| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلام إبراهيم كبة

 

 

 

السبت 22/11/ 2008



انصاف مناطق جنوب العراق..لماذا،كيف ومتى؟!

المهندس الاستشاري/ سلام ابراهيم عطوف كبة

نقصد بمناطق جنوب العراق الاراضي التي تضمها محافظات البصرة والناصرية والعمارة تحديدا لما لها من خصوصية بالغة:المنفذ البحري الوحيد للعراق وثغر العراق الباسم،شط العرب،الاهوار وقرى الأهوار التي دمرت نتيجة سياسة التجفيف المعروفة...الى جانب القرى الحدودية مع ايران والكويت التي لحق بها الخراب بسبب الحروب الكارثية.

• الخليج العربي وشط العرب والتلوث
تبلغ المياه الاقليمية العراقية في الخليح العربي 900 كيلومتر مربع،وتتصف المياه الساحلية بالخصوبة العالية وتجذب اليها اسماك الخليج البحرية اثناء فترة التكاثر،كما تمر بها الاسماك المهاجرة من الخليج الى المياه العراقية الداخلة الى شط العرب وخور الزبير والاهوار حيث يتوفر الغذاء الطبيعي لها.ويتشكل شط العرب من التقاء نهري دجلة والفرات في مدينة القرنة على مسافة 375 كيلومترا جنوب بغداد،ومن هناك يتعرج النهر جنوبا بين العراق وايران على طول 190 كيلومترا قبل ان يصب في الخليج العربي عند طرف مدينة الفاو التي تعتبر النقطة الابعد في جنوب العراق.ويعتبر شط العرب الرئة الاقتصادية للعراق ومنفذه البحري الوحيد مع مرفأ ام قصر،وتقع على ضفافه اهم المدن الساحلية في البلدين،البصرة في العراق،وخرمشهر وعبادان في ايران.
ان موضوعة شط العرب وحقوق العراق يقتضيان اعادة النظر باتفاقية الجزائر التي ابرمها صدام حسين مع ايران في 6 آذار 1975 وتنازل العراق فيها عن جزء من المياه الوطنية العراقية وعن الضفة اليسرى لشط العرب وقبل السيادة الايرانية عليها بموجب ما سمي بخط الثالويك Thalweg ،باعتبارها اتفاقية جائرة ومجحفة ومذلة وغير متكافئة،وابرمت في ظرف استثنائي وتحت ضغوط واملاءات دولية.
الموانئ العراقية كميناء ام قصر وميناء ابو فلوس وغيرهما من الموانيء الأخرى الممتدة في الفاو وابو الخصيب وام قصر كانت نهبا للميليشيات والأحزاب التي تدعي التدين والتي اساءت كثيرا بسلوكها وتصرفات افرادها واستهتارهم حتى اوائل عام 2008.وتتعدد المظاهر الطفيلية من صعود الحمالين باعداد غير قليلة الى داخل السفن والتزاحم غير المبرر على شبابيك الجوازات واجراء الفحص الطبي وسحب الدم بشكل غير متحضر ومطالبة بعض الموظفين ورجال الشرطة في الميناء ب(الأكراميات!!) بالحاح ليصل الأمر حد الابتزاز احيانا،الى الاوساخ والفوضى العامة وعدم توفر الاضاءة او التبريد او اماكن لراحة المسافرين،وكل هذه الامور تجري في ظل وجود وجود مدير للميناء ومدير عام للموانيء ومحافظ وآخرين يتلقون رواتب ضخمة عدا من يحلل المال الحكومي وفق أهواءه!!.
استغلال شط العرب في تهريب الوقود ادى فيما ادى الى تلوثه،بينما تسببت القادسيات الكارثية في غرق ملايين الاطنان من الحديد فيه والقنوات الملاحية لجميع الموانئ العراقية ويتجاوز العدد 100 غارق،وتلوث شط العرب وتآكل بتآكل الحديد بسبب التوقف لأكثر من 15 سنة اثر العقوبات الاقتصادية وتراكم كميات هائلة من الطمى بسبب توقف عمليات الحفر والتطهير وتجفيف الاهوار.محنة شط العرب هي بين الغوارق والطمى وتهريب الوقود.ان مياه شط العرب لا تصلح حاليا للاستهلاك البشري وتحولت الى(مثانة)في جسد دجلة والفرات،وقد بلغت نسبة الملوحة فيها 3000 جزء من المليون،أي اكثر من المقرر ب(15) مرة.اما قضية تلوث هذه المياه فهي كارثية،اذ تعتبر المياه غير صالحة للتناول اذا كانت نسبة التلوث فيها من 1- 3 جزء في المليون،اما مياه الشط فقد وصلت نسبة التلوث فيها الى 50 جزءا في المليون.
على العموم يمر العراق بمرحلة انحدار وتردي متعلق بنوعية المياه في العراق،ووصلت نسبة ارتفاع الملوحة في مياه الانهار عام 2006 الى 1.5 بمقدار ما كانت عليه عام 2002 بموجب المواصفات العراقية،وبلغت نسبة التلوث بالكبريت لنفس الفترة 20% وهو ما ينذر بالخطر المتفاقم.ويفتقر العراق حتى يومنا هذا الى سياسة عامة واستراتيجية لتطوير وتعزيز الاسس لتوفير مياه نظيفة بالاستعانة مع منظمة الصحة الدولية والدول الراعية والمانحة في مجال تطوير المياه للاستهلاك البشري.وتكشف وحدات البحوث البيولوجية الوطنية والدولية عن حدوث تلوث في المياه بسبب رمي فضلات المستشفيات والمعامل الصناعية واختلاط مياه الشرب بمياه المجاري.

• تهريب النفط
ما تخطأه نيران الحرائق تصيبه مخالب اللصوص والمخربين!!.وتقدم الحكومة العراقية بين الحين والاخرى على زيادة اسعار البنزين ليرتفع الى اضعاف سعره على خلفية ازمة التجهيز الحادة للوقود والمشتقات النفطية.كانت وزارة النفط العراقية تدفع اكثر من 200 مليون دولار شهريا لاستيراد المنتجات النفطية التي سرعان ما يتم تهريبها الى خارج البلاد.وبالرغم من ملاحقة السلطات لقوارب الصيد والصهاريج النفطية وتقليل المعونات التي تدفع لها،الا انها ابدت ترددا في معالجة موضوع دعم المنتجات النفطية التي تباع بأسعار زهيدة للغاية.اصبح تهريب النفط من الاعمال الكبيرة في العراق والذي يتسبب بالشحة التي تجبر الحكومة على استيراد النفط والبنزين من الدول المجاورة مثل ايران وتركيا.ان تهريب النفط هو استنزاف للثروة ووأد لحق الاجيال القادمة من ابناء الشعب العراقي!ان عمليات تهريب النفط تقدر بحوالي 700 مليون دولار شهريا كان يجب ان تدخل الى خزائن الحكومة،وتقدر المؤسسات الدولية ان العراق يخسر ما بين 150 الفا الى مائتي الف مما مجموعه 2.3 مليون برميل ينتجها يوميا بسبب التهريب.الانفـراجات المؤقتة لازمـة الوقود لا تعني حل المشكلة بل تجميدها فالاقتصاد العراقي بشكل عام يغرق في ما يطلق عليه الركود التضخمي وعند مستويات تثير القلق في وقت ما زال قطاع النفط يعاني تدهورا في مستويات الإنتاج.بات المواطن العراقي اليوم يضحك من مقولة ان بلده يعد ثاني بلد في العالم من حيث الخزين الاستراتيجي النفطي وهو يعيش ازمة محروقات قاسية!.

• الاهوار وتربية الجاموس
اهوار العراق منخفضات تمثل بقايا تراجع مياه الخليج العربي قبل ملايين السنين،واصبحت مجتمعات متخصصات .. واهمها:هور السعدية – في محافظة العمارة،هور الحويزة في محافظة العمارة – والقسم الاكبر منه في ايران،هور العوده – في محافظة ذي قار،هور الحمّار – في محافظة البصره وذي قار،الا ان البيئة الايكولوجية لهذه الاهوار قد تأثرت بالحرب الايرانية العراقية وقيام صدام حسين بتصريف مياهها وتنشيفها مما قضى على بيئة القاع والتنوع الاحيائي،حتى وان عادت المياه اليها. تبلغ طاقة خزن الاهوار العراقية،وهي اكبر نظام ايكولوجي شبه رطب في غرب اسيا والشرق الاوسط 20 مليار متر مكعب،تعرضت لعمليات تعرية وتدهور خلال العقدين الاخيرين من القرن العشرين،وتراجعت الى(7%)من مساحتها الاصلية عام 2002،وتأثرت كثيرا خلال السنوات الاربع الماضية بسبب حالة الجفاف التي يشهدها العراق رغم اعادة غمر 40%من الاهوار بالمياه منذ عام 2003 حتى اليوم واعادة الحياة الى حوالي 35% من مجمل مساحة الاهوار.
الاهوار موطن المجتمعات القديمة المتجذرة منذ فجر التاريخ البشري،المكان الذي بدأت فيه الحضارة الانسانية ومن العهد السومري قبل اكثر من 5 آلاف سنة،المواقع الاثرية المشهورة عالميا على حواف الاهوار من قبيل اور واوروك واريدو ولارسا ولكش ونينا،ويعد سكان الاهوار رابطنا الوحيد بهذا التراث الثقافي الغني.يحد الاهوار المركزية نهر دجلة من الشرق ونهر الفرات من الجنوب.وتحدد المنطقة بمثلث بين الناصرية وقلعة صالح والقرنة،وتغطي مساحة تصل الى 3 آلاف كم مربع.
كانت الاهوار المركزية تاريخيا تستلم المياه بشكل رئيسي من فروع نهر دجلة المتفرعة باتجاه الجنوب من العمارة وبضمنها شط الميمونة.وتعد بحيرتا الزكري وبغداد من البحيرات البارزة الدائمة الواقعة حول مركز الهور،وكانتا ذات عمق يصل الى 3 امتار تقريبا،وكان الهور مغطى بكثافة تاريخيا بكل طبقات القصب الممتزج بعدد كبير من جذوع المياه المفتوحة.بموازاة الحافة الشمالية للهور،هناك شبكات كثيفة من المصاب الفرعية والتي كانت مواقع حراثة الرز بكثافة.وعند صيف 2004،بقي الجزء المركزي الاوسط من الاهوار المركزية جافا.
قامت الدكتاتورية البائدة بتنفيذ منظومة محكمة للتجفيف واقامة هياكل لتحويل مجرى المياه،وجففت اكثر من 90%من الاهوار،وتعرض القصب للاحراق وجرى تسميم المياه،وتعرض اكثر من 500 الف شخص للتهجير.شكلت الاهوار قبل التجفيف اكبر نظام بيئي ذي ارض رطبة في غربي اوراسيا ومنظر مائي فريد في الصحراء،وفرت موطنا لسكان الريف،ولعبت الاهوار دورا رئيسيا في الطيران العابر للقارات للطيور المهاجرة.نبهت اليونيب UNEP عام 2001 المجتمع الدولي الى دمار الاهوار عندما نشرت صورا فضائية تظهر زوال 90% منها.ادت عمليات تجفيف الاهوار وحروب الخليج التي قام بها نظام صدام عبر ثلاث عقود الى تغيرات كبيرة في البيئة الجغرافية نتيجة حرق وتجفيف الاف الهكتارات من مستنقعات القصب والبردي والنزوح الجماعي لساكني الاهوار وجواميسهم الى المناطق المجاورة،ادت هذه العمليات الى احداث تغيرات كبيرة في جغرافية الثروة السمكية وجغرافية الجاموس في العراق.لقد تحول مربو الجاموس الى مربي اغنام واجبروا على الزراعة في الاراضي المجففة،وتحول البقية الى مهربي مواد ممنوعة وتجار اسلحة بعد ان وجدوها تجارة رائجة،فقاموا ببيع جواميسهم بمبالغ كبيرة والتحول كليا الى الحياة المدنية بعد شراء العقارات في الاماكن الراقية.ولم تتمكن الهجرة المعاكسة اثر الاحتلال الاميركي واعمال العنف الطائفية من استعادة جغرافية الجاموس وضعها الطبيعي في فترة ما قبل التجفيف.
مازال سكان الأهوار في جنوب العراق يعيشون حياة شاقة بسبب الترحال وقلة الدخل،حيث ان مصدر رزقهم الوحيد هو تربية الجاموس والقليل من الابقار والطيور والأسماك. وساهم تطور معامل الألبان بالتقليل من اقبال الناس على منتجاتهم من الحليب ومشتقاته.وتتطلب تربية الجاموس العيش قرب الأنهار والمستنقعات المائية الأمر الذي يجبرهم دائماً على التنقل من اجل الماء والغذاء.ولان سكان الأهوار في حالة تنقل دائم فان مساكنهم بسيطة وسهلة النقل وتبنى، في الغالب، من القصب الذي يمكن الحصول عليه بسهولة و بلا ثمن.كما ان منازلهم شبه خالية من الأثاث باستثناء بعض الملابس البسيطة والافرشة سهلة الحمل والاواني اللازمة لطهي الطعام،واغلب وجباتهم الغذائية تتكون من الخبز والرز ومشتقات الحليب والالبان. وقد نشأت رابطة حب مميزة بين السكان وجواميسهم لدرجة انهم يحزنون كثيراً لهلاكها،والبعض قد يلبس السواد لعدة ايام حداداً على جاموسة او بقرة نافقة.اما دخول الجاموسة الى البيت فهو امر هين حتى لو كان في البيت اطفال صغار.
استوطن الجاموس في بلاد مابين النهرين منذ عصور ماقبل التاريخ وعلى الاغلب في الالفية الثالثة ق.م. وظل الجاموس سائدا لزمن طويل في مستنقعات جنوب العراق لانه الحيوان الوحيد القادر على الاعتياش على النباتات المائية في الاهوار كالقصب و البردي الذي لا تستطيع المجترات الاخرى من اكلها مطلقا اضافة الى المرونة العالية الموجودة في اقدام الجاموس مما يجعلها تصلح للمشي في المستنقعات الطينية الموحلة والسباحة والغطس بحرية في المياه التي يعشقها الجاموس كثيرا فهو حيوان شبه مائي بطبيعته(Semi Equatic).وكانت الجاموسة هي العنصر الاساس في الحياة البدائية في اهوار جنوب العراق،اذ يستيقظ القرويون على صوت الديك وصوت انزياح الماء من على الجاموسة التي تقفز في النهر ذاهبة في رحلة يومية الى اعماق الاهوار للبحث عن غذائها الازلي من القصب الذي تعطيه عند المساء حليبا تصل نسبة الدسم فيه الى 8%.ويذهب القرويون بعد فطور سريع خلف جواميسهم لقص القصب والبردي ليعطوه في وجبة المساء عندما يقومون بحلبها.هكذا يدور يوم القرية السومرية في عصور ماقبل التاريخ سابقا حول الجاموسة من الصباح حتى المساء والى الان.تراجعت اعداد الجاموس في بلادنا والتي قدرت ب(65 الف راس عام 1998) بعد ان كانت(141 الف راس عام 1988).
ادى تجفيف الاهوار الى ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسبة الرطوبة وتدني نوعية التمور،زيادة الاحتياجات المائية للمحاصيل الزراعية نتيجة لما يفقده النبات من خلال التبخر،احتياجات الثروة الحيوانية للماء بكمية اكبر وتعرضها الى خطر الجفاف،رحيل الطيور النادرة عن المنطقة،انتشار الاملاح في التربة وخراب مواصفاتها،تفكك جزيئات التربة ما سهل على الريح رفع الذرات المهمة للانتاج الزراعي،انقراض انواع لاحصر لها من الطيور والنباتات والحيوانات.
تقع اهوار الجبايش شمال نهر الفرات بين القرنة والناصرية،وكانت مدينة الجبايش مركزا سكانيا كبيرا لسكان الاهوار،واعيد غمرها في 2003 بالمياه من نهر الفرات وتم استثناء الجبايش من الهدم في التسعينيات.يقع هور الحويزة شرقي نهر دجلة،ويتوزع على الحدود العراقية الايرانية وتجري تغذية الهور في الجانب العراقي من خلال فرعين رئيسيين يأتيان من نهر دجلة قرب العمارة،يعرفان باسم المشرح والكحلاء.يقع هور السناف شمال غرب هور الحويزة وتضمن تاريخيا مستنقعات موسمية او مؤقتة تغمر بالمياه في الربيع وتجف في الصيف.في بداية 2003 حولت المياه الى هذه المنطقة لتجنب مياه الفيضان من مدينة العمارة،وادت اعادة الغمر الى اعادة نمو الحياة النباتية القادرة على تحمل الملح،بينما بقيت نسب الملوحة عالية نسبيا.وجرى تطوير المنخفضات الملحية محليا بينما جففت المياه في المناطق الضحلة،مع ذلك بقيت بحيرة كبيرة.صيف 2004 بقي الجزء المركزي الاوسط من الاهوار المركزية جافا،واعيد غمر السطح الخارجي للاهوار المركزية بالمياه،الجزء الشمالي الغربي او هور العودة والجزء الجنوبي الغربي او هور ابو زرك والجزء الجنوبي او هور الجبايش،وحولت الحواف الشمالية الشرقية والشرقية من الاهوار المركزية الى محاصيل زراعية خصوصا القمح.
منذ عام 2003 تم اعادة الحياة الى حوالي 35% من مجمل مساحة الاهوار،وغمرت المياه مناطق الكرماشية وام نخلة والعد والمسحب والصلال في هور الحمار والجبايش وابو زرك وعوينة في الاهوار الوسطى.على نحو عاجل عادت الحياة من جديد للاهوار بعد اكثر من عقدين من الزمن وغمرت المياه نحو 50% من مجمل مساحة الاهوار،وبات نحو 25000 نسمة من سكان المنطقة يحصلون على مياه شبه مأمونة،وجرى تدريب نحو 350 عراقي على تقنيات وخطط لادارة الاهوار،ويمول الغرب مشروع دعم الادارة البيئية لاهوار العراق.ولازال العديد من ابناء الاهوار يشكون من حرمانهم من الماء الصالح للشرب واضطرارهم لشراءه من خلال السيارات الحوضية للشرب،وباتت المياه الضحلة في المشاريع الاروائية المنسية الملاذ الآمن لاستخدام اهالي الاهوار رغم انتشار الحشرات والامراض فيها.
ظلت الاهوار طول الفترات والعقود التاريخية حتى تسعينيات القرن الماضي تعيش على اقتصاديات الكفاف كالقصب والبردي والكولان(نبات تشبه اغصانه سعف النخيل)والنباتات المائية كالكعيبة والشمبلان والكاط والريحان وصناعة الزوارق والطيور والأسماك وتربية الجاموس والزراعة والنفط والسياحة.ومنذ عام 2003 تحققت كل عمليات اعادة الغمر كنتيجة لتحركات مباشرة من سكان الاهوار ووزارة الموارد المائية بناء على طلب السكان المحليين.وساهمت العشائر بمواردها لاستخدام الجرافات لهدم السدود الترابية من اجل عودة تدفق المياه،وفتحوا بوابات السدود واوقفوا عمليات الضخ واعادوا توجيه تدفق المياه الى حيث ارادوا في الاهوار.
ان انعاش الاهوار عن طريق الغمر بالمياه يتطلب وسائل وطرقا علمية وفنية وبايلوجية حديـثة ووفقا للاتجاهات التالية:عملية غمر الاهوار بالمياه هي من مشاريع(التنمية المستدامة)وليس من المتوقع ان تتحقق نتائجها الايجابية بشكل سريع،تحديد المناطق المراد غمرها وسعة المساحات المحددة في كل محافظة حيث لايمكن تأمين كميات كافية من المياه لجميع مناطق الاهوار القديمة،تحديد الاولويات والاسبقيات،تحديد اهداف جزئية مثل تعيين مواقع لمحميات طبيعية يمكن السيطرة عليها وتوفير شروط نجاحها مثل محمية(هور الصافية) وهي جزء من هور السويب التابع لقضاء القرنة وبمساحة 44 كم وبأبعاد (11×4)كم مربع ثم التوسع بالغمر في مناطق اخرى،ايجاد موازنة دقيقة بين الحفاظ على البيئة الطبيعية للاهوار وبين البيئة الاجتماعية للسكان ومتطلباتهم ضمن نظام بيئي متكامل،الموازنة بين الطبيعة المائية للهور والطبيعة الزراعية لليابسة وذلك من خلال اعادة النظر في توزيع القرى القائمة وتأهيلها مع تحديد القرى المتوقع انغمارها.
لازال العديد من ابناء الاهوار يشكون من حرمانهم من الماء الصالح للشرب واضطرارهم لشراءه من خلال السيارات الحوضية للشرب،وباتت المياه الضحلة في المشاريع الاروائية المنسية الملاذ الآمن لاستخدام اهالي الاهوار رغم انتشار الحشرات والامراض فيها.

• عشائر الاهوار
ينتسب سكان الاهوار،وبضمنهم مناطق(ال جويبر)في قضاء سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار،الى العشائر العراقية لكنهم لا يجيدون العيش على اليابسة كبقية ابناء العشيرة.سكان الأهوار مقاتلون اشداء يجيدون استخدام السلاح بمهارة خاصة في الخلافات العشائرية،وغالباً ما يكون السلاح هو الحكم بينهم.ابرز مميزات مجتمع الاهوار زواج كصة بكصة،اي يزوج احدهم اخته او ابنته للآخر مقابل الزواج من اخته او ابنته،ونادراً ما يتم الزواج لديهم بالمهر المتعارف عليه.اي مشكلة في احدى العائلتين تنعكس مباشرة على العائلة المقابلة،وطلاق احدى الزوجتين يعني طلاق الاخرى بالتأكيد.سكان الاهوار في الغالب بعيدون عن قوانين الدولة ولهم قوانينهم الخاصة وغالبا ماتكون علاقتهم مع الدولة وقوانينها كالخدمة الالزامية في الجيش غير ودية.
لطالما كانت الاهوار ملجأ للمعارضين والهاربين من الخدمة العسكرية او الاجهزة الامنية.وقد كلف ايواء المعارضين سكان الاهوار الكثير،اذ قام صدام حسين بتجفيف مياه الأهوار للقضاء على المقاومة المسلحة فيها والتي ازدادت اتساعا بعد الانتفاضة الشعبية في آذار عام 1991 عقب حرب تحرير الكويت ما تسبب في هجرة جماعية لهم داخل وخارج البلاد،وادى ذلك الى هلاك العدد الاكبر من حيواناتهم الى جانب الطيور والاسماك.

• امراض الجاموس
تسبب قلة مناسيب المياه وتلوث مياه الأهوار وقلة المواد العلفية التي يحصل عليها الحيوان نتيجة غلاء اثمان الأعلاف ضعف مقاومة الجاموس للأمراض،اضافة الى عدم حصول الجواميس على اللقاحات اللازمة وقلة وعي مربي الجاموس بأهمية تلك اللقاحات.ويسبب تفشي الأمراض بين قطعان الجاموس في الجنوب،خاصة المناطق المطلة على هور الحمّار ومنها قضاء الجبايش والطار والمديّنة الخسائر الكبيرة لسكان تلك المناطق الذين يعتمدون في معيشتهم بدرجة اساسية على تربية هذا الحيوان.ومن هذه الامراض وباء عفونة الدم النزفية،ابو حنيجير او الطاعون البقري،ويعتبر من الأمراض الوبائية البكتيرية المعروفة منذ زمن بعيد في العراق.ان خطورة المرض تكمن في سرعة انتقاله بين الحيوانات وهو لا يعد من الامراض المشتركة بين الانسان والحيوان لكنة مرض قاتل للحيوانات رغم ان علاجه متوفر.ويعزى انتشار الامراض الى قلة الكوادر البيطرية وعدم الاهتمام بالمستوصفات الحكومية،وعدم تمكن البعض من دفع ثمن اللقاح الذي يباع في عيادات الطب البيطري الخاصة باسعار باهظة.يذكر ان هناك عددا من الأمراض مستوطنة في الأهوار،منها ابو حنيجير،الحمى القلاعية والحمى السوداء،ويعيش اغلب مربي الجاموس في مناطق متباعدة مغمورة بالمياه لحاجة حيوان الجاموس الى المياه التي يغطس فيها طوال الوقت لتبريد جسمه الضخم ما يتسبب في صعوبة وصول الكوادر الطبية اليهم.
ان الجاموس حيوان مستوطن في مناطق اهوار الجنوب منذ آلاف السنين،وقد وجدت الكثير من القطع الأثرية التي تعود الى اكثر من خمسة آلاف سنة وهي تصور الجواميس والأبقار،وتصور اعتماد السكان المحليين على هذه الحيوانات الضخمة والقوية في معيشتهم،وهم يبيعون البانها التي تحوي نسبة عالية من الدسم،اضافة الى المواد المشتقة من تلك الألبان واشهرها القشطة المعروفة في المنطقة العربية المحيطة بالعراق باسم القيمر العراقي.

• الصيد والثروة السمكية
بلغ انتاج العراق من الثروة السمكية(المزارع السمكية ومن الانهار والصيد البحري)عام 2005 (25.6)الف طن فقط اي بقدر ماتنتجه الصومال واقل 40 مرة مما تنتجه مصر،وقد اختفت من الاسواق انواع رئيسية من الاسماك العراقية منذ قرابة العقد.انخفض انتاج الثروة السمكية من 36935 طن عام 1997 الى 25998 طن عام 2001 بسبب تجفيف الأهوار وانخفاض مناسيب المياه اضافة الى تلوث المياه والممارسات الخاطئة التي يستخدمها بعض الصيادين كالسموم والمتفجرات والتي تقتل اعداد كبيرة من الاسماك،وايضا عدم التزام الصيادين بمنع الصيد خلال مواسم التكاثر، وهناك عوامل اخرى مثل عدم توفر الاعلاف والادوية وضعف المتابعة وعدم كفاءة الادارة بالنسبة لمشاريع الدولة..تشير تقارير منظمة الزراعة والاغذية الى ان الطاقة الاجمالية لانتاج الاسماك في المياه العذبة تجاوزت ال(240)الف طن سنويا منذ سبعينيات القرن الماضي واستمر على هذا المعدل حتى التسعينيات،ومنذ ذلك الحين اخذت الانتاجية بالهبوط المستمر حيث تراوحت ما بين(13.6)و(12.3)الف طن بين عامي 2000و2004 وانحدر نصيب الفرد العراقي من السمك الى 1- 1.5 كغم سنويا مقابل النسبة العالمية المتفق عليها وهي 19 كغم سنويا.
يبلغ عدد الصيادين في العراق باستثناء محافظات اقليم كردستان (10629) صيادا موزعين على بقية محافظات العراق منهم(2461) صيادا يعملون في محافظة البصرة،ومعظم قوارب الصيد في المياه الداخلية خشبية باطوال تتراوح بين 7- 10 امتار غالبيتها تعمل بمحركات قوة 25- 50 حصانا،اما في مياه الخليج العربي فبلغ عدد سفن الصيد المجازة 542 لغاية آب 2005، وتتراوح اطوال مراكب الصيد المستعملة 25- 38 م وبقوة محركات تفوق 150 حصانا..اما معدات الصيد المستعملة فهي شباك الجر"الكرفة"بانواعها المختلفة "ذات الكيس الواحد ومتعددة الاكياس"وشباك "Gillnet"او الخيشومية والكراكير.وتشكل اسماك الكارب الاعتيادي الجزء الاكبر من المحتوى السمكي لمسطحات المياه الداخلية للعراق،يأتي بعدها الكطان،الشبوط،البني،الاحمر،الشلك،البز،والجري.وهناك اسماك اخرى غير اقتصادية كأسماك الخشني واللصاف،وتتوفر بكثرة في المسطحات وسواحل الانهار الداخلية.اما الانواع البحرية فهي:الهامور،الشانك،البياح،الزبيدي وبعض القشريات والروبيان.

• النخيل والتمور
كان العراق اواسط سبعينيات القرن العشرين يضم اكثر من 32 مليون نخلة تشكل 38% من مجموع النخيل في العالم وينتج سنويا اكثر من 440 الف طن من التمور يشكل 40% من اجمالي الانتاج العالمي للتمور و يصدر منها اكثر من 300 الف طن،ولم يبق الآن الا(9.5)مليون نخلة اغلبها انواع رديئة وكبيرة السن وضعيفة الانتاجية وتراجع انتاج التمور عام 2005 الى(400)الف طن اي 14% فقط من اجمالي الانتاج العالمي للتمور.تراجع العراق الى المرتبة الخامسة في تصدير التمور على مستوى العالم في السنوات الماضية،بعدما كان يحتل المرتبة الأولى في ثمانينات القرن الماضي.ان اسباب الانخفاض تعود الى الحروب والحصار وارتفاع تكاليف الانتاج وتدني نوعية التمور المستلمة والأمراض التي تصيب النخيل وسوء شبكة المواصلات،لاسيما الطرق الموصلة بين البساتين،مما ادى الى اهمال النخلة.ان نسبة صناعة التمور قد تراجعت 50% بسبب الاهمال وخاصة بعد الاحتلال.اما قرار منع تصدير فسائل النخيل بكل انواعها الصادر عام 2004 فلازال ساري المفعول حتى عام 2009 لأغراض حماية فسائل النخيل من عمليات التهريب،خصوصا ان القانون حدد تصدير انواع من الفسائل المتوافرة بكثرة في العراق مثل الزهدي او الاصناف القليلة الاهمية مثل الدكل!وتهدف بساتين امهات النخيل و مشاتل الفسائل حماية فصائل التمور النادرة من الانقراض ورفع الانتاجية وتقليل الهدر في الجهود والمستلزمات.
ما تبقى من نخيل البصرة مثلا لا يتجاوز الآن ثلاثة ملايين نخلة بعد ان كان اكثر من 14 مليون نخلة وهو في تناقص مستمر بسبب الحروب المتتالية وآثار استخدام الاسلحة والبارود والتي ادت الى جرف مئات الهكتارات المزروعة باجود انواع النخيل في الفاو والسيبة ومدينة شط العرب،اقامة السواتر اثناء الحرب العراقية – الإيرانية التي دمرت جميع الاراضي،ملوحة المياه التي حولت بساتين النخيل الى اراضي ملحية غير صالحة للزراعة وتلف العديد من البساتين خاصة تلك التي تقع في جنوب البصرة مثل السيبة والفاو وابي الخصيب وشط العرب،توقف اغلب الفلاحين عن زراعة الفسائل بسبب الاحباطات المتكررة من عدم نجاح زراعتهم،توجه اغلب الفلاحين الى اعمال اخرى غير الزراعة لتوفير مردود مادي سريع يتناسب مع التضخم الاقتصادي وزيادة الاسعار المستمرة،انتشار الامراض مثل الحميرة ودوباس النخيل وامراض كثيرة اخرى مصحوبة بارتفاع اسعار المبيدات الزراعية وشحتها وعدم قدرة المزارعين على توفيرها مما ادى الى تناقص خطير في اعداد النخيل،حيث تفاقمت هذه المشكلة في السنوات الأخيرة مع عدم وجود الطيران الزراعي ومحدوديته فضلا عن الاسعار المتدنية للتمور التي لم تعد مجدية بالنسبة للفلاح وعزوف العديد من الدول المستوردة للتمور العراقية وتوجهها الى دول اخرى مثل السعودية والامارات وبالتالي يكون العراق قد فقد اهم اسواقه.
كانت توجد في البصرة اكثر من 120 مكبسا تستخدم لتعليب التمور من اجل تصديرها،اما الان فيوجد ستة مكابس فقط،وهي قديمة جدا واساليبها متخلفة في عمليات التعليب والتغليف،مما قلل من امكانية منافساتها للتمور السعودية والاماراتية،بعد ان كانت تتفوق عليها وتحظى بشهرة عالمية. ان تصنيع وتسويق التمور العراقية يحتاج الى امكانيات فنية ومادية،خاصة في مجال نشر الزراعة الحديثة للنخيل التي تتولاها وزارة الزراعة،واستقطاب المصانع والشركات العالمية العاملة في المواد الغذائية للاستفادة من التقنيات الصناعية المتطورة التي تتولاها وزارة الصناعة.من الضروري بمكان ان تعمل هيئات البحث العلمي والتعليم العالي على انشاء مراكز بحوث غذائية للاستفادة من التمر غير القابل للتصدير في المجلات الغذائية والدوائية.
يرتبط تاريخ النخلة في العراق بتاريخ هذا الشعب العريق فقد ظهرت النخلة في التماثيل والرسوم الجدارية التي تعود لاكثر من خمسة الاف سنة وهذا يؤكد مدى اهتمام العراقيين بهذه الشجرة التي اصبحت رمزا من رموز العراق،واحتل المرتبة الاولى من حيث عدد اشجار النخيل وانتاجها لكن اعدادها تراجعت بشكل كبير وخطير.

• الانصاف اولا والانصاف اخيرا
لحق بجنوب العراق وقراه الخراب والدمار،قرى لا ذنب لأهلها سوى انهم رفضوا ان يكونوا حطبا لأتون الحروب العدوانية الخاسرة والسياسات العنصرية المدمرة فتعرضت للهدم والتجريف كمناطق(ال جويبر)في قضاء سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار،الظروف الذي تحيط بهم قاسية والصعوبات الحياتية كثيرة والخدمات سيئة والبطالة متفشية،واراضيهم تحتاج الى الاستصلاح والمياه والدعم الزراعي،ويتطلعون الى خطة اعمار حقيقية تنفذ بنزاهة ووجدان،وتنصف المتضررين من جور الدكتاتورية المقبورة.ان موقع جنوب العراق الاستراتيجي جعله منفذا للخير على العراق،وممرا للغزاة أيضا!


22/11/2008
 

 

free web counter