| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سلام إبراهيم كبة

 

 

 

الجمعة 3/9/ 2010

 

بارادوكس معادلات القضاء العراقي الديمقراطي الجديد
 

المهندس الاستشاري/ سلام ابراهيم عطوف كبة

الاستقلالية القضائية من المقومات الاساسية التي تساهم في تثبيت دعائم العدالة والقانون،وفي رفع مستوى الامن،ولا يمكن الاطمئنان الى قضية الحقوق الا بوجود قضاء مستقل.ان توكيد الاستقلالية القضائية وخضوعها لضمير القضاة وحدهم في مباشرة وظيفتهم دون ان يكون لغير القانون سلطان عليهم في فصل الدعاوى والحكم هو احد اهم معالم المجتمع المدني ومن اكثر المكونات الاساسية للديمقراطية السياسية حساسية.وشعبنا الابي يرى في القضاء دعامة المجتمع القانوني الذي يحقق الطمأنينة والاستقرار ويصون الحقوق وتحترم به حقوق الانسان،وليس القضاء الذي يصون عورات السياسيين والمتنفذين.ستبقى الفضائح التي تزكم الانوف جارية على قدم وساق الى ان تستقل السلطات عن بعضها البعض وفق الدستور،وخاصة السلطة القضائية التي يجب ان تتحرر من كل الضغوط ومنها الخوف،والى ان يجري احترام حقوق الآخرين والمحافظة على المال العام وتجنب الاخطاء ومعرفة ما لنا وما علينا في هذا الوطن،والمساهمة في بناء العراق الجديد،العراق الدستوري المؤسساتي.

اللجوء الى القضاء للبت في‮ ‬الخلافات ظاهرة حضارية،الا ان العراقيين ليسوا اغبياء ليستوعبوا معادلات القضاء العراقي الديمقراطي الجديد في ظل التعتيم الاعلامي والالاعيب والخطط الديماغوجية.والعراقيون لن يجدوا ابدا حلا لهذه المعادلات في محاولات تغييب الديمقراطية بأسم الديمقراطية،وفي محاولات التغييب الكامل والكلي لمؤسسات المجتمع المدني التي هي الشرط المهم والأساسي للحياة الديمقراطية!في اية خانة يمكن تصنيف المفارقات القضائية التالية؟:
1. في النصف الثاني من عام 2009 اصدر مجلس القضاء الاعلى احكام اعدام بحق اربعة من المتهمين في عملية سرقة فرع مصرف الرافدين في الزوية ببغداد،جريمة تورط عناصر من فوج الحماية الرئاسي الخاص بالسيد عادل عبد المهدي احد نواب رئيس الجمهورية بقتل 8 من حرس المصرف والسطو المسلح تنتهي بثلاث جلسات!لم تكشف المحكمة عن مصير المتهمين الفارين من وجه العدالة والمتعاونين مع المجرمين،ولا عن اماكن اجتماع المجرمين لتخطيط عملية السطو،ولا عن سبب استخدام دار الاستراحة العائدة لجريدة العدالة،ولا عن الكيفية التي فتحت بها ابواب المصرف،ولا عن وسائل النقل وعائديتها التي استخدمت في التخطيط والتنفيذ،ولا عن"الجهة المتنفذة"الداعمة للمجرمين!
2. اعلنت المحكمة الاتحادية العليا في حكم اصدرته 14 حزيران 2010 عدم دستورية النص القانوني بمنح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة في انتخابات مجلس النواب.وجاء الإعلان استجابة للدعوى المرفوعة الى المحكمة في 25 كانون الثاني من نفس العام،والمطالبة باعتبار النص المذكور،الوارد في الفقرة (رابعا) من المادة (3) من قانون تعديل قانون الانتخابات الرقم 26 لسنة 2009،نصا غير دستوري وبالتالي باطلا.وتشير المحكمة في حكمها الى عدم جواز سن قانون يتعارض مع الدستور،وعدم جواز حجب حرية التعبير.لذلك واستنادا الى احكام المادتين (20) و(38/اولا) من الدستور،قضت بعدم دستورية الفقرة آنفة الذكر.واكدت المحكمة الاتحادية العليا ان قرارها هذا لا ينطبق على انتخابات آذار 2010!بمعنى اخرى السكوت على الانتهاك الفاضح للدستور في قلب السلطة التشريعية - حامية حمى الدستور،والابقاء عليه اربع سنوات طويلة قادمة!!
3. اعلن مجلس القضاء الاعلى اواخر تموز 2010 ان الحكم الذي اصدرته محكمة الجنايات المركزية بالسجن المؤبد بحق امير ما يعرف بـ"جيش الراشدين" التابع لتنظيم القاعدة جاء بسب انتمائه لفكر تكفيري،وان الادلة المقدمة ضده بالتسبب بمقتل المئات من العراقيين لم تكن كافية!
4. في 2 ايلول 2010 صادقت محكمة التمييز الاتحادية على قرار محكمة استئناف الرصافة بتبرئة وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني من تهم الفساد المالي المنسوبة اليه لعدم كفاية الادلة.وكانت محكمة الجنايات العراقية قد افرجت عن وزير التجارة السابق بسبب عدم كفاية الادلة بشأن قضايا الفساد المالي المتعلقة بمناقصات توريد المواد الغذائية!

يزداد عدد الضحايا الأبرياء بسبب الارهاب الذي يرتكب الفظائع في المدن العراقية ومدفوع بآيديولوجية شريرة لا علاقة لها بالظلم او القضايا المسببة لسخط الناس،وابتداعه الأساليب الجديدة عبر تفخيخ السيارات والأحزمة الناسفة وزرع العبوات الناسفة واللاصقة على جوانب الطرق وفي الاسواق والتجمعات المكتظة بالناس،واستخدام كواتم الصوت في الاغتيالات الهمجية..الخ.فضائح السجون والمعتقلات تظهر الحال السئ الذي وصلت اليه حقوق الانسان في العراق والتي تنتج لنا كل يوم عشرات الجثث المعروفة والمجهولة؟!لم تتشكل لجان تحقيق وغابت وطمرت ذاكرة نصف عقد من الزمن،لان ثقافة شراء السكوت المتبادل بين الضمائر العفنة(اصحاب النفوذ)،وازدهار تجار السياسة والثقافة في كرنفالات الاستعراض والتهريج وشراء الذمم وولائم الصفقات والعمولات والتعهدات خلف الكواليس والمغانم،هي الثقافة السائدة،لينام اللصوص والحرامية والقراصنة رغدا في بلادنا..
تواجه القضاء العراقي اليوم مهمة:
1. التعجيل في احالة الذين يجري القاء القبض عليهم الى المحاكم ومحاكمتهم،وعدم التهاون في الاحكام التي لا تتناسب مع حجم او نوع ما جرى اقترافه من جرائم يندى لها الجبين!الامر الذي يشجع المجرمين على اقتراف المزيد من الجرائم ناهيك عن ان بقاء الموقوفين بالسجون دون محاكمة يعد انتهاكا لحقوق الانسان.
2. فرض سلطة القانون،لا سلطة الولاءات الضيقة.
3. ان لا تتحول السلطة القضائية الى بنت هوى لأية سلطة تنفيذية!
4. البحث والتحقق في ذمم رجال القضاء للمحافظة على القانون باعتباره الوسيلة الاهم للحفاظ على السلم الاجتماعي وتحديد الحقوق والواجبات للمواطنين تجاه الدولة والمجتمع.

ان شعور السلطة القضائية ورجالها بأنهم معفيون من المساءلة والحساب،يجعل البعض منهم ينتهك القانون ويتعاطى الرشاوى ويخل بشرف المهنة متسلحاً بقدرته على اخفاء معالم جريمة انتهاكه للقانون.والحديث عن حقوق الانسان والقضاء المستقل ليس مضيعة للوقت،والعبرة ليس فيما تطرحه الدساتير واللوائح والوثائق الحقوقية والسياسية بل في التطبيق وخلق الانسجام المتكامل بين الحرية الفردية والامن العام،فالامن لا يقف على مفترق طرق مع حقوق الانسان لانه بذاته حق انساني وحق في الحياة المعقولة،ويرتهن امن الفرد بامن الجماعة،ويعتمد التمتع الخاص بالحق على التمتع العام به.الحرية والامن ينتميان الى مصدر واحد،والبلاد الحرة اكثر امنا من البلاد غير الحرة!.بانتهاك حقوق الانسان تتجه البشرية الى الهمجية وتصبح الحضارة اداة لهمجية حديثة!
لا مفر من القدر والمواجهة مع امبراطورية الفساد ومنها الفساد القضائي والقانوني،ولا سبيل غير اجتثاث هذا المرض الذي استوطن فينا،ولا مهرب من استخدام الجراحة بهدف استئصالهم من الجذور مهما كانت منزلتهم..
سياسيين..وزراء..مستشارين..ضباط..
مدراء دوائر حكومية..قادة ميليشيات وعصابات ارهابية..مقاولين..رجالاعمال..اصحاب مؤسسات اهلية..اصحاب مهن حرة..مراجع ورجال دين..اطباء..صيادلة..تجار..محامين..هذا هو قدر القضاء العراقي الحر المستقل الوطني المتحيز لمصالح شعبه،القضاء الذي يفترض به الامساك بالحلقة المفقودة للوضع الداخلي،القضاء الذي يحمل تخليصنا من اعدائنا الجدد الذين يعيثون فسادا في العراق.

المطلوب هو تحطيم اغلال الخوف ليلتئم الجميع وتلتحم الهمم في خندق الوطن الواحد،لان حركة الطبيعة وقوانين التطور الاجتماعي لا ترحم المغفلين ولا تترك العابثين من دون جزاء وعقاب.وتتعزز مصداقية القضاء العراقي فقط بمواصلة محاكمة اعوان صدام حسين ومرتكبي الارهاب،مرورا باصدار قرارات القاء القبض على مرتكبي الفساد والجرائم والسرقات بما في ذلك كبار رموز الحكم وكبار رجال الدين والمرجعيات الدينية بمختلف درجاتها وبغض النظر عن مواقعها وغيرهم فيما لو تحقق انهم ارتكبوا فعل الفساد والجريمة والارهاب.وعلى وزارة الداخلية وقوات الامن تنفيذ ومساعدة القضاء فيما لو اصدر امرا بالقاء القبض على مرتكبي الفساد مهما كان اصحابها،بل وعرض قضايا الاجرام على القضاء ثم اعلام الشعب بذلك لكي يعرف الجميع بان القضاء عليه مسؤولية الاضطلاع بها وتنفيذها!

باتت المطالبة بعلنية جلسات محكمة الجنايات العليا في القضايا الخطيرة المرفوعة امامها مطلبا شعبيا،ونحتج بشدة ونعارض كل المحاولات الرامية الى تركيع القضاء المستقل!

 

 
بغداد
3/9/2010

 

 



 

 

free web counter