| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صباح كنجي

 

 

 

السبت 15/1/ 2010



الدليل الموعود  *

صباح كنجي

استدعينا من قبل قيادة المقر العام للأنصار في الحدود العراقية/التركية على عجل وكلفنا بالتحرك والانطلاق نحو أطراف دهوك للقاءِ بمجموعة أنصارية زرع في صفوفها جاسوس يعمل لصالح المخابرات العراقية..
كان الأمر في غاية الخطورة والمطلوب الوصول إليهم بأقصى ما يمكن من السرعة.. المشكلة ليست في الطريق البعيد الذي سيستغرق عدة أيام محفوفة بالمخاطر والصعوبات.. أو تحمل التعب والجوع.. لكن في طبيعة ما يواجهنا من ممرات غاية في التعقيد هي الحد الفاصل بين جبلين هما متين وكاره بين العمادية وسرسنك.. فالمنطقة المحصورة بين السلسلتين إضافة إلى خطورتها حيث ينتشر الجيش بشكل مكثف فيها، تتكون من هضبة متداخلة من التلال لا يدرك مسالكها إلا عدد قليل من المتمرسين من أبناء القرى المنتشرة فيها.. الصعوبة والخطر الجدي تبدأ من قرية بوتيا في مقدمة جبل متين المحاطة بثلاث ربايا للجيش والمرور الأجباري بالطريق العسكري لحين عبور الشارع العام.. كانت هذه المعضلة تواجهنا، حينما كلفتُ بقيادة مجموعة نشطة من الأنصار، ممن تعهدوا على تحمل مشاق الطريق، وإبداء الاستعداد العالي للانضباط والتعاون من اجل الوصول في أسرع وقت ممكن...
أجل كانت المعضلة في كيفية عبونا هذه المنطقة بالذات.. الذين معي لا يجيدون اللغة الكردية.. جميعهم من بغداد ومدن الجنوب..لكن أبو ماجد طمأنني بعد أن انفردَ بي قائلا ً..
ـ حينما تصل إلى قرية بوتيا.. أذهب وحدك إلى بيت خليل وهو ركيزتنا الحزبية وقل له أبو جوزيف يبلغك تحياته.. واطلب منه أن يساعدكم في عبور المنطقة الخطرة.. واحرس أن لا تكشفه لأحدٍ.. وأكد لي أن خليل يدرك طرق التسلل وهو شجاع وتستطيع الاعتماد عليه في تجاوز هذه المنطقة الخطرة..
كنا نواصل سيرنا بلا توقف إلا للضرورات في حالة تناولنا وجبة غذاء على عجل أو عند المرور في قرى لا يمكن التجوال فيها نهارا ً فنلجأ لمداخل الجبال نحتمي فيها لحين حلول المساء.. وصلنا قمة متين في حدود العاشرة ليلاً وبدأنا ننزلقُ بسبب وعورة المنحدر شيئا ً فشيئا ً نحو قرية بوتيا.. تحسبنا لإحتمال كشفنا من قبل الربايا المشرفة على القرية بسبب تواصل نباح الكلاب، قررنا البقاء لأقل من ساعة كي لا نتعرض إلى كمائن الجيش أثناء العبور.. بدأتُ بالتفكير في كيفية الاستدلال والوصول إلى دار خليل كي أفاتحه بأمر مساعدتنا في تجاوز المنطقة الخطرة.. كان هذا ما يشغل بالي.. فمصيرنا ومصير الآخرين مرتبط به وبنجاحنا في العبور المنتظر.. خليل هو أملنا في تجاوز الربايا والتسلل من بين ممرات التلال المتداخلة مع مقدمة جبل كارا الوعرة.. عند وصولنا ساحة تتوسط بيوت القرية تمنيتُ أن لا أكون بحاجة للاستفسار عن خليل .. لكن ما في اليد حيلة.. قلت للشاب الذي استضافنا قبل أن نجلس:
ـ أريد أن أمر على صديق اعرفه قبل أن تقدم لنا الشاي، وطلبت منه أن يدلني على دار خليل ويقودني اليه..
توقف الرجل عند باب خشبي عتيق.. قائلا:
ـ هذا هو البيت.
عند طرقي الباب.. فتحت لي امرأة موشحة بالسواد كان الحزنُ والقلقُ يتداخلان في نفسها.. قبل أن تستفسر منا قلتُ موضحا ً..
ـ أنا صديقٌ قديم لخليل.. وقبل أن أضيف بقية جملتي.. أريد أن أسلم عليه..
قالت:
ـ تفضلوا.. يا ولدي.. فاجأتني بخبر مؤلم.. خليل مات منذ شهرين!!
صعقتُ بالنبأ وعواقبه .. حاولت تدارك الصدمة رغم صعوبة الموقف .. قلتُ البقية في حياتك.. جئنا لنعزيكم باسم أصدقائه..
جمعتُ الأنصار على عجلٍ في أسفل القرية .. قلتُ بلا ترددٍ:...
ـ اتبعوني بحذر أنا دليلكم..!!
وعبرنا..



* مقتطف من كتاب يعده الكاتب بعنوان حكايا الأنصار والجبل


 

 

free web counter