهكذا يمكن تفسير سيطرة تروستات البترول.
ان 70%"الواقع خارج البلدان الاشتراكية والولايات المتحدة الامريكية"تملكه ثلاث شركات فقط هي شركة(الستاندارد اويل او نيوجرسي – الآيسو) و(الرويال دتش شيل) وهي شركة انكليزية هولندية،و(شركة النفط البريطانية – بي بي).وتملك 10% من النفط المذكور ثلاث شركات اخرى هي شركة(الستاندرد اويل اوف كيليفورنيا وتكساس– كاتيلكس) وشركة (سوغوني فاكوم اي ستاندرد اويل اوف نيويورك والموبيل اويل) وشركة (الكولف اويل).واذا كانت شركتا الايسو وشيل المذكورتان تملكان من الوجهة الرسمية ربع النفط العالمي فقط ،فالحقيقة هي ان شركة الآيسو ما هي الا عنصر واحد من مجموعة شركات الستاندرد اويل التابعة لروكفلر،والتي ترتبط ببعضها براوابط مختلفة دقيقة وخفية.
على ان اكبر الشركات النفطية في العالم هي شركة الايسو(ستاندرد اويل اوف نيوجرسي) وتقدر موجوداتها بحوالي خمسة مليارات دولار.اما شركات الستاندارد الاخرى (سوغوني،نيو انديانا،كاليفورنيا) فتأتي في الدرجات السادسة والسابعة والعاشرة على التعاقب في سلم الشركات العالمية،بينما تمثل شركتا (التكساس،والغولف) الدرجتين الثامنة والتاسعة في السلم المذكور.وتزيد قيم جميع هذه الشركات على المليار دولار لكل منها(عن مجلة فورتشن).اما شركتا (الشل والبي بي) فهما من اكبر الشركات البريطانية(النفطية وغيرها) على الإطلاق.
ان هذه التروستات تسيطر بواسطة فروعها في فرنسا على ثلثي الصناعة والتسويق الفرنسيين،والواقع ان مجموع البترول الفرنسي تملكه ثمان شركات فقط.
ان (الشركة الفرنسية للبترول) وهي شركة فرنسية عامة،تسيطر على ربع السوق الفرنسية ولها فرع كامل للمبيع.كما ان شركاتها الفرعية والحليفة(آزور،اوزو،الخ) تسيطر على 90% منه.اما شركة شل فهي تسيطر على نسبة تتراوح بين 20 الى 25%،وشركة الآيسو على 14%(مع ملكيتها لمنابع بارانتيس)،وشركة الموبيل اويل على 7% وشركة الكاتاليكس على 5%،والمجموعة البلجيكية(بترو فينا) على 4%.
إن هذه الشركات الكبرى هي تروستات حقيقية،قائمة على مبدأ التكامل الافقي،اي السيطرة على عمليات الانتاج النفطي من المنابع الى شبكات البيع،مارة بالانابيب والناقلات البحرية ومعامل التكرير.على إنها جميعاً تميل الى التخلص من العمليات التأسيسية القلية الربح،ولهذا نراها تكون مراكز لاجتذاب عدد آخر من من الشركات تدور في فلكها وتقنع من الغنيمة بالفتات،مثل شركات التعهدات والانشاءات،وبعض اصحاب السفن،وطائفة من اصحاب مراكز الضخ،وهكذا تتخلص من محاذير تجميد رؤوس اموالها.
اما الارباح فتبلغ من الضخامة حدا يتناسب وجبروت هذه البروستات.لقد اعترفت شركة الايسو بان ارباحها الصافية بلغت 248 مليار فرنك عام 1955 مقابل 154 عام 1954. وبلغت ارباح (الشركة الفرنسية للبترول) وهي شركة ضعيفة اذا قيست بالمقاييس العالمية اكثر من ستة مليارات فرنك. ومعنى ذلك ان صناعة البترول لا تسمح الا لعدد قليل جدا من الشركات الكبرى المساهمة فيها،ولضخامة الرساميل المقتضية،فأن الارباح الناجمة مقابل ذلك تتنتاسب والضخامة المذكورة.
لما لم يكن غرضنا استقصاء البحث عن هذه الشركات،فأننا لن نتكلم عن كيفية تكون هذه القوى المالية الضخمة والتي يمكن مقارنة ميزانياتها مع ميزانيات الدول العظمى(اكثر من 2000 مليار فرنك عام 1955 بالنسبة لشركتي الايسو وشل)(3).ولكن يظهر لنا من المفيد ان نذكر بعض الكلمات عن كيفية تمكنها من فرض اسعارها الاحتكارية الصرفة على سوق البترول.
وبما ان الشركات الامريكية تملك قواعدها الاساسية في امريكا نفسها،فانها فرضت اسعار النفط،مهما كان مصدره،على اساس سعره في تكساس،مضافا الى ذلك سعر النقل الى مكان المشتري.ومعنى ذلك انه ليس باستطاعة اي منافس آخر منافسة الباعة الامريكان.وفضلا عن ذلك فأن سعر تكساس نفسه،حدد بشكل معين يضمن الربح لاردأ بئر في تكساس،اي اكثر كلفة،وهذا بالضبط ما يميز اسعار الاحتكار.ويمكن للمرء بعد هذا ان يتصور جسامة الارباح الناجمة عن استغلال نفط الشرق الاوسط،حيث تهبط كلفة الانتاج بين الخمس والعشر مرات عن كلفة النفط التكساسي.من هذا يظهر بأن اسعار البترول ليس لها اية صلة بكلفة الانتاج،وان قفزات الانتاج في الشرق الاوسط لا ترجع الا لجسامة الارباح الطائلة الناجمة عن استغلاله(4).
والواقع ان الولايات المتحدة الامريكية سمحت بعد الحرب العالمية الثانية ان تتحدد اسعار النفط على اساس سعر تكساس او الخليج الفارسي،وان يدفع المشتري كلفة النقل على اي من هذين الاساسين حسب الحالة.وعلى ذلك فان الولايات المتحدة،وقد اصبحت احدى الدول الكبرى المنتجة في الشرق الاوسط،لم تشأ أن تتحدد اسعار كلفة النقل على اساس مصنع،بل على اساس خط التعادل بين سعري الشحن من الخليج الفارسي ومن تكساس الموافق تقريبا لخط الطول المار بمرسيليا (البحر المتوسط).
على ان انكلترا،وهي المستوردة الكبرى من نفط الشرق الاوسط بقيت مضطرة حسب التحديد السابق ان تستمر في دفع فرق الكلفة الاضافية للمسافة بين خط التعادل السابق ذكره وبين محل التسليم اي بريطانيا.ولذلك فقد نجحت نتيجة ممارسة ضغطها على امريكا ان تنقل خط التعادل الحقيقي المذكور الى خط تعادل وهمي هو الخط المار بلندن،وبذلك حققت شيئا من الانخفاض في سعر الخليج الفارسي.على ان الولايات المتحدة،وقد اصبحت هي الاخرى مستوردة مهمة لنفط الشرق الاوسط،فرضت نقلا جديدا لخط التعادل من لندن الى نيويورك على اساس تخفيض جديد في سعر الخليج الفارسي،وقد قبل هذا فقط بالنسبة لمشتريات الولايات المتحدة،ومعنى ذلك ان هذه تدفع نفس السعر بالنسبة لنفط تكساس او نفط البلاد العربية في نيويورك.اما بلدان اوربا الغربية فهي مضطرة لدفع اضافات كلفات النقل.
يتضح من كل ذلك بان العامل الوحيد الحاسم في تقرير اسعار النفط في العالم الغربي في الوقت الحاضر هو ضغط التروستات،وان الاسعار المذكورة مصطنعة من كل الوجوه.

 النفط في الاقتصادات الوطنية

ان نفس الضغط المذكور هو الذي يفسر لحد كبير اختلاف الاهمية التي تعلقها الدول على استهلاك البترول.من المؤكد ان هناك عوامل كثيرة تلعب دورها في تحديد نسبة استهلاك البترول بين المصادر الطاقية المختلفة،منها درجة التطور الاقتصادي،وتوفر المصادر الطاقية الاخرى(كالفحم والكهربة المائية)،والرغبة في الاستقلال الذاتي الاقتصادي،ومركز الدولة في العالم الامبريالي... الخ.هناك دول تعتمد بالدرجة الاولى على الفحم قبل البترول(الاتحاد السوفياتي،المانيا،ولحد ما بريطانيا العظمى)،وهناك دول اخرى يمثل فيها البترول مركزا اسثنائيا(السويد،الولايات المتحدة).اما فرنسا فانها تعتمد على ربع استهلاكها الطاقي على البترول،(و48% من هذا مخصص للمواصلات).
ان هذه الارقام لا تتلاءم بالمرة مع الامكانيات الحقيقية للاقتصادات القومية للدول،ففرنسا مثلا تستطيع انتاج 15 مليون طن اخرى من الفحم حسب تقدير الخبراء،ولم تستطيع الادارة العامة الفرنسية للفحم اقناع شركات النفط بتخفيض نسبة ضئيلة جدا من استهلاك زيت الوقود،الا بالتهديد بشن حملة عامة شعواء،والواقع انه بالامكان جدا تقليل نسبة استهلاك النفط لحد كبير لو كانت الحكومات الفرنسية المتعاقبة تتبع سياسة اقتصادية تتفق مع المصالح الوطنية(5):فالمانيا الغربية وهي تملك عجلات اكثر بكثير من العجلات الفرنسية،تستهلك اقل من نصف الاستهلاك الفرنسي.
الا ان الحكومات الفرنسية استسلمت للحلول السهلة التي تتضمن الشراء بدل الانشاء والتعمير،بالرغم مما يتضمنه الشراء من استنزاف للجنيهات والدولارات(يشمل الدفع بالفرنكات ربع البترول الفرنسي فقط)وذلك لمجرد الاغراض المالية الناشئة عن الضرائب والرسوم المختلفة عن استهلاك البترول(400 مليار فرنك)،والمقتطعة من لحوم المستهلكين الفرنسيين.
من هذا ترى ثقل المسؤولية الفظيعة التي تتحملها شركات البترول في هذا الاتجاه،وهي مسؤولية تشم منها،في الظروف الاقتصادية الحالية لفرنسا،رائحة الخيانة بوضوح.

 جغرافية البترول المتغيرة او مرونة الانتاج

ان مرونة الانتاج تكون احدى الخصائص الاساسية لصناعة استغلال البترول،فبالامكان توجيه مقادير الانتاج حسب الرغبة،عن طريق زيادة انتاجية الآبار او غلق بعضها (والآبار الغريزة تكون دائما الهدف المفضل للاستغلال) بحيث يمكن وضع خطة لتوجيه الانتاج للاماكن المطلوبة حسب تطور الوضع الاقتصادي العام.
والعامل الاول في توجيه الانتاج هو من دون شك عامل الربح،وهذا هو الذي يفسر حقيقة رفع الانتاج بالدرجة الاولى في المنابع الغزيرة واهمال الآبار التي بدأ انتاجها في النقصان قبل الاوان،كما ان هذا هو الذي يفسر التقدم السريع في انتاج الشرق الاوسط والسبات النسبي لبعض المنابع الامريكية.
على ان الاعتبارات السياسية تلعب دورها الهام في هذا الصدد ايضا،فتأميم البترول في ايران مثلا أعقبه هبوط كلي في الانتاج الايراني،(وذلك لتعطيل البريطانيين لمصفى عبادان)تدنى الى اقل من مليون من اصل 30 مليون طن سنويا،ولكن ما ان اسقطت حكومة مصدق،واعطى امتياز النفط الايراني للاتحاد الدولي الجديد(الكونسرتيوم) حتى قفز الانتاج الايراني فورا الى 17 مليون طن.كذلك حدث نفس التطور في انتاج المكسيك بعيد تأميمها نفطها عام 1938.وقد لعبت المصالح العسكرية دورها ايضا في حالة الولايات المتحدة،اذ ادت الى زيادة انتاجية الآبار الاخرى التي كانت في السابق مهملة.
ان هذه لمرونة في انتاج البترول،مرتبطة مباشرة بسياسة حذرة تقوم على حسن توزيع المخاطر،تمارسها شركات النفط في الامد الطويل.فجميع الشركات الكبرى تملك منابع نفطية في جميع الاقطار المنتجة على السواء،في الولايات المتحدة وفنزويلا والشرق الاوسط واندونيسيا وغيرها،بحيث ان الظروف المختلفة اذا اقتضت تخفيض الانتاج في بعض البلدان،امكن التعويض عن ذلك فورا بزيادة الانتاجية في سائر المناطق الاخرى بنفس الوقت.لقد حدث ذلك عند اغلاق المنابع الايرانية،فقد اعقبه فورا قفزات سريعة في الانتاج العراقي والكويتي،بحيث لم تخسر شركة النفط العراقية مليما واحدا.
ان أمن الشركات النفطية بالنسبة للازمة الحالية في الشرق الاوسط معلق اليوم بنسبة انتاجها العام في بلدانه،ومعنى ذلك ان شركة النفط البريطانية وشركة البترول الفرنسية مهددتان اكثر من الشركات الاخرى بالموقف العام في هذه المنطقة،وهذه الحقيقة تفسر لنا اشياء واشياء،تفسر مثلا موقف الحكومتين البريطانية والفرنسية في الحوادث الجارية،وهما مساهمتان فعلا في الشركات النفطية.
***
ينتج عن هذه المرونة التامة في انتاج البترول حقيقة هامة،هي ان الجغرافية الحالية للبترول(نسب المناطق الجغرافية المختلفة في الانتاج الفعلي العام)لا تتناسب بأي حال من الاحوال مع التوزيع الجغرافي للموارد.
ان الحقيقة الكبرى التي برزت بعد الحرب الثانية هي الاندفاع السريع في انتاج الشرق الاوسط،وربما اصبحت الحقيقة الكبرى في الغد هي تدهور انتاجه وارتفاع انتاج فنزويلا وتكساس.الا ان جغرافية الموارد المستغلة فعلا لا تتناسب مع التوزيع الجغرافي للموارد القائمة،ذلك لان التحري والبحث لم يدفعا بعيدا الا في المناطق السهلة التي تبدو اكيدة المغانم.لقد كانت الاضطرابات السياسية في امريكا الجنوبية عامة،والموقف المعادي للعالم الخارجي للارجنتين في عهد بيرون،عاملا مهما في عرقلة تطور التحري في منابع(الجاكو)حيث يبدو ان الاحتمال كبير في اكتشاف منابع مؤثرة في المستقبل القريب،وحيث تتمتع الشركات الامريكية الآن بحصة الاسد هناك.كذلك يقوم البحث الآن على قدم وساق في المنابع الفرنسية ومنابع الصحراء الكبرى المغربية،بعد ان لفها الاهمال سنين طويلة،نتيجة تشريع القوانين الجديدة التي تتضمن للشركالت المستغلة الامن اللازم والارباح الدسمة(6).وقد اكتشفت فجأة بقدرة قادر،منابع (بارانتيس)وموارد غيرها.وهنا تبرز ايضا مسؤولية اولئك الذين اهملوا زمنا طويلا دفع اعمال التحري في فرنسا نفسها،منتظرين دخول الشركات الاجنبية الكبرى في الميدان،مانحين اياها امتيازات غاية في الكلفة والجسامة،لمتابعة عمليات التحري عن البترول.

 قلق الانتاج

ان انتاج النفط يمتاز ايضا بطابع القلق والمخاطرة وعدم امكان التوقع،بحيث ان مقادير الانتاج قد تهبط حسب هبوط قابلية الآبار الانتاجية دون امكان توقع ذلك على وجه الضبط.لقد اصبح كثير من الآبار مهملا الآن،اما لنضوب نفطه بالمرة،او لان استغلاله اصبح غير اقتصادي بالمعنى الرأسمالي.
غير ان هنالك عوامل بشرية ايضا تزيد في قلق الانتاج:فمن المعلوم ان آبار الزيت ووسائل مواصلاته سهلة التعرض بالمعنى الستراتيجي،ومن السهل جدا نسف الآبار او احراق المؤسسات او قطع الانابيب.لقد كان الفدائيون العرب يهددون دائما بامكانهم تعطيل نفط الشرق الاوسط في 24ساعة،وقد اظهرت الحوادث الاخيرة ان تهديداتهم لم تكن اضغات احلام،فقد قطعت انابيب الزيت العراقي الممتدة الى بانياس وطرابلس،وحدثت حوادث نسف مهمة في آبار الكويت.بل ان شركات النفط نفسها استغلت هذه الخاصية في انتاج النفط في الظروف المناسبة كما حدث ذلك في نسفها الآبار والمؤسسات في رومانيا قبل الحرب الاخيرة.
وعلاوة على ذلك فان الصناعة النفطية تواجه مشاكل مستعصية وتسير في سبل ملتوية يمكن اغلاق منافذها في كل حين.ان نظام توزيع النفط ونقله من اهم العناصر الاساسية في صناعة النفط،ويكون اولى هذه العقد المستعصية.لقد ادرك روكفلر هذه الحقيقة منذ البداية وفضل معامل التكرير،وخاصة مؤسسات النقل،على ملكية المنابع نفسها،ذلك لان اجهزة نقل الزيت ليست وسيلة ممتازة للتركيز الاقتصادي فحسب،بل هي من اهم الضرورات الحيوية.
وتمثل انابيب البترول عنصرا جامدا(غير مرن)في المشروعات النفطية من الصعب جدا زيادتها بعد تأسيسها وتكييفها للغرض المطلوب.والواقع ان الصعوبات الحالية الناشئة من عدم امكان سد الولايات المتحدة للنقص الخطير الناجم عن حوادث الشرق الاوسط تعود لمشكلة النقل بالذات وليس لمشكلة المنابع وانتاجيتها.فآبار تكساس لا تستغل اكثر من 18 الى 20 يوما في الشهر،ويمكن ان تنتج زيادة اضافية تقدر ب(50)مليون طن سنويا،الا انها لا تستطيع ايصال جميع هذه الكميات حتى للموانئ الامريكية نفسها(7).
كذلك تكون مشكلة النقل البحري عقدة مستعصية اخرى من عقد الصناعة النفطية:ان هذه تفتقر كل الافتقار الى ناقلات الزيت في الوقت الحاضر.فالناقلات الكبرى التي تزيد حمولتها على 40 طن لا تزيد على 15 ناقلة فقط.ولا يمكن تعويض النقص بزيادة عدد سفراتها بسبب امتداد المسافات الجديدة الواجب قطعها نتيجة لاغلاق قناة السويس وقطع انابيب الزيت العراقي،والواقع ان سفرة واحدة ذهابا وايابا بين الخليج الفارسي ومارسيليا تحتاج الى 67 يوما في طريق رأس الرجاء الصالح بدل 10 ايام فقط بين بانياس ومارسيليا.وقد عمدت الولايات المتحدة الى اعادة تشغيل 39 سفينة (حتى تاريخ 3 ديسمبر 1956) كانت موضوعة على سبيل الاحتياط سنة 1945،الا ان هذا الاجراء ابعد عن ان يكون خطوة جدية في سبيل حل المشكلة الضخمة(8)،كل هذا واسعار التحميل تقفز قفزات سريعة جدا نحو الارتفاع.
كذلك تكون مسألة الاختزان مشكلة هامة من مشاكل النفط،اذ ان مؤسسات الاختزان غير قابلة للتوسيع لمدى غير محدود والاستهلاك بدرجة من الضخامة لا يسمح للزيت بالبقاء في المخازن مدة طويلة،وقد قدرت فرنسا انها تستطيع الاعتماد على ما في مخازنها من البنزين ثلاثة اشهر(وهو تقدير واضح المبالغة)ونفط الوقود بضعة اسابيع فقط.
من هذا يظهر بأن مجرد وقف تداول الزيت يثير مباشرة مشكلة معقدة مستعصية الحل.وتزيدها حدة،وتطيل امدها،العوامل الاخرى،كطول المسافات،واحتمال اغلاق المنابع نفسها نتيجة اعمال التخريب.

 امبريالية البترول

ليس بالامكان ابدا فهم اي شيء عن دور البترول على النطاق العالمي،اذا لم تؤخذ بنظر الاعتبار حقيقة الصلة التامة والترابط الوثيق بين الامبريالية"الاستعمار الحديث"والبترول.ولا شك ان دور الاحتكارات في الصناعة النفطية،ومصالح الدول المرتبطة بها من اهم اسباب الارتباط المذكور.

التواطؤ بين التروستات والدول

لا نرى حاجة لتأكيد اهمية النفط للدول من الوجهات الاقتصادية والمالية(الضرائب والرسوم)والاستراتيجية جميعا.فمن المعلوم ان الحرب الحديثة لا يمكن ان تستغني عن البترول لتموين عجلاتها وطائراتها،لانتاج مطاطها وقذف قنابلها..ولذلك عمدت الدول،بتأييد التروستات الكبرى،الى السيطرة على اكبر مقدار ممكن من منابع الزيت.وقد كانت الامبريالية البريطانية،بايعاز المستر تشرتشل،اول من اقتحم صراحة هذا الميدان،فاشتركت في تأسيس شركة النفط الانكليزية الفارسية(انكلو برشيان)التي غدت بعد ذلك شركة النفط البريطانية(بريتيش بتروليوم).كذلك عمد المستر(ديتردنغ)منشئ شركة شل(الهولندية الانكليزية)للتجنس بالجنسية البريطانية لتسهيل الانشاء المذكور.اما الولايات المتحدة الامريكية فمن المعروف ان جوهر سياستها الخارجية قائم على دعم السياسة النفطية لتروستاتها الكبرى.والواقع ان لكل من هذه الشركات الضخمة(رجالها)في الاوساط الحكومية،وقد سمي الرئيسان الامريكيان هوف وكولرج بحق الرئيسين النفطيين.

يقول الكاتب المعروف(ونكلر)في دراسته المشهورة عن روكفلر:
(ان شركات الستاندارد،وهي نموذج للالتواء واستعمال كل الوسائل لجني الارباح بما في ذلك الرشوة والافساد وشراء الذمم،اضطرت بحكم المصلحة ان تدفع طيلة اجيال كاملة الرشاوي و – البخاشيش – لعدد كبير من السياسيين والموظفين،سرعان ما تتلقفهم وتضمهم في احضانها وتسخرهم لمصالحها.وكثيرا ما كان بين هؤلاء من حاز شرف الانخراط في عضوية مجلس الشيوخ الامريكي.) – نقلا عن مجلة(الكاييه انترناسيونو)الباريسية عدد نوفمبر 1956.على ان من الخطأ الظن بأن الوضع تغير في الوقت الحاضر.

جاء في دراسة قيمة لمجلة(الكاييه انترناسيونو)الباريسية،عدد نوفمبر 1956،ص(49)هذه الحقائق الصارحة:
(يتربع المستر راتهاوس رئيس شركة الستاندارد اويل اوف نيوجرسي عضوية مجلس الامن الوطني،ويشغل الجنرال وايت مدير قسم التصدير في شركة الايسو منصب مدير مكتب البترول في وزارة الدفاع الامريكية،وبقي المستر نلسون روكفلر حتى العام الماضي المستشار الرئيسي لمكتب الرئيس آيزونهاور،بل ان المستر دالس نفسه كان يعمل حتى تسلمه مركز ادارة سياسة بلاده الخارجية في مكتب سليفان وكرومويل للاستشارات القانونية وهو الذي يعتبر الوكيل الاول لشركة ستاندارد اويل اوف نيوجرسي).
من هذا يظهر بأن الكفاح الدائر بين الاحتكارات النفطية،يصحبه كفاح آخر عنيف بين الدول الرأسمالية،مما يضفي طابعا الزاميا عنيفا على مشكلة النفط.ولهذا السبب سبق ان اثار النفط فعلا حروبا حقيقية،كما حصل في رومانيا بين انصار روكفلر وديتردنغ،وفي المكسيك حيث تعاقبت الدكتاتوريات بسرعة جنونية من ضغط الحروب النفطية،وفي(الشاكو)حيث اشتبكت بوليفيا والبارغواي في حرب حقيقية لمصلحة الستاندارد اويل.
ان اخطار الحرب قد تضاعفت بنتيجة السيطرة على الدول المنتجة للزيت،هذه السيطرة التي لا تريد الدول الاستعمارية التنازل عنها بأي ثمن.

السيطرة على الدول المنتجة للبترول

يعج التاريخ بأمثلة من هذا القبيل على تدخل الدول الاستعمارية في الشؤون الداخلية للدول المنتجة للنفط.وتعرف الشعوب الآن جيدا من رومانيا الى المكسيك معنى تملكها للنفط.لقد اقيم الدكتاتور(خمنيث)في فنزويلا من قبل الشركات النفطية،وعرف الشرق الاوسط في تاريخه الحديث حكومات تأتمر بأوامر الشركات المذكورة،وكان للولايات المتحدة يد معروفة في انقلاب الجنرال زاهدي في ايران(9).ولبريطانيا اليد الاولى في ادارة شؤون البحرين.ومن ينسى القضاء على الحكومة الوطنية للدكتور آربنت في جمهورية الغواتيمالا لتسلم الشركات الامريكية فورا 95 امتياز جديدا في تلك البلاد الباسلة،وطرد الامام من عاصمة عمان الداخلية من قبل سلطان مسقط عميل شركة النفط العراقية عندما شمت هذه رائحة البترول في (منهور) – ديسمبر 1955- واحتمال تسلط ابن السعود ومن ورائه شركة الارامكو على المنابع الجديدة؟ان النفط عنصر اساسي من عناصر الامبريالية الحديثة،ولكنه،كمادة اولية في غاية الاهمية وكمصدر جوهري من مصادر الطاقة الحركية،يؤدي الى ممارسة امس واخطر وافعل صور السيطرة السياسية.
ويمكن تقدير آثار الامبريالية على الدول الخاضعة سياسيا من وجوه مختلفة: قد تبدو بعض هذه الآثار مفيدة بعض الشيء،فالنفط يكون المصدر الجوهري لدخول بعض هذه الدول،مثال ذلك ان دخول النفط بلغت 880 مليون دولار للشرق الاوسط عام 1955،وتكون دخول النفط عشر الدخل القومي العام في ايران وسوريا،وثلث الدخل العام في العراق،وأكثر من نصف الدخل العام في العربية والسعودية والبحرين،واكثر من 90% منه في قطر والكويت.كما ان هذه الدخول التي تدفعها الشركات النفطية للدول المحلية تكون الاساس لمشاريع الاعمار في هذه البلدان.ولكن هذا لا يمنع الحقيقة العجيبة وهي ان الضرائب التي تدفعها الشركات المذكورة لدولها الخاصة تزيد عن الدخول التي تدفع للامراء والسلاطين العرب.وعلاوة على ذلك فلاشك ان آبار النفط تكون مراكز تنبثق حولها بعض الاعمال الانشائية كالطرق والمستشفيات،مما يستفيد منه بعض السكان المحليين.كما ان الاجور التي تدفع للعمال الوطنيين هي على العموم اكثر ارتفاعا من المستوى العام الواطئ السائد حتى الآن هناك.
ولكن الامر الجوهري هو ان هذه العناصر القليلة الايجابية محدودة جدا:فالايدي العاملة التي تستثمرها مشاريع النفط محدودة بالضرورة،والنادر من الحكومات المحلية من يكرس جوهر دخوله النفطية لمشاريع وطنية اعمارية،كما ان التروستات حريصة جدا على اقامة نظم سياسية محلية تخضع لتوجيهاتها المصلحية،وهذا مما يزيد في الطابع الهزلي للضجة المفتعلة التي اثيرت حول الرئيس جمال عبدالناصر.وفضلا عن ذلك فأن المضاربات النفطية على النطاق الدولي،من شأنها ان تحدث عوامل قلق في مستويات الاسعار وتهديدا مستمرا للاقتصاد الوطني،كما حصل في الفنزويلا حيث اضطر هذا البلد الزراعي ان يترك زراعته وان يكرس كل موارده لاستيراد جميع الحاجيات.ان التناقضات الاجتماعية لتزداد حدة في مثل هذه البلدان،ولا يستأثر بفتات الغنيمة من السكان المحليين الا عدد محدود من الناس.
ومن مجموعة هذه العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتشابكة،تنشأ التناقضات السياسية التي تهدد السيطرة الاستعمارية على الدول المنتجة في الصميم،فيزداد الشعور بثقل التبعية السياسية،ويشحذ الوعي بعناصر التخريب الاقتصادية،ويؤدي استغلال البترول الى نشوء طبقة عمالية من نوع جديد يزداد احساسها النضالي يوما بعد يوم،كما اظهرت ذلك بوضوح المظاهرات العنيفة ضد الغرب في البحرين والسعودية وايران وفنزويلا.وهكذا تنشأ في هذه البلدان مراكز غليان حقيقية،تزداد هيجانا مع امعان الساسة النفطيين لتعميق العلاقات الاجتماعية بالضرورة،والحيلولة دون نضوح كوادر جديدة تستطيع ان تتسلم مقاليد الحكم في بلادها بالتي هي احسن،ومن الحقائق الاكيدة ان البورجوازيات الوطنية(الطبقات الوسطى)اتخذت في هذه البلدان سياسة معادية للغرب،بل ان دوامة الحركة الوطنية استطاعت ان تلف حتى بعض ملوك النفط المحليين هناك.
ومن مجموع هذه النقائض تستطيع ان تفسر بعض الوجوه الجوهرية في الوضع العام الحالي في الشرق الاوسط،وخاصة العطف الذي تلاقيه بعض العروض الاقتصادية المقدمة من قبل الاقطار الاشتراكية.

اشتداد حدة النقائض

ان التطور الحالي لمشاكل البترول،يميل الى تأزيم مجموعة العناصر التي ينطوي عليها النزاع العام والتي سبق ان المحنا اليها،ويهدد بأن يتخذ أشكال جدا عنيفة،برغم مظاهر الهدوء الخداعة المؤقتة.

ازدياد التركيز الاقتصادي

اشتدت سيطرة الاحتكارات النفطية في السنين الاخيرة،وازدادت ارباحها الطائلة بنتيجة فعالياتها الاقتصادية من جهة،واستيعاب الشركات الصغيرة التي هزمتها منافسة الاحتكارات.
وتساهم الدول نفسها في تشريع هذا التركيز:مثال ذلك ان الولايات المتحدة تشجب دائما المشاريع الصغرى(الحدية)التي تتهمها بتبديد موارد النفط والادارة الكيفية البعيدة عن مبادئ الترشيد.واذا اخذنا فرنسا مثلا نجد ان شركة الايسو وحدها استطاعت ان تضم احدى عشرة شركة نفطية منذ عام 1936،وقل مثل ذلك في مجموعة(انتار- بيشيل برون)وشركة البترول الفرنسية.والملاحظ ان الاسماء التجارية تتناقص بازدياد في هذا المجال،وان الكثير من الاسماء المسجلة لا تمارس اي نشاط تنافسي حقيقي يذكر(مثلا اوزو،آزور،توتال،ستلين).ان هذا التركيز قائم على جميع المستويات:كناقلات البترول،ومحطات البيع،وسيارات النقل... الخ.
ومن اولى نتائج هذا التركيز الاقتصادي الهائل،ازدياد الارباح ازديادا خياليا ضخما،ساعد لحد كبير على ازدياد رؤوس الاموال نفسها،في فرنسا وفي الخارج معا.

محاولات للاتفاقيات النفطية

على ان الشركات النفطية لم تفتأ تحاول،وراء تناقضاتها الاقتصادية الاصيلة،التعاون والتفاهم لوضع خطط مشتركة لاستغلال الثروات النفطية،فاولا تحاول الشركات التي تنتمي لجنسية واحدة ان تعمل في جبهة واحدة،ولكن بالاضافة لذلك يجد المرء روابط عديدة تربط شركات متناصرة فيما بينها وتنتمي لجنسيات مختلفة.
قد تستهدف هذه الاتفاقيات الاستغلال المشترك لبلد معين،او لسوق اقتصادية محددة:مثال ذلك شركة النفط العراقية
(10)،وشركة الارامكو(11)،والكونسرتيوم الايراني(12)،وشركة نفط الكويت(13)،وفي فرنسا مجموعة(الترايلي)(14).وقد تستهدف ايضا روابط شخصية،واحيانا من نوع غريب وغامض:مثال ذلك كلا من مدير الراب(شركة فرنسية عامة)ومدير التحريات والبحوث في شركة الايسو في فرنسا حل محل الآخر في منصبه،او ان نائب رئيس للايسو في فرنسا يشغل بنفس الوقت احد مراكز الادارة الرئيسية في شركة البترول الفرنسية.والواقع ان هناك 327 رابطة شخصية من هذا القبيل تربط مجموع الشركات الفرنسية الاحدى عشرة،بالتروستات الدولية الكبرى،علاوة على 43 رابطة مالية اأخرى.وتزداد هذه الروابط تشابكا خاصة في ميادين الكيمياء النفطية.
على ان هذه الاتفاقيات والروابط لا تقضي على المنافسات والتناقضات الاصيلة العميقة،بل تذوب تحت ثقلها في الظروف العسيرة.وليس من السهل اطلاقا فك الغاز المواقف التفضيلية الغربية التي يواجهها الانسان عند دراساته وتحليلاته لشؤون النفط.مثال على ذلك قضية البريمي،فقد ارادت بريطانيا وضع يدها على هذه الواحة التي تقع في محل على الحدود لا يزال موضع نزاع مع العربية السعودية وسلطان مسقط.وقد تدخلت الجيوش العربية السعودية،ووراءها تأييد الولايات المتحدة.والمسألة الحقيقية هي ما اذا كانت هذه المنابع الجديدة ستمنح للارامكو الامريكية،او لشركة النفط العراقية التي تضم مصالح بريطانية مهمة.ولكن الغريب،كما سبق ان المحنا لذلك،هو ان مجموعة الايسو والموبيل الامريكية تساهم في الارامكو(40%)وفي شركة النفط البريطانية(حوالي الربع)على السواء.

المنافسات الوطنية

هذه الصلة الوثيقة بين سياسة الدول ومصالح شركات النفط،والتي تزيد في حدة عناصر النقائص الاصيلة،تغلب عنصر المنافسة في اغلب الاحيان على عنصر التفاهم والاتفاق،وخاصة في الظروف الحالية،حيث يظهر ان المنافسة ازدادت ازديادا كبيرا.وقد استطاعت الشركات الامريكية،بعزم وثبات واستمرار،ان تزيد من نفوذها على حساب المصالح البريطانية.وهذه الحقيقة يجب اعتبارها احد العناصر الجوهرية في الوضع الدولي القائم.
هذه الفنزويلا،وقد كانت حتى الامس القريب اقطاعية من اقطاعيات شركة شل قد اصبحت اليوم تحت النفوذ الامريكي الطاغي لحد الثلثين او الثلاثة ارباع.وهذه اندنوسيا،المهد الاصلي لشركة شل،حيث كانت تحتكر مجموع الانتاج الاندونيسي،رأت نفوذها يتداعى بالتدريج فلم يبق لها في البلاد الا(70%)عام 1937،و(52%)عام 1952(وهذا الباقي يعود مباشرة لسيطرتها على مقاطعة بورنيو المسماة بالبريطانية).وذلك المكسيك استطاع تأميم المصالح البريطانية،ولكن الشركة الوطنية الجديدة لا تتورع الآن عن الاستفادة من(خدمات)الشركة الامريكية.اما في الشرق الاوسط فقد انحدرت المصالح البريطانية من 77% عام 1938 الى 55% عام 1953(مقابل 60% للولايات المتحدة الامريكية).ومن المعروف ان القضية الايرانية الاخيرة قفزت بالمصالح الامريكية هناك من الصفر الى 40%.وتجدر الملاحظة ان شركة البترول الفرنسية التي استطاعت ان تلتقط بعض الفتات في هذا المجال،انما استطاعت ذلك بمساعدة الولايات المتحدة،وقد سبق ان المحنا الى الروابط والعلائق بين الشركة الفرنسية وشركة الايسو الامريكية(15).

 الازمة الحالية

تثور امامنا مسألتان:الاولى كيفية تفسير ازمة الشرق الاوسط الحالية والوجهة المحتملة لتطورها،والثانية ماذا يمكن ان ينتظر من تطور المسألة البترولية.
ان هناك عدة عوامل تساهم في تعقيد الازمة الراهنة،لا شك ان البترول يلعب دوره المهم في الموضوع،الا انه لا يمثل العامل الوحيد في هذا الصدد.ولا يخفى ان الازمة اثيرت في دورها الحاد الحالي،بسبب العدوان الفرنسي الاسرائيلي ضد مصر،وان العلاقات بين اسرائيل(تساندها فرنسا وبريطانيا لاسباب بعيدة كل البعد عن الدفاع عن مصالح اسرائيل)والدول العربية تكون عنصرا دائما للتوتر في الشرق الادنى.ومن العوامل الواضحة الاخرى موقف الحكومة الفرنسية المرتبطة بنظرتها لمشكلة الجزائر،هذا الموقف الذي ينم عن الهسترة وفقدان الاعصاب.كذلك كان الضغط الشديد الذي تمارسه مجموعة السويس المالية(رجال المال المسيطرون على شركة قنال السويس)اثره الفعال في احتداد الازمة.كذلك من العوامل التي عممت الازمة انطلاق الحركات الوطنية في البلاد العربية ضد السيطرة الغربية وخاصة موقف الشعبين الاردني والعراقي في بلدين تقليديين من بلاد النفوذ البريطاني.ومن العوامل المهمة ايضا ازدياد شعبية الاتحاد السوفياتي في المنطقة،وقد استغلت الدول الغربية هذه الحقيقة لاستجداء شعوبها في سياساتها العدوانية.كذلك يجب ان لا ننسى المركز المرموق الذي يحتله الشرق الاوسط في السياسة الامريكية الاستراتيجية،والجهود الدائبة التي تبذلها الولايات المتحدة لادامة وتوسيع قواعدها العسكرية في المنطقة والحرص على افلاتها من النفوذ السوفياتي.
ان كل هذه العوامل ضرورية على السواء لفهم الازمة العامة في الشرق الاوسط،وان اهمال اي منها يؤدي الى العجز عن فهم بعض الوجوه الاساسية للمشكلة.وليس هناك شك في ان الازمة البترولية ادت الى المبالغة في ارجاع كل عوامل الازمة الى مسألة البترول.
ومع ذلك فأن من الواضح ان الدول الغربية تعتبر الابقاء على سيطرتها على منابع البترول العربي ضرورة مطلقة لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الاحوال،وان الاشتراكيين الفرنسيين والمحافظين البريطانيين لم يخطئوا في التأكيد لناخبيهم باستحالة امكان تنازلهم عن البترول.ولنتذكر بهذا الصدد بأن النفط وان كان يوجد في مناطق اخرى،الا ان شركة البترول الفرنسية وهي من اكبر الشركات الفرنسية ولها صلات مالية متشابكة مع جميع الاوساط المالية العالمية،تتلقى جميع نفطها الخام من منطقة الشرق الاوسط،وان ارباحها الناجمة عن ذلك تفوق الارباح الناجمة عن استغلال النفط في اية بقعة نفطية اخرى.
العامل الثاني من عوامل التقدير:موقف الولايات المتحدة. ان مشروع الرئيس آيزنهاور للتدخل في الشرق الاوسط
(16)،علاوة على الاعتبارات السياسية والسوقية الواضحة التي تكتنفه،يدل على ان الولايات المتحدة قررت انهاء موقف التريث والانتظار،وقدرت ان الموقف ملائم الآن للحلول محل حلفائها الغربيين،ومحاولة تحديد الخسائر النفطية التي تمخضت عنها حتى الآن ازمة الشرق الاوسط.
والظاهر ان الولايات المتحدة قدرت ان الموقف ملائم ايضا للظهور،امام الدول الغربية التي شجبت موقفها الاخير من الازمة،بمظهر المنقذ الاعظم،بتجهيزها بحاجتها الشديدة للنفط مقابل فرض شروط جديدة سياسية واقتصادية عليه،وبذلك،(تضرب بحجارة عصفورين)فتنقذ الاستعمار الغربي المنهار من جهة،وتقوي دورها الاقتصادي والسياسي على السواء.
ولا حاجة للقول ان الوضع ملائم جدا لها لفرض اسعارها العالمية على تجهيز اوربا بالبترول،وبالتالي على السوق العالمية.وقد سبق ان ارتفعت الاسعار فعلا بفعل ارتفاع كلف الشحن،وهذا الارتفاع في الاسعار سوف يعوض دون شك الخسائر الموقتة الناجمة عن حوادث الشرق الاوسط،وسوف تستغل كل امكانيات الشحن المتوفرة لسد العجز الاوربي في البترول.
كذلك تلعب الروابط الوثيقة بين الشركات الاوربية والشركات الامريكية دورها المهم في الاسراع بتزويد اوربا بالنفط الامريكي،والواقع ان التروستات الامريكية لا تتحمل رؤية تدهور الاعمال وانهيارها الكلي في اوربا الغربية،لتشابكها المالي الواسع النطاق معها،ولان افتقار اوربا للبنزين خاصة يجعلها فريسة سهلة من الوجهة العسكرية(17).
من هذا يظهر بأن الولايات المتحدة خرجت من الازمة،من وجهة النظر الاستعمارية،بحصة الاسد:زادت سيطرتها السياسة على اوربا الغربية،وانهار نفوذ حلفائها في الشرق الاوسط(18)،وتراكمت ارباح شركاتها النفطية من جراء ارتفاع الاسعار(19).
الا ان هذه الصورة الجميلة،تشوها حقيقيتان خطيرتان:الاولى ازدياد الوعي القومي في العالم العربي،والثانية احتداد النقائض الجوهرية بين دول العالم الغربي.
***
على ان هذه الازمة البترولية تمخضت عن نتائج اخرى اقتصادية في غاية الخطورة،تثبت من جديد الدور الخطير الذي تلعبه هذه المادة الحيوية في نظامنا الاقتصادي.
ان آثار هبوط تداول البترول اصابت جميع الاقطار التي تعتمد في نفطها على الشرق الاوسط:اصابت فرنسا بنسبة 90%،وبريطانيا بنسبة 50% وسائر بلدان اوربا الغربية(20).والملاحظ ان المانيا وايطاليا استطاعتا ان تستميلا المشاعر العربية،لذلك استمرت سفنهما في التزود بالبترول في ميناء صيدا بعكس السفن البريطانية والفرنسية.
لقد سار الناس مشيا على الاقدام بين جنيف ولوزان،واضطر في اسبانيا اصحاب مؤسسات التدفئة بالمازوت ان يعيدوا النظر في وسائل تدفئتهم،وشهدت فرنسا فوضى عجيبة في مسألة توزيع البنزين... الخ.
على ان آثار هذا العجز في البترول لا يمكن ان تقتصر على ميدان المواصلات،فالصناعات الكيمياوية في فرنسا،وصناعة السيارات(اعفت سمكا 1100 عاملا،واضطرت فوكسهول وجاكوار ان تعملا ثلاثة او اربعة ايام فقط في الاسبوع،واغلقت فورد والـ جي ام سي معاملها في بلجيكا كليا)والصناعات الزجاجية(وتشتغل ثلاثة ارباع معاملها في فرنسا بالمازوت)والصناعات الخزفية(100000 عامل)والحديدية والورقية وصناعة الاسمنت اصيبت بأضرار فادحة.هذا علاوة على عمال الطرق(145000)والقوارب والسفن (20000 عائلة) والصيادين 45 الف عائلة.
ومما يذكر ان قطع انابيب الزيت العراقية كبدت حكومة العراق مليار ونصف فرنك اسبوعيا(21).
اما عن وجهة تطور هذه الازمة،فمن المستحيل امكان التنبوء بتفاصيلها باطمئنان،بالنظر لتعقد العوامل المنطوية فيها وتشابكها،والواقع اننا لا ندعى اننا قدمنا في هذه الدراسة اكثر من عناصر عامة للتقدير.ومن المحتمل جدا ان الامور ستعود لمجاريها العادية في وقت قريب جدا(22)،وان كانت التقييدات سوف لا يمكن رفعها نهائيا الا بعد مضي عدة اشهر،لأسباب فنية قاهرة.الا ان الشيء الباقي من هذه الازمة،والشيء المهم جدا،هو استفحال بذور النزاع في مسألة البترول خاصة،وازمة الشرق الاوسط على العموم.ان الموقف ينطوي على خطورة بالغة،بل ان هناك خطرا جديا يهدد بالحرب.وواجب القوى العاملة للسلم ان تراقب الموقف بكل حذر،وان لا تقلل من اهمية الخطر ابدا.كما ان واجب فرنسا ان تبحث عن منابع جديدة للبترول في الاراضي الفرنسية نفسها،وبوجه اعم،عن منابع جديدة للطاقة النشاطية.

الهوامش

1. زادت نسبة الوقود (المازوت) وغاز النفط في المنتجات النفطية من الخمسين عام 1939 الى الثلثين عام 1955.
2. منها 333 مليون طناً في الولايات المتحدة فقط،التي كانت تنتج سابقاً اكثر من نصف الانتاج العالمي،الا ان شركاتها فضلت استغلال المنابع الاجنبية بأقصى ما يمكن من السرعة.ففي الشرق الاوسط يستخرج الآن 161 مليون طن،وفي فنزويلا 111،ايسولندا (الملايو) 16،المكسيك 13،ورومانيا 11،اما فرنسا،(وهي رابع دولة اوربية في الانتاج)فقد بلغ 870 الف طن.
3. انظر كتابنا عن (البترول) بالاشتراك مع زميلنا سونزي،ديسمبر 1956 بالفرنسية.
4. ومع ذلك فيزعم احد مدرسي الاقتصاد في احدى كلياتنا(بأن عامل الربح والتكاليف يحتل في معظم الاحيان اهمية ثانوية)في صناعة النفط – البترول في البلاد العربية – المقدمة – الدكتور محمد جواد العبوسي – القاهرة ، 1956 – (المعرب).
5. ان نسبة استهلاك البترول في فرنسا نمت اسرع من المعدل العالمي العام.
6. انظر تفاصيل ذلك في مجلة (الاقتصاد والسياسة) الباريسية،عدد 26،1956..ان القوانين الجديدة تعفى شركات التحري والشركات الممولة من اية ضريبة.كما ان الدولة ضمنت حدا ادنى من الربح للمساهمين(حتى في حالة الخسارة)مقداره 50%،ومعنى ذلك ان الدولة التزمت بتحمل جميع مغارم المشروع تاركة جميع المغانم المحتملة للشركات المستغلة.فهل نعجب بعد هذا ان نرى سرعة تكون جملة شركات للتحري والتمويل(الفينارب،الكوفبيريب)ضاعفت رؤوس اموالها في فترة قصيرة من الزمن؟
7. الواقع ان المصدر الوحيد الذي انقطع عن اوربا هو نفط شمال العراق (25 مليون طن)،اما المصادر الاخرى فمستمرة على الجريان والتصدير عن طريق الخليج الفارسي وانابيب (التابلاين) الممتدة من العربية السعودية الى صيدا.ان الصعوبات الحالية تتعلق بمشاكل النقل ومسألة المسافات ليس غير.
8. ربما كان من المفيد ان اسجل في هذا الصدد ملاحظات المؤلف الفرنسي الكبير (بيير فرانسيت) حول هذه المشكلة الخطيرة بالذات،اعني مشكلة نقل الزيت،نقلا عن مقال نفيس له بعنوان (ازمة النفط واوربا الغربية) نشره في مجلة (الاقتصاد والسياسة) الباريسية عدد يناير 1957،قال المؤلف:
(اما مسألة زيادة الطاقة الكلية على النقل،فمسألة في غاية الصعوبة،ذلك لانعدام وجود اية زيادة او وفر في ناقلات البترول الحالية،خلاف الانواع الاخرى للاسطول التجاري.ان الاسطول النفطي الاحتياطي لا يمثل اكثر من بضع مئات الوف الاطنان.اما عن الاسطول النفطي المطلوب الآن في دور الانشاء(وهو يتراوح بين 2 و 3 مليون طنا)فمن المستحيل تصور كيفية امكان تخفيض آجال انشائه بنسب تستحق الذكر عن المدد الضرورية التي يتطلبها انشاء سفنه واستخدامها- من 9 الى 18 شهرا - ،في حين ان ضرورة الاستمرار على تجهيز اوربا الغربية بالكميات العادية التي تستهلكها من نفط الشرق الاوسط - 8% من مجموع استهلاكها- يتطلب اسطولا نفطيا اضافيا يتراوح من 5 الى 6 مليون طنا،اي زيادة حوالي (20%) من حمولة مجموع الاسطول النفطي الموجود في نهاية صيف 1956. ان هذا الاسطول الاضافي غير موجود الان،ولا يمكن الاعتماد على اكثر من زيادة 3 الى 4% فقط من طاقة النقل النفطية الحاضرة، بما في ذلك الطاقة الاحتياطية الموجودة والحمولة الاضافية الممكن وضعها موضع الاستخدام والتطبيق.
وقد يظهر من الغريب عدم الاعتماد على احتياطي كاف في الاسطول النفطي،وان اقل تغير في شروط استغلال هذه المادة الحيوية يثير مثل هذه المشكلة الشائكة.الا ان الحقيقة القائمة هي هذه،لا يمكن لاحد ان يتجاهلها،وقد كتبت (الغرف النقابية للسفن والمكائن البحرية) منذ 10 آب الماضي بأن اي غلق لقناة السويس، ولو كان لمدى قصير جدا، من شأنه ان يؤدي، بالنظر للتكوين الحالي للاسطول النفطي،الى آثار درامية في تجهيز النفط لاوربا الغربية.
اما سيل الطلبات الحديث على صنع ناقلات البترول،وهو يتجاوز الطاقة الانتاجية لمعامل انشاء السفن القائمة لحد كبير،فأنه لن يزيد حمولة الاسطول النفطي طنا واحدا خلال الاشهر الستة الباقية)- (المعرب).
9. استقبل رجل الدولة الامريكي المعروف المستر هنري بايرود انقلاب الجنرال زاهدي بهذه العبارة الحماسية:(لقد انهال الغيث الكريم بعد انقشاع الغيوم السود ... ان جلالة الشاه وفخامة الجنرال زاهدي يتقدمان الآن بالحلول الجميلة ... بعد ثبوت السياسات السلبية للماضي!).عن كتاب (النفط الفارسي) لالول ستن – لندن،1955، ص313 ،(المعرب).
10. هذه الشركة التي تستغل نفط العراق،وتتمتع بامتيازات للبحث عن البترول في جميع منطقة الشرق الاوسط (عدا ايران والسعودية) يقتسم اسهمها (عدا 5% خصصت للمغامر الارمني المعروف كولبنكيان لفضله في تأسيسها) شركة النفط البريطانية (ربع الباقي) وشركة شل (الربع الثاني) وشركة البترول الفرنسية (الربع الثالث) وشركة اعمار نفط الشرق الاوسط الامريكية- اي الايسو والموبيل اويل- (الربع الاخير).
11. شركة الارامكو (شركة النفط العربية الامريكية) مجموعة امريكية صرفة تضم شركة الكاتلكس (60%) واتحاد الايسو والموبيل اويل (40%). اما (البابكو) في البحرين فهي فرع لشركة الكاتلكس الامريكية.
12. يضم (كونسرتيوم النفط الايراني) وهو الذي ورث احتكار شركة النفط البريطانية هناك،ترست شل (14%) وشركة البترول الفرنسية (6%) والباقي وهو (80%) وزع بالمناصفة بين المصالح البريطانية (شركة النفط البريطانية 40%) والمصالح الامريكية (الايسو،الموبيل اويل،الكاتلكس،الغولف اويل- 40%).
13. شركة نفط الكويت،تضم شركة النفط البريطانية (50%)،وشركة نفط الخليج (الغولف اويل- 50%).
14. الاتفاق الذي عقدته جميع شركات النفط التي تعمل في فرنسا لانشاء خط انابيب يمتد بين باريس وميناء الهافر.
15. على ان من مظاهر التناقضات العجيبة التي يشاهدها الانسان في سياسة النفط هو ان هناك روابط ايضا تربط شركة البترول الفرنسية بشركة شل في مناطق الصحراء المغربية والاكويثين،وروابط اخرى تربط الشركة الفرنسية بشركة السويس،بطريق عضوية(ارنست مرسييه) في الشركتين،وقد كتب هذا مؤخرا:"يجب اعادة وتقوية العلاقات بين باريس ولندن".
16. هناك دلائل قاطعة على أن ما يسمى(بمبدأ الرئيس آيزنهاور) قد املته مباشرة سياسة التروستات النفطية الامريكية.فقد نشرت الصحيفة الالمانية الكبرى (نويس دويتش لاند) الصادرة في الجمهورية الديمقراطية الالمانية صورة فوتوغرافية لرسالة سرية كتبها المستر (نلسون روكلفر) مدير اكبر ترست نفطي امريكي (ستاندارد اويل كوربريشن) بتاريخ 1956،للرئيس آيزنهاور بالذات،وضع فيها الخطوط العامة لحلول النفوذ الامريكي محل النفوذ البريطاني والفرنسي في جميع البلدان الشرقية التي كسبت حديثا استقلالها الوطني،وفي المستعمرات واشباه المستعمرات،وذلك بطريق المساعدات الاقتصادية والمواثيق والمعاهدات العسكرية.وقد جاء مشروع الرئيس آيزنهاور لمساعدة دول الشرق الاوسط،على اثر فشل العدوان الثلاثي على مصر الشقيقة،تطبيقا حرفيا لتوجيهات نلسن روكفلر- راجع تعليق الكاتب الفرنسي شارل آروش على هذه الوثيقة الخطيرة في مجلة "نوفيل كريتيك"،باريس،مارت 1957 (المعرب).
17. سبق ان تشكلت في امريكا لحل الازمة البترولية الخطيرة في اوربا الغربية ما سمي بلجنة الطوارئ للشرق الاوسط (ام.اي.اي.سي)،وهي كارتل امريكي هائل يضم جميع الشركات الكبرى الخمس عشرة هناك.وسوف يتعاون معه كارتل آخر هو الكارتل الاوربي الذي يضم تروستات شل والبترول البريطانية والبترول الفرنسية،تحت اسم (جماعة الطوارئ النفطية).
18. قدرت المجلة الامريكية المعروفة (نيوز ويك) خسائر بريطانيا وفرنسا المباشرة فقط من جراء ازمة السويس ب 2.4 مليار دولار،بالاضافة الى مئات الملايين الاخرى من الدولارات التي تكبدتها الامم الاخرى،بما في ذلك خسارة 500 مليون دولار من ايرادات وعوائد الزيت.هذا وان عملية تطهير القناة وحدها تكلف 40 مليون دولار.ومضت المجلة قائلة ان خسارة بريطانيا وحدها بلغت مليار دولار،وهذه تشمل 125 مليون دولار كتكاليف عسكرية مباشرة.وبلغت كلفة المنشآت المدنية والعسكرية البريطانية التي تم الاستيلاء عليها نحو 180 مليون دولار.وبلغت قيمة الاسهم في شركة قنال السويس المؤممة 80 مليون دولار،وبلغت خسارة الارباح من اسهم القنال والاموال المستثمرة الاخرى 20 مليون باون سنويا.وقدرت المجلة قيمة النفط المستورد من القارة الامريكية ب 230 مليون دولار.ويضاف الى ذلك كلفة اضافية لشحن النفط حول افريقيا تتراوح بين 80 و 100 مليون دولار.اما عن خسارة فرنسا فقد قدرتها المجلة ب 1.4 مليار دولار.فقد بلغت النفقات العسكرية المباشرة 57 مليون دولار،والخسائر الناجمة عن غلق القنال بلغت 250 مليون دولار وهي 80% قيمة مشتري النفط الغربي و10% فحما اضافيا و10% خسارة ارباح اصحاب السفن الفرنسيين – وبلغت خسارة فرنسا التجارية مليار دولار.ويضاف الى كل ذلك بطبيعة الحال الخسائر التي لا تحصى للتدهور التجاري العام ونقصان الوقود والبطالة(تلخيصات البرقيات بتاريخ 16/3/1957)- المعرب.
19. نشرت المجلة الاخبارية الالمانية الواسعة الانتشار (ديرشبيغل)،وهي تصدر في المانيا الغربية،مقالا طويلا بعنوان: (ارباح عن ازمة السويس) ذكرت فيه تفاصيل فظيعة عن مؤامرات شركات النفط الامريكية لاستغلال نكبة شعوب اوربا الغربية بالعدوان الثلاثي الاستعماري على مصر، لرفع اسعار النفط بصورة مصطنعة في الاسواق العالمية، بل حتى في السوق الامريكية نفسه.وقد اثارت هذه المناورات الاحتكارية التي تحظرها القوانين الامريكية نفسها ضجة كبرى في اوساط الرأي العام العالمي،انعكست في مجلس الشيوخ الامريكي نفسه،حتى ادى الامر الى استدعاء مدراء الاحتكارات المذكورة وخاصة المستر (مونرو جاكسون رابتون) مدير (الستاندرد اويل اوف نيوجرسي) الى التحقيق امام اللجنة المناهضة للاحتكارات في مجلس الشيوخ.وقد ادى التحقيق المذكور برئيس اللجنة المذكورة المستر (اوماهوني) الى التصريح على رؤوس الاشهاد (بأن شركات النفط تنسف السياسة الخارجية الامريكية بسبب مصالحها الانانية وارباحها النفطية المفرطة). وقد ادت مناورات الاحتكارات المذكورة الى رفع اسعار البنزين الامريكي 20% واسعار الديزل 10% عن سعريهما قبل ازمة السويس. وتقدر الارباح الاضافية التي استطاعت التروستات المذكورة ابتزازها من المستهلك الامريكي بهذه الصورة غير المشروعة بمليارات الدولارات- راجع المقال المذكور في المجلة الالمانية المذكورة،عدد 27 شباط 1957- (المعرب).
20. جاء في مقال (بيير فرانسيت) المشار اليه في التعليق رقم (8) من هذا الكراس،حول هذه النقطة،المعلومات المهمة التالي:"ان تعطيل سير القنال،وتوقف انابيب الضخ التابعة لشركة النفط العراقية،اديا الى نقص خطير في تجهيز البترول لجميع اقطار اوربا الغربية.ان هذه البلدان التي تكون المنتجات النفطية 18% من مجموع مواردها الطاقية كانت تتلقى في الواقع 80% من بترولها من الشرق الاوسط،اما الآن فلا يمكن لهذه الكميات الهائلة ان تسير بالطرق العادية التي كانت تصل بها البلدان المذكورة.ان 16 مليون طن من النفط ما زالت تجري من المملكة العربية السعودية الى ميناء صيدا،الا انه لا يمكن توسيع هذا المجرى الا بعد اشغال طويلة.اما الخط الذي ينقل 24 مليون طن من النفط العراقي عبر سوريا الى البحر المتوسط فقد قطع الآن قطعا تاما ومعنى ذلك ان آبار شمال العراق – كركوك والموصل- التي تنتج 24.5 مليون طن سوف توقف انتاجها بالمرة تقريبا.والقسم الباقي من تجهيزات اوربا الغربية كان يمر عبر قناة السويس التي استطاعت في العام الماضي مثلا ان تمرر 67 مليون طن.ان مائة مليون طن من مجموع الـ 107 مليون طن المذكورة كانت تبقى في اوربا الغربية التي تجد نفسها اذن الآن امام هذه الحقيقة المرة وهي ان الطريقين المهمين من الطرق الثلاثة الناقلة لنفطها غير قابلة للاستعمال الآن."(المعرب).
21. صرح وزير الاقتصاد العراقي،في معرض تبريره للائحة اقتراض الحكومة من شركات النفط، في مجلس الاعيان، بتاريخ 13/3/1957، في هذا الموضوع ما يلي:"ان مجموع ما فات العراق من واردات بسبب توقف الضخ من الحقول الشمالية حتى نهاية آذار الحالي من هذه السنة بلغ 28400000 دينارا،منها 8.5 مليون دينارا تعود الى الخزينة ..وان واردات الدولة من عوائد النفط قد تقلصت كثيرا بنسبة 70% عما كانت عليه سابقا،منذ ان نسفت الانابيب والمضخات في سوريا في تشرين الثاني المنصرم،وتوقف الضخ والانتاج من الحقول الشمالية"- (المعرب).
22. تحققت هذه النبوءة الآن فعلا باعادة ضخ النفط من شمال العراق على اثر قرار الحكومة السورية السماح بذلك،بعد انسحاب المعتدين الاسرائيلين من قطاع غزة.وقد اصدرت شركة النفط العراقية في بغداد بتاريخ 11/3/1957 البيان التالي:"اعلن ناطق باسم شركة نفط العراق في بغداد ان ضخ النفط عبر شبكة انابيب الشركة من كركوك الى مينائي الشحن في بانياس في سوريا وطرابلس في لبنان،قد اسؤنف اليوم –الحادي عشر من آذار 1957- بمعدل للضخ منخفض.وكانت عمليات الضخ قد توقفت منذ تدمير محطات الضخ الثلاث العائدة للشركة في سوريا في الثاني من تشرين الثاني الماضي.هذا وسنحتاج الى بعض الوقت لاعادة ملء قسم الانابيب الواقع في سوريا وكذلك ملء الخزانات في مينائي الشحن.ولم يتضح حتى الآن فيما اذا كان استئناف الضخ هذا يعني استئناف عمليات تصدير النفط حالا ام لا.وكان مجموع الضخ السنوي قبل تدمير المحطات يبلغ 25 مليونا من الاطنان في العام.وينتظر ان تتوصل الشركة الى ضخ كميات النفط بمعدل 11 مليون طن سنويا وذلك عن طريق مجانية محطات الضخ الثلاث المخربة في سوريا...الخ."-(المعرب).


 

free web counter